المفاوضات حول الإتفاق المؤسساتي بين برن وبروكسل تدخل مرحلة حاسمة
تحت ضغط شديد، يتفاوض روبيرتو بالزاريتّي، وزير الدولة السويسري للشؤون الأوروبية،حاليا مع بروكسل حول شروط اتفاق ـ إطاري بين سويسرا مع الإتحاد الأوروبي. وعندما يطلع المرء على النقاط المتعثرة، يُدرك الصعوبة التي تكتسيها المُهمَّة.
من المنتظر أن تدخل المفاوضات حول هذا الاتفاق ـ الإطاري المؤسساتيرابط خارجي الشهير بين سويسرا والإتحاد الأوروبي في مرحلة «سياسية» جديدة في وقت قريب. على الصعيد الدبلوماسي، لقد تمَّ تنقيح التفاصيل، ولكن العديد من جوانب المضمون لا تزال غير واضحة. ويهدف الإتفاق إلى ضبط تفسير وتنفيذ الإتفاقيات الثنائية المهمة والعلاقات المستقبلية بين برن وبروكسل. في الواقع، هناك ثلاثة أسئلة بالنسبة لسويسرا تبدو بسيطة للوهلة الأولى:
ـ كيف سيكون العمل بالإتفاقية على أرض الواقع؟
ـ ما هي الإتفاقيات الثنائية الموجودة، وبالتالي ما هي القطاعات المعنية؟
ـ ما هي المسائل الأخرى التي تعتمد على المفاوضات؟
مع ذلك، فإن الإجابات عنها ليست بسيطة بالمرة. وباللجوء إلى محكمة التحكيم التي يتعيّن عليها تسوية النزاعات، استطاع وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس الإجابة على العديد من التساؤلات، في بداية شهر مارس 2018، حول عملية السير المستقبلية للإتفاقية. إلا أنَّ الجدل لا يزال قائماً حول القطاعات التي سيشملها النص وحول التغييرات الملموسة التي على سويسرا أن تقدمها للإتفاقيات المعنية. ولزيادة تعقيد الأمور، يمكن الربط بين جميع الأشياء بكل الطرق الممكنة. وبعبارة أخرى، لا شيء يتقرر طالما لم يتقرر كل شيء.
كيف تسير الأمور؟
ي شهر يوليو 2018، سلَّمت وزارة الخارجية السويسرية وثيقة معلوماترابط خارجي عن الإتفاق (باللغة الألمانية). تبرز فيها بشكل خاص النقاط الأربع التالية:
1). إن تطوير القانون في الإتحاد الأوروبي يبقى مُعرّضاً للإصطدام ببعض الإجراءات الوطنية مثل الإستفتاء الشعبي. وفي المستقبل، ستشارك سويسرا بشكل أكبر في وضع القواعد القانونية الجديدة للإتحاد الأوروبي.
2). تقوم السلطات المختصة للأطراف المعنية مع اللجنة المشتركة، بصفتها هيئة الإشراف العام، بالإشراف على التنفيذ.
3). يجب أن يتوافق تفسير قانون المجتمعات الأوروبية المُعتَمد مع الفقه القانوني (المبادئ والأسس المستندة للقانون) لمحكمة العدل الأوروبية.
4). في حالة النزاع، هيئة التحكيم هي التي تفصل في نهاية الأمر.
لا تزال الدراسة القانونية للإتفاق المستقبلي جارية في محكمة العدل الأوروبية. يبقى أن نعرف إن كانت هذه الأخيرة ستوافق على آلية تضع في الحسبان منح هيئة تحكيمية القدرة على البت في القضايا المتعلقة بقانون السوق الموحدة أم لا.
خمسة أم سبعة؟
من ضمن أكثر من مائة اتفاقية ثنائية مُبرمة بين الطرفين، تريد سويسرا أن تُدرج خمسة منها في النص الجديد، في حين يود الإتحاد الأوروبي إدراج سبعة. وتتفق برن وبروكسل على قطاعات الزراعة والنقل البري والجوي، والعوائق التقنية للتجارة والتنقل الحر للأشخاص، كما ذكرت مؤخراً يوومية “بليك” “Blickرابط خارجي” الناطقة بالألمانية ويريد الاتحاد الأوروبي أن يُدرج الأسواق العمومية واتفاقية التجارة الحرة لعام 1972 في الإطار المؤسساتي. لماذا؟ لأنه إذا طرأت خلافات حول هذين النصين، تقع مسؤولية تسويتها على الدبلوماسيين في إطار ما يُسمى باللجان المُشتركة. بل يود الإتحاد الأوروبي على العكس سلطة قضائية مُلزمة في هذين القطاعين.
ويشتدُّ الجدل بشكل خاص حول ما سماه إينياتسيو كاسيس بـ “الخطوط الحمراء”. وفي هذا الصدد، تُعتبر التدابير التعويضية المُتعلقة بحماية الأجور والعمال، التي تعتبرها الحكومة الفدرالية غير قابلة للتفاوض، شوكة في حلق الإتحاد الأوروبي. فبالنسبة لسويسرا، فإنه من الصعب سياسياً تخيّل إضعاف هذه الأدوات التي جعلت منها النقابات خطها الدفاعي وسوف تتمسك بها. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهذه التدابير مُجحفة. وعلى سبيل المثال، يُنظَرُ إلى فترة الثمانية أيام الممنوحة للحرفيين وعمال البناء لتسجيل أنفسهم على أنها انتهاك لحرية حركة الأشخاص.
كما تصطدم مطالب أخرى للاتحاد الأوروبي بمقاومة شديدة. وتدافع سويسرا عن نفسها ضد:
ـ الإعتراف بمواطنة الإتحاد في سويسرا أيضاً.
ـ السماح للشاحنات التي تزيد حمولتها عن 40 طناً بعبور أراضيها.
ـ الحظر التام لجميع مساعدات الدولة في القطاعات المتضررة. مع أنَّ هذه المساعدات راسخة بقوة في السياسة الوطنيةـ بدءًا بمشاركات الكانتونات في رساميل المصارف وصولا إلى دعم الإقتصاد، مروراً بتخفيف الضرائب المفروضة على الشركات والمعونات الزراعية.
كل ذلك يُمكن أن يُؤدي إلى عواقب خطيرة
هنا، لا يجب أن يغيب عن المرء أن لهذه التوجّهات السياسية الأوروبية أيضاً العديد من الآثار الجانبية.
فإذا لم تتوصل برن وبروكسل إلى اتفاق، يُمكن أن تكون العواقب خطيرة جداً على الاقتصاد السويسري. إذ تعتمد الملفات العالقة بين الطرفين منذ وقت طويل (مثل الإتفاقية المتعلقة بالكهرباء أو تحديد فترة الإعتراف بالبورصة السويسرية بعام واحد) على نجاح المُفاوضات. وبالنسبة لقضية البورصة بشكل خاص، لا أحد يُنكر أن هناك حالة مُستعجلة. لدرجة أنَّ وزير المالية أولي ماورررابط خارجي جعل منها مسألة مصيرية للسوق المالية السويسرية. وفي حال لم تتراجع بروكسل، سينبغي على برن أن تطبق نفس الإجراء على الإتحاد الأوروبي وتتوقف عن الإعتراف بالبورصات الأوروبية.
كما يتأثر بذلك أيضاً ما يُعرف بـ “مليار التماسك” المُخصّص لفائدة دول أوروبا الشرقية. فبعد ضربة جان كلود جونكر غير المتوقعة في نوفمبر 2017 تجاه البورصة، هددت الحكومة الفدرالية في بداية الأمر بعدم دفعه. وعلى الرغم من أنها وافقت في نهاية المطاف على تحويل مبلغ 1,3 مليار فرنك على مدى عشر سنوات، فإن أثرها لا يزال واضحاً على الإتفاق الإطاري. وفي السياق، رأى نواب البرلمان من تيارات الوسط واليمين في ذلك فرصة ضائعة على سويسرا لإظهار قوتها. وفيما تحدَّث ألبير روشتي، رئيس حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) عن «مكافئة الوصول إلى السوق» غير مقبولة، يعتقد النائب الإشتراكي ايريك نوسباومر أنها عبارة عن «استراتيجية مناسبة للتفاوض».
وبما أنَّ القضية لم تكن معقدة بما فيه الكفاية، خاصة من الناحية القانونية وطموحة أكثر من اللازم بالنسبة للمُهَل على الصعيد الداخلي، فقد تتمكن السياسة العالمية من خلط الأوراق بشكل أكبر. وبالفعل، تُسهم النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا بمنح هذه الأخيرة إمكانية وضع تدابير وقائية استثنائية تجاه أي بلد آخر. وسوف تستفيد سويسرا من ذلك. وكلما زاد هامش الإتحاد الأوروبي لحماية الشركات السويسرية من الإجراءات الإنتقامية الأمريكية، كلما كانت وسيلة الضغط المُتاحة لبروكسل أقوى.
إنها أسئلة بسيطة، وأجوبة مُعقّدة ـ ومن ثمّ أسئلة جديدة. سياسة داخلية وسياسة خارجية، مناظرات جوهرية ونقاشات بين القانونيين: وتتشابك جميع الأمور. والوقت يمر بسرعة: في عام 2019، ستشهد كل من سويسرا والاتحاد الأوروبي انتخابات، وتسعى جميع الأطراف لإيجاد وِفاق هذا العام أيضاً. ولكن في سويسرا، سيجعل حزب الشعب السويسري، وهو الحزب الأول في الغرفة السفلى في البرلمان، من هذه المعركة تجاه الإتفاق الإطاري واحدة من أهم مواضيع حملته الإنتخابية.
في نهاية المطاف، وأيّا كانت الأنباء التي سيأتي بها الدبلوماسيون السويسريون من بروكسل، فإنها ستُحدث ضجة في القصر الفدرالي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.