اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية.. “احتمال غير وارد”
رغم المواجهات الأخيرة، يرى مراقبون أنه ليست هناك مؤشرات جدية على اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية بموازاة الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة. ففي غزّة هناك مقاومة مسلّحة وآلاف القتلى والجرحى ودمار غيْر مسبوق، أما شقيقتها الضفة فلا تملك سوى التضامن بالمال وباللسان وبمواجهات محدودة لا ترقى للإشتباك مع قوات الإحتلال.
مياه كثيرة جرت في النهر منذ الإنتفاضة الأولى (1987-1994)، وانتفاضة النفق عام 1996 وكذلك انتفاضة الأقصى عام 2000 . ويرى مراقبون أن هناك أسبابا وظروفا موضوعية وعوامل خارجية وداخلية ومتغيّرات تقف دون تِكرار تجربة الإنتفاضة الأولى ولا حتى انتفاضة الأقصى.
وبالرغم من أن الإحتلال الإسرائيلي وإجراءاته، التي شكّلت دوما شرارة اندِلاع الإنتفاضات، ما زال قائما، ومرور نحو شهر على بدء الحرب على غزة، وما سبق ذلك من حملة مداهمات واعتداءات في الضفة الغربية، شملت قيام مستوطنين يهود بحرق الفتى محمد أبو خضير حيا في بلدة شعفاط، كل ذلك لم يفلح في تصعيد الأوضاع.
وقبل أسبوعين انتهت مسيرة حاشدة ضمّت ما يقرب من عشرين ألف شخص في “قلنديا” على الحاجز العسكري الإسرائيلي، شمال مدينة القدس، بوقوع قتلى برصاص الجيش الإسرائيلي… وفي باقي الضفة الغربية سجّلت مواجهات محدودة، لم ترق كلها إلى تحشيد الجماهير.
وخلال السنوات السبع الأخيرة، وهي عمر الإنقسام الفلسطيني، الذي ترك قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس الإسلامية المعارضة، والضفة الغربية، مقر القيادة الفلسطينية، حيث رئاسة السلطة الفلسطينية، تكرس نهجان فلسطينيان في التعامل مع الإحتلال الإسرائيلي: نهج المفاوضات السياسية التي تقودها منظمة التحرير الفلسطينية، وأسلوب المقاومة المسلّحة بقيادة حماس ومعها الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
وفي الوقت الذي عاش فيه قطاع غزة صعود المقاومة المسلحة من خلال حربيْن شنّتهما إسرائيل ضدها، إضافة إلى الحرب الحالية، كانت المقاومة أو الإنتفاضة في الضفة الغربية تأخذ أشكالا أخرى مختلفة، لاسيما مثال المقاومة الشعبية لجدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل على الأرض المحتلة، وحملات مواجهة الإستيطان ومقاطعة البضائع الإسرائيلية.
وفي غضون ذلك، راحت الفصائل الفلسطينية التي طالما شكّلت مرجعية وقيادة الإنتفاضات، تفقد برِيقها شيئا فشيئا، حيث تُشير معظم استطلاعات الرأي إلى تدنّي شعبية هذه الفصائل، مع مواصلة احتكار كلٍّ من حماس وفتح التنافس على الصدارة. واللافت أيضا، أن نفس الإستطلاعات كانت تضع نِسبة المواطنين غير المؤيّدين لأي فصيل عند أكثر من 45 بالمائة.
الفجوة
في حديث لـ swissinfo.ch، يقول عصام بكر، عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب (الشيوعي سابقا): “الإنتفاضة إحساس جماعي عفوي، يشارك فيه الجميع والكلّ يشعر أن له دور، لكن السلطة أصبحت اللاعب الأساسي على الساحة”. ويترجم مصطلح السلطة في هذه الحالة، إلى منع أي مواجهات بين المواطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، المُتمركزة خارج المدن الرئيسية في مناطق الضفة الغربية.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، ومنذ انتهاء انتفاضة الأقصى تحديدا، اتّخذت قوات الأمن الفلسطينية إجراءات مشدّدة في الضفة الغربية، لاسيما مصادرة الأسلحة وحلّ المجموعات المسلّحة التابعة للحركات والفصائل، التي نشطت في مواجهة الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباسرابط خارجي مِرارا، أنه لن يسمح باندلاع انتفاضة مسلّحة مرّة أخرى في الضفة الغربية على غِرار انتفاضة الأقصى، التي انتهت بإعادة إسرائيل احتلال مدن الضفة الرئيسية وتدمير بنيتها التحتية، فضلا عن مقتل الآلاف وجرح عشرات الآلاف الآخرين، ناهيك عن إقامة الجدار العنصري العازل.
إضافة إلى ذلك، يرى بكر، الذي يشغل أيضا منصب منسّق “لجنة القوى الوطنية والإسلامية” في محافظة رام الله والبيرة الت تضم ممثلين عن جميع الفصائل والحركات الوطنية والإسلامية، أن معيقات اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية تتوزّع بين “الإنقسام والفجوة بين الفصائل والجمهور واختلال ثقة الجمهور بالفصائل”.
ويضرب بكْر مِثالا على ذلك، بإخفاق الفصائل الفلسطينية في تحشيد الجماهير في الضفة الغربية خلف قضية إضراب الأسرى في السجون الإسرائيلية، حيث دخل عدد من المعتقلين الإداريين (أي المعتقلين بدون محاكمة) في إضرابات عن الطعام جاوزت المائة يوم. ويضيف “لا نريد أن نعلق كل الأسباب على أوسلو (اتفاق الحكم الذاتي)، لكن حدث ترويض للجمهور، تم استيعاب معظم كوادر حركة فتح وفصائل أخرى في السلطة، وأدّت السياسات الإقتصادية إلى خشية الغالبية على لُقمة العيش”.
ولا يختلف راضي الجراعي، المحاضر في جامعة القدس مع بكر، حيث يقول: “نعم هناك أزمة ثقة بين الجمهور من جهة والسلطة والحركات الوطنية من جهة أخرى، ولكن الأهم من ذلك أن الفصائل الفلسطينية ليس لديها قرار بإطلاق انتفاضة، والفصائل غير جدية برفع مستوى الصِّدام مع الإحتلال” الإسرائيلي.
ويرى الجراعي، الذي شغل منصب مندوب حركة فتح في “القيادة الموحدة للإنتفاضة” الأولى أن “تجارب الإنتفاضتيْن السابقتيْن لا تشجِّعان على إطلاق انتفاضة ثالثة. في الأولى، سارعت منظمة التحرير إلى قطف الثِّمار قبل النّضوج. أما الثانية (أي اتتفاضة الأقصى) فكرياتها قاسية جدا وتركت انطباعا سيِّئا ودفع الناس ثمنا باهظا، وأعادت الوضع الفلسطيني إلى الخلف”، على حد قوله.
تجارب الإنتفاضتيْن السابقتيْن لا تشجِّعان على إطلاق انتفاضة ثالثة..
مسؤولية مَـن؟
وفي خِضَمِّ السؤال عن أسباب عدم اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، في الوقت الذي تتعرّض فيه غزة لهجوم إسرائيلي شرس، أوقع آلاف الضحايا المدنيين بين قتيل وجريح، يظلّ الجدل الفلسطيني مشتعلا عن المسؤولية حول ما يجري وما جرى، وما يمكن أن يكون.
في هذا الصدد، يقول اللواء عدنان الضميري، المتحدّث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية في حديث لـ swissinfo.ch عن رأيه حول عدم اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية: “هناك أسباب أخرى باعتقادي، هذا هروب من المسؤولية تجاه الجمهور، وأهم سبب، عدم وجود قيادات ميدانية، لأنه دون ذلك، لا تقوم انتفاضة”.
وأضاف الضميري، الذي كان أيضا أحد القادة الميدانيين للإنتفاضة الأولى أن “التنظيمات والفصائل تحوّلت إلى عمل وظيفي، تبحث هي وكوادرها عن امتيازات.. لا يُوجد جيل صغير مهيّأ لقيادة انتفاضة في الميدان”.
وقال: “عهد الانتفاضة ولّى، بحِرَفيتها وبطباعة نُسخ جديدة ولّى، وإذا كانت ثمة محاولة استنساخ على غرار الإنتفاضات الماضية، فإنها لن تتحقق”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.