العلاقة الشائكة بين منظمة العمل الدولية وقطاع صناعة التبغ
مرة أخرى تواجه منظمة العمل الدولية ومقرها جنيف، ضغوطاً لمراجعة علاقتها بقطاع صناعة التبغ. وخلال الأسبوعيْن الماضيْين، اتخذت وكالة الأمم المتحدة قراراً بشأن صفقات الشراكة التي تهدف إلى إنهاء عمالة الأطفال في البلدان التي يزرع فيه التبغ، وبشأن التزاماتها المستقبلية فيما يتعلق بهذا القطاع.
ففي يوم الأربعاء 31 أكتوبر، التقت الجهات المعنية في منظمة العمل الدولية مع أصحاب العمل والعمال وممثلي الحكومات في مدينة جنيف، لاتخاذ قرار بشأن اقتراح “استراتيجية متكاملة لمعالجة أوجه العجز في العمل اللائق في قطاع التبغرابط خارجي“.
وتهدف الاستراتيجية المتكاملة التي اقترحتها أمانة منظمة العمل الدولية إلى تطوير السياسات، وتعزيز الحوار مع الشركاء الاجتماعيين، ومساعدة مجتمعات زراعة التبغ على معالجة مشكلات مثل عمالة الأطفال وتأمين سبل العيش البديلة.
لكن القضية الأعم التي يتعين اتخاذ قرار بشأنها هي كيف يجب على وكالة الأمم المتحدة أن تتعامل مع قطاع صناعة التبغ في المستقبل، خاصة فيما يتعلق بقبول المساهمات المالية.
ففي الوقت الحالي، لدى منظمة العمل الدولية شراكة مستمرة مع شركة اليابان الدوليّة للتّبغرابط خارجي من أجل مشروع تبلغ قيمته 10 ملايين دولار (10 ملايين فرنك سويسري) (2011-2018) ومنذ عام 2002 دخلت المنظمة في شراكة مع مؤسسة القضاء على عمالة الأطفال في زراعة التبغ (ECLT)رابط خارجي حيث حصلت على 5 ملايين دولار لمشروع حديث.
وتسعى الشراكات القائمة بين القطاعين العام والخاص إلى القضاء على عمالة الأطفال وتعزيز حقوق العمال في المجتمعات المنتجة للتبغ في البرازيل وملاوي وتنزانيا وأوغندا وزامبيا.
وكان لقاء نهاية أكتوبر لقاءً حاسماً بالنسبة للناشطين في مكافحة التبغ الذين يأملون في أن تصبح منظمة العمل الدولية آخر وكالة تابعة للأمم المتحدة في قطع العلاقات مع قطاع صناعة التبغ ولاسيما وقد تم تأجيل قرار مماثل نحو ثلاث مرات في الماضي.
وفي هذا الصدد يقول ميسشا تيرزيكرابط خارجي، مسؤول السياسات والمناصر لتحالف الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية:”أنا أكثر تفاؤلاً هذه المرة، حيث أن العقود تنتهي صلاحيتها في نهاية العام”.
ويضيف قائلاً: “إن منظمة العمل الدولية هي الوكالة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي لا تزال تتلقى هذا النوع من الأموال من قطاع صناعة التبغ. أعتقد أن أمانة منظمة العمل الدولية تدرك أنها الوحيدة التي لا تخضع لنظام الأمم المتحدة، وهي ليست سعيدة بهذا، وهي مهتمة بإيجاد حل لهذا الوضع”.
وقد كان التوصل إلى توافق في الآراء بشأن هذه المسألة مستحيلاً في اجتماعات مجلس الإدارة السابقة. فقد أيدت كل من البلدان الأفريقية المنتجة للتبغ والدول الآسيوية والبرازيل واليابان والولايات المتحدة اقتراح أصحاب العمل بالحفاظ على علاقة منظمة العمل الدولية الوثيقة بشركات التبغ الكبيرة. وهم يصرون على أن هذا القطاع هو المصدر الرئيسي لدخل وتوظيف 60 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. فيما تعارض كندا وأوروغواي والدول الأوروبية كإيرلندا مثل هذا الرأي.
المزيد
سويسرا، مقر رئيسي لشركات التبغ العالمية!
تحفظات الجانب السويسري
وتقول فاليري بيرسيت بيرشر، القائمة بشؤون العمل الدولية في أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية في سويسرا (SECO)، إنها أكثر سعادة بوثيقة الاستراتيجية المستقبلية الجديدة والتي تبدو جوهرية وأكثر شمولا. ويأتي هذا بعد مشاورات منظمة العمل الدولية مع الدول المشاركة في تعادلات القوة الشرائية وهي زامبيا، وتنزانيا، وأوغندا ومالاوي.
وتضيف:” من الواضح تمام الوضوح أن تعادلات القوة الشرائية بالشكل الذي هي عليه اليوم ستنتهي في نهاية عام 2018. إن القلق الكبير بالنسبة لسويسرا هو كيفية الاستمرار في تنفيذ مشاريع في هذا القطاع وتمويلها. فالمشاريع الحالية تتم إدارتها بشكل جيد للغاية من قبل فرق منظمة العمل الدولية، وقد أظهرت هذه المشاريع نجاحاً وتقدما وتأثيرا إيجابياً. وقلقنا هو أن تتوقف. فما هي أفضل طريقة لضمان استمرارية هذه المشاريع بشكل مستدام وبتمويل مقبول؟ “.
لكن بيرشر تبقى متشككة في أن وكالة الأمم المتحدة الثلاثية ستصل إلى حل لهذه المسألة هذا الأسبوع.
وتقول في هذا الصدد:”إن سويسرا منفتحة على حل منظمة العمل الدولية المقترح والموافق عليه، ولكن هناك أحزاب في منظمة العمل الدولية في كل جانب، وسيكون من الصعب التوصل إلى اتفاق”.
وكوكالة تابعة للأمم المتحدة، تجد منظمة العمل الدولية نفسها في موقف صعب. “فسياسة الأمم المتحدة النموذجيةرابط خارجي“، التي صاغتها فرقة العمل المشتركة بين الوكالات المعنية بالأمراض غير السارية ومكافحتها التابعة للأمم المتحدة (UNIATF)، والتي تعد منظمة العمل الدولية عضواً فيها، تدعو جميع أجزاء منظومة الأمم المتحدة للعمل سوياً من أجل اتباع سياسات ثابتة لمنع تدخل دوائر صناعة التبغ.
في عام 2017، تبنى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة (ECOSOC) قراراً يحث الوكالات على اعتماد سياسات تتماشى مع النموذج الأممي. وﻋﻟﯽ اﻟرﻏم ﻣن أن هذه المعاهدة تشغل دورالمراقب وﻟيست طرﻓﺎً ﻓﻲ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ ﻣﻧظﻣﺔ اﻟﺻﺣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻹطﺎرﯾﺔ ﺑﺷﺄن ﻣﮐﺎﻓﺣﺔ اﻟﺗﺑﻎ (FCTC)رابط خارجي، ﻓﺈن ﻟﮭﺎ تداعيات ﻋﻟﯽ ﻣﻧظﻣﺔ اﻟﻌﻣل اﻟدوﻟﯾﺔ، ﺧﺻوﺻﺎً فيما يتعلق بقبول الأﻣوال المحصلة من ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﺗﺑﻎ.
المزيد
رسوم بيانية تسلّط الضوء على اتجاهات التدخين في العالم
ولا يزال الاقتراح الأخير غامضا بشأن هذه المسألة. حيث يشير التقرير إلى أنه “لن يكون من المناسب تجديد تعادلات القوة الشرائية مع صناعة التبغ بعد انتهاء صلاحيتها في عام 2018”. ومع ذلك، تقترح الوثيقة في نفس الوقت صندوقا للتنمية الزراعية من شأنه أن “يسمح للصناعة بتقديم الدعم المالي لتنفيذ الاستراتيجية المتكاملة” ولو عبر تبرعات مجهولة المصدر.
عمالة الاطفال
تقدر منظمة العمل الدولية أن 152 مليون طفل يشاركون في عمل الأطفال في جميع أنحاء العالم. من بين هؤلاء، هناك 108 مليون طفل (71%) يعملون في القطاع الزراعي، بما في ذلك زراعة التبغ.
ولكل من الشركات الأربع الكبرى المنتجة للتبغ أنظمتها الخاصة في تحمل المسؤولية الاجتماعية في بلدان زراعة التبغ. ويعتبر القيّمون على هذه الشركات أنهم يبذلون ما بوسعهم في مراقبة عمل الأطفال وبناء الآبار أو المدارس على سبيل المثال. فشركة ECLT تدعي بأنها قامت بانتشال أكثر من 182،000 طفل من مزارع التبغ في كل من قيرغيزستان وملاوي وموزامبيق وتنزانيا وأوغندا، وأنها أرسلت 27،000 منهم إلى المدارس والتدريب المهني وذلك منذ عام 2011.
كما تقول شركة اليابان الدوليّة للتّبغ إنها قد ساهمت بانتشال 39 ألف طفل من حقول التبغ ووضعتهم في المدارس، كدعم لبرنامج (ARISE) وذلك في الفترة من 2011 إلى 2017. كما تقول إنها ساعدت أيضا 9000 أسرة على تحسين أوضاعها المالية من خلال آليات وقروض بالإضافة إلى وضع 48 سياسة وخطة حكومية بهدف مكافحة عمالة الأطفال في صناعة التبغ.
تأثير صغير
ومع ذلك، فإن المشاركين في الحملات المناهضة لعمالة الأطفال يشككون في فائدة هذه المشاريع للحد من هذه العمالة.
وتقول ماري أسونتا، كبيرة مستشاري السياسات في تحالف مكافحة التبغ في جنوب شرق آسيارابط خارجي: “إن أرقام قطاع صناعة التبغ حول عدد الأطفال الذين تتم مساعدتهم ضئيلة للغاية، ولا يوجد دليل في عدم عودة هؤلاء الأطفال إلى الحقول مرة أخرى من أجل مساعدة أهاليهم “. مشيرة إلى مشاكل عمالة الأطفال في زيمبابوي التي ذكرتها هيومن رايتس ووتش في تقاريرها مؤخراً.
ويعتبر الناشطون في هذا المجال أنهم يستطيعون أن يتعايشوا مبدئياً مع استراتيجية منظمة العمل الدولية الجديدة، والتي تسعى إلى بناء تحالف مع شركاء في التنمية، ولكنهم يرفضون أي تمويل تكون خلفيته صناعة التبغ. وفي الوقت نفسه، يصر هؤلاء الناشطون على أن أي نهج متكامل يجب أن يتجاوز التركيز الضيق على عمالة الأطفال ليشمل قضايا أوسع مثل العقود الأكثر إنصافاً لمزارعي التبغ وأسعار أفضل لأوراق التبغ.
ويوافق مارتي أوتاينزرابط خارجي، الأستاذ المشارك في جامعة كولورادو في دنفر، والذي درس قضية زراعة التبغ في ملاوي، وبوليفيا، والأرجنتين، وتنزانيا، والهند، وكينيا على هذا الرأي قائلاً: “إذا كانت ECLT والجهات الرئيسية الراعية لها، كمنتجي السجائر العالميين ومشتري أوراق التبغ الدوليين ، مهتمة فعلا بالعمال من البالغين والأطفال على حد سواء في حقول التبغ، لسهّلت تحسين مداخيل هؤلاء العمال، ولجعلت عقود العمل أكثر شفافية، ولسمحت أيضاً للمراقبين المستقلين من خارج مؤسسات صناعة التبغ – الذين لا يتقاضون مرتباتهم من هذه الصناعة- بزيارة مزارع التبغ، و لوضعت أيضاً حداً لتدخل دوائر صناعة التبغ في حملات العمال لتشكيل النقابات العمالية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.