مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ساسة ونشطاء ومسؤولون: “تونس لا تزال واقفة على قدميها”

صورة وزعتها وزارة الداخلية التونسية تُظهر تحرك المُسلّحيْن اللذين نفذا العملية الإرهابية داخل أروقة متحف باردو يوم 18 مارس 2015. swissinfo.ch

وصفها الباجي قايد السبسي رئيس الجمهورية بأنها "مُصيبة نزلت على رؤوس التونسيين". والمقصود بها حادثة متحف باردو التي خلفت وراءها أثقل حصيلة لعملية إرهابية تمت في تونس حيث بلغت 23 قتيلا (بمن فيهم منفذيْ العملية) وحوالي 50 جريحا معظمهم من السيّاح الأجانب. وبذلك تكون الحرب على الإرهاب قد دخلت مرحلة جديدة، وقد تكون لها تداعيات اكثر خطورة في مستقبل الأيام. فهل يكفي ذلك للقول بأن تونس "قد انتهت" كما جاء في عنوان استفزازي لصحيفة فرنسية؟

لقد كشفت عملية 18 مارس الإرهابية عن وجود إخلالات أمنية فادحة وفرت الفرصة لاقتحام أهم متحف رابط خارجيفي البلاد وتحقيق هذه الحصيلة الثقيلة في الأرواح. وإذ حاولت بعض الأطراف الرسمية أن تقلل من ذلك، إلا أن انتقال رئيس الحكومة على عين المكان وقراره في وقت متأخر من الليل عزل 12 قياديا أمنيا، وإحالة آخر على القضاء، قد أكد التقصير الأمني الذي أشار إليه رئيس الدولة، والذي تمثل في ضعف التنسيق والتواصل بين مختلف الأجهزة الأمنية. وهكذا يعود موضوع الإصلاح الأمني ليفرض نفسه من جديد.

محاولة الإغتيال الاقتصادي

من جهة أخرى يُواجه القطاع السياحي تحديا إضافيا بسبب الرجّة التي أحدثتها هذه العملية، والتي ترتب عنها مباشرة إلغاء 3000 حجز (حوالي 3 بالمائة من إجمالي الحجوزات).

وقد تخفي الأيام القادمة تداعيات سلبية إضافية، لكن عملية باردو وفرت في المقابل فرصة عجيبة ليس فقط لتعزيز الوحدة الوطنية الداخلية بين مختلف مكونات الشعب التونسي، بل لتعزيز حالة التضامن الدولي مع تونس، وإظهارها أمام الرأي العام العالمي في صورة البلد المستهدف في ديمقراطيته الناشئة وفي ثقافته الممتدة في التاريخ والمتنوعة والمنفتحة على العالم.

فالذين قاموا بالإعتداء اختاروا متحفا هو الثاني في العالم من حيث احتوائه على كمية هائلة من لوحات الفسيفساء النادرة، ومن جهة أخرى تهديدهم بمحاولة اختراق مبنى البرلمان رمز السيادة الشعبية لدولة خرجت على التو من نظام مستبد وعدواني.

ثقة العالم في تونس تتجدد

دوليا، عبّر نشطاء مواقع الإتصال الإجتماعي عن مساندتهم بوسائلهم الرمزية من خلال رفع شعارات من قبيل “كلنا باردو” و “سنأتي لقضاء العطلة في تونس خلال الصائفة القادمة”. وهو ما شجع مجلس نواب الشعبرابط خارجي على التوجه نحو تنظيم مسيرة شعبية ضد الإرهاب يوم 29 مارس الجاري ستشارك فيها شخصيات من العالم، قد يكون من بينهم رؤساء دول. وما حدث في باريس يمكن أن يتكرر في تونس في رسالة رمزية مفادها أن الإرهاب لن يُخيف شعوب الأرض مهما اكتسى هذه المسحة الدموية المؤلمة.

وقد تزامن ذلك مع تنظيم المنتدى الاجتماعي العالميرابط خارجي الذي ينعقد في تونس للمرة الثانية على التوالي، شارك الآلاف في افتتاح فعالياته، وقرروا أن يكون أول نشاط لهم هو تنظيم مسيرة حاشدة اتجهت نحو متحف باردو، رافعين شعارات مناهضة للإرهاب ومساندة لتونس.

هل فشل الإرهاب نتيجة حتمية؟

في هذا السياق، أكدت قيادات سياسية في تونس أن “الإرهاب لن يهزمنا”. قالها الرئيس الباجي قايد السبسي في ذكرى عيد الاستقلال (20 مارس)، ودعم ذلك رئيس حركة النهضةرابط خارجي راشد الغنوشي عندما توجّه للجماعات المسلحة التي قررت استهداف الدولة التونسية ورموزها ومسارها الإنتقالي قائلا: “خسئتم وخسأ مسعاكم”، واصفا إياهم بـ “الخوارج الجدد”.

وقد شن الغنوشي هجوما قويا غير مسبوق على تنظيمات “داعش” و “القاعدة” ومشتقاتها، انطلاقا من استشعاره بحجم المخاطر التي أصبحت تمثلها هذه التنظيمات على تونس وتجربتها الديمقراطية الوليدة. ولم يكتف بذلك، بل أيّد بقوة دعوة السبسي إلى المصالحة الوطنية، واعتبر في إحدى تصريحاته أن هذه الدعوة “جاءت في وقتها”، مضيفا بأن “التصدي للإرهاب والتحديات الكبرى التي تواجه تونس يتطلبان مصالحة وطنية بين التيارات السياسية الكبرى في البلاد وهي التيار الدستوري الذي ركز على فكرة الدولة، والتيار الإسلامي الذي ركز على فكرة الهوية، والتيار اليساري الذي ركز على العدالة الإجتماعية”.

التصدي للإرهاب والتحديات الكبرى التي تُواجه تونس يتطلبان مصالحة وطنية بين التيارات السياسية الكبرى في البلاد
راشد الغنوشي، رئيس حزب حركة النهضة 

وبذلك يكون رئيس حركة النهضة قد عمل على الإبتعاد عن التيارات السلفية وخاصة العنيفة منها، وهي التيارات التي ساهمت في إضعاف حركته خلال السنوات الأخيرة. كما أن خطاب الغنوشي جاء أيضا ليؤكد حرصه على ربط علاقة جديدة مع الدستوريين من جهة، ومع اليسار التونسي من جهة أخرى، وذلك رغم أن هذا اليسار لا يزال يعتبر نفسه في حالة صراع وجود مع مختلف مكونات الإسلام السياسي بما في ذلك حركة النهضة.

ليبيا وتداعيات الجوار

على صعيد آخر، أعادت العملية الإرهابية الحديث مجددا عن أهمية العلاقة الإستراتيجية القائمة بين تونس وليبيا. ولا يعود ذلك فقط إلى أن الشابّين اللذين نفذا هجوم باردو قد تدربا في ليبيا، وإنما أيضا لما يشهده البلد المجاور من انهيار سياسي وأمني خطير، خاصة بعد أن أصبح لتنظيم داعش قاعدة ترابية وعسكرية ومالية داخل ليبيا (في مدينتي درنة وسرت حسبما يتردد)، مع ارتفاع عدد المقاتلين من أصول تونسية في هذا التنظيم المتشدد، يحتل البعض منهم مواقع قيادية فيه.

لقد أصبحت الحدود المشتركة بين البلدين مصدر قلق المسؤولين التونسيين، لأنها ظلت – بالرغم من الجهود المبذولة لحراستها – الممر الرئيسي لتسلل الإرهابيين، والبوابة المفتوحة أمام شبكات التهريب. وفي الواقع، لم يسبق لتاريخ تونس المعاصر أن أصبحت فيه ليبيا تشكل تهديدا مباشرا لاستقرار البلاد وسلامة دولتها وشعبها مثلما يحصل الآن.

ولهذا السبب، بدأت الدبلوماسية التونسية في التعديل من سياستها تُجاه الصراع بين الفرقاء الليبيين، حيث أشار الباجي قايد السبسي إلى أن “قوات فجر ليبيا هي التي تسيطر على الأراضي المتاخمة لتونس، وبالتالي فإن التعامل معها هو شرط من شروط حماية المصالح الحيوية” لبلاده، دون أن يعني ذلك استعداء حكومة برقة التي لا تزال سيطرتها على الأرض محدودة، رغم الإعتراف الدولي بها.

تونس ليست أرض إرهاب.. ولكن

من هذا المنطلق، يرفض رئيس الجمهورية التسليم بأن الإرهاب تونسي، ويشاطره في ذلك الغنوشي أيضا. فتونس من وجهة نظرهما ليست أرض إرهاب، وحجة السبسي في ذلك أن الخلايا الناشطة في تونس متكونة من أشخاص متعددي الجنسيات، منهم الجزائري والليبي والقادمين من الصحراء. لهذا يؤكد على أن الإرهاب “إقليمي بالأساس”، أما من جهته فالغنوشي ينفي وجود تنظيم داعش في تونس، وإنما يتم استقطاب العناصر الموالين لهذا التنظيم في ليبيا ثم يرسلون للقيام بعمليات تخريبية في البلاد.

لكن السؤال الذي لم يتمكن التونسيون حتى الآن من الإجابة عنه هو: لماذا تعتبر تونس المصدر الرئيسي (مقارنة بعدد سكانها) للمقاتلين في سوريا والعراق وبعض بؤر التوتر الأخرى في المنطقة؟

رغم عملية باردو الخطيرة وتداعياتها الكارثية، ورغم حجم المخاوف والتهديدات القائمة، إلا أن تونس لا تزال “واقفة على قدميها” مثلما يؤكد الساسة والمسؤولون، ولم تستسلم بعدُ لمن يريدون تحويلها إلى “مجرد إمارة تابعة”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية