رسوم الإذاعة والتلفزيون: تغيير النظام المثير للجدل
هل هي ضريبة جديدة الغرض منها تمويل هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، أم أنّها مجردُ تعديل يهدف إلى جعل الرسوم القائمة أكثر معقولية ومواكبة مع تطوّر وسائل وأنماط استهلاك الراديو والتلفزيون؟ الكلمة الفصل بشأن إعادة النظر في قانون الإذاعة والتلفزيون ستكون للناخب السويسري في الاستفتاء الذي سيجري يوم 14 يونيو 2015.
“أنْ نحسب الرسوم تبَعا للوحدات السكنية بدلا من عدد الأجهزة المُستخدَمة أمر منطقي، لاسيّما وأن متابعة البرامج الإذاعية والتلفزيونية لم تعُد اليوم حِكرا على الأجهزة التقليدية، بل هناك أجهزة أخرى، والكل يحمل جهازا في جيبه”. هذا الرأي لـكورت فلوريرابط خارجي، أحد نواب الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين) ومن أنصار اقتراح تعديل القانون.
أما رولاند بوخلرابط خارجي، النائب في حزب الشعب (يمين شعبوي) والذي يعارض المقترح فيقول: “أنْ تكون الهواتف الذكية والأجهزة اللّوحية مزوّدة بإمكانية التِقاط موجات الراديو والتلفزيون، لا يعني استخدامها في ذات الأمر، إننا أمام فرض ضريبة جديدة وهذا غيْر معقول”.
ويُشار إلى أن القانون السويسري يقضي بفرض رسوم إلزامية على سماع الراديو ومشاهدة التلفزيون، تصبّ معظمها في مصلحة هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسريةرابط خارجي، التي تُعتبر المؤسسة الأم لـ swissinfo.ch، والتي تأخذ على عاتقها مهمّة تقديم الخِدمة الإعلامية العمومية في جميع المناطق، الثقافية واللغوية، في سويسرا، وباللّغات الوطنية الأربع (الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش)، وهذه المسألة لن يطرأ عليها أيّ تغيير بمُوجب المقترح الجديد.
قانون عفا عليه الزمن
ووِفقا للوضع الحالي، يمكن للأسَر التي ليس لديها جِهاز تقليدي، راديو أو تلفزيون، أن تُطالب بإعفائها من الرسوم، بينما تقَع على شركة “Billagرابط خارجي” بتكليف من الحكومة الفدرالية، مهمة جمع الرسوم المستحقّة، ويحِقّ لها القيام بعمليات كشف وتحرّي لمعرفة ما إذا كان الشخص لا يمتلك أيّ جهاز وهو فعلا أهل لأن يُعفى من الرّسوم، وإلا فإن كلّ من يُخالف أو يتخلّف عن السّداد، سواء كان شخصا أو شركة، فإنه يكون عُرْضة للمعاقبة بدفع غرامة مالية.
ومع ذلك، ترى الحكومة – ومعها أغلبية البرلمان – أن هذا القانون تجاوزه الزّمن، حيث أصبح بالإمكان متابعة البرامج المسموعة والمرئية عن طريق الكمبيوتر والأجهزة اللّوحية والهواتف الذكية، ومن المنطقي جدا، الإنتقال من وضعية الرسوم المالية المُقتصِرة على أجهزة الراديو والتلفزيون، إلى وضع أكثر شمولا ويواكب التقدّم التكنولوجي في وسائل الاتصال.
ضريبة جديدة على وسائل الاتصال
في 26 سبتمبر 2014، وافق البرلمان على مشروع تعديل القانون الفدرالي بشأن الإذاعة والتلفزيون، بواقع 137 صوتا مؤيِّدا مقابل 99 صوتا معارِضا وامتناع 7 عن التصويت، وبحسب هذا التعديل، ستُصبِح كلّ أسْرة وكل شركة خاضعة للرسوم، مع وجود إمكانية لاستثناء الشركات التي يقِل حجم مبيعاتها السنوي عن 500 ألف فرنك، بالإضافة إلى الأشخاص المُستفيدين من المساعدات [الإجتماعية] التكميلية أو المقيمين في دُور رعاية المسنين أو في منازل الطلاّب. كما تُعفى، لمدة خمس سنوات، الأسَر التي تثبت عدم امتلاكها لأيِّ جهاز يستقبل البث الإذاعي أو التلفزيوني.
ومن جانبه، أبدى الاتحاد السويسري للفنون والحِرفرابط خارجي معارضته لمقترح التعديل، ونجح في الحصول على الموافقة لإجراء استفتاء بهذا الخصوص يوم 14 يونيو 2015، ووِفقا للاتحاد، الذي يضم الشركات الصغيرة والمتوسطة، تريد الحكومة من خلال هذا الإجراء سَنّ ضريبة جديدة على وسائل الاتّصال، “بغضّ النظر عمّا إذا كان الشخص يمتلِك جهاز استقبال أم لا، أو إذا كان يتابع البرامج الإذاعية والتلفزيونية أم لا، أو إذا كان بإمكانه الْتقاط البثّ أم لا، وعلى الجميع أن يدفع الضريبة الجديدة قسْرا، هذا غيْر عادِل وغير مُنصف”، وِفق قول الاتحاد.
ويعترض الإتحاد على الأساس الذي سيتم بمُوجبه مستقبلا إعداد السجل الخاص بالأسَر والشركات الخاضِعة للرسوم، حيث سيكون سجِل الأحوال المدنية هو المرجِع بالنسبة للأسَر، وسِجل ضريبة القيمة المضافة هو المرجع بالنسبة للشركات، وهذا يعني إلْـزام الجميع تلقائيا بهذه الضريبة.
وعلى الجبهة الأخرى، ومِن وجهة نظر أنصار مشروع القانون الجديد، فإن 75٪ من الشركات سوف لن تخضع للرّسوم، لأن حجم مبيعاتها السنوي سيكون أقلّ من 500 ألف فرنك، كما أن من شأن إقرار القانون أن يقلِّل من قيمة الرسوم التي تدفعها الأسَر.
انعكاسات المشروع على هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية
يقترح مشروع القانون الفدرالي بشأن الإذاعة والتلفزيون جُملة تعديلات، من أهمِّها زيادة الموارد المالية الخاصة بهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، وتسهيل النّظم والتدابير المتعلِّقة بمنح التراخيص.
ومن الناحية العملية، ستحصل هيئة الإذاعة والتلفزيون على حِصة أكبَر من إجمالي عائدات الرسوم، حيث من المُمكن أن تصِل حصّتها إلى 6٪ بدلا من 4٪ حاليا، أي بزيادة تصل إلى 27 مليون فرنك.
من شأن هذه الزيادة أن تُتيح لمقدِّمي خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني، من القِطاع الخاص، تحسين التأهيل الأساسي، فضلا عن تحسّن التأهيل المستمر للعاملين في القطاع الإعلامي بشكل عام، بالإضافة إلى تعزيز الرقمنة.
رسوم أقل
من المفروض للنظام بعد التعديل أن لا يؤثِّر في إجمالي إيرادات رسوم الإذاعة والتلفزيون، وينبغي لما تدفعه الشّركات من زيادة، أن يقابله خفض في الرسوم التي تدفعها الأسَر، وبحسب توقّعات الحكومة، ستنقص قيمة ما تدفعه الأسَر من رسوم سنوية من 642 فرنكا حاليا إلى 400 فرنك.
مسألة أخرى أثارت حفيظة مؤيّدي الاستفتاء،رابط خارجي الذين يعارضون في واقع الأمر مشروع التعديل، وهي احتفاظ الدولة بحق تقرير الزيادة والنقصان في قيمة الرسوم المفروضة، وهو ما سيفضي بحسبهم إلى زيادتها مستقبلا: “من الواضح أنها ضريبة جديدة، يجري الترويج لها بمهارة عبْر القول بأن الرسوم ستُخفّض إلى 400 فرنك، إذ ليس في نصوص المقترح الجديد ما يؤشِّر على ذلك، وستقوم الحكومة بزيادة الرسوم، تماما كما فعلت في الماضي”، على حدّ قول رولاند بوخر.
غير أن لمروّجي التعديل الجديدرابط خارجي وجهة نظر مغايِرة، فهُم يقولون بأن مِن المنطقي أن تقلّ الرسوم، نظرا للمنحنى التصاعُدي للتِّعداد السكاني، وإن: “الرسوم ليست ضريبة، بل يجِب أن تتوافق مع حصيلة الإيرادات، وزيادة عدد السكان تزيد المحصول، الذي من شأنه أن يقوم إلى تخفيض الرسوم”، كما أوضح كورت فلوري.
ضريبة مُزدوَجة
هذه “ضريبة قسرية”، إنها “احتيال”، وهي أخت “الضريبة المُزدوجة”، هكذا يقول الاتحاد السويسري للفنون والحِرف بلا تردّد، ويضيف: “الكلّ سيدفع بصفته الشخصية، وأصحاب الشركات والمدراء والموظفون، حتى أصغر موظف، سيدفعون مرتيْن”.
وردّا على هذا الموقِف، اعتبر أنصار القانون الجديد بأنه “من الحق” أن لا تُستثنى الشركات، وقالوا: “لو أردنا أن نعمل بمنطق الإتحاد السويسري للفنون والحِرف، فسيتعيّن أن لا تدفع الشركات لا رسوما ولا ضرائب”.
توضيحات الحكومة تُثير جدلا
أما توضيحات الحكومة الفدرالية الخاصة بمشروع رسوم الإذاعة والتلفزيون، التي تعتبر جزءا من مواد الاستفتاء وتُوزّع على كلّ مَن له حق التصويت، فلم تأت على هوى الإتحاد السويسري للفنون والحِرف، لاسيما وأنه صاحب مبادرة الإستفتاء على ما اعتبره تعميم ضريبة إضافية.
ومما أثار حفيظة الإتحاد على وجه الخصوص، العِبارة التي تقول: “من المُحتمل أن تبلغ رسوم وسائل الاتِّصال ألف فرنك خلال السنوات القادمة”، حيث صاغتها الحكومة بصياغة مغايِرة فقالت: “وبحسب لجنة الإستفتاء، من المحتمل أن تبلغ رسوم وسائل الإتصال ألف فرنك خلال السنوات القادمة”، الأمر الذي اعتبره الاتحاد مغالطة وتلاعُب، يُظهِر الحقيقة وكأنها مجرّد رأي للجنة الاستفتاء.
وفي معرض ردِّها على هذا الإنتقاد، اعتبرت الحكومة في الرسالة التي وجّهتها إلى وكالة الأنباء السويسرية، بأن الصياغة محلّ الاعتراض لم تُغيّر شيئا من مضمون رأي لجنة الإستفتاء، وأن المقصود ببساطة، هو الإشارة إلى مصدر تلك المعلومة.
وفي بيان صادِر عنه، رفض الإتحاد السويسري للفنون والحِرف، تبسيط القضية بهذا الشكل واعتبر بأن تحوير العِبارة ألقى بظلال من الشكّ على الحقيقة المُدعّمة بالأدلّة الواقعية، وأن هذا السلوك، برأيه، ينتهِك حرية الرأي والإقتناع وحرية التصويت، ولذلك فقد طالب بتزويد الناخبين قبل التصويت بنصٍّ صحيح وذي مصداقية.
ومن جانبها، قالت الحكومة بأنه من “السّذاجة” اعتبار التنصيص على مصدر المعلومات انتهاكا للحقوق السياسية.
(المصدر: وكالة الأنباء السويسرية)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.