“حكومة الوحدة الوطنية ستعرض خطة مُفصّلة على مؤتمر القاهرة”
يُركّـز مؤتمر المانحين الذي تستضيفه مصر يومي 11 و12 أكتوبر 2014 على بحث إعادة إعمار قطاع غزة وعلى كيفية تأمين التمويل اللازم لهذه العملية الضخمة.
وتعرضت غزة في الصيف الماضي إلى حرب شاملة استمرت خمسين يوما وأسفرت عن مقتل 2100 فلسطيني معظمهم من المدنيين ونزوح نحو 500 ألف آخرين من أحيائهم ومساكنهم، وانتهت الحرب باتفاق لوقف إطلاق النار يوم 26 أغسطس الماضي.
تترأس مؤتمر المانحين كل من مصر من الجانب العربي والنرويج من الجانب الدولي، باعتبار الأخيرة كانت راعية اتفاقات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993. كما تترأس النرويج لجنة الارتباط الخاصة، المؤلفة من خمسة عشر عضوا من بينهم سويسرا، والتي تعمل بوصفها آلية التنسيق السياسي على الصعيد الدولي للمساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني. ويشترك في عضويتها كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ومن المرجح أن تضع أوروبا والولايات المتحدة ثقلهما في الميزان خلال مؤتمر القاهرة حيث سيتحول كل من الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للإتحاد الأوروبي كاثرين أشتون ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى العاصمة المصرية لحضور فعاليات المؤتمر يوم الأحد 12 أكتوبر الجاري.
أعلى كثافة سكنية في العالم
يُعاني قطاع غزة من ارتفاع خانق للكثافة السكانية إذ يُقدر عدد سكانه بــ 1.8 مليون ساكن يعيشون على شريط ساحلي ضيق لا تتجاوز مساحته 362 كيلومترا مربعا ويعتمد 70 في المائة منهم على المساعدات الإنسانية مصدرا لعيشهم.
وضربت البطالة بقوة في القطاع مع تشديد اسرائيل الحصار على السكان، الممنوعين من التصدير والسفر، ما رفع نسبة البطالة إلى 40 في المائة. ويُضاف إلى العاطلين 40 ألف موظف تحت مسؤولية حكومة “حماس” المُقالة في غزة التي نضبت مصادر تمويلها السابقة بفعل ارتدادات الحروب الإقليمية وخاصة الصراع في سوريا، وقد تكفلت حكومة الوحدة الوطنية المشكلة مؤخرا بصرف رواتبهم.
خطة فلسطينية مفصلة
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قدر وزير المجلس الاقتصادي لإعادة إعمار غزة الدكتور محمد اشتية حجم الخسائر المباشرة في غزة جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع بما بين أربعة مليارات وستة مليارات دولار بحسب تقديرات أولية. وشدد على أن الحصار، الذي مازال مفروضا على غزة منذ ثماني سنوات، أدى إلى آثار مأسوية على مجتمع اللاجئين في القطاع، إذ حرمهم من ممارسة حقوقهم في السفر والتجارة واستثمار الأراضي الزراعية وسواحل البحر ومن القيام بجميع الأعمال الكفيلة بتطوير القطاع الخاص في غزة.
وأوضح اشتية أن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية وضعت خطة مفصلة ستعرضها على مؤتمر القاهرة، وهي موزعة على ثلاثة مستويات الأول يخص المساعدات العاجلة وقيمتها 414 مليون دولار، ويتعلق الثاني بإنعاش النشاط الاقتصادي في القطاع بكلفة قُدرت بـ1.2 مليار دولار، أما الثالث فيخص إعادة الإعمار على الأمد الطويل وتقدر اعتماداته بــ 2.4 مليار دولار. وقال اشتية إن هذه الخطة ستشكل قاعدة وأرضية لتعبئة الموارد والجهود الرامية لإعادة بناء القطاع، لكنه أكد أن العملية برمتها تحتاج إلى أربعة مليارات دولار بشكل فوري، كما قال إن السلطة الفلسطينية تعتزم طلب 4.5 مليارات دولار من الدول المانحة بعنوان مساهمة في موازنة السلطة حتى 2017.
وشدد اشتية على أن إعادة الإعمار غير ممكنة ما لم ترفع اسرائيل الحصار الذي ضربته على القطاع منذ ثماني سنوات. وبحث رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله مع مسؤولين إسرائيليين مؤخرا إمكانات تخفيف الحصار على غزة بغية تأمين الظروف الدنيا لإعادة الإعمار. غير أن مسؤولا فلسطينيا أكد أن الدولة العبرية “تعمل على عرقلة رفع الحصار عن القطاع”.
إعادة الإعمار في غزة غير مُمكنة ما لم ترفع اسرائيل الحصار الذي ضربته على القطاع منذ ثماني سنوات الدكتور محمد اشتية
مساكن ومستشفيات ومصانع مدمرة
ما الذي سيتم إعادة إعماره في غزة؟ وهل هناك تقديرات لحجمه وإن كانت أولية؟ بحسب إحصاءات الأمم المتحدة دمرت الغارات الاسرائيلية ما بين 16000 و18000 بيتا في قطاع غزة، إضافة لـ 30000 مسكن آخر دمرت جزئيا. كما تعرضت المجمعات التجارية إلى تدمير يراوح حجمه بين 20و100 في المائة.
وقالت المنظمة غير الحكومية الاسرائيلية “غيشا” ( Gisha) إن كثيرا من الفلسطينيين الذين غادروا الملاجئ بعد نهاية الغارات وعمليات القصف عائدين إلى بيوتهم… لم يجدوا مساكنهم بكل بساطة. كما أن المحطة الرئيسة لتوليد الكهرباء في القطاع تعرضت لتدمير جزئي جعل قدرتها على تزويد الأحياء السكنية بالنور الكهربائي عملية عسيرة ومعقدة، بالاضافة إلى تدمير كثير من شبكات توزيع المياه والآبار نتيجة عمليات القصف المكثفة، ما أدى إلى صعوبات كبيرة في إمداد 900 ألف غزي بمياه الشرب بحسب المنظمة غير الحكومية أوكسفام (Oxfam) التي حذرت من احتمال تعفن شبكات مياه الشرب بسبب المياه المتدفقة من قنوات الصرف الصحي المدمرة في غالبية الأحياء، مع ما ينجر عن ذلك من انتشار للأمراض والأوبئة.
وحذرت منظمات ذات مصداقية في مقدمتها الأونروا من أن امتناع اسرائيل عن رفع الحصار على القطاع سيجعل عملية إصلاح شبكات الكهرباء والماء الصالح للشرب تتأخر بين ستة أشهر وسنة، لأن الاسرائيليين يمنعون الفلسطينيين من توريد الاسمنت ومواد البناء الأخرى بدعوى أنهم يستخدمونها لبناء الأنفاق. وعلق فرود مورينغ Frode Mauring، ممثل الأمم المتحدة لتنمية فلسطين على هذا الوضع بقوله في تصريحات صحفية “لا يُمكن أن تبقى غزة في هذه الحال إذ سيتعين على الفلسطينيين الانتظار عشرين شهرا قبل الحصول على الضوء الأخضر من اسرائيل لاستيراد الاسمنت والخرسانة الضروريين لأعمال إعادة الإعمار”.
وفي إطار التخطيط لإعادة الإعمار يشير الخبراء إلى 24 مؤسسة طبية واستشفائية تعرضت للتدمير جزئيا أو كليا، وهي تحتاج لإصلاحات سريعة، بالاضافة إلى 142 مدرسة استهدفتها الغارات الاسرائيلية ما جعلها غير قادرة على استقبال تلاميذها لدى انطلاق السنة الدراسية في 24 أغسطس الماضي. وبحسب الأمم المتحدة أيضا تعرض 100 مصنع للقصف كما أن المشاريع الزراعية لم تسلم من الغارات وكذلك سفن الصيد الفلسطينية “ما جعل التدمير يصل إلى مستوى غير مسبوق” طبقا لما جاء في تقرير لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).
والأرجح أن صمود صيغة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية وتفادي عناصر الانتكاسة والإنقسام السابقة من شأنهما أن ينزعا من أيدي اسرائيل كثيرا من الذرائع التي كانت تستخدمها لعرقلة إعادة إعمار القطاع واستمرار إخضاع سكانه للحصار المُدمر للحياة. كما سيتيح التعاطي مع حكومة الوحدة للدول الغربية التحرر نسبيا من الضغوط الاسرائيلية والتخفيف من خضوعها للمساحة التي تسمح بها السلطات الاسرائيلية للتحرك من أجل إغاثة الفلسطينيين والحد من معاناتهم بإعادة إعمار ما تهدم من بيوتهم ومؤسساتهم الطبية والتجارية والإدارية والاقتصادية.
“بيزنس” إعادة الإعمار
تفكر شركات المقاولات الأوروبية والأمريكية والصينية، وربما الروسية أيضا، في سوق إعادة إعمار غزة باعتبارها حقلا خصيبا لـ”البزنس” في ضوء ما سيُرصد من اعتمادات لهذه العملية الضخمة، التي تقدر بعض الشركات حجم الاستثمارات التي تتطلبها بـ6 مليارات دولار، إذا لم نحتسب سوى الأضرار المباشرة من دون الآثار الجانبية.
أشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن مجموعات فرنسية وألمانية وصينية مهتمة بمشاريع إعادة الإعمار، وهي تسعى حاليا للحصول على حصتها من الكعكة من خلال عرض خدماتها على الفلسطينيين.
ويحتج أصحاب تلك الشركات العملاقة بخبرتهم في إعادة إعمار العراق والتكفل بجميع مراحل الإنجاز حتى تسليم المفاتيح، على رغم قصص الفساد الكثيرة الرائجة عن تلك الفترة وضلوع عدد كبير من الشركات فيها. ودخل الصينيون أيضا إلى الحلبة عارضين قدرتهم الفائقة على جلب عشرات الآلاف من العمال في وقت قياسي وكذلك قدرتهم على تعبئة أموال غزيرة لتمويل عمليات إعادة الإعمار.
من غير المستبعد أن تدخل الشركات الاسرائيلية إلى بورصة إعادة الإعمار لتجني مقاولاتها أرباحا طائلة من إصلاح ما دمرته الطائرات والدبابات الإسرائيلية على مدى خمسين يوما…
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.