تحذير من جنيف: لا حصانة للمسؤولين عن الفظائع في ليبيا
في الوقت الذي يتم فيه تدويل النزاع في ليبيا على نطاق واسع، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الإثنيْن 22 يونيو 2020 مبدأ إنشاء بعثة تقصي حقائق بشأن جرائم الحرب التي ارتكبت في ليبيا منذ عام 2016. هذا القرار لقي الدعم من الدبلوماسية السويسرية التي طالما نادت بمحاربة الإفلات من العقاب. لفهم هذا الملف، نجري هذا الحوار مع الخبير في شؤون العالم العربي، حسني عبيدي.
يأتي اعتماد الأمم المتحدة لهذا القرار في مرحلة حاسمة من الصراع الليبي منذ حاول المارشال خليفة حفتر، في أبريل 2019 الاستيلاء على طرابلس لحسم معركة السلطة في البلاد. هجوم دعمته مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية وروسيا. ولكن، بفضل دخول تركيا على الخط، التي زوّدت الحكومة الشرعية في طرابلس بأسلحة من بينها طائرات من دون طيار متطوّرة، وجنّدت مقاتلين سوريين، تمكنت حكومة الوحدة الوطنية بقيادة فائز سراج – المعترف بها من قبل الأمم المتحدة منذ 2016- من دحر قوات المارشال حفتر المحاصرة لطرابلس واستعادت عدة مدن قريبة من العاصمة، تقع غرب ليبيا.
القرار الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان في نهاية دورته الثالثة والأربعين، أتخذ بالإجماع. وقد تقدّم به الاتحاد الإفريقي، وبرعاية مشتركة من ألمانيا وإسبانيا وتركيا وقطر، وطلب القرار من ميشال باشليه، المفوضة السامية لحقوق الإنسان “انشاء بعثة لتقصي الحقائق وارسالها إلى ليبيا” بهدف “توثيق مزاعم انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي (…) التي ارتكبتها جميع الأطراف في ليبيا منذ بداية عام 2016 (…) من أجل ضمان محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات والهجمات على ما ارتكبوه”.
دعمت الدبلوماسية السويسرية بالفعل ومنذ العام الماضيرابط خارجي اقتراح آلية التحقيق المستقلة في ليبيا. ويوم الجمعة الماضية، اثناء مناقشة التقرير المخصص لليبيارابط خارجي والذي قدمته المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشال باشليه، شددت الممثلة السويسرية سميرة سيزيرو نتاسانو على قلق برن من تصاعد الاعمال العدائيةرابط خارجي وانتهاكات القانون الإنساني الدولي من قبل جميع الاطراف في النزاع”.وللتعامل مع هذا الوضع، قالت نتاسانو “تدعم سويسرا إنشاء آلية تحقيق مستقلة لتقصي الحقائق وضمان المساءلة وكسر دائرة الإفلات من العقاب”رابط خارجي.
وقالت الدبلوماسية “أدى الصراع إلى قمع متزايد في كل من طرابلس وبنغازي. وتعرب سويسرا عن قلقها إزاء انعدام الحماية للمهاجرين واللاجئين (…) ان الاحتجاز التعسفي والعنف الجنسي والسخرة وغير ذلك من أشكال الاتجار بالبشر، فضلا عن الظروف اللإنسانية في مراكز الاحتجاز أمر غير مقبول، ويجب أن يتوقّف على الفور”.
حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، والأستاذ المحاضر بمعهد الدراسات الدولية بجامعة جنيف، يضع قرار مجلس حقوق الإنسان في سياق ديناميات هذا النزاع المتفجّر على أبواب أوروبا.
swissinfo.ch: ما هو وزن هذا القرار وأهميته في هذا الصراع الذي يبدو خارجا عن السيطرة؟
حسني عبيدي: في هذه الفترة من التوتّر الشديد حول طرابلس ومدينة سرت الساحلية، هناك تدهور للوضع الأمني، يغذيه وجود عناصر أجنبية مثل مرتزقة مجموعة فاغنر التي ترعاها روسيا، وقوات لمجموعات سورية، برعاية تركيا. مما يعقّد الوضع في ليبيا. خاصة وأن غياب سيادة القانون كلّي، لأن الطرفيْن الليبيْين الذي يواجه بعضهما البعض غير قادريْن على التحكم في مآلات الصراع بسبب مشاركة أطراف أجنبية وازنة فيه.
هذا الوضع أدى إلى تسريع وتيرة الجرائم المرتكبة: جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما اتضح بعد اكتشاف مقابر جماعية بمحاذاة مدينة ترهونة.
يستجيب هذا القرار لهذا التدهور الأمني وعواقبه الإنسانية. كما أنه يمثل تغيير خجول في المقاربة الدبلوماسية بعد الانتصارات التي حققتها حكومة طرابلس وانسحاب قوات حفتر بعيدا عن العاصمة.
بعد فشل محادثات السلام التي قادتها الأمم المتحدة واستقالة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، يأتي هذا القرار في محاولة لسد الفجوة وملء الفراغ. وهذه المرة على مستوى القانون الدولي.
المزيد
بصيص من الأمل في جنيف بخصوص ليبيا التي مزقتها الصراعات المسلحة
swissinfo.ch: حكومة فائز السراج هي الحكومة الوحيدة التي اعترفت بها الأمم المتحدة. هل هذا الاعتراف ليس له أي وزن؟
حسني عبيدي: في الواقع، الصراع يخرج عن سيطرة الليبيين. فهذا البلد أصبح رهينة للتحالفات وللصفقات بين القوى الدولية المشاركة في هذه الحرب. وهي أيضا رهينة حرب نفوذ تشنها قوى إقليمية عديدة. هذا القرار وسيلة للتذكير بأن حكومة المارشال خليفة حفتر غير شرعية، وأنها محظورة بمقتضى القانون الدولي، خاصة مع وجود مرتزقة لا يعيرون أي اهتمام لقواعد القانون الانساني والاتفاقيات الدولية.
وجهت الكثير من الانتقادات للصمت الدولي، والصمت الأوروبي على وجه الخصوص، حول تدخّل القوى الدولية، بينما تم تسليم ليبيا إلى مليشيات لا تعير أي أهمية لاتفاقيات جنيف على سبيل مثال، وخاصة في الأراضي التي يسطر عليها قائد الحرب حفتر. وقد حفّز ذلك واضعي هذا القرار الذي يستند إلى الاعتراف الدولي بالحكومة في طرابلس والتي تم تقديمها في هذا القرار كضحية.
swissinfo.ch: أنصار المارشال حفتر، ولاسيما فرنسا، يقدمونه على انه أفضل حصن ضد الإسلاميين، وبشكل أساسي، حركة الإخوان المسلمين، هل يتعلق الأمر بخطر حقيقي؟
حسني عبيدي: التذرّع بالخطر الإسلامي، هو عنصر تعبئة. وقد استغل المارشال حفتر هذه الذريعة أكثر من اللازم لحشد الدعم الدولي. بالفعل في غرب ليبيا هناك وجود مهم للإسلاميين. من الإخوان وغير الإخوان الذين أصبحوا لاعبين سياسيين. ولكن تقف إلى حانب حفتر أيضا مليشيا كبيرة يقودها إسلاميون متشددون وراديكاليون. وليس لفائز السراج إمكانية في الوقت الراهن لفتح جبهة أخرى مع رجال المليشيات الذين يدعمونه حاليا.
وفي الحقيقة، المسألة الإيديولوجية ليست هي العنصر الحاسم في هذه الحرب، بل ما يفسّر هذه المنافسة المحمومة بين القوى الأجنبية هي الأبعاد الاقتصادية وبالتحديد موارد الطاقة المهمة في البلاد والموقع الإستراتيجي لليبيا.
“We welcome the Fact Finding Mission’s creation, but it is obvious a serious, in-depth investigation will be impossible to conclude in the short period it now has to work” said Nadège Lahmar, researcher on the Maghreb region.#Libyaرابط خارجي #HRC43رابط خارجي @HananMSalahرابط خارجيhttps://t.co/hZwewltS3aرابط خارجي
— CIHRS (@CIHRS_Alerts) June 22, 2020رابط خارجي
swissinfo.ch: قرار مجلس حقوق الإنسان تضمّن عدة فقرات حول مشكلة المهاجرين واللاجئين في ليبيا. من يتحكّم في وضعهم؟
حسني عبيدي: منذ سقوط نظام معمّر القذافي في عام 2011، أصبحت ليبيا دولة عبور، في حين أنها كانت في الأصل بلد هجرة. ويصل المهاجرون عبر الحدود مع مصر، لأن الحدود الغربية مع تونس والجزائر تحت رقابة مشددة. وجنوب البلاد اليوم تحت سيطرة العديد من القبائل الموالية لحفتر. لذلك فإن المسؤولية مشتركة.
إن معاملة المهاجرين واللاجئين خارجة تماما عن سيطرة حكومة طرابلس. والكثير من العصابات الإجرامية أصبحت ثرية من خلال الاتجار بهؤلاء المهاجرين، ولقد شجّع تدمير مؤسسات الدولة في الشرق والغرب هذه العصابات، التي أصبحت عصية على أجهزة الدولة. وفضلا عن ذلك، هي تمتلك إمكانات هائلة وأنظمة دفاعية متطوّرة.
انها عصابات تتصرّف بكل حرية وتتمتع بالافلات من العقاب. وهذا الملف تريد أن تستخدمه بعض الحكومات الأوروبية كذريعة لتشجيع دول معينة أو حلف شمال الأطلسي على التدخل بدعوى حماية المهاجرين، ويكمن الخطر في إعادة شن حرب “إنسانية” على غرار تلك التي أدت على الفوضى بعد سقوط نظام معمر القذافي. وهو ما قاد إلى الوضع الذي نراه اليوم.
(نقله من الفرنسية: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.