“إذا لم تُحسم القضية من طرف جيلنا فإنها تُترك للأجيال القادمة”
استضافت جمعية الصداقة السويسرية الفلسطينية مؤخرا في زيورخ السيدة حنين زعبي (46 عاماً)، أول نائبة عربية انتخبت على قائمة حزب عربي في الكنسيت الإسرائيلي منذ عام 2009 وحتى الآن. وعلى هامش اللقاء الذي حضره مواطنون سويسريون وعدد من أبناء الجالية الفلسطينية في الكنفدرالية، أجرت swissinfo.ch الحوار التالي مع "الحسناء التي هزّت عرش الكنيست"، كما يلقبها البعض.
النائبة حنين أصرّت على إجراء اللقاء في الحديقة العامة التي تُوجد أمام القاعة التي تلتئم فيها عادة إجتماعات “مقهى فلسطين” بمدينة زيورخ والتي كانت مليئة بالحضور، لأنها كانت تحتاج إلى الهواء الطلق بعد محاضرة استمرت يوم الأحد 3 أبريل 2016 ما يقارب الساعة حاولت خلالها الإجابة عن السؤال القديم – الجديد: “هل إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟”، وأكدت خلالها على أن إسرائيل “لا يُمكنها أن تكون دولة يهودية ودولة ديمقراطية في ذات الوقت”، وأنه “يتعيّن عليها أن تختار بين الأمرين”.
بالرغم من جدول أعمالها المكثف، كانت السيدة التي أثارت الكثير من الجدل في الإعلام العربي والإسرائيلي على حد السواء، ولفتت الأنظار إليها خاصة بعد اشتراكها في أسطول كسر الحصار عن غزة في مايو 2010 والذي انتهى بمقتل 10 مواطنين أتراك على يد جنود الجيش الإسرائيلي، تشعّ نشاطاً وحيوية..
وفيما يرى البعض أن عدم زواج البرلمانية العربية كان سبباً في تكريس كامل جهدها للقضية الفلسطينية، تقول حنين بكل بساطة: “عدم زواجي هذا ليس نتاج قرار متعمد، ربما ما كنت لأستطيع أن أخصص الكثير من الوقت لعملي إذا ما كنت متزوجة لكنني لا أربط هذا بذاك. أظن ان العلاقة بين الرجل والمرأة هي من أجمل العلاقات في الحياة”.
بدون مواربة، تعتبر حنين السيد عزمي بشارة أستاذها وملهمها في طريقها النضالي حتى وهو في المنفى. وعن علاقتها به، تَقُول السيدة حنين: “أنا أشتاق إليه كثيراً فهو أستاذي الفكري والسياسي. لقائي بعزمي هو من أدخلني عالم السياسة. مشروع عزمي أقنعني بأنني أستطيع التواصل والتفاعل معه كفلسطينية ويكون لي منظور واضح للمواطنة دون أن أخسر من هويتي شيئاً، بالعكس فقد أستطيع أن أعطي للمواطنة معنىً سياسياً لكوني فلسطينية، فهو يعطي نضالا سياسيا لهذا الإنتماء. أتواصل مع عزمي بشارة في منفاه القسري، نذهب عدة مرات في العام لزيارته لأنه صديقنا ولا نستطيع أن نتخلى عنه. لقد خسرنا خسارة كبيرة لكن العالم العربي كله ربح عزمي بشارة”، الذي يُدير حاليا مركزا للدراسات والأبحاث في العاصمة القطرية.
عضو بالبرلمان الإسرائيلي بوصفها أول إمراة تشغل هذا المنصب مرشحة عن حزب عربي بعد أن تم إدراجها في المركز الثاني على قائمة حزب التجمع الوطني الديمقراطي. رابط خارجي
ولدت لعائلة معروفة في 23 آيار مايو 1969 في مدينة الناصرة.
حصلت على بكالوريوس في علم النفس والفلسفة من جامعة حيفا، ثم تحصلت من الجامعة العبرية في القدس على الماجستير في الإعلام.
قامت بتدريس الصحافة والإعلام في مدرسة راهبات الفرنسيسكان في الناصرة، كما أنها مُحاضرة في كلية أورانيم وكلية عبلين للإعلام، وعضو إدارة جمعية الثقافة العربية منذ عام 1998.
كانت أيضا ضمن مؤسسي “اتحاد المرأة التقدمي”، وهي ناشطة وقيادية في حزب التجمع الوطني الديمقراطي.
“لسنا أقلية داخل إسرائيل”
لدى سؤالها عن تقييمها للموقف السويسري تجاه الصراع العربي الإسرائيلي عامة وبخصوص الممارسات التعسفية الإسرائيلية تجاه الأقلية العربية خاصة، قاطعت السؤال قائلة: “نحن لسنا أقلية داخل اسرائيل. نحن السكان الأصليون وجزء من الشعب الفلسطيني الذي بقي بعد أن طردت اسرائيل 85 بالمائة منه في عمليات تطهير عرقي. الموقف الأوروبي هو ليس العامل الأكثر حسماً في الصراع. العامل الذاتي ووضوح النضال الفلسطيني ووضوح استراتيجياته أوعدم وضوحها في هذه الحالة هو العامل الأساسي في نضال أي شعب يريد أن يتخلص من القمع والإحتلال ومن الهيمنة الصهيونية في حالتنا”.
واستطردت السيدة حنين: “علينا كفلسطينيين إعادة بلورة المشروع الفلسطيني، علينا أن نعيد النظر ونُقيّم 20 عاماً من الأداء الفلسطيني بعد (اتفاقيات) أوسلو (13 سبتمبر 1993). رسالتي واضحة: أوسلو التي أخرجتنا من تعريفنا كجزء من الشعب الفلسطيني وكذلك نضالنا كجزء من نضال الشعب الفلسطيني قد أخطأت في تجزئة القضية الفلسطينية وتجزئة الشعب الفلسطيني وتعريف القضية على أنها قضية إقامة دولة وليس على أنها قضية تحرر من الإمتيازات اليهودية داخل وطننا”.
ثم تابعت قائلة: “بعد أن نعيد تعريف مشروعنا النضالي وبعد إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وبعد استعمال أوراق قوتنا في النضال الشعبي والتوجه إلى المحاكم الدولية نستطيع أن نذهب للغرب بصوت واضح ونطالبهم عن طريق الضغط على حكوماتهم عن طريق المنظمات والهيئات الشعبية باتخاذ موقف واضح تجاه حقنا في النضال والحريّة في وطننا”.
أضافت حنين “نحن نناضل ونعرف أن قوتنا هي في عدالة قضيتنا. نحن نملك كنزاً يسمى الصمود الفلسطيني ويسمي الإستعداد الفلسطيني للتضحية. نحن أمام منظومة من السهل جداً الكشف عن عنصريتها وأمام شعب متجذر في وطنه ولا يريد فقط البقاء والصمود بل يريد ان يتطور وينمو على وطنه. أنا أؤمن بالإرادة الذاتية للشعوب، وأؤمن أنه اذا تواصلت الإرادة مع وضوح الهدف واستراحات النضال والثقة بجدوى النضال واستعمال المنابر الدولية بالشكل المطلوب فإنه يُمكننا الوصول إلى نضال سياسي أفضل بكثير”.
أول نائبة عربية عن حزب عربي في الكنيست
رداً على سؤال آخر يتعلق بأسلوب التعامل فيها داخل الكنيست الإسرائيلي، أجابت حنين: “أنتم لا ترون في وسائل الإعلام سوى التحريض وخطابات الكراهية. هناك نقاشات هادئة أحياناً. ولكن تبقى العنصرية موجودة وعدم الإحترام والنظر إلينا كمتطفلين. في النهاية هذه النظرات لا تهمني. نحن بالنسبة لهم أعضاء طفيليين نستخدم أدوات ديمقراطية لهدم ما يشيدونه. عملي ليس فقط في البرلمان ولكن أيضاً خارجه لإثارة الوعي الشعبي”.
في السياق، نوهت أيضا إلى أن إسرائيل تُسيطر حسب رأيها على حق الفيتو للمنتخبين الفلسطينيين في الكنيست وتريد أن ترسم حدوداً لعملهم السياسي، وأشارت إلى أنهم “يُحاولون تجريم كل نضال فلسطيني سياسي شرعي في الداخل.. هم الآن يُلاحقون القيادات السياسية ويحاولون منعها من التمثيل البرلماني”.
بطبيعة الحال، تشعر حنين الزعبي – بوصفها أول نائبة عربية عن حزب عربي في الكنيست الإسرائيلي – بـ “مسؤولية كبيرة وبأنها تمر بنوع من الإمتحان”، حيث أن “الجميع كان يتساءل: كيف سيكون أداء هذه المرأة”، مشددة على أن “وجودي يُشكّل رسالة للنساء الفلسطينيات أننا نستطيع الدخول في معترك الحياة السياسة ونقود مجتمعنا”.
أما من الناحية الاسرائيلية، “فهم عندهم خيبة أمل لأنهم إعتقدو بأن دخول امرأة ليبرالية سيجعلها تقع في مصيدة الإعجاب بالمجتمع الإسرائيلي كمجتمع أكثر تحرراً فيما يتعلق بقضايا المرأة، وكوني لا أفصل بين النضال النسوي والنضال السياسي، ولا أفصل بين العدالة الإجتماعية وحقوق المرأة وبين النضال القومي والعدالة القومية، هذا جعلهم يشعرون بخيبة أمل مما جعل ردة فعلهم أكثر حدة لما أمثله من مواقف”، كما تقول.
وماذا عن الدور الذي تلعبه المعارضة في الكنيست؟ هل هي شكلية أم أنها تجسيد للديمقراطية بعينها؟”، تُجيب السيدة حنين قائلة: “لقد بدأوا الآن في وضع قواعد للتمثيل الفلسطيني تختلف عن نظيرها اليهودي. مثل قانون الإقصاء والذي من خلاله يستطيع 90 عضواً من الكنسيت أن يمنعوا عضوا من الترشح إذا شكل إزعاجاً متواصلاً. هم يُحاولون تمرير قوانين تجعل قواعد التمثيل الفلسطيني تختلف عن قواعد التمثيل الاسرائيلي”.
النائبة العربية في الكنيست أضافت أن الدولة العبرية “مضطرة للإلتجاء إلى سنّ القوانين بعد أن عرفت أن الفلسطينيين خرقوا من خلال نضالهم السياسي السقف المحدد لهم من قبل إسرائيل. فاللعبة السياسية في إسرائيل تفرض قواعد لا يستطيع الفلسطينيون إلا أن ينصاعوا لها”.
جمعية الصداقة في سطور
تأسست جمعية الصداقة السويسرية الإسرائيليةرابط خارجي عام 1976 كمنظمة تسعى لتقوية العلاقة مع الشعب الفلسطيني والتعريف بتاريخه وبوضعه السياسي والإجتماعي والثقافي، كما أنها تدعم مطالب الشعب الفلسطيني في حق العودة.
تمخّض عن جمعية الصداقة مقهى فلسطينرابط خارجي وعقد مؤسسوه أول لقاء لهم في مدينة زيورخ يوم 28 مارس 2010.
يقول رودولف كنوتي Rudolf Knutti العضو في “مقهى فلسطين”: “لايوجد لدينا (في سويسرا) فلسطينيون كثر، وبالتالى فإن الشعب السويسري لا يعرفهم وينتج عن هذا عدم التعاطف مع قضيتهم”.
ويُضيف كنوتي: “أبوابنا مفتوحة حتى لليهود، فأي شخص يمكنه أن يأتي إلينا ونحن نعقد فعالياتنا مرة في الشهر، ونتلقى دعمنا عن طريق جمع التبرعات”.
“على الأجيال القادمة أن تهيئ نفسها”
ورداً على سؤال عن توجه البعض إلى القبول بالأمر الواقع، ردّت النائبة حنين الزعبي: “الجواب واضح، نحن لا نرتهن بالأمر الواقع، ولا نقبل بأيّ امتيازات لليهود في الوطن. فالمشروع الصهيوني يُمكن اختصاره في جملة واحدة (إقامة دولة يهودية) وإقامة دولة يهودية أختصرها في “إعطاء امتيازات لليهود” . حينما نحارب إعطاء امتيازات لليهود فإننا بالتالي لا نعترف بحالة الإحتلال السياسي هذه وبذلك نقاوم المشروع الصهيوني وسيكون الحديث عن دولة ديمقراطية يعيش فيها الجميع بمساواة كاملة”.
وبخصوص ما الذي حققه حزب التجمع الديمقراطي على أرض الواقع، اختصرت النائبة ما قاموا بإنجازه في ما أسمته “إفشال مشروع التهجين الصهيوني والترويض وإعادة تعريف المواطنة كصراع ضد الصهيونية والحفاظ على الشخصية الوطنية والإنتماء وفضح عنصرية إسرائيل”.
وأكدت حنين “نحن لا نعترف بقانون العودة للإسرائيليين (حوك شيڤا بالعبرية)، ولا نعترف بأن يكون وطننا ملجأ لاستيعاب اليهود من كل مكان. إن حق العودة للفلسطينين هو حق أساسي، وهو حل نطرحه لعودة الفلسطينيين إلى قُراهم التي تم تهجيرهم منها”.
في ختام الحوار، تحدثت حنين الزعبي عن المستقبل وقالت: “إذا لم تُحسم القضية من طرف جيلنا فإنها تترك للأجيال القادمة. فلقد أعطتنا الثورات العربية إجابات عملية، كما نجحت في كسر حاجز الخوف على الرغم من نجاح الثورات المضادة. أجيالنا لن تستسلم ولكنها لا تملك النضوج السياسي بعد لكي تحكم كما حدث في مصر على سبيل المثال، من قام بالثورة ليس هو الذي يحكم الآن. وفي سوريا هناك إصرار على الخروج والتظاهر السلمي. الأجيال القادمة يجب أن تهيئ نفسها لاستلام سدة الحكم ومقاليد الأمور”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.