صدمة في جنيف إثر اتهام سياسي بارز بتلقي منفعة من ولي عهد أبوظبي
أعلن مكتب المدعي العام في كانتون جنيف يوم الخميس 30 أغسطس الجاري اعتزامه ملاحقة بيار موداي، رئيس الحكومة المحلية للكانتون بسبب قبوله لمنفعة خلال رحلة قام بها إلى أبوظبي في عام 2015، إلا أن الأمر يتوقف على موافقة الحكومة (أي السلطة التنفيذية) الضوء الأخضر للبدء في الإجراءات القضائية.
وجاء في بلاغرابط خارجي أصدره المدعي العام يوم الخميس أن “الوزير وعائلته ومدير ديوانه قد تم استدعاؤهم رسميا إلى أبوظبي من طرف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد الإمارة، لحضور سباق الجائزة الكبرى لسيارات فورمولا واحد”. وإلى حد الآن، صرح بيار مودايرابط خارجي دائما أن الأمر يتعلق بسفرة خاصة، دُفعت تكاليفها من طرف صديق لأحد أصدقائه.
القصة باختصار
بيار موداي، سياسي شاب سويسري – فرنسي لامع تميّزت مسيرته بصعود سريع. بعد أن تقلد منصب عمدة مدينة جنيف عامي 2011 و2012، نجح عضو الحزب الليبرالي الراديكالي في الإنضمام إلى تشكيلة الحكومة المحلية لكانتون جنيف حيث استلم وزارة الأمن. وفي خريف 2017، كان مرشحا جديا لعضوية الحكومة الفدرالية، كما ترأس حاليا مؤتمر وزراء العدل والشرطة في كافة الكانتونات السويسرية.
من 26 إلى 30 نوفمبر 2015، أقام موداي أربعة أيام في أبوظبي رفقة زوجته وأبنائة الثلاثة ومدير ديوانه على هامش تنظيم الجائزة الكبرى لسباق سيارات الفورمولا واحد هناك.
21 أغسطس 2017: على إثر كشف صحافي لمعلومات حول الرحلة، قام شرطي يعمل ضمن الفرقة المالية بتحويل تقرير حول المسألة إلى مكتب المدعي العام لكانتون جنيف.
14 مايو 2018: تم الإستماع – بطلب منه – إلى بيار موداي من طرف النواب الأعضاء في لجنة مراقبة التصرف التابعة للبرلمان المحلي لكانتون جنيف.
15 مايو 2018: أكد الإدعاء العام لكانتون جنيف فتح تحقيق بشأن “قبول منفعة”
30 أغسطس 2018: الإدعاء العام لكانتون جنيف يطلب من البرلمان المحلي للكانتون الترخيص له بملاحقة بيار موداي قضائيا.
إخفاء مُتعمّد
في الأثناء، يبدو أن عناصر أدلة أخرى (متوفرة لدى المدعي العام) تشير إلى أن ولي العهد قد قام بتسديد تكلفة رحلاتهم الجوية في درجة الأعمال وإقامتهم التي تبلغ آلاف الفرنكات. وحسب الإدعاء العام، فإن “المدعو سعيد البستاني لم يلعب أي دور في تمويل هذه الرحلة، وأن إيراد اسمه قد يكون اتّخذ من طرف المعنيين في عام 2018، بهدف إخفاء المصدر الحقيقي للتمويل”.
إضافة إلى ذلك، يشتبه الادعاء العام لكانتون جنيف بأن هذه الرحلة قد تكون نُظمت من طرف أشخاص وشركات نشطة في قطاع العقارات في جنيف وعلى اتصال منتظم مع كل من بيار موداي ومدير ديوانه (الذي غادر منصبه في موفى شهر يونيو 2018). وطبقا لما ورد في البيان، فإن جميع هذه المعطيات “تختلف بشكل ملموس جدا عن المعلومات المقدمة” من طرف الرجلين (أي الوزير ومدير ديوانه).
فتح تحقيق
في شهر أغسطس 2017، تلقت السلطات القضائية في كانتون جنيف تقريرا من الشرطة بخصوص هذه الرحلة. وتبعا لذلك، قامت بفتح تحقيق ضد مجهول وتم إسناد القضية إلى المدعي الأول ستيفان غروديسكي، تحت إشراف المدعي العام أوليفييه جورنو والمدعي الأول إيف بيرتوسّا. وبالنسبة للقضاء، ظل عضو الحكومة المحلية لكانتون جنيف بيار موداي ومدير ديوانه حتى الآن في وضعية أشخاص مدعُوّين لإعطاء معلومات.
التطور الجديد في القضية يتمثل في أن الإدعاء العام لكانتون جنيف قرر يوم الخميس 30 أغسطس الجاري فتح تحقيق ضد مدير الديوان السابق الذي تم الإستماع إليه في نفس اليوم. كما يُريد الادعاء العام الإستماع إلى السيد موداي أيضا “بوصفه مُتهما بقبول منفعة”. والآن، يجب على الحكومة المحلية لكانتون جنيف أن تمنح موافقتها، وإلا فإن القضاء لن يتمكن من ملاحقة الوزير بسبب مخالفات ارتكبها أثناء قيامه بمهامه.
رغبة في التعاون
إثر صدور البيان، رفض عضو الحكومة الإجابة عن أسئلة الصحافيين مُعربا عن عدم الرغبة في التعليق على القرار الذي اتخذه المدعي العام، فيما صرح زميله ماورو بوجيا أن الخبر “هاله” مضيفا بأن “الفريق برمته سيُعاني منه”.
للتذكير، التحق بيار مودايرابط خارجي – الذي يبلغ اليوم 40 عاما من العمر – بتشكيلة الحكومة المحلية لكانتون جنيف في أعقاب انتخابات تكميلية أجريت في يونيو 2012، ثم أعيد انتخابه في أبريل 2018 منذ الدور الأول لعضوية الحكومة. وبوصفه الأقدم في التشكيلة، استلم الوزير المنتمي للحزب الليبرالي الراديكالي رئاستها منذ شهر يونيو الماضي. وسبق له أن ترشح في شهر سبتمبر 2017، لعضوية الحكومة الفدرالية إلا أن حلمه لم يتحقق.
عشية الخميس أيضا، بعث محاميه الأستاذ غريغوار مانجا، برسالة إلى المدعي العام لكانتون جنيف تلقت وسائل الإعلام نسخة منها جاء فيها أن “بيار موديه يرغب في أن يتمكن من التعاون بشكل كامل من أجل بلورة كامل الوقائع التي تقومون بالتحقيق فيها”. كما طلب رئيس الحكومة المحلية لكانتون جنيف بأن يتم الإستماع إليه بسرعة.
في هذه الرسالة، أعرب بيار موداي أيضا عن موافقته على رفع الحصانة عنه. وجاء في بيان صدر مساء الخميس في أعقاب اجتماع طارئ عقدته، أن “الحكومة أخذت علما برغبة السيد موداي في رفع الحصانة عنه وبطريقة سريعة”، إلا أنه – وبالنظر إلى المواعيد والإلتزامات القادمة – فإن الحكومة “لا تعتزم اتخاذ قرار مُتسرّع”.
في الإنتظار، سيتعيّن الآن على اللجنة التشريعية (التابعة للبرلمان المحلي لكانتون جنيف) دراسة طلب الإدعاء العام، وإثر ذلك يُنتظر أن يعقد البرلمان جلسة سرية (يومي 20 و21 سبتمبر) لاتخاذ قراره. وطبقا للتصريحات الصادرة عن العديد من النواب، يبدو أن جميع الأحزاب ترغب في رفع الحصانة عن السيد موداي.
اندهاش وتساؤلات
مثلما كان متوقعا، تصدرت هذه القضية التي وصفها كثيرون بـ “القنبلة” عناوين الصفحات الأولى للصحف الصادرة بالفرنسية يوم الجمعة في كل من جنيف ولوزان وفريبورغ، حيث تساءلت جميعها عما إذا كانت مسيرة موداي السياسية الإستثنائية ستنجو في نهاية المطاف من تبعات هذه القضية.
وفيما أعربت صحيفة “تريبون دو جنيفرابط خارجي” عن اندهاشها من تعلق قضية من هذا القبيل برجل السياسة الشاب المعروف بموقفه المتشدد من الجريمة، جاء في عنوان صحيفة “24 ساعةرابط خارجي” أن “بيار موداي كذب بخصوص رحلته إلى أبو ظبي”. أما صحيفة “20 دقيقةرابط خارجي” المجانية، فاكتفت بعنوان ” العدالة تتهم موداي” ونقلت عن سياسيين من مختلف الأحزاب في كانتون جنيف مطالبته بالإستقالة لأن “الثقة انهارت”.
من جانبها، اعتبرت صحيفة “لا ليبرتيرابط خارجي” أن أخطر ما في هذه القضية “يظل الكذب المتكرر والمُبلور مع الأطراف الأخرى المتورطة في الرحلة المثيرة للجدل إلى أبوظبي”. وقالت في تعليق كتبه رئيس تحريرها سارج جولي تحت عنوان “دقت ساعة إقامة الدليل على أنه رجل دولة”، إن “قبول هدية تبلغ قيمتها عشرات الآلآف من الفرنكات يُشكل بالفعل أكثر من مجرد حماقة اعترف بها بيار موداي في وسائل الإعلام. إذ أن ذلك لا يُخالف قواعد السلوك المفروضة على الوزراء في الحكومة المحلية لكانتون جنيف فيما يتعلق بالهدايا، لكنه يُؤشر أيضا إلى غياب مُدهش للحساسية من طرف رجل يتسم بقدر عال من الذكاء”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.