خواطر صحفيات وصحفيي سويس إنفو عن الانتخابات السويسرية
يلتزم الصحفيات والصحفيون العاملون في سويس إنفو عادةً بتقديم تغطية مهنية لما يحدث في سويسرا. أما في هذا المقال فيشرحون، من وجهة نظرهم الشخصية، الأسبابَ التي تجعل الانتخابات السويسرية محلَّ اهتمام في جميع أنحاء العالم.
في سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) التي تتخذ من العاصمة برن مقراً لها، يعمل أشخاص من خمسة عشر جنسية مختلفة. حيث يتناول صحافيونا وصحفياتنا، من ذوي الأصول الأجنبية، يوماً بيوم الحدث السويسري، باعتبارهم يعيشون في هذا البلد منذ عشرات السنين. إلا أنهم يتابعون في ذات الوقت الأحداثَ التي تجري في البلدان التي نشأوا بها. فيما يلي يتحدث ستة من بينهم عمّا يجعل الانتخابات السويسرية ذات أهمية خاصة، آخذين بلدهم الآخر في عين الاعتبار. وهذه البلدان هي: تونس، واليابان، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والمكسيك.
تشهد سويسرا كل أربع سنوات انتخابات وطنية. إلا أن وسائل الإعلام العالمية قلّما تلقي الضوء عليها، وذلك لأن التغييرات السياسية في هذا البلد الذي يحظى بقدر كبير من الاستقرار، تعد طفيفة في أغلب الأحيان. ولكن هل ينبغي أن تُولَى الانتخابات السويسرية مزيداً من الاهتمام؟
“ربع سكّان سويسرا لا يستطيعون التصويت في الانتخابات البرلمانية، وأنا منهم”
أمل المكي، القسم العربي
مازلت أذكر بكثير من الحنين مشاركتي الأولى في انتخابات برلمانية، وأنا في سنّ الثانية والعشرين! لم تكن تلك الانتخابات الأولى التي تُجرى في بلدي، تونس، ولكنها كانت أوّل انتخابات حرّة، ديمقراطية وشفافة. لذلك أسعدني أن أمرّغ إصبعي في حبر التصويت الأزرق وأشارك الصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لم يكن ذلك مجرّد تمرين سياسيّ، بل كان احتفالاً! كنت أدرك وأنا أضع بطاقة التصويت في الصندوق أنّني أشارك في عملية حلُمت بها أجيال وتحمِل آمال جيلي، كلّه. لذلك، أجدني أتوق، وأنا في سويسرا، إلى المشاركة في أحد محطّات المسار الديمقراطي.
فيما تقترب سويسرا من تنظيم انتخاباتها الفدرالية الشهرَ الجاري، لن يتسلّم نحو 2,3 مليون من المقيمين والمقيمات بطاقات الدعوة للمشاركة في “العرس الانتخابي”. فوحدها الجنسية السويسرية تخوّل لك التصويت على المستوى الفدرالي، أي الانتخابات البرلمانية.
ربع سكّان سويسرا لا يستطيعون إذن التصويت في الانتخابات البرلمانية، وأنا منهم.
قد يجادل البعض: لماذا تهتمّ أجنبية، مثلي، بانتخابات البرلمان السويسري؟ عدا عن الإجابة الواضحة، كَوني صحفية عاملة في سويسرا، فإنني أعتقد أنّ الردّ على هذا السؤال يتجاوز حدود البلد. أهمية هذه الانتخابات، والأخرى القادمة، تجد صداها لدى عائلات المهاجرين والمهاجرات حيثما وجدت. بالنسبة للأُسَر، يمكن أن تشكّل التوجهات السياسية لسويسرا، والتي تتقرّر ملامحُها في البرلمان الفدرالي، مستقبلَ الآلاف من الأشخاص أو تقرّر مصائرهم حتّى، خاصّة فيما يتعلّق بالهجرة والتعاون الدولي.
هذا هو جوهر أهمية سويسرا العالمية. لا يتعلّق الأمر فقط بالسياسات الداخلية، ولكن بتداعيات تلك السياسات على حياة الأشخاص خارجَها. لن أصوّت إذن، ولكنني سأتابع بانتباه نبضَ انتخابات أكتوبر 2023. وبينما لا أزال اليوم خارجَ هذه العملية الديمقراطية، فإنني أفعل ما يفعله “العاطلون عن التصويت”… أربّي الأمل.
تجدون المزيد من مقالات الكاتبة عبر الرابط التالي: أمل المكي
“تفتيت السلطة بدلاً من المسلسلات الدرامية”
باتريسيا إيسلاس، القسم الإسباني
“إن أدوات الديمقراطية المباشرة تسلب مشرّعينا بعضاً من صلاحياتهم، حيث أننا نعلم أن الكلمة الأخيرة للشعب. بذلك يتم تفتيت السلطة في سويسرا”، هكذا جاء حد ردّ أحد البرلمانيين السويسريين، حينما سأله اثنان من صحافيّي المكسيك وأنا معهم قبل فترة عن الكيفية التي يعمل بها النظام السياسي في سويسرا. وبالفعل، فإن نتائج الانتخابات الجيدة في سويسرا ليست تصويتاً بالثقة العمياء على الحكومة الجديدة، في أعقاب الانتخابات البرلمانية. يعدّ حق المواطنين والمواطنات في الاعتراض على قرارات السلطة الشرعية حقاً ثابتاً: إذ تتيح الاقتراعات الشعبية بشأن المبادرات والاستفتاءات، الفرصة للمواطنين من الجنسين، للتعبير عن آرائهم حول قرارات البرلمان الفدرالي، أو لاقتراح تعديلات دستورية.
من جهتي، فقد نشأت في المكسيك. وقبل خمسة وعشرين عاماً، تقدمت إلى بعض دور الإعلام المكسيكي، حيث رغبت في العمل كمراسلة من سويسرا. لكن الردّ الذي تلقيته كان: ” السياسة السويسرية مملّة”.
في الواقع، إنها مسألة وجهة نظر: فصحيح أن الانتخابات السويسرية لا تصل إلى مرحلة احتدام المعركة الانتخابية بين شخصيتين أو ثلاثة. لكن هذا يعد أحدّ الأسباب التي تجعل النظام السويسري يثير حماسة المحلّلين: ذلك أن الرئيس أو الرئيسة له في سويسرا، بعكس الحال في المكسيك، القليل من الأهمية. حيث يقوم البرلمان على إثر الانتخابات السويسرية باختيار الحكومة الفدرالية. وهي هيئة من سبعة أعضاء، ينتمون إلى أقوى الأحزاب السياسية. وهذا يبين: أن سويسرا تعوّل كثيراً على التوافق، وأن السلطة تُحمل فيها على كاهل العديد من الأحزاب.
وربما كان ذلك هو السبب وراء عدم معرفة الجميع بأسماء أعضاء الحكومة، بل وعدم علمهم بمن هو الرئيس أو الرئيسة. حيث يتبادل أعضاء الحكومة رئاستها دورياً. فهو إذن منصب تمثيلي بالدرجة الأولى.
ويعتبر هذا في حدّ ذاته كذلك إشارة هامة على اقتسام السلطة السياسية، والتي تجعل من النظام السياسي السويسري مختلفاً إلى حدٍ كبير، عن بلدان مثل المكسيك ـ حيث تشابِه السياسةُ فيها المسلسلات التليفزيونية الدرامية.
تجدون المزيد من مقالات الكاتبة عبر الرابط التالي: باترسيا إسلاس
“في سويسرا، يتغيّر شيء جديد كلّ يوم”
إيغور بيتروف، القسم الروسي
قد يرى البعض أن سويسرا دولة صغيرة ومتواضعة. وقد يظن آخرون أن الديمقراطية في كونفدرالية جبال الألب أمر معقد للغاية، بحيث لا يمكن شرحها للأجانب على أية حال. من هنا ينشأ هذا التناقض: فهي ذلك البلد في وسط أوروبا، الرائد فيما يتعلق بالعولمة الاقتصادية، والذي يلعب دور المركز المصرفي والمالي للعالم، وهو البلد الذي يضم كذلك مقرات العديد من المنظمات العالمية، وهو أيضاً البلد ذو التركيبة العسكرية والصناعية القوية. إلا أن الانتخابات البرلمانية في سويسرا تجري عادةً، دون أن يشعر بها أحد، كما أن أسماء الزعماء السياسيين في سويسرا لا تكاد تُعرَف في الخارج.
فلنحاول أن نغير شيئاً من هذه الصورة، وأن نشرح في ذات الوقت، لم هي كذلك: فأدوات الديمقراطية التمثيلية التقليدية في سويسرا توجد جنباً إلى جنب مع أدوات الديمقراطية المباشرة. ولكن هل الانتخابات البرلمانية في سويسرا لا تأتي فعلاً بالجديد؟ قد يكون مرجع ذلك هو أن الأمور لا تتغير في سويسرا كل أربع سنوات فقط، بل حرفياً في كل يوم. حيث يعود هذا إلى الاقتراعات التي تجري بصورة منتظمة على كافة الأصعدة ـ أي على مستوى الفدرالية، والكانتونات والبلديات. إذن، أهم استنتاج هنا هو: أن الفيصل بالنسبة للناخبين والناخبات في سويسرا، بلد الديمقراطية المباشرة، ليست النتيجة التي يحرزها أحد الأحزاب في الانتخابات البرلمانية.
الفيصل الحقيقي هو الكيفية التي يعمل بها ذلك الحزب في الحياة اليومية في فترات ما بين الانتخابات، وذلك على جميع أصعدة النظام الفدرالي، أي على مستوى البلديات، والكانتونات وكذلك على المستوى الوطني. وبفضل المبادرات الشعبية والاستفتاءات، فإن الفوز في الانتخابات البرلمانية في سويسرا لا يعد تفويضاً مطلقاً للسنوات الأربعة القادمة، كي يفعل هذا الحزب أو ذاك ما يريده. بل تلتزم الأحزاب في اليوم التالي للانتخابات بتقديم حلول لمشكلات بعينها، وذلك بأن تتوجه إلى الناخبين والناخبات بمقترحات بشأن قوانين أو مبادرات. وهذه المبادرات نفسها يتم طرحها للاستفتاء، حيث يمكن لفائز الأمس أن يُمنى في هذه المسألة أو تلك بهزيمة نكراء.
تجدون المزيد من مقالات الكاتب عبر الرابط التالي: إيغور بيتروف
“هناك خطر أن تتحول سويسرا إلى ديمقراطية فضية”
طوموكو موت، القسم الياباني
قبل مدة طويلة، ظهر في اليابان مصطلح “الديمقراطية الفضية”. ونظرًا لشيخوخة السكّان، وعزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات، فإن الانتخابات أصبحت عبارة عن “سياسة كبار السنّ، من قٍبل كبار السنّ، ولأجلهم”. الأمر الذي يسهّل على هؤلاء السياسيين والسياسيات والأحزاب الأكبر سنّا الفوز بالانتخابات وتعزيز سياساتهم لتنفيذها. لكن، ولأن تكاليف الضمان الاجتماعي تثقل كاهل مالية الدولة، يتم تأجيل الإجراءات الإصلاحية التي من شأنها تخفيض النفقات المقررة لكبار السن. في الوقت ذاته ترتفع الضرائب واشتراكات التأمين الصحي للشباب. لهذا السبب تنعدم الرؤية المستقبلية للشباب ـ وبالتالي يزداد تراجع معدلات المواليد. وهكذا نظلّ في دائرة مغلقة.
أما في سويسرا، فإنني لا ألاحظ سوى القليل من المخاوف من أن تسير الديمقراطية في هذا الاتجاه. ففي المعركة الانتخابية لهذا العام، يطالب أعضاء وعضوات الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري بالتوسع في بناء دور حضانة الأطفال العمومية، بينما يعارض حزب الشعب السويسري اليميني، وهو أكبر الأحزاب على الإطلاق، هذا التوجه بشدة. وفي استطلاع للرأي حول أهم الموضوعات بالنسبة للناخبين، تحتل “اشتراكات التأمين الصحي”، و”الهجرة”، و”إصلاح معاشات التقاعد” المراتبَ الأولى. بينما لا تعتبر “سياسة الأسرة” أحد الخيارات المطروحة حتى.
فما هو السبب وراء هذا الاهتمام الضئيل بالسياسة الأسرية؟ ألا تعد معدلات المواليد المنخفضة مسألة هامة في سويسرا وهي التي تجتذب في ذات الوقت المهاجرين والمهاجرات بحثاً عن رواتب أعلى، ومستوى معيشي أفضل، ومناخ سياسي واقتصادي أكثر استقراراً؟ أليس من الجدير في سويسرا، حيث يتم اتخاذ القرارات في موضوعات سياسية بعينها من خلال الاقتراعات الشعبية، اختيار نواب في البرلمان، من السياسيين والسياسيات المعنيين باحتياجات الشباب؟ هذه الأسئلة ما تزال تبحث عن أجوبة بالفعل.
مع ذلك، لديّ شعور بأن هناك خطرًا في تحوّل سويسرا إلى ديمقراطية فضية بدورها . صحيح أن نسبة كبار السن في المجتمع السويسري والتي بلغت 19،2% من مجموع السكان في عام 2022، ما تزال أقل من مثيلتها في اليابان (والتي تبلغ 29،1%)، إلا أن 26% من الأشخاص المقيمين في سويسرا الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً، هم من الأجانب الذين ليس لديهم حق انتخابي. إذن فشيخوخة الناخبين الحقيقية أعلى بوضوح من هذه الأرقام. حيث تبلغ فعلياً 23،1%، وهي بذلك تكاد تتساوى مع مثيلتها في اليابان لعام 2010.
فهل يمكن للديمقراطية السويسرية أن تحول دون السقوط في هوة الديمقراطية الفضية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل يمكنها أن تصبح نموذجاً جيداً آخر للدول المتقدمة التي تعاني مجتمعاتها من الشيخوخة؟
تجدون المزيد من مقالات الكاتب عبر الرابط التالي: طوموكو موت
“يحظى الحزب الشيوعي في الدستور الصيني بمكانة أعلى من الربّ في الدستور السويسري”
القسم الصيني
تلعب الأحزاب السياسية في سويسرا بصفة عامة دوراً آخر غير ذلك المتعارف عليه في الصين.
ففي تمهيد الدستور الصيني، يحتلّ الحزب الشيوعي بجمهورية الصين الشعبية مكاناً بارزاً في نفس الموضع الذي يتخذه “الربّ العظيم” في تمهيد الدستور السويسري. وبينما تعدّد المادة الأولى في الدستور السويسري الستةَ وعشرين كانتوناً، التي تشكل معاً “الكونفدرالية السويسرية”، تذكّر المادة الأولى من الدستور الصيني بوضوح أن الشيوعية هي النظام الأساسي لجمهورية الصين الشعبية وأن قيادة الحزب الشيوعي هي التي تحدد ملامح الشيوعية بسماتها الصينية.
أما منصب أمين عام الحزب الشيوعي، فيعد مركز السلطة المطلقة في الصين، بينما تتوقف سلطة الأمناء، والرؤساء من كلا الجنسين في الأحزاب السويسرية على قدرتهم على الإقناع في الانتخابات. كما أن المكانة القانونية للأحزاب السياسية في سويسرا تعتبر ضعيفة. حتى أنه لم تضف مادة خاصة بها (الأحزاب) في الدستور سوى عام 1999، حيث أضيفت مادة قصيرة (المادة 137) مفادها أن: “الأحزاب السياسية تساهم في تكوين رأي الشعب وإرادته.” على أية حال، فإنه لا حديث في سويسرا أبداً عن علاقة الدولة بالحزب بصيغة المفرد، بل دائماً بصيغة الجمع، ذلك لأنه هناك عدد كبير من الأحزاب الفعالة. حيث يجري تمثيل أحد عشر حزباً في البرلمان، أربعة منها تُمثَل كذلك في الحكومة الفدرالية.
فضلاً عن ذلك، فإن المشهد الحزبي في سويسرا يتغير باستمرار. فالأحزاب تجيء وتذهب، ويندمج بعضها مع بعض، أو تتغير أسماؤها. كما توجد بالطبع بعض الأحزاب التي ظلت كما هي. لكن على جميع الأحزاب دائماً أن تثبت وجودها في سوق المفاهيم السياسية، وأن تحارب لأجل الحصول على حصتها من أصوات الناخبين. كما أن عليها إقناع ناخبيها وناخباتها عن طريق اقتراح حلول لمشاغل الشعب ومتطلباته. وبالتالي يحظى الناخبون والناخبات بإمكانية تقييم ما إذا تمكّن هذا الحزب أو ذاك من نيل رضاهم عبر إنجازاته. حكم قد يكون قاسيًا أحيانًا.
“الاستقطاب المتنامي يثير القلق”
جيسيكا دافيس بلوس، القسم الإنجليزي
هناك الكثير من المشتركات بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا. فكلا البلدين يفخران بأنظمتهما الديمقراطية، وبحق الانتخاب المترسخ فيها. لكن هناك أمر آخر مشترك بينهما ـ وهو الاستقطاب المتنامي.
فالولايات المتحدة تبدو وكأنها “لا تفوِّت ملتقىً، مهما صَغُر حجمه، كي تشهد استقطاباً”، مثلما كتبت مجلة نيويوركر قبل عدة سنوات. وفي العقد الأخير شكلت عقلية “نحن، ضدّ هؤلاء” غيوماً خيّمت على الولايات المتحدة، إذ تغلغلت في جميع مجالات الحياة تقريباً ـ ابتداءً بأروقة مقر المجمع التشريعي (الكابيتول) وانتهاءً بـمائدة الطعام العائلية. ولزمن طويل بدت مثل هذه النماذج المتطرفة بعيدة كل البعد عن سويسرا، وذلك بسبب نظامها، الذي يقوم على أكثر من حزبين وكذلك على التوافق بين الأحزاب: فسويسرا لديها ستة أحزاب رئيسية، وما يربو عن عشر أحزاب أخرى صغيرة، تتنافس جميعها حول مقاعد البرلمان.
إلا أنه توجد بعض النذر التي تشير إلى تنامي انجذاب الناس في سويسرا نحو أحد الأقطاب المختلفة. فقد أظهر استطلاع للرأي مؤخّرا وجود بعض المخاوف من أن يكون الشعب في سويسرا آخذاً في الانقسام إلى جماعات أصغر فأصغر، والتي تواجه بعضها البعض في تعنت متزايد. أو كما حكت لي إحدى الصديقات السويسريات: “اليوم أصبح كل شيء إما أسودًا أو أبيضًا.”
ويرى البعض أن جائحة فيروس كورونا كانت منعطفاً بالنسبة لسويسرا. فقد أدّت إلى خلق خط فاصل بين جماعتين مختلفتين.
إذن، لا يتعلق الأمر فقط بقوانين بعينها ولا بمواقف إزاء بعض المسائل ـ فوجود اختلاف في وجهات النظر يعد أمراً طبيعياً في أي مجتمع ديمقراطي. لكن الاستقطاب في كلا البلدين وجداني حالياً، وهو مرتبط بحالة من عدم التسامح المتزايد إزاء أصحاب الرأي المخالف. وبينما تختلف الموضوعات التي تنقسم حولها الآراء، حيث نجد أن هناك تحاملًا على مسألة الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر مما هو عليه في سويسرا، فإنني قد عايشت في كلا البلدين، كيف يسارع الناس بالحكم على شخصية الآخرين، لمجرد تأييدهم لهذا الموضوع أو رفضهم لذلك.
صحيحأن الوضع في سويسرا لم يصل إلى ذلك الحد المتطرف الذي نراه في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الاستقطاب المتنامي داخلها يظل مثيراً للقلق، خاصةً في بلد متعدد الأحزاب، ويحظى بـ ثقة عالية في المؤسسات الحكومية.
فالاستقطاب أمر سلبي للدول والديمقراطيات. حيث يؤدي إلى إحجام الناس عن الحديث مع بعضها البعض، فيظلون في غرفة تتردد فيها نفس الأصداء، ممّا يخنق الحوار ولا يسمح بخروج أفكار جديدة للعلن.
من ناحية أخرى، فإن الاستقطاب قد يصيب الناس بخيبة أمل سياسية تامة. فإذا ما رأى الناخبون والناخبات أن السياسيين والسياسيات أكثر انشغالاً بتعميق الخلافات، بدلاً من إيجاد حلول، فلإنهم سوف يبحثون على الأغلب عن الأجوبة في مكان آخر. بمعنى أنهم سوف يتقوقعون أكثر داخل ‘معسكرهم’، وسوف يستمر الأمر على هذا المنوال.
وفي نهاية المطاف، وفيما يخص الانتخابات الفدرالية المزمع اجراؤها، فإن مسألة كيفية تعامل سويسرا مع الاستقطاب السياسي سوف تكون بمثابة رسالة ترسلها الكونفدرالية إلى الولايات المتحدة وللديمقراطيات الأخرى في جميع أنحاء العالم.
تجدون المزيد من مقالات الكاتبة عبر الرابط التالي: جيسيكا دافيس بلوس.
ترجمة: هالة فرّاج
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.