السويسريون يؤيّدون شق نفق جديد في الغوتهارد ويرفضون الطرد الآلي للمجرمين الأجانب
بشكل حاسم، رفضت أغلبية تناهز 59% من الناخبين وعشرون كانتونا من جملة ستة وعشرين مبادرة حزب الشعب الداعية إلى "الطرد الآلي للمجرمين الاجانب"، وصوّت كذلك 57% لصالح شق نفق ثان بالغوتهارد، بينما رفض ما يقارب عن 60% فرض حظر على المضاربات المالية في مجال المنتجات الزراعية والغذائية تدعو إليه أحزاب ومنظمات يسارية، واستبعدت غالبية ضئيلة لم تتعد 50.5% من الناخبين مبادرة "من أجل الزواج والأسرة - لا لتجريم الزواج".
وقد دُعي الناخبون في سويسرا يوم الأحد 28 فبراير إلى تأييد أو رفض أربع مبادرات شعبية تقترح المبادرة الاولى الترحيل الآلي للمجرمين الاجانب المدانين بإرتكاب جرائم معيّنة التي تعرف بـ “مبادرة فرض التنفيد”، وتعارض الثانية شق نفق طرقي ثان بالغوتهارد، في حين تدعو الثالثة إلى مزيد من العدالة الضريبية بين المتزوّجين والمتعاشرين بدون زواج، وتنص الأخيرة على حظر المضاربات المالية في سويسرا بالنسبة للمنتجات الزراعية والغذائية. وبحسب آخر التوقعات يظل مصير المبادرة الثالثة غير محسوم لتقارب نسب المؤيدين والرافضين.
هزيمة مدوّية لمبادرة مثيرة
تشير النتائج النهائية إلى رفض غالبية الكانتونات الحضرية الكبرى، لمبادرة حزب الشعب بنسبة 66.1% في زيورخ، و 63.7% في جنيف، و 69.4% في بازل المدينة. لكن موجة الرفض هذه شملت أيضا مناطق ريفية في سويسرا في العادة تؤيّد أطروحات اليمين، وتقليديا هي أكثر تحفظا، حيث لم تستجب هذه المرة لنداء حزب الشعب، فقد رفضت أبنزل – رودس الخارجية مبادرة الطرد الآلي للمجرمين الأجانب بنسبة 55.3%، وكذلك فعلت غلاروس بنسبة بلغت 51%. في المقابل، أيّدت كل من أبنزل- رودس الداخلية، وأوبفالد، ونيدفالد، وشفيتس، والتيتشينو المبادرة بنسب تتراوح بين 50.6 و59%.
هذه النتائج تأتي لتؤكّد أن مزاج الناخبين من مبادرة حزب الشعب قد تغيّر. وقد بدا هذا الحزب اليميني المتشدد في المرحلة الاخيرة من الحملة الإنتخابية معزولا أكثر من أي وقت مضى في مواجهة حشد من المعارضين. ومن بين جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان، فقط رابطة التيتشينو، وحركة المواطنة بجنيف تؤيداه. ليس هذا فقط:، فكل المنظمات الإقتصادية وكل النقابات، وجميع المدافعين عن حقوق الإنسان وعن دولة القانون يعارضون مبادرة حزب الشعب. كذلك نزلت العديد من الشخصيات العامة من خلفيات مختلفة إلى الساحة لحث الناخبين على عدم التصويت لهذه المبادرة. وهو ما أشار إليه ألبرت روستي، الذي من المنتظر أن يخلف طوني برونّر قريبا في رئاسة حزب الشعب عندما قال معلّقا على امواج إذاعة SRF الناطقة بالالمانية حول هذه الهزيمة: “لقد نجح النص في بناء إجماع ضده، لأنه كان لابد من منع حزب الشعب من الإنتصار مرة أخرى”.
أما فليب مولّر، فيرجع هذه النتيجة إلى “الحركية غير المعهودة” التي ظهرت في الأسابيع الاخيرة من الحملة الإنتخابية. فقد نشأت لجان مشتركة بين أحزاب مختلفة بشكل تلقائي، وارتفعت المزيد من الأصوات المنتقدمة لمبادرة حزب الشعب”.
ويدعو النص المعروض على أنظار الناخبين إلى التطبيق الحرفي والآلي لما جاء في المبادرة التي أُطلق عليها “من أجل طرد المجرمين الأجانب” التي أقرّها الناخبون في 2010، وتحتوي قائمة بالمخالفات التي تسبب الطرد الآلي والتي يجب تضمينها في الدستور. ويتهم حزب الشعب البرلمان الفدراليرابط خارجي بخيانة الإرادة الشعبية المعبّر عنها في عام 2010، بعد ان ضمّن القانون المنظّم لتنفيذ تلك المبادرة بعض الإستثناءات في حالات معيّنة، بما يفسح المجال للقضاة بالتدخّل لتقدير الموقف، وبالتالي احتمال التخلّي عن عملية الطرد.
لكن المعارضين يرون أن هذا البند لابد ان يوجد في القانون لضمان احترام مبدأ التناسب بين الجريمة والحكم القضائي، وهذا المبدأ مرتكز أساسي بالنسبة لدولة القانون. كذلك يتهم المعارضون مبادرة حزب الشعب بالإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، من خلال شلّ عمل كل من البرلمان والمحاكم.
نعم لنفق ثان في الغوتهارد
المزيد
أسطورة الغوتهارد
رابط خارجيبعد معركة طويلة وشاقة بين المؤيدين والمعارضين، استخدت فيها كل الوسائل المتاحة، أعطى الناخبون السويسريون الاحد الضوء الأخضر لشق النفق الطرقي الثاني بالغوتهارد. وقد كان الفوز من نصيب المؤيدين بأغلبية مريحة بلغت 57%، لم يستثن من ذلك سوى كانتونيْ فو وجنيف بنسبتيْ رفض على التوالي 54% و55%. ويفسّر ذلك بخشيتهما أن يؤدي بناء نفق ثان في الغوتهارد إلى تعطيل مشاريع خاصة بالبنية التحتية في منطقتيْهما.
وبإمكان سائقي المركبات العابرين عبر نفق غوتهارد ألا يخشوا من الآن فصاعدا السيارات القادمة في الإتجاه المعاكس. وبعد نسبة التأييد هذه الواضحة جدا، يكون الناخبون قد اقتنعوا بالتبريرات والأسباب التي ساقتها الحكومة والغالبية في البرلمان كحلّ لعدم تعطيل حركة المرور عبر جبال الألب عندما يحين وقت تجديد وصيانة النفق القائم حاليا. وبحسب المكتب الفدرالي للطرقات، للقيام بالصيانة اللازمة، لا مفرّ من غلق النفق الحالي لمدة ثلاث سنوات على الأقل.
ويثير نفق غوتهارد الذي يشقّ جبال الألب ويربط شمال البلاد بجنوبها ويبلغ طوله 16.9 كيلومترا، الجدل والمشاعر في سويسرا بانتظام، وهو ما حصل بالفعل خلال الحملة الإنتخابية الأخيرة: لم تخفت طيلة اسابيع الاصوات المعارضة لشق نفق ثان أو المؤيّدة لذلك، وشارك في احياء هذه الحملة السياسيون والمهندسون والأطباء، ورؤساء البلديات، والمنظمات الإقتصادية، ناهيك عن المدافعين عن البيئة.
وقد اتخذ التدافع بين المعسكريْن اشكالا مختلفة تراوحت بين المؤتمرات الصحفية الاسبوعية، والملصقات واللافتات الكبرى في الشوارع والاماكن العامة، بالإضافة إلى الحملات الإشهارية على المواقع الإلكترونية وعلى شبكات التواصل الإجتماعية.
ويهدف المشروع الحكومي الذي أقرّه الناخبون يوم الأحد 28 فبراير إلى حفر نفق جديد لكي لا تضطرّ السلطات المعنية بإيقاف حركة المرور الرابطة بين شمال البلاد وجنوبها خلال عملية تجديد وترميم النفق الحالي. ثم من المفترض أن يسمح النفقان لاحقا بالمرور في اتجاه واحد، وضمن مساران داخل كل نفق على حداه.
ويدافع أنصار المشروع عن خيارهم من خلال تأكيدهم على امكانية تعزيز السلامة الطرقية من دون الحاجة إلى زيادة حركة المرور عبر النفق الحالي والبقاء في نفس الوقت في توافق مع المادة الدستورية حول حماية جبال الألب التي أقرها الناخبون في استفتاء شعبي في عام 1994رابط خارجي، والذي يلزم الحكومة الفدرالية بالحد من الضجيج المنجرّ عن حركة المرور العابرة لجبال الألب.
أما الرافضون لمشروع الحكومة، فيؤكدون أنه عندما يكون هناك نفقان سيتم فتح الابواب على مصراعيها لحركة المرور، وهكذا لن يكون هناك حاجة لإجبار الشاحنات على المرور عبر النفق الحديدي، كما يشير إلى ذلك نص الدستور الهادف لحماية جبال الألب خاصة وأن النفق الحديدي بسانت غوتهارد قد أُنجز لهذا الغرض بالذات، وسيُفتح لحركة المرور في ديسمبر القادم.
علاوة على ذلك تجاوزت مسألة الغوتهارد كل الكليشيهات الإيديولوجية او الروابط الحزبية، فرأينا مثلا يساريين في صفوف المؤيدين، مبرّرين ذلك باسباب السلامة الطرقية، وأعضاء من الأحزاب اليمينية الليبرالية في صفوف الرافضين لأسباب اقتصادية ومالية، متخذين بذلك مسافة من مواقف المؤسسات الإقتصادية والاحزاب البرجوازية.
المزيد
مبادرة “رفع الحيف الضريبي” على المتزوّجين تثير اعتراضات
رفض مبادرة “العدالة الضريبية”
بالنسبة لمبادرة “من أجل الزواج والأسرة – لا لتجريم الزواج”، فقد حصلت على تأييد أغلب الكانتونات السويسرية، لكن لأن أغلبية ضئيلة بلغت 50.5% رفضتها، لم تحقق بالتالي الشروط القانونية لقبولها، وانتهت إلى الفشل.
ويبدو أن هذا النص قد أوجد شرخا بين الكانتونات والمناطق الكاثوليكية ونظيرتها البروتستانتية: فقد حازت المبادرة على تأييد واسع لدى أتباع المذهب الكاثوليكي، ولدى الفئات المحافظة، وكانت النتائج في العديد من الكانتونات متقاربة جدا، حيث كانت نسب القبول والرفض دون 52%.
وعارضت كل المكوّنات السياسية، ما عدى الحزب الديمقراطي المسيحيرابط خارجي (صاحب المبادرة)، هذا النص. و تركّزت حملة المعترضين على هذا النص أساسا على التعريف المحافظ للزواج الوارد في النص. ويذكر أن هذه المبادرة تشير إلى الزواج بكونه “اتحاد دائم ومنظم وفقا للقانون بين امرأة ورجل”. وبالنسبة للمعارضين هذا النص يشرّع لتمييز جديد لأنه يغلق الباب أمام الإعتراف بأي نوع آخر من الزواج كالعلاقة بين المثليين جنسيا. اما الوجه الثاني للإعتراض فيتعلّق بتكريس العلاقة الزوجية كوحدة اقتصادية. ويرى المعارضون أن هذا النص يغلق الباب امام الضريبة بحسب الفرد، والتي هي اكثر مساواة في نظرهم.
المضاربة على المواد الغذائية ستستمر
لم يكن مصير مبادرة الشبيبة الإشتراكية التي تحمل شعار “لا للمضاربة على المواد الغذائيةرابط خارجي“بأحسن من سابقتها، إذ لم تحض إلا بتأييد 40% من أصوات الناخبين وقد يكون سبب هذا الرفض الجارف التأثير الذي مارسته خلال الحملة الإنتخابية الشركات الدولية الكثيرة الناشطة في هذا المجال ويوجد مقرها في سويسرا.
ويريد المؤيدون لهذه المبادرة فرض حظر على المضاربات في اسواق الاوراق المالية في مجال المواد الزراعية والغذائية، في حين يقول المعارضون إنه أمر غير واقعي، وإذا ما حصلت على الأغلبية فإنها ستلحق أضرارا بالإقتصاد السويسري، وبالكنفدرالية التي أصبحت قطبا عالميا واوروبيا في هذا المجال.
وتؤيد هذه المبادرة أحزاب اليسار والمنظمات العمالية والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية والتعاون الإنمائي في حين تعارضها أحزاب اليمين والوسط والمنظمات الإقتصادية.
المزيد
هل يتسبب المضاربون في الأسواق المالية في ارتفاع أسعار الأغذية؟
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.