بين المساواة والتقاليد، سيقرر السويسريون مستقبل الزواج
ينخرط السويسريون في نقاش مجتمعي كبير، كانت قد شرعت به معظم الدول الأوروبية. ففي 26 سبتمبر، سيقرر الشعب منح المثليين حق الزواج وتأسيس أسرة أم لا. في الأثناء، يحتدم الصدام بين المدافعين عن "الزواج للجميع" والمتمسكين بالقيم المسيحية وبالأسرة التقليدية.
سويسرا هي واحدة من بين آخر أربع دول في أوروبا الغربية لا تمنح المثليين حق الزواج، إلى جانب إيطاليا واليونان وليختنشتاين. وبالتالي، تحتل الكنفدرالية المرتبة الثالثة والعشرين في تصنيف الفرع الأوروبي لجمعية (ILGA)رابط خارجي للبلدان على أساس المساواة في الحقوق للأشخاص المثليين وثنائيّي الميول وثنائيّي الجنس والمتحوّلين والمتحرّرين جنسيّاً (يُرمز لها اختصاراً بـ LGBTQ) متقدمة بذلك على إستونيا وصربيا فقط.
في 26 سبتمبر المقبل، ستكون أمامها الفرصة لتجاوز هذا التقصير فيما يتعلق بحقوق المثليين وثنائيّي الميول وثنائيّي الجنس والمتحوّلين والمتحرّرين جنسيّاً (LGBTQ). وسيعطي الشعب كلمته حول مشروع “الزواج المدني للجميع” الذي يشمل حق الإنجاب بمساعدة طبية (PMA) للعائلات المُكوّنة من امرأتين.
ما هي الرهانات المطروحة؟
حالياً، يمكن لامرأتين أو لرجلين فقط عقد شراكة مُسجَّلة. وبذلك، يتم الاعتراف بحوالي 700 زاوج في كل سنة.
ويتمتع الشريكان المُسجَّلان في كثير من النواحي بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الشريكان المتزوجان. وبإمكانهما على وجه الخصوص اختيار اسم واحد، والحماية في حال إنهاء العقد، والحصول على نسبة من ميراث الشريك أو معاشه التقاعدي. ومنذ عام 2018، صار بإمكان الأزواج المثليين أيضاً تبني طفل شريكهم الآخر.
إذن، ما الذي سيتغير عملياً مع “الزواج للجميع”؟ إذا صوَّتَ الشعب بنعم يوم 26 سبتمبر، سيتمكَّن الشريكان المثليان المتزوجان أيضاً من تبني طفل معاً. وإذا كان أحد الشريكين أجنبياً، يمكنه أن يستفيد من إجراء التَّجنُّس المُيسَّر، الذي يتم بمدة أقصر وبتكلفة أقل.
كما سيحقُّ للنساء المثليات المتزوجات الحصول على التبرعات بالحيوانات المنوية في سويسرا. وبما أنَّ القانون السويسري يمنع التبرع المجهول، يمكن للطفل معرفة هوية المتبرع له عندما يبلغ سن الـ 18، وسيتم الاعتراف بالامرأتين كأُمَّين للطفل منذ ولادته. بيد أنه، في حال حصولهما على حيوانات منوية من بلد آخر، لا يتم الاعتراف سوى بالأم البيولوجية.
وكما هو الحال في معظم الدول الأوروبية، فإنَّ إجارة الرحم أو التبرع ببويضة لا يزال محظوراً. ولا مجال أمام رجلين مثليين أن يلجئا إلى أم تحمل طفل أحدهما.
لقد استغرق العمل البرلماني للتوصل إلى هذا المشروع سبع سنوات. حيث كان قد تمَّ إطلاقه في عام 2013 من خلال مبادرة برلمانية لحزب الخضر الليبراليين (وسط). ومن ثم ناقش النواب عدة صيغ للنص، قبل أن يوافق البرلمان في ديسمبر 2020 على تعديل القانون المدني، الذي يضفي الطابع القانوني على الزواج بين امرأتين أو رجلين.
ما هو مصير الشراكة المُسجَّلة؟
إنَّ الموافقة على “الزواج للجميع” تعني أيضاً نهاية الشراكة المُسجَّلة، المُخصصة للمثليين. حيث سيتمكن الأزواج المثليين من تحويل عقد الشراكة إلى عقد زواج أو الاستمرار بالعيش معاً تحت ظل نفس النظام. غير أنه، لن يكون من الممكن تسجيل أي عقد شراكة جديد.
ولاستبدال هذا النوع من الارتباط، تعمل الإدارة الفدرالية على وضع ميثاق مدني (يُشار إليه اختصارا بـ PACS) كالموجود في فرنسا. والفكرة منه هو إنشاء نظام للأزواج، من جنسين مختلفين أو من نفس الجنس، تكون عواقبه القانونية أقل شمولاً من نظام الزواج.
ما هي الحجج الرئيسية المؤيدة لمشروع القانون؟
الأمر بالنسبة لمؤيدي “الزواج للجميع” قبل كل شيء هو عبارة عن إلغاء عدم المساواة في المعاملة. فمع “الزواج للجميع”، سيكون لجميع الأزواج نفس الحقوق ونفس الواجبات. واعتبرت وزيرة العدل والشرطة كارين كيلير سوتير، لدى إطلاق الحملة أنّهَ: «ليس على الدولة أن تحكم على الحياة الخاصة والعائلية لسكان هذا البلد ولا أن تُملي عليهم طريقة تنظيمها».
ويساهم المشروع أيضاً بتكييف القانون مع واقع المجتمع السويسري، حسبما يرى المؤيدون. ويقول المشروع بأنَّ الزواج للجميع سيوفر حماية قانونية أفضل لآلاف الأطفال الذين يعيشون مع أُمَّين أو أَبوين.
كما أنَّ السماح بالزواج للمثليين له قيمة رمزية. فقد كتبترابط خارجي اللجنة الوطنية “للزواج المدني للجميع” أنَّ: «المشروع هو عبارة عن اعتراف قانوني، طال انتظاره، للحب بين شخصين من نفس الجنس». وتؤكد على أنَّه في الدول التي تبنَّت الزواج المدني للجميع، انخفض فيها معدل الانتحار بين المثليين وثنائيّي الميول وثنائيّي الجنس والمتحوّلين والمتحرّرين جنسيّاً (LGBTQ) وتراجعت الأحكام المسبقة عليهم، وفقاً لعدة دراساترابط خارجي.
ما هي الحجج الرئيسية المعارضة لمشروع القانون؟
تستند حجج لجنة الاستفتاء قبل كل شيء على مكانة الزواج التقليدية في مجتمعنا وعلى دور كل من الرجل والمرأة داخل الأسرة.
وأشار المعارضون للمشروعرابط خارجي إلى أنَّ: «إدخال الزواج للجميع سيكون بمثابة فتح ثغرة اجتماعية وسياسية ستفرغ المعنى التاريخي للزواج الذي يُعرَّف على أنه ارتباط دائم بين الرجل والمرأة». فهم يعتبرون أنَّ: «الزواج كان ويجب أن يبقى ارتباطاً طبيعياً بين الرجل والمرأة يجب الحفاظ عليه».
بالإضافة إلى أنَّ حصول الزوجتين المثليتين على حق الإنجاب بمساعدة طبية يزعج المعارضين، الذين يعتقدون أنَّ هذه الإمكانية تُفرِّط بمصالح الطفل العليا. ويخشون أيضاً أن تؤدي هذه التغييرات إلى إضفاء الشرعية على إجارة الرحم.
أما على الصعيد التقني، فتُعرِب لجنة الاستفتاء عن استيائها من إدخال الزواج للجميع من خلال تعديل تشريعي بسيط، دون تغيير الدستور.
لماذا يحق للشعب الإدلاء برأيه في المسألة؟
بعد تبني الزواج للجميع من قبل البرلمان، قامت لجنة مُشتركة بين الأحزاب، مؤلفة بشكل رئيسي من ممثلين عن حزبي اليمين المحافظ، الاتحاد الديمقراطي الفدرالي (UDF) وحزب الشعب السويسري (UDC)، بإطلاق استفتاء شعبي. وقد نجحوا في جمع الـ 50000 توقيع المطلوب لتقديم النص والحصول على تصويت وطني.
وحق النقض ضد قرار برلماني هو شكل من أشكال الديمقراطية المباشرة في النظام السويسري.
مَن هم المُعارضون ومَن هم المُؤيّدون؟
يحظى الزواج المدني للمثليين على دعم واسع في الطيف السياسي. حيث تدعم جميع الأحزاب الحكومية، باستثناء حزب الشعب السويسري، المشروع بالإضافة إلى حزب الخضر وحزب الخضر الليبراليين.
كما يبدو أنَّ هذا التغيير في المجتمع يُغري جزءا كبيراً من السكان. ففي فبراير 2020، كشفت دراسة استقصائية أجراها معهد gfs.bern للأبحاث وسبر الآراء أنَّ 80% من السويسريين يؤيدون زواج المثليين.
ومن الملاحظ أنَّ هناك انفتاح حتى في الأوساط الدينية. وكان اتحاد الكنائس البروتستانتية في سويسرا (FEPS) فد أعلن عن تأييده لفتح الزواج للمثليين على المستوى المدني في نوفمبر 2019. غير أنَّ مؤتمر الأساقفة السويسريين (CES) والشبكة الإنجيلية السويسرية لا زالا يعارضانه.
ما هو الوضع في باقي دول العالم؟
في الأول من أبريل 2001، أصبحت هولندا أول دولة في العالم تُضفي الشرعية على الزواج بين شخصين من نفس الجنس. هذه السنة، وبالتحديد بعد 20 عاماً، سمحت 29 دولة بذلك. وفي جميع هذه الدول تقريباً، يمكن للأزواج المثليين أيضاً أن يصبحوا آباءً ويتبنّوا طفلاً. فخلال عقدين من الزمن، تمَّ الاعتراف بحق الزواج للأشخاص من نفس الجنس من قبل معظم الدول الغربية، أي في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية بالإضافة إلى جنوب أفريقيا وتايوان.
ومع ذلك، تبدو الصورة أشد قتامة في أماكن أخرى من العالم. حيث لا تزال المثلية تتعرض للقمع على نطاق واسع في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. وهناك حوالي 70 دولة تُدين العلاقات المثلية. وتتراوح العقوبات ما بين التعذيب بمختلف أشكاله و عقوبات بالأشغال الشاقة. وفي عشرة بلدان، تصل العقوبة على المثلية إلى حكم الإعدام.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.