جدل قانوني وتباين رؤى حول إلغاء سويسرا تجميد أصول مصرية
أثار القرار الذي أعلنته الحكومة السويسرية يوم الأربعاء 20 ديسمبر 2017، بإلغاء تجميد أصول مصرية، بحوالي 430 مليون فرنك سويسري (436 مليون دولار)، كانت لا تزال مجمّدة، في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، تخص رجال نظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، حالة من الجدل واللغط القانوني على الساحة المصرية.
وفيما انتقدت القاهرةُ القرار السويسري، معتبرة أنه استند إلى أسس “غير صحيحة”، أوضحت سويسرا أنه لا يعني رفع اليد نهائيًا عن المبلغ المُجمّد؛ حيث ستظل هذه الأموال محتجزة، في سياق التحريات الجنائية التي تجريها سويسرا، بواسطة مكتب المدعي العام الفدرالي (أو النائب العام) بغرض تحديد ما إذا كانت مصادر هذه الأصول مشروعة أو غير قانونية.
مصر قد تلجأ إلى مقاضاة سويسرا
في الأثناء، كشف مصدر قضائي بوزارة العدل المصرية لـ swissinfo.ch عن أن الحكومة السويسرية “لم تتعامل بالشكل الأمثل مع الطلبات التي قدمتها مصر بشأن الأموال المهربة لديها لرموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك”، وقال: “إنه لم يتبق لمصر سوى اللجوء للقضاء الدولي، بعدما استخدمت كل الطرق الودية لاسترداد الأموال المهربة”، مؤكداً أن الفترة المقبلة “ستشهد مقاضاة مصر لسويسرا أمام المحاكم الدولية، بعد تقديم شكوى أمام لجنة مكافحة الفساد بالأمم المتحدة”.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الجانب المصري سيُخاطب الجانب السويسري بشأن رموز مبارك كل على حدة، وعدد القضايا المتهم فيها بتحقيق كسب غير مشروع، أو أدلة تثبت تورطهم في قضايا فساد؛ موضحًا أنه “في حالة موافقة سويسرا على تسليم مصر الأموال المهربة، والتي تقدر بحوالي 430 مليون دولار، لأكثر من 30 شخصية من رموز مبارك، فسيتم تسليمها فوراً”.
سويسرا “مُحِقَة” في قرارها
ردًا على هذا الرأي، أوضح السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، والأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، أن “هذا الكلام غير منضبط قانونًا، لأن الذهاب للتحكيم الدولي، يستوجب موافقة طرفي النزاع، وهو ما لم يحدث”، مشيرًا إلى أن “الحكومة السويسرية سارعت، من تلقاء نفسها، عقب ثورة 25 يناير، بتجميد أرصدة نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكانت هذه خطوة محترمة وقانونية”.
في تصريح خاص لـ swissinfo.ch، قال بيومي، أمين برنامج المشاركة المصرية- الأوروبية بوزارة التعاون الدولي، أنه “وطوال هذه السنوات السبع، انتظرت سويسرا أن تقدم لها مصر، أدلة قاطعة، وأحكاما نهائية، تثبت أن الأموال الموجودة في سويسرا مسروقة من مال عام، وأن من سرقوا هذه الأموال هم الـ 17، أصحاب الأرصدة الموجودة بسويسرا، لكن للأسف لم تقدم مصر الأدلة أو الأحكام، فكان لزامًا على سويسرا أن تعلن وقف التعاون القضائي مع مصر، ثم إلغاء تجميد هذه الأصول، وفقًا للقانون السويسري، وقواعد القانون الدولي”.
وأضاف السفير بيومي أنه “يبدو أن المسؤولين في مصر “مكسوفين” يعترفوا بأن مبارك ورجال نظامه لم يسرقوا المال العام، وأن الأصول الموجودة لهم في سويسرا ليست مسروقة”، منبهًا إلى أن “مبارك قائد عسكري، ومن العيب أن يسعى البعض إلى اتهامه بغير دليل، أو أن يسعى لتلويث سمعته، والطعن في ذمته المالية”.
طلب إحاطة بالبرلمان المصري
على صعيد آخر، تقدم النائب طارق الخولي، أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، يوم الأربعاء 20 ديسمبر 2017، بطلب إحاطة للدكتور علي عبدالعال، رئيس البرلمان، لتوجيهه إلى وزيري العدل والخارجية، بشأن الإستفسار عن إعلان الجانب السويسري وقف التعاون القضائي مع مصر لاسترداد الأموال الموجودة بالخارج.
وقال الخولي في طلبه: “إن الجانب السويسري اعتمد في قراره بوقف التعاون القضائي مع مصر، على أمرين؛ أولهما: عدم وجود ما يفيد تورط الأشخاص محل تلك الطلبات، في ارتكاب الوقائع محل التحقيقات الجنائية المصرية، وعدم تحديد الرابط بين الجرائم محل التحقيق في مصر بسويسرا، والثاني: أن وزارة العدل السويسرية أرسلت طلبات المساعدة القضائية المصرية، والخاصة بعدد من رموز نظام مبارك، إلى النيابة العامة السويسرية لتنفيذها، غير أن العناصر اللازمة لتنفيذ تلك الطلبات لم تتحقق، خاصة بعد صدور أحكام نهائية بالبراءة لبعض المتهمين، وتقادم بعض الدعاوى”.
وتابع عضو مجلس النواب، بأن النيابة العامة المصرية، أشارت في بيان لها، إلى أن الأسباب التي ساقها الجانب السويسري “غير صحيحة على وجه الإطلاق”، خاصة وأنه لا تزال هناك تحقيقات جارية حتى الآن، بصدد الأشخاص محل طلبات المساعدة القضائية المرسلة من مصر إلى الجانب السويسري، إلى جانب عدم وجود تصالح مع الأسماء المذكورة من جانبهم.
11 لجنة كلفت مصر 120 مليون دولار!
النائب طارق الخولي أشار أيضا إلى أن “النيابة العامة في مصر أخطرت السلطات السويسرية بالتصالحات التي تمت عند حدوثها، لتخطرها بأن الأسماء التي تم التصالح معها مختلفة عن الأسماء التي اشتمل عليها قرار النيابة العامة السويسرية بغلق التعاون القضائي، إلى جانب عدم انقضاء الدعاوى الجنائية بحق المتهمين، أو سقوط العقوبة، كما أن بعضهم صدرت ضدهم أحكام إدانة بالفعل”.
في السياق، طالب أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، وزارتي العدل والخارجية، بسرعة التدخل لاتخاذ الإجراءات المناسبة، التي تكفل إعادة العمل على استرداد الأموال المصرية المهربة للخارج، واستدعاء السفير السويسري.
وكشف، عن أن لجان استرداد الأموال المهربة، التي تم تشكيلها منذ عام 2011 وحتى اليوم، وفقًا لقرارات مجلس الوزراء، وبرئاسة النائب العام، كلفت الدولة حوالي 120 مليون دولار، ما بين مصروفات ومرتبات، وبدلات سفر للخارج، إلى جانب أجور المحامين الأجانب، الذين استعانت بهم اللجان.
استرداد الأموال يحتاج إرادة سياسية
من جهته، يرى الإعلامي معتز صلاح الدين، رئيس مبادرة استرداد الأموال المنهوبة بالخارج، أن “الحكومة السويسرية لا يحق لها رفع التجميد عن بعض الأصول الخاصة بنظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك”.
وأضاف في سياق مداخلة هاتفية مساء الأربعاء 20 ديسمبر 2017 في برنامج “رأي عام” على فضائية “تي ان”، مع الإعلامي عمرو عبدالحميد، أن «سويسرا تتحرك وفق قوانينها الخاصة، وقبل عدة أشهر أعلنت سويسرا عن وقف التعاون القضائي مع مصر”؛ مشيرًا إلى أن “موضوع الأموال المهربة يحتاج إلى إرادة سياسية، لدى كلٍ من مصر وسويسرا”.
رئيس مبادرة استرداد الأموال المنهوبة بالخارج أوضح أيضا أن “استرداد الأموال يكون بأحكام قضائية نهائية باتة، وسويسرا ترى أن النظام القضائي في مصر غير مستقر”؛ مضيفًا “أرسلنا للنائب العام السويسري السابق، وتعهد بالتعاون مع مصر”.
معتز صلاح الدين الذي يعمل مستشارا إعلاميا بجامعة الدول العربية أشار أيضا إلى أن “سويسرا لا يحق لها التدخل في قضية غسيل الأموال، ومصر عليها أن تفتح القضية”، ملفتا إلى أنه “وفقًا للقوانين الدولية يحق للدولة السويسرية إعادة الأموال لمصر حتى دون حق قضائي”.
وأضاف أنه “بعد إصدار النيابة العامة المصرية، بياناً، ردًا على وقف الجانب السويسري التعاون القضائي مع مصر، كتبنا بيانًا باللغة الإنجليزية، شرحنا فيه كل ما يخص ملف استرداد الأموال الخاص بمبارك ورموزه، وأرسلناه إلى أكثر من 750 مراسل أجنبي، في مختلف أنحاء العالم”.
وأوضح صلاح الدين أن “قرار سويسرا بشأن وقف التعاون القضائي مع مصر، جاء بعد تحرك بعض المحامين السويسريين”؛ مضيفاً أنه تمت مخاطبة البرلمان السويسري بشأن استرداد الأموال المهربة بعد المصالحات الأخيرة التي تمت مع عددا من الرموز منها حسين سالم، معتبرًا أن “إلغاء سويسرا تجميد أموال مبارك ورموزه لديها، خطوة إيجابية وبادرة أمل”.
رد فعل محامي ونجل “مبارك” على القرار
تحاول السلطات السويسرية التنصل من تطبيق نص قانوني جديد أقرته سويسرا، على نحو يتيح لمصر استرداد أموالها المهربة المتحصلة من جرائم فساد
النيابة العامة المصرية، 26 نوفمبر 2017
وفي أول تعليق له على قرار الحكومة السويسرية؛ قال المحامي الشهير فريد الديب، إن “الرئيس الأسبق حسنى مبارك ليس له دولار واحد فى سويسرا”؛ موضحًا أن “قرار السلطات السويسرية برفع التحفظ عن أموال لديها، يتعلق ببعض المسئولين الذين عملوا خلال حكم الرئيس الأسبق، أو من يطلق الإعلام عليهم رموز نظام مبارك”.
وأشار الديب، محامي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، إلى أن “السلطات السويسرية تأكدت أن علاء وجمال مبارك، كانا يعملان فى أنشطة تجارية بالخارج، لا علاقة لها بمصر”؛ متعجبًا من أن “الإعلام يتحدث عن الرئيس الأسبق دائماً فى قضية الأموال المتحفّظ عليها بسويسرا، فى حين أن هذه الأموال لا علاقة للرئيس الأسبق بها، لأنه لا يملك أموالاً فى سويسرا، و”بيزعل” عندما يُلصق اسمه بهذه القضية”.
في المقابل، علق علاء مبارك، نجل الرئيس الأسبق، على الخبر بتغريدة نشرها على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”، قائلاً: “الحمد والشكر لله.. بِسْم الله الرحمن الرحيم: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)”. وهو ما أثار جدلًا واسعًا، وردودًا شتى من قبل رواد مواقع التواصل الإجتماعي.
يُذكر أخيرا أن النيابة العامة المصرية، انتقدت، في بيان رسمي أصدرته بتاريخ 26 نوفمبر 2017رابط خارجي، قرار سويسرا غلق ملف التعاون القضائي مع مصر، في شأن استرداد الأموال المهربة لرموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك؛ معتبرة أن الأسباب التي بني عليها القرار “غير صحيحة”، واعتبرت أن “السلطات السويسرية تحاول التنصل من تطبيق نص قانوني جديد أقرته سويسرا، على نحو يتيح لمصر استرداد أموالها المهربة المتحصلة من جرائم فساد”، كما جاء في نص البيان.
كانت سويسرا أول دولة تتفاعل مع موجة الثورات الشعبية التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال افريقيا في أوائل عام 2011، وقررت على الفور التجميد الإداري لأصول أعضاء نظام مبارك في هذا الوقت في سويسرا.
تم تجديد التجميد في عام 2016 بسبب استمرار إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة.
لا يمكن مد أمر التجميد الإداري، استنادًا إلى القانون المعمول به حاليا (قانون الأصول الأجنبية غير المشروعة) إلا إذا كان هناك، في إطار إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة، تعاون فعال بين سويسرا وبلد المنشأ للأصول.
في أغسطس 2017، تم اغلاق إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة، نظرًا إلى عدم تحقيق العناصر الأساسية اللازمة لتنفيذها. وكانت لدى السلطات المصرية إمكانيات لاستكمال طلباتها. وبالتالي لم تعد المتطلبات القانونية لمد التجميد تنطبق على السياق المصري.
ينص القانون السويسري على إمكانية مصادرة الأصول التي سبق تجميدها، في إطار المساعدة المتبادلة، عندما لا يكون ذلك ممكنًا، بسبب فشل النظام القضائي للدولة الطالبة، أو بسبب أن المتطلبات الإجرائية المضمونة كحقوق إنسان أساسية لم تتحقق.
كان القرار الذي اتخذته برن بإغلاق إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة في أغسطس 2017 مبنيًا على شروط فنية وقانونية وليس على تقييم سياسي بشأن استقرار السلطات القضائية المصرية.
تعتبر سويسرا أن مصر دولة فاعلة، وتعمل مؤسسات الدولة المصرية، ولا سيما القضاء، على أداء مهامها وتفعيلها، كما ثبت ذلك في الأحكام الصادرة، بما في ذلك عدة أحكام برأت أعضاء نظام مبارك.
تجميد الأصول في سويسرا، تم على أساس ثلاثة تدابير، كما تم رفع التجميد على أساس إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة في أغسطس 2017.
في 20 ديسمبر 2017، تم رفع التجميد الإداري، القائم على “القانون الفدرالي المتعلق بتجميد واستعادة الأصول غير المشروعة التي يمتلكها الأشخاص الأجانب المكشوفون سياسيا”.
لا تزال أصول رموز نظام مبارك، مُصادرة في إطار الإجراءات الجنائية، التي تجرى في سويسرا، من قبل مكتب المدعي العام الفدرالي و لا يزال التحقيق الجنائي السويسري مستمرا ضد 6 أشخاص في الإشتباه في الدعم و/ أو المشاركة في تنظيم إجرامي وغسيل الأموال.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.