مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التحكُّم بالانترنت من مسقط رأس روسّو

جو ماثيوز

لا تُشكِّل الأساليب الحالية لإدارة الإنترنت نظاماً مُتسقاً، كما وأنها ليست نظاماً ديمقراطياً بالتأكيد. وعلى العكس من ذلك، أصبحت حوكَمَة الإنترنت اليوم عبارة عن صراع على السُلطة بين أقوى شركات التكنولوجيا التي تضع مُساهميها في المقام الأول وتريد أن يصبح الانترنت مجالاً حُراً للجميع، والحكومات الوطنية التي تمنح الأولوية للمصالح السياسية لمسؤوليها.

في إطار هذه المُنافسة، يخلق كلا الجانبين مَظهَراً زائفاً للديمقراطية. هكذا مثلاً، أنشأت شركة فيسبوك مجلس “الرقابة المستقل”رابط خارجي الخاص بها المكون من عدد من الخبراء العالميين [الذين يعيشون في 27 دولة ويتحدثون 29 لغة على الأقل]. ومن الملاحظ أن أعضاء هذا المجلس غير مُنتخبين، ولكن مُختارين من قِبل فيسبوك. [ويمكن لهذه الهيئة المستقلة إصدار أحكام على سياسات فيسبوك والمساعدة في الإشراف على المحتوى وسماع الطعون في القرارات الحالية]. أما الاتحاد الأوروبي فيُرَوِّج لتنظيمه الأكثر صرامة بخصوص حماية البيانات والخصوصية على الإنترنترابط خارجي – لكن هؤلاء المُنَظِمين غير مُنتَخبين بدورهم، ويفرضون قواعدهم على الأشخاص الذين يعيشون بعيدأ عن أوروبا.

لهذا السبب، يحتاج الإنترنت إلى حكومة ديمقراطية تعمل خارج نطاق شركات التكنولوجيا أو الحكومات الوطنية. ومن الضروري أن يكون مثل هذا النظام محلياً – بغية السماح للناس بإدارة الإنترنت من مكان إقامتهم – وعابراً للحدود، تماماً مثل الإنترنت نفسه.

حتى الآن، لا توجد هناك رؤية واضحة المعالم لمثل هذه الحكومة، ولكن هناك العديد من اللبنات الأساسية التي يمكن مزجها معاً.

ميثاق للحقوق الرقمية

قامت شبكةٌ من منظمات حقوق الإنسان تتخذ من أوروبا مقراً لها بوضع ميثاقٍ للحقوق الرقمية ، تنص المادة 4 فيه على سبيل المثال على أن “لكل شخص الحق في حرية الكلام والتعبير في العالم الرقمي”، والتي يمكن أن تكون جُزءاً من دستور حكومة الإنترنت. كذلك تقدم “مبادرة الشبكة العالمية” (NetMundial Initiative) التي تم تطويرها في السنوات الأخيرة، وبدفعة قوية من المنتدى الاقتصادي العالمي وحكومة برازيلية سابقة، أفكاراً للحوكمة الدولية للإنترنت مَبْنِية حول مجلس إدارة يمزج بين أعضاء دائمين ومتناوبين.

هناك أيضاً دروس يمكن استخلاصها من شركة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصةرابط خارجي (أو آيكان) ICANN  الديمقراطية غير ربحية إلى حد ما، والتي نجحت في إدارة جزء ضيق من الإنترنت – مثل مسؤولية توزيع مجالات العناوين في بروتوكول الإنترنت – بمشاركة أكثر من 110 دولة من عام 1998 إلى عام 2016.

من المُهم أيضاً أن تكون أي حكومة فعّالة في مجال الشبكة العنكبوتية جماعية – لأن قوة الإنترنت وقيمته التجارية لا تكمن في أي مُستخدم أو بيانات فردية، ولكن في تجميع المستخدمين والبيانات. وفي مقال في مجلة ‘نويما’ (Noema)رابط خارجي، اقترح مات بريويت، رئيس مؤسسة ‘راديكال إكس تشينج’رابط خارجي (RadicalxChange Foundation) هيكلة حوكمة الإنترنت ليس حول حقوق البيانات الفردية، بل حول مجموعة من “تحالفات البيانات” – أو اتحادات عبر الإنترنت – من شأنها أن تمنح مجتمعات المستخدمين سلطة ديمقراطية.

“لا يمكن ان تكون البيانات مملوكة، ولكن يتعين إدارتها” كما كتب بريويت. “يجب أن تكون البيانات موضوع قرارات ديمقراطية جماعية وليس قرارات فَردية أُحادية الجانب”. هذا يمثل تحدياً خاصاً للأنظمة القانونية الليبرالية، التي عادةً ما تُركز على الحقوق الفردية”.

حكومة ديمقراطية للإنترنت

على نفس المنوال، فإني اقترح أن تقوم حكومة الإنترنت الديمقراطية بالجَمْع بين أشكال مُتَعَدِّدة من الحُكم الديمقراطي.

وعليه، يجب أن يكون مِحور مثل هذه الحكومة عبارة عن مجلس للمواطنين – وهي أداة تستخدمها الدول والمُجتمعات حول العالم للحصول على أحكام ديمقراطية مُستقلة عن قرارات النُخب. وسوف يتألف مثل هذا المجلس من 1000 شخص، يُمَثِلون معاً – بحسب العمر، والجنس، والأصل القومي – مجتمع مُستخدمي الانترنت حول العالم. ولن يتم انتخاب هؤلاء بشكل فردي، ولكن من خلال عمليات عشوائية تستخدم الفَرْز (أو نظام القُرعة).

سوف يتم استكمال هذا المجلس من خلال مِنَصّة تَسمح للناس بالإبلاغ عن المشاكل، وتقديم المقترحات، أو حتى تقديم التماس لمقترحات يمكن لمُستخدمي الانترنت التصويت عليها من كل مكان، في استفتاء عالمي. وتتضمن نماذج مثل هذه منصة روسورابط خارجي (Rousseau) الالكترونية التفاعلية المُثيرة للجدل التي تحكم حركة النجوم الخمسة الإيطالية نفسها من خلالها، ومنصة ‘مدريد تقرررابط خارجي’ (Decide Madrid)، التي تُعَد جزءاً من جيل جديد من التقنيات المدنية مفتوحة المصدر التي يمكن استخدامها لإشراك الجمهور في صُنع القرار. وقد انتشر هذا الاطار التشاركي عبر الإنترنت من العاصمة الإسبانية إلى أكثر من 100 مدينة في جميع أنحاء العالم.

مقر رئيسي حقيقي في سويسرا

على الرغم من أن الحكومات الوطنية وشركات التكنولوجيا سوف تبذل قُصارى جهدها للتأثير على هذه الحكومة،  لكن الأخيرة لن تكون خاضعه لسيطرتها. علاوة على ذلك، فإني أقترح أن يتم حَلّ كل مجلس بعد عامين أو ثلاثة أعوام، مما يُصَعِّب على الأطراف المُتنفذة ممارسة الضغط عليها.

وفي الوقت الذي ستتواجد فيه هذه الحكومة المُفترضة على الإنترنت، لكن يمكن أن يكون لها مقر في العالم الحقيقي في مدينة جنيف، التي شهدت ولادة الفيلسوف والكاتب السويسري جان جاك روسو في القرن الثامن عشر .

وفي حال صمَدَت مثل هذه الحكومة وكُتب لها النجاح، فإنها يمكن أن تَنْضَم إلى صفوف المُنظمات الدولية التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، مثل منظمة الصحة العالمية، أو الصليب الأحمر الدولي. كما يمكنها أيضاً أن تقدم نموذجاً للحكم الديمقراطي الدولي لمُعالجة المشاكل العالمية خارج نطاق الإنترنت، ابتداءً من الصحة العامة وحتى تغير المناخ.

سلسلة حرية التعبير: الحلقة الثالثة

إذا كان لِشبكة الإنترنت أن تخدم الديمقراطية في جميع أرجاء العالم، فسوف يَتَعَيَّن أن تكون لها حكومتها العالمية الخاصة. ويُمكن لمثل هذه الحكومة أن تكون قائمة على الانترنت، مع توفرها في الوقت نفسه على مقرٍ حقيقي في جنيف، كما يقترح جو ماثيوز، الذي يُحرر عمودا حول الديمقراطية في موقع SWI swissinfo.ch.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية