دبلوماسي سويسري رفيع المستوى يُدافع عن التعاطي التركي مع محاولة الإنقلاب
في أعقاب الإنقلاب الفاشل الذي عاشته تركيا يوم 15 يوليو الماضي، دافع إيف روسيي، كاتب الدولة السويسري للشؤون الخارجية في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام محلية يوم الأربعاء 10 أغسطس الجاري عن تحرك الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان. كما شدد على ضرورة إجراء حوار والعمل من أجل المصالحة، معتبرا أن التصريحات العدوانية ليست سوى مضيعة للوقت.
في الحديث الذي نُشر يوم الأربعاء 10 أغسطس الجاري، استجوبت صحيفتا “در بوند” (تصدر بالألمانية في برن) و”تاغس أنتسايغر” (تصدر بالألمانية في زيورخ) إيف روسيي بالخصوص عن وضع الأتراك المقيمين في سويسرا الذين لا يُساندون أردوغان، والذين تعرضوا بالفعل إلى تهديدات من طرف الحكومة التركية وعدد من المنظمات القريبة منها.
إيف روسيي أقرّ بأن “النبرة المعتمدة من طرف بعض المتدخلين كريهة، لكن ليس بإمكاننا السيطرة عليها. هناك الكثير من الأشياء المسموح بها في خصومة سياسية. النقد مسموح به”.
أظهر المجتمع المدني التركي في العديد من المناسبات أنه لا يخضع للترهيب بسهولة
إيف روسيي اعتبر أيضا أن من صلوحيات السلطات القضائية أن تحدد ما إذا كانت الدعوات إلى الإبلاغ عن الأصوات المنتقدة لأردوغان في سويسرا خاضعة للمعاقبة أم لا. وصرح قائلا: “أعتقد أن المجتمع المدني التركي أظهر في العديد من المناسبات أنه لا يخضع للترهيب بسهولة. ولهذا السبب أخفق انقلاب 15 يوليو فقد نزل الناس إلى الشارع بالرغم من أنه كان يتم إطلاق النار عليهم. لم يكونوا خائفين، بل إن الشجاعة المدنية كانت أقوى. إنها علامة صحية”.
الرئيس أردوغان الذي كان يوم الثلاثاء 9 أغسطس في زيارة إلى روسيا لمحاولة تنشيط التعاون مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، انتقد بشدة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي واتهمهما بالخصوص بقلة التضامن مع تركيا بعد محاولة الإنقلاب وبالإنشغال بقدر أكبر بحقوق المتآمرين المزعومين.
تطورات تستحق التنويه
في السياق، اعتبر إيف روسيي أن التصريحات العدوانية، كالتي أطلقها سيباستيان كورتس، وزير الخارجية النمساوي، لا تُسفر عن الكثير من النتائج. ففي نهاية الأسبوع المنقضي، هدد كورتس بتعطيل تمديد المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الإتفاق التاريخي بشأن الهجرة الذي تم التوصل إليه قبل أشهر بين بروكسل وأنقرة.
ولكن لماذا تسمح سويسرا بأن يتعرض بعض المقيمين فيها إلى التهديد من طرف حكومة أجنبية في حين أن النمسا تُعلن عن رفضها الواضح لذلك؟ عن هذا التساؤل أجاب روسيي قائلا: “كل بلد يردّ الفعل بطريقته. فمنذ البداية، دعت سويسرا إلى ضبط النفس وإلى التصالح بين القوى الديمقراطية. لقد كان رد فعلنا قويا لكنه لم يكن استعراضيا”.
إيف روسيي أضاف أن سويسرا تعتزم مساعدة تركيا على أن تظل دولة قانون، منوها إلى أن “البلد أنجز في هذا الصدد، تطورات مقدرة خلال العشريات الأخيرة في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان”. وسوف تتخذ المساعدة السويسرية شكل حوار مستمر ليس مع الحكومة فقط بل مع المجتمع المدني أيضا.
عمليات تطهير واسعة
من جهة أخرى، تتيح المنظمات السويسرية غير الحكومية المتواجدة على عين المكان لسويسرا إمكانية التمييز بين الوقائع والإشاعات، على حد قول إيف روسيي الذي أضاف: “اليوم، أضحت تركيا مجتمعا حضريا عصريا. لقد كانت الأوضاع مختلفة تماما قبل 30 عاما. ورسالتنا هي التالية: (لا تدمّروا ما قمتم ببنائه)”.
منذ البداية، دعت سويسرا إلى ضبط النفس وإلى التصالح بين القوى الديمقراطية. لقد كان رد فعلنا قويا لكنه لم يكن لمجرد الإستعراض
على إثر محاولة الإنقلاب، شنت السلطات في تركيا حملات تطهير مكثفة في صفوف الجيش والقضاء والإدارة والجامعات ووسائل الإعلام لاستبعاد الأنصار المحتملين لفتح الله غولن، المتهم بالوقوف وراء التخطيط للإنقلاب الذي تم إجهاضه.
في هذا السياق، قال إيف روسيي إنه منشغل بإمكانية وضع التطورات الديمقراطية التي شهدتها السنوات الخمس عشرة الماضية والقانون الدستوري موضع تساؤل، مشددا على أن “هذا هو العامل الحاسم، لا أن تكون مُحبّا لرئيس دولة أم لا”.
وعندما لاحظ له الصحافي أن الأمر لا يتعلق بمحبة أردوغان من عدمها وأن المشكلة تتعلق بالرغبة المعلنة من طرفه بـ “تطهير” البلد، ردّ روسيي بالإشارة إلى أنه يُوجد ميل دائم للمبالغة في تقدير التحركات الفردية.
رد فعل “طبيعي”
وأضاف: “لو أن تركيا قالت بالفعل وداعا لمبدإ دولة القانون، فإنها ستكون كارثة. لكن انظروا ما الذي يحدث في الوقت الحاضر: لقد حصل تقارب بين حزب العدالة والتنمية (الحاكم) وبين أحزاب المعارضة. بالتأكيد، حصلت ردة فعل على محاولة الإنقلاب لكن هذا أمر طبيعي. إن الإنقلاب أمر كارثي بالنسبة لدولة قانون”.
“تخيلوا فقط لو أن الجيش السويسري هاجم البرلمان وأطلق النار على مدنيين. ستكون هناك إيقافات. لكن توسيع مجال الإيقافات لتشمل الأشخاص المنتقدين للحكومة لن يكون مقبولا. الأمر المهم هو أن يتمكّن الأشخاص المعنيون بالدفاع عن أنفسهم أمام محكمة”.
“ذاك التعليق ساذج”
يبلغ مصطفي أتيشي السادسة والأربعين من العمر وهو عضو في تشكيلة الحكومة المحلية لكانتون بازل المدينة نيابة عن الحزب الإشتراكي (يسار). مولود في تركيا وهو مقيم في سويسرا منذ عام 1992.
في حوار أجرته معه صحيفة تاغس أنتسايغر رابط خارجييوم الخميس 11 أغسطس 2016، أوضح لماذا اعتبر أن إيف روسيي كان “ساذجا” عندما أبدى تفهما لممارسات الحكومة التركية المتعلقة باعتقال أفراد من المعارضة طالما أنهم سيحظون بمحاكمة نزيهة أمام القضاء.
يقول أتيشي: “النظام القضائي (في تركيا) كان أكثر استقلالية قبل 30 عاما مما هو عليه اليوم. حتى قبل المحاولة الإنقلابية، قام أردوغان مرارا وتكرارا بحبس المئات من القضاة الذين لا يتلاءمون مع خطه السياسي. لذلك، فما هي المحاكم المستقلة التي سيلتجئ إليها هؤلاء الأشخاص؟”
أتيشي انتقد أيضا إشارة روسيي إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم قد ساعد على تحويل تركيا إلى “مجتمع حديث وحضري”. وطبقا لكاتب الدولة السويسري للشؤون الخارجية، فإن “الأمور كانت مختلفة تماما قبل 30 عاما”.
في تصريحاته، أقـرّ أتيشي بأنه “حصل تطور في ظل حكم حزب العدالة والتنمية في الأعوام الأولى”، إلا أنه استدرك قائلا: “لكن منذ بضع سنوات بدأ البلد في السير إلى الخلف. فقد ساءت الأوضاع المتعلقة بحرية الصحافة وحماية الأقليات بشكل أكبر. كما أن عملية الدمقرطة بصدد التراجع. إن المحاولة الإنقلابية تعبيرٌ عن التطور اللاديمقراطي للسنوات الأخيرة. أنا سعيد بفشل الإنقلاب”.
في المقابل، قال أتيشي إنه يتفق مع روسيي في مسألتين: “أولا، أنه يجب علينا مساعدة تركيا على أن تُصبح أكثر ديمقراطية. ثانيا، أنه يتعيّن على سويسرا أن تواصل العمل على التحاور مع البلد. يجب علينا أن نشرح بوضوح لتركيا ما الذي نعنيه بالديمقراطية الدستورية، أي: حقوق الإنسان وحرية الصحافة وقضاء مستقل. روسيي لم يقل ما يكفي بهذا الشأن”.
(نقله إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.