“سويسرا من البلدان السبّاقة إلى دعم المسار الديمقراطي في تونس”
أطلقت تونس وسويسرا في أكتوبر 2017 بحضور وزير الخارجية خميس الجهيناوي والمستشارة الفدرالية سيمونيتا سوماروغا، المرحلة الثانية من "الاستراتيجيا الجديدة للتعاون"، التي تغطي السنوات 2017-2020، بعدما حققت المرحلة الأولى أهدافها، والتي شملت ثلاثة مسارات تجمع بين دعم الانتقال الديمقراطي وتشجيع المشاريع التنموية وإدارة ملف الهجرة.وبعد سنوات من توتر العلاقات الثنائية بسبب خلافات حول ملف الحريات وحقوق الانسان في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987-2011)، اتخذت العلاقات بين برن وتونس انعطافة نوعية يصف ملامحها ونتائجها وزير الخارجية خميس الجهيناوي في هذا الحوار الخاص مع swissinfo.ch.
swissinfo.ch: ما هو حصاد التعاون الثنائي بعد الإنطلاقة الجديدة للعلاقات التي أعقبت رحيل الرئيس الأسبق بن علي؟
خميس الجهيناوي: أولا لسويسرا علاقات خصوصية مع تونس، إذ أن طموح الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة (1956-1987) كان يتمثل في جعل تونس سويسرا العالم العربي، وبالتالي بالاضافة إلى العلاقات الثنائية المُتميزة التي انطلقت منذ خمسين سنة، فإن سويسرا تُعتبر أنموذجا مجتمعيا يتطلع التونسيون للإقتراب منه والإستلهام من ميزاته. ثم كانت سويسرا من أوائل الدول التي رحبت بالتغيير والإنتقال الديمقراطي في تونس سنة 2011. وربما، كردة فعل على تعطُل العلاقات مع النظام السابق، سارعت إلى التوقيع على اتفاق شراكة مع تونس، بعد مرور بضعة أسابيع فقط على الثورة، شمل ثلاثة محاور: في المحور الأول وباعتبار سويسرا دولة ديمقراطية متشبثة بحقوق الانسان، تركَز جزءٌ كبيرٌ من الإتفاق على دعم تونس في مجالات حقوق الانسان والشفافية والإنتقال الديمقراطي عموما. وتركز الجانب الثاني على تقديم المساعدة لتونس التي تُعاني منذ 2011 من مصاعب تنموية، وقد وضعت سويسرا برنامجا خاصا لهذه المساعدة. أما الجانب الثالث فيتعلق بملف الهجرة.
الهجرة في قلب الإتفاقات الثنائية
وقعت تونس وسويسرا عددا لا بأس به من الإتفاقات الثنائية من بينها اتفاق هام أبرم في عام 2012 يتم بمُوجبه إعادة المهاجرين التونسيين غير النظاميين من سويسرا إلى تونس.
كما توصل البلدان إلى اتفاق آخر يخص “برنامج إدماج المهاجرين في الإستراتيجيات الوطنية للتنمية”، يمتدُ تنفيذه من 2014 إلى 2018 بقيمة 730.000 فرنكا منحتها الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. ويرمي المشروع لدعم الجامعات التونسية وجعلها قطبا جامعيا في كامل القارة الإفريقية.
في عام 2012 أيضا، وقع الجانبان اتفاقا لحماية وتطوير الإستثمارات دخل حيز التنفيذ اعتبارا من عام 2014.
إضافة إلى ذلك، أنشأ البلدان إطارا مؤسّسيا للحوار حول ملف الهجرة يجمع مرة في السنة خبراء من الجانبين.
swissinfo.ch: لو نأتي إلى هذه المحاور الثلاثة بالتفصيل؟
خميس الجهيناوي: إذا نظرنا إلى مجمل التعاون التونسي السويسري منذ 2011 فإن حجمه يُقدر ب ـ500 مليون دينار (170 مليون فرنك) تقريبا، وقد توجه بالأساس إلى بعض المشاريع التي ترمي لتعزيز قدرات الدولة التونسية في مرحلة التحوُل الديمقراطي، من خلال مكافحة الفساد وإرساء الحوكمة والشفافية في إدارة المال العام، أو المشاريع المندرجة في إطار الأولويات التونسية، مثل مجالات تمكين المرأة وإيجاد فرص عمل للعاطلين والتنمية المحلية، وهذا يدلُ على وجود انسجام بين المساعدات السويسرية وأولويات تونس التنموية. وتم تجديد ذلك الإتفاق بمناسبة زيارة وزير الخارجية السويسري السابق ديديي بوركهالتر إلى تونس في 2016، ثم وقعنا (في أكتوبر 2017 – التحرير) على استراتيجيا جديدة للتعاون تغطي الفترة من 2017 إلى 2020 وتنسجم مع الأولويات التونسية.
swissinfo.ch: في مجال الهجرة تحديدا توصلت تونس وبرن في عام 2012 إلى اتفاق يتم بموجبه إعادة المهاجرين التونسيين غير النظاميين من سويسرا إلى تونس. كم من شخص شملهم هذا الإجراء؟ وهل تحاورتم مع السلطات السويسرية بشأن الباقين هناك؟
خميس الجهيناوي: ثمة خصوصية يتسم بها التعاون التونسي السويسري في هذا المجال، فبالرغم من أن عدد المهاجرين التونسيين ضئيلٌ، كانت سويسرا من البلدان السباقة إلى إرساء تعاون نعتقد في تونس أنه مثالي، ومع ذلك هو قابلٌ للتحسين. نبدأ بكيفية مساعدة التونسيين الموجودين في سويسرا بصفة غير شرعية على العودة والإندماج في الدورة الإقتصادية، فقد تعهدت سويسرا لجميع التونسيين الراغبين في العودة بمساعدتهم على ذلك، مع تقديم بعض المعونات المالية، لتمكينهم من بعث مشاريع في بلدهم. وهذا يلتقي مع سياستنا في مجال الهجرة. أما الجانب الثاني فيتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية، فنحن نُرحب بكل تونسي يرغب في العودة إلى وطنه، ونتعامل مع هؤلاء بعد التثبُت من هوياتهم ونساعدهم على العودة إلى تونس. وتُتيح هذه الصيغة تعاونا كبيرا مع الجانب السويسري، علما أن عدد التونسيين الذين هم في هذه الوضعية ليس كبيرا. الجانب الثالث في هذا الملف يتمثل في توسيع تلك الشراكة بتكوين بعض الشباب عن طريق وزارة التكوين المهني والتشغيل، مما يسمح لهم بالولوج إلى سوق العمل السويسرية عن طريق القطاع الخاص.
swissinfo.ch: كم شخصا انتفع بهذه الآلية؟
خميس الجهيناوي: العدد لا يرتقي إلى مستوى طموحاتنا، لكننا في حوار مباشر مع الجهات السويسرية المعنية كي نوسّع هذا الحوار، لأن هذا النموذج هو في صميم أهدافنا لمعالجة البطالة في تونس، وبخاصة حاملي الشهادات العليا، الذين يُقدر عددهم بـ 250 ألفا إلى 300 ألف شاب لم تمكنهم شهاداتهم من الإندماج في سوق العمل. وإذا استطاعت سويسرا أو أي بلد آخر أن يُوفِّر لهؤلاء تكوينا إضافيا يسمح لهم بالحصول على فرص عمل فنحن نُرحب.
نريد أن يُسمح للتونسيين بالدخول للفضاء الأوروبي وسوق العمل فيه بطريقة منظمة وقانونية
swissinfo.ch: كم عدد هؤلاء؟
خميس الجهيناوي: العدد مازال ضئيلا ولم يتجاوز 50 شخصا حتى الآن، وأملنا أن نُوسّع هذا التعاون، بالاشتراك بين وزارة التكوين المهني التونسية والجهات السويسرية المعنية، فنُمكن هؤلاء الشباب من الولوج بصورة أيسر إلى سوق العمل السويسرية. هذا هو هدفنا مع الجانب الأوروبي بصورة عامة، وقد طرحناه على الإيطاليين والفرنسيين والأوروبيين عموما، في إطار ما يُسمى بـ”الهجرة الدائرية”، أي أن يُسمح للتونسيين بالدخول للفضاء الأوروبي وسوق العمل بطريقة منظمة وقانونية، فأوروبا محتاجة إلى هجرة انتقائية.
نحن نمتلك طاقات كبيرة من الشباب المُتكونين الذين سيكون وجودهم في السوق الأوروبية مفيدا في إطار شراكة متكافئة بين الطرفين، فهذه الشراكة تحقق أهدافا عدة منها أولا تمكين هؤلاء الشباب من الحصول على فرص عمل، كما تُتيح أيضا الإستجابة لمتطلبات سوق العمل الأوروبية في إطار الهجرة المنظمة.
swissinfo.ch: تم التوصل إلى بروتوكول تفاهم بين تونس وسويسرا في 11 يونيو 2012 لإرساء “شراكة في مجال الهجرة” ولم يتم تنفيذه، فما العائق دون ذلك؟
خميس الجهيناوي: التنفيذ جار بصفة تدريجية، ومثلما أسلفتُ طموحُنا أبعد من هذا، إلا أن كيفية التنفيذ صعبة، ولذلك لم يتمتع بهذه الآلية سوى 19 شخصا، وطموحنا أن نصل في 2018 إلى 50 شخصا، ويبقى هذا العدد ضئيلا جدا أمام طلبات الشغل في تونس.
swissinfo.ch: أقرت ألمانيا أخيرا قانونا يقضي برفض منح اللجوء لمواطني ثلاث دول عربية من بينها تونس باعتبارها دولا آمنة، هل تتوقع أن تحذو سويسرا حذوها؟
خميس الجهيناوي: سويسرا دولة مستقلة وسيدة قرارها، وهي تتخذ القرارات التي تناسبها، أما نحن فالذي يهمنا هو أن نتعامل مع هذه الأطراف بكل ندية. نتفاعل مع طلباتها، ونأخذ في الإعتبار أيضا حقوق مواطنينا، فنحن مسؤولون عن احترام حقوق هؤلاء التونسيين المقيمين في الفضاء الأوروبي، حتى لو لم يكونوا في وضعية قانونية، لسبب أو لآخر. هدفنا هو ترسيخ التعاون الدولي، وروح الدبلوماسية هي معالجة هذه الوضعيات بطريقة سلسة احتراما لقوانين تلك الدول. في المقابل، نحرص ونسهر على ضمان حقوق مواطنينا التونسيين.
swissinfo.ch: هناك دعوات أوروبية لإقامة معسكرات يتم فيها تجميع المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء، ما موقف تونس من هذه الدعوات؟
خميس الجهيناوي: موقفنا واضح وتونس لا تريد مثل هذه المنصات أيديولوجيا وثقافيا. موضوع الهجرة ليس جديدا، فهناك أمم بأسرها تكونت نتيجة للهجرة في القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، وهي اليوم قوى عظمى في العالم. وقبل ثلاثين سنة لم يكن هناك مشكل تأشيرات، بل كان الإنتقال بين ضفتي المتوسط مُتاحا. نحن نعتقد أن الهجرة ستبقى، خلافا لما يُتداول في الأوساط الأوروبية، عنصر إثراء وإخصاب للتعاون بين الشعوب. والمهم اليوم هو تنظيم هذه الهجرة، ونحن في تونس نعمل على حماية حدودنا لكي لا يكون بلدُنا مُصدِرا للهجرة غير الشرعية. وكلما تمكنا من حماية حدودنا بصفة أنجع، كان عدد المهاجرين أقل، وهذا ما حصل في أعوام 2014 و2015 و2016 إذ كان عدد المهاجرين غير الشرعيين قليلا. لكن للأسف زاد هذا العدد في فترة وجيزة سنة 2017 في حين ظلت إمكانات مراقبة الحدود قليلة نسبيا، بسبب اهتمامنا بنفقات أخرى خُصّصت لتعزيز الأمن الوطني ومكافحة الارهاب. واليوم نحن بصدد إعادة النظر في كل هذا من خلال التعاون المباشر مع جارتنا إيطاليا، وغايتنا ألا يغادر أي مواطن تونسي أرض البلاد خلسة. إلا أننا نريد في مقابل ذلك من البلدان الأوروبية الصديقة، التعاون لكي نعالج ظاهرة الهجرة بطريقة مغايرة.
swissinfo.ch: بعد مرور أكثر من سبع سنوات على قيام برن بتجميد أصول تابعة للرئيس السابق ومقربين منه مودعة في مصارف سويسرية، لماذا لم تتمكن السلطات التونسية حتى الآن من إقناع الجهات القضائية المعنية بضرورة إعادتها إلى تونس؟
خميس الجهيناوي: أولا سويسرا تفاعلت مع طلبات التونسيين بتجميد الأموال، وكانت من الدول الأولى التي مكنت تونس من استرجاع الطائرة الرئاسية التي كانت رابضة في الفضاء السويسري. ثم أفرجت عن 250 ألف فرنك، أعتقد أن تونس استعادتها وهو بلا شك مبلغ غير كبير. هناك أيضا حوالي 60 مليون فرنك تم تجميدها إلى حدود 2014، ثم استجابت السلطات السويسرية لطلب تونس بتمديد التجميد إلى 2017، وتم التمديد مجددا إلى 29 يناير 2019. أعتقد أننا في تفاعل مباشر مع السلطات السويسرية لتعميق هذا التعاون القضائي، وهدفُنا بالأساس هو استرجاع تلك الأموال في أقرب الأوقات الممكنة، مع أن قيمتها ليست كبيرة جدا، لكنها مفيدة لتونس في ظل الوضع الخاص الذي تمر به حاليا.
من التجميد إلى المُصادرة؟
يسمح القانون الفدرالي الجديد المتعلّق بإعادة الودائع غير المشروعة، والذي دخل حيّز النفاذ في بداية فبراير 2011 للمحكمة الإدارية الفدرالية بمصادرة الأصول المُجمّدة التي تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة، إذا كانت البلدان الأصلية المعنيّة قد أخفقت في إجراء الملاحقات القضائية بشأنها.
في هذه الحالة تحديدا، تُستخدم الأصول لتمويل برامج “يستفيد منها سكان البلدان المعنيّة، لتحقيق المنفعة العامة”.
في هذا الصدد، تحثُ سويسرا الحكومة التونسية على الإسراع في تقديم الوثائق اللازمة لمساعدتها على تحديد طبيعة مصدر تلك الأموال المجمّدة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.