عشرون عاما على هجوم بغداد.. العمل الإنساني في مواجهة تحديات جديدة
بعد مرور عشرين عاما على انفجار شاحنة مفخخة خارج مكاتب بعثة الأمم المتحدة في بغداد، فقد عمال الإغاثة الشعور بالأمان مع تضاعف حجم التهديدات وتوسّع نطاقها.
كان مجاهد محمد حسن على غرار العراقيين الآخرين الذين وظفتهم الأمم المتحدة محليا في أوائل عام 2000، يغمره التفاؤل والأمل في مستقبل أفضل لبلده. فقد كان قد أطيح في تلك الفترة، منذ وقت قريب، بالديكتاتور العراقي صدام حسين بعد غزو، شنته القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها، وأُنشئت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق (UNAMI) لدعم التنمية والمصالحة السياسية، وتنسيق تقديم المساعدات الإنسانية.
وقال حسن لموقع SWI swissinfo.ch “كانت هذه أسعد فترة في حياتي”. فقد “كنت شغوفا جدا بالقضايا الإنسانية، مما ألهمني الانضمام إلى الأمم المتحدة، التي لديها امتداد عالمي، وقدرة على إحداث تأثير إيجابي على حياة عدد لا يحصى من الأفراد. [لكن] كان لدينا شعور زائف بالأمن، مع وجود عربات مدرعة تحيط بزوايا المبنى الذي كنا نعمل فيه”.
انقلبت حياة حسن رأسا على عقب، عندما انفجرت شاحنة مفخخة بقنبلة ضخمة في 19 أغسطس 2003 خارج مكاتب بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق. الانفجار نبّه منظمات الإغاثة إلى أن الوقت قد حان لإعادة تقييم أمن عمالها.
لقد عمل حسن في قسم تكنولوجيا المعلومات في بعثة الأمم المتحدة وكان قد أنهى لتوه يوم عمله، قبل الانضمام إلى زملائه للعب جولة أو جولتين من تنس الطاولة. وقال “كنت جالسا على مكتبي أرد على رسائل البريد الإلكتروني، وفجأة تغير كل شيء. كان المكان مليئا بالدخان والفوضى، وكان الزجاج يتطاير في كل مكان. كنت أحاول في الحقيقة أن أتبين فيما إذا كان ذلك حقيقة أم مجرد حلم». ومع وجود مجرد جدار يفصله عن الانفجار، لم يسمعه لأنه كان معزولا في منتصف فراغه الصوتي.
وقُتل اثنان وعشرون شخصا في الهجوم الإرهابي، وأصيب أكثر من 100 آخرين، من بينهم حسن، الذي أُصيب في رأسه. وقال إن الأمر استغرق 10 سنوات لكي يتعافى من الإصابات الخطيرة التي لحقت به. ومنذ أن استقر في الولايات المتحدة في عام 2014، عاد إلى مساعدات الإغاثة الإنسانية. وهو يدير الآن منظمة غير ربحية تدعى جنة، تساعد العراقيين النازحين جراء العنف الطائفي.
وأضاف قائلا: “لقد ترك العنف الذي شهدناه في ذلك اليوم أثرا دائما على الأمم المتحدة ككل، وعلي، وعلى تصوري للمخاطر التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني في مناطق النزاعات”.
مجموعات الإغاثة في وضع اللحاق بالركب
تدهورت البيئة الأمنية لنشاط العاملين في المجال الإنساني الآن، مقارنة بما كانت عليه قبل 20 عاما. وقالت صوفيا سبريتشمان، الأمينة العامة لمنظمة كير الدولية ومقرها جنيف، والتي قُتلت مديرتها في العراق، مارغريت حسن، في عملية إعدام مصورة على يد متمردين سنة، بعد عام من تفجيرات بغداد. “لا يمكن أن يكون التناقض أكثر وضوحا مما هو عليه الآن”. ولم يتم العثور على الجثة قط.
وقد أخبرت سبريتشمان موقع SWI swissinfo.ch في حديثها عبر الهاتف من كيتو، عاصمة الإكوادور، أنها عندما بدأت عملها كعاملة إغاثة قبل 29 عاما في كمبوديا، كان الخمير الحمر لا يزالون نشطين. وعملت لاحقا في سريلانكا في المناطق التي تنشط فيها الحركة السريلانكية الانفصاليةالمسلحة نمور التاميل. و”طوال ذلك الوقت، كان ارتداء سترة عليها شعار منظمة غير حكومية أفضل حماية لنا”.
وفي السنوات اللاحقة، أصبح الاستهداف المتعمد لعمال الإغاثة أمرا شائعا بشكل متزايد، من قبل مختلف الجهات الفاعلة، ويتم الآن تجنب حمل الشعارات في أماكن معينة، من أجل سلامة موظفي الإغاثة.
وقد أدى صعود جماعات الجريمة المنظمة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إلى تعقيد عمل العاملين في المجال الإنساني. “، وقالت سبريتشمان “تتولى العصابات زمام الأمور عندما تغيب الدول”. وفي هايتي، تقدر الأمم المتحدة أن العصابات تسيطر على ما يقرب من 80٪ من عاصمة البلادرابط خارجي، بما في ذلك طرق إيصال المساعدات من الميناء والوصول إلى أحياء بأكملها. ويعتبر عمال الإغاثة أهدافا محتملة للاختطاف حيث ينظر إليهم على أنهم يتمتعون بدخل منتظم.
وفي جمهورية أفريقيا الوسطى – حيث كان 2.2 مليون شخص في العام الماضي بحاجة إلى المساعدات – جعلت هجمات قطاع الطرق والجماعات المسلحة على العاملين في المجال الإنساني البلاد أحد أخطر البلدان بالنسبة لهؤلاء العاملين.
كما قالت دينيس براون، المديرة السابقة للعمليات الإنسانية للأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى، والمسؤولة حاليا عن العمليات الإنسانية للمنظمة في أوكرانيا “فيما يتعلق بعمال الإغاثة، من المتوقع دائما أن نكون في عين المكان، حتى لو لم يكن هناك أي شخص آخر”. وأضافت “وهذا يعني أننا نواجه أخطارا كبيرة.”
وفي أواخر شهر يوليو، تعرض أفراد قافلة من المسعفين العاملين في منظمة أطباء بلا حدود للضرب والجلد في العاصمة السودانية، حيث يحتاج 24.7 مليون شخص إلى المساعدات، منذ اندلاع الصراع على السلطة بين الجيش والقوات شبه العسكرية في شهر أبريل.
الأدوات المتاحة
بالنسبة للجنة الدولية للصليب الأحمر التي قصف مقرها في بغداد في شهر أكتوبر 2003، فإن بناء الثقة من خلال التواصل مع الجهات الفاعلة المحلية، أمر أساسي لضمان أمن الموظفين.
كتب إيوان واتسون، المتحدث باسم المنظمة، في بيان وجهه بالبريد الإلكتروني إلى موقع SWI swissinfo.ch، وجاء فيه أن “إحدى السبل التي تسعى من خلالها اللجنة الدولية للصليب الأحمر للحد من مخاطر العمل في (مناطق النزاعات) تتجلى في التواصل المستمر والمفتوح مع القوات الحكومية والجماعات المسلحة”. “ومع ذلك، شهدت اللجنة الدولية انشقاقات وانتشارا للجماعات المسلحة خلال السنوات الأخيرة، وهي حقيقة تزيد من صعوبة توفير ضمانات أمنية لعملنا”.
وأوضحت سبريتشمان أنه في بعض الأماكن، ربما يكون تدهور الثقة في المنظمات غير الحكومية – التي تأسست تاريخيا خلال السياقات الاستعمارية – قد ساهم في تأجيج الهجمات الأخيرة. وتعمل منظمة كير ومجموعات الإغاثة الدولية الأخرى معا على إنهاء الهيمنة الاستعمارية على القطاع، وتوظيف قوى عاملة أكثر تنوعا وتمثيلا.
ويتأهب بانتظام، العاملون في منظمة كير، كما هو الحال في المنظمات الرئيسية الأخرى، من خلال تدريب التوعية بالبيئة المعادية (HEAT) لمواجهة محاولات الاختطاف، والهجمات المحتملة، ويتم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، بعد التجارب المؤلمة.
ولكن في خضم ارتفاع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية على مستوى العالم، بنسبة 30 في المائة منذ أوائل عام 2022 – يحتاج ما يقدر بنحو 360 مليون شخص الآن إلى المساعدة – ومع ارتفاع تكاليف إيصال المساعدات بسبب الحرب في أوكرانيا، ارتفعت التكاليف الأمنية أيضا. حيث قالت سبريتشمان “بنفس المبلغ من الدولارات يمكنك الوصول إلى عدد أقل من الناس، ويثير ذلك بالطبع عاصفة من الانتقادات بكل معنى الكلمة”.
استخدام سلاح المعلومات المضللة
وفي الوقت نفسه، تحذر كريستينا ويل، مديرة مؤسسة إنسكيوريتي إنسايت (Insecurity Insight)، التي تقدم المشورة الأمنية لوكالات الإغاثة، من أن المعلومات المضللة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تخلق سوء فهم (متعمد في بعض الأحيان) للمبادئ الإنسانية التي تعمل مجموعات الإغاثة بناء عليها، مما يقوض قدرتها على تقديم مساعدة محايدة لجميع المحتاجين.
وشرحت ويل ذلك قائلة “ما تفعله غالبا ما يتم تحريفه على أنه متحيز بشكل ما. ويؤدي ذلك إلى انكماش خطير للغاية في المجال الإنساني”.
وفي وقت سابق من هذا العام، اضطرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى إصدار بيانرابط خارجي بعد أن بدأت شائعات كاذبة في الانتشار حول مهمتها في أوكرانيا، بما في ذلك مشاركتها في النقل القسريرابط خارجي للمدنيين الأوكرانيين إلى روسيا.
وكان حسن، الذي يواصل استشارة معالج للمساعدة في التغلب على مخاوفه، ممعنا في التفكير عندما سُئل عن إمكانية تمتع العاملين في المجال الإنساني بالأمن من جديد.
وقال: ” ستختبئ دائما تلك القوى الظلامية، وتعود إلى الظهور بمجرد أن يكون لدينا نقطة ضعف”. وكل ما نحتاج إليه هو الاستعداد والتأهب، لأننا نستطيع معا تجسيد قوة الجهود الموحدة لمعالجة الأزمات، ودعم المتضررين من المآسي”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.