سويسرا تأسف لانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان
في برن، عبّرت الحكومة السويسرية عن خيبة الأمل إزاء قرار الولايات المتحدة الإنسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كما دافعت عن "الدور الرئيسي" و"الأثر الملموس" للمنتدى الدولي الذي يتخذ من جنيف مقراً له.
وفي بيان أصدرته يوم الأربعاء 20 يونيورابط خارجي الجاري، قالت وزارة الخارجية إن “سويسرا تأسف لقرار الولايات المتحدة بالإنسحاب من مجلس حقوق الانسانرابط خارجي الذي تعتبره هيئة أساسية في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان ككل”.
وقالت الوزارة إنها لا تزال ملتزمة بالمنتدى المُكوّن من سبعة وأربعين عضوا، والذي له “تأثير ملموس على الميدان، لا سيما من خلال نشر بعثات تقصي الحقائق ولجان تحقيق في الحالات المثيرة للقلق”.
بعد الكثير من التكهنات، أكدت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء 19 يونيو الجاري أنها ستنسحب من مجلس حقوق الإنسان الذي يتخذ من جنيف مقراً له، واصفة إياه بأنه “منافق وخادم لمصالح ذاتية” مع تحيّز مزمن ضد إسرائيل وافتقار إلى الإصلاح.
وقالت الحكومة: “إن سويسرا على قناعة بأن المشاركة النشطة للولايات المتحدة في عمل المجلس لها تأثير إيجابي على حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. لكنها تحترم قرارها السيادي وستواصل التعاون بشكل بنّاء مع الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان”.
يُذكر أن سويسرا لعبت دوراً أساسياً في إنشاء مجلس حقوق الإنسان في مارس 2006 ليحل محل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي تم إنشاؤها في عام 1946، وتعرضت لانتقادات على نطاق واسع كما عانت من تسييس أعمالها بشكل كبير (انظر المعلومات).
بدوره، قال السفير السويسري لدى الأمم المتحدة في جنيف، فالنتان زيلفيغررابط خارجي، إن الانسحاب الأمريكي سيكون له “تأثير عميق” على المجلس و “عواقب كبيرة”.
مجلس حقوق الإنسان
في سبتمبر 2005، عرضت وزيرة الخارجية السويسرية السابقة ميشلين كالمي-ري التصور المقترح لـ “مجلس حقوق الإنسان” لتعويض لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (تأسست في عام 1946) التي اتسمت بقدر كبير من التسييس وكانت محل انتقاد على نطاق واسع.
بعد أن حظيت الفكرة بالقبول الرسمي من طرف الأمم المتحدة في خريف عام 2005، التأمت الدورة الأولى لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في يونيو 2006 في مقره في قصر الأمم بمدينة جنيف.
يقدم المجلس تقاريره مباشرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهو يتألف من سبعة وأربعين دولة عضو، يتم اختيارها بالأغلبية المطلقة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
يجتمع المجلس ثلاث مرات على الأقل في السنة ويُمكن له أيضا عقد اجتماعات خاصة لمناقشة حالات طارئة أو أزمات خطيرة.
منذ بدء أشغاله، كلّف المجلس محققين مستقلين للنظر في العديد من الحالات بما في ذلك سوريا وكوريا الشمالية وميانمار وجنوب السودان. ومع أن قراراته ليست ملزمة قانونيا، إلا أنها تحمل في طياتها سلطة أخلاقية.
“إصلاحات.. إصلاحات”
يوم الثلاثاء 19 يونيو الجاري، انسحبت الولايات المتحدة من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، متهمة إياه بـ “النفاق” وبـ “الإنحياز” ضد اسرائيل. وتوجهت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي الى واشنطن لتعلن مع وزير الخارجية مايك بومبيو عن القرار. وأكد بومبيو وهايلي أن الولايات المتحدة ستبقى على رأس المدافعين عن حقوق الانسان. لكن القرار يعكس – في نظر الكثيرين – عداء الرئيس دونالد ترامب للأمم المتحدة وللتعددية في العمل الدبلوماسي بشكل عام.
القرار جاء بعدما انتقد مجلس حقوق الإنسان واشنطن بسبب فصلها للأبناء القاصرين للمهاجرين غير الشرعيين عن ذويهم الذين يتطلعون للحصول على لجوء بعد دخولهم البلاد من المكسيك، لكن هايلي وبومبيو أكدا ان القرار اتخذ بعد سنة من الجهود لدفع المجلس الى القيام باصلاحات، واستبعاد الدول الأعضاء التي ترتكب تجاوزات، منه.
في تصريحاتها، قالت هايلي أيضا: “نحن بحاجة الى هذه الإصلاحات لنجعل المجلس محاميا جديا مدافعا عن حقوق الانسان”. وأضافت “لفترة طويلة كان مجلس حقوق الانسان حاميا لمرتكبي تجاوزات لحقوق الانسان ومرتعا للإنحياز السياسي”. وتابعت “للأسف، من الواضح الآن أن دعوتنا الى الإصلاح لم تلق آذانا صاغية”. وكانت هايلي حذرت قبل عام من أن واشنطن يمكن ان تنسحب من المجلس اذا لم تجر اصلاحات. وقالت: “نتخذ هذه الخطوة لأن التزامنا لا يسمح لنا بأن نظل أعضاء في منظمة منافقة وتخدم مصالحها الخاصة وتحوّل حقوق الإنسان الى مادة للسخرية”.
وكانت هذه الهيئة التابعة للأمم المتحدة التي تتخذ من جنيف مقرا لها أنشئت في عام 2006 لتشجيع وحماية حقوق الانسان في العالم. لكن اعلاناتها وقراراتها تضاربت في أغلب الاحيان مع أولويات الولايات المتحدة. وتبدي واشنطن امتعاضها خصوصا من إدانات المجلس للممارسات الإسرائيلية حيال الفلسطينيين في الأراضي التي تحتلها الدولة العبرية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن هايلي أكدت أن مجلس حقوق الانسان قصّر في توجيه انتقادات لانتهاكات فاضحة لحقوق الانسان من قبل دول مُعادية للولايات المتحدة مثل فنزويلا وكوبا.
ومن جهته، قال بومبيو إن “الدول تواطأت مع بعضها لتقويض الطريقة الحالية لاختيار الأعضاء”، مضيفا أن “انحياز المجلس المتواصل والموثق بشكل جيّد ضد اسرائيل تجاوز الحدود”. وتابع وزير الخارجية الأمريكي قائلا أنه “منذ تأسيسه، تبنى المجلس عددا من القرارات التي تدين اسرائيل تفوق تلك التي أصدرها على دول العالم مجتمعة”.
“مثير للأسف”
في السياق، أثنى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قرار ترامب “الشجاع” بالإنسحاب. وفي بيان رحب بنيامين نتانياهو بالخطوة الأمريكية، مؤكدا أن “المجلس اثبت على مدار سنوات طويلة أنه جهة منحازة وعدائية ومعادية لإسرائيل تخون مهمتها وهي الدفاع عن حقوق الإنسان”. وأضاف “بدلا من التركيز على أنظمة تنتهك حقوق الإنسان بشكل ممنهج، يتركز المجلس بشكل مهووس على إسرائيل الدولة الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط”، معتبرا أن “قرار الولايات المتحدة الإنسحاب من هذه المنظمة المنحازة يشكل تصريحا لا لبس به بأن الكيل طفح”.
في المقابل، انتقدت عدة دول أخرى القرار، بما في ذلك روسيا والصين وهولندا وبريطانيا، حيث وصفه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بأنه “مؤسف”. وقال الإتحاد الأوروبي إن هذه الخطوة تنطوي على خطر “تقويض دور الولايات المتحدة كرائدة وداعمة للديمقراطية على الساحة الدولية”. وفي موسكو، دانت روسيا يوم الأربعاء 20 يونيو ما أسمته “وقاحة” الولايات المتحدة و”استهتارها” بالأمم المتحدة بعد انسحابها من مجلس حقوق الانسان التابع للمنظمة الدولية واصفة القرار بـ “الخاطىء”. وقالت ماريا زاخاروف، المتحدثة باسم الخارجية الروسية خلال مؤتمر صحافي إن “الولايات المتحدة نسفت مجددا سمعتها في الدفاع عن حقوق الإنسان (…) لقد أظهرت استهتارها بالامم المتحدة ومؤسساتها”. ودانت “وقاحة زملائنا الأمريكيين الذين يرفضون بقوة الإعتراف بوجود مشاكل خطيرة تتعلق بحقوق الإنسان في بلدهم”، واتهمتهم بانهم حاولوا “تغيير بنية مجلس حقوق الانسان لخدمة مصالحهم”. وأضافت أن مجلس حقوق الانسان يجب أن يكون “في خدمة كافة الدول الاعضاء وليس بلد واحد” مؤكدة أن الإنسحاب الأمريكي “لم يشكل مفاجأة” لروسيا.
بدورها، أعربت وزيرة الخارجية السويسرية السابقة ميشلين كالمي-ري، التي سبق أن دعت إلى إنشاء هذا المنتدى الحقوقي في سبتمبر 2005، عن شعورها بأن هذه الخطوة “تهدد المجلس”، مع الإقرار بوجود إمكانية لتحسين المنتدى، وخاصة فيما يتعلق بمسألة البند السابع.
وفي تصريح أدلت به إلى الإذاعة العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية RTS قالت كالمي – ري: “نحتفل هذا العام بالذكرى السنوية السبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الانسانرابط خارجي، ومن المؤسف جدا أن نرى رئيسا أمريكيا يقود سياسة تتعارض مع تعددية الأطراف والتعاون الدولي”.
وأضافت “ليس من المؤكد على الإطلاق أن هذا القرار سيؤدي إلى إصلاحات للأمم المتحدة وإلى مزيد من التعاون. وربما يؤدي ذلك إلى قدر أقل وإلى سيطرة شخصيات دولية قوية ودول قوية، وفي هذا الصدد، فإن دولة مثل سويسرا ليس لديها ما تكسبه”.
من جهته، عبّر الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش عن اسفه للقرار الأمريكي، وقال في بيان إن “بنية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تلعب دورا هاما للغاية في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أنحاء العالم”. وكان المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين انتقد يوم الاثنين 18 يونيو الجاري سياسة ترامب في مجال الهجرة. وقال: “نعتقد أن سعي أي دولة لردع الأهالي عبر التسبب بايذاء الأطفال بهذه الطريقة هو أمر غير مقبول”.
بدورها، انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش”رابط خارجي الخطوة الأمريكية، وأكد المدير التنفيذي للمنظمة كينيث روث أن “انسحاب إدارة (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب هو انعكاس مؤسف لسياسة أحادية البعد في ما يتعلق بحقوق الإنسان” تتخلص “بالدفاع عن الإنتهاكات الاسرائيلية في وجه أي انتقادات قبل كل شىء”. ولفتت المنظمة إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة “لعب دورا مهما في دول على غرار كوريا الشمالية وسوريا وبورما وجنوب السودان، لكن على ما يبدو كل ما يهم ترامبرابط خارجي هو الدفاع عن إسرائيل”.
يُشار إلى أن الولايات المتحدة انتقدت المجلس باستمرار لإدراجه ممارسات اسرائيل في الأراضي الفلسطينية على جدول أعمال جميع جلساته السنوية الثلاث ما يجعل الدولة العبرية الوحيدة التي يتم تخصيص بند ثابت لها على جدول الأعمال يعرف بالبند السابع. ورفضت الولايات المتحدة الإنضمام إلى المجلس لدى انشائه عام 2006 في عهد الرئيس الاسبق جورج بوش الابن عندما كان جون بولتون مستشار الأمن القومي الحالي للرئيس ترامب والمشكك في جدوى المنظمة الدولية، سفيرا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة.
ولم تنضم واشنطن إلى المجلس إلا في 2009 بعد وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض. ومنذ تولي ترامب السلطة، انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) وخفّضت مساهمتها في موازنة الأمم المتحدة، وانسحبت كذلك من اتفاق باريس للمناخ الذي تدعمه المنظمة الدولية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.