سويسرا تُخصّص ملايين الفرنكات لدعم “الديمقراطية وحقوق الإنسان” في مصر
كشف السفير السويسرى بالقاهرة، بول غارنييه، في أوائل شهر نوفمبر الماضي عن استراتيجية التعاون مع مصر خلال الفترة الممتدة من عام 2017 إلى عام 2020؛ مشيرًا إلى أنها تعتبر حصيلة لاستجابة مشتركة، من جانب عدد من الجهات السويسرية، أبرزها كتابة (أو أمانة) الدولة للشؤون الإقتصادية، والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، وإدارة الشؤون السياسية بوزارة الخارجية، وقسم الأمن البشرى التابع لها، وكتابة (أو أمانة) الدولة للهجرة، لتعزيز التعازن بين برن والقاهرة.
من جهتها، أوضحت السفارة السويسرية أن الإستراتيجية التي أطلقها مكتبها للتعاون الدولي بالعاصمة المصرية تشمل ثلاثة محاور تنموية، وهي: “العمليات الديمقراطية وحقوق الإنسان”، و”دعم نمو اقتصادي شامل ومستدام، مع خلق فرص عمل”، إضافة إلى “الهجرة والحماية”.
سويسرا ترصد 86 مليون فرنك لمصر
في البيان الصادر عنها، قالت السفارة إن “الميزانية الإجمالية للإستراتيجية، تُقَدَر بــ 86 مليون فرنك سويسري، موزعة كالتالي: 12.25 مليون فرنك على برامج الآليات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستحوذ برامج النمو الإقتصادي وخلق فرص العمل على نسبة 78% منها، بواقع 66.75 مليون، فيما يستحوذ التعاون في مسألتى الهجرة والحماية على 8% من الميزانية، بواقع 7 ملايين فرنك”.
حول المحور الأول، أي “العمليات الديمقراطية وحقوق الإنسان”، تقول السفارة السويسرية في القاهرة إنها “تدعم، منذ عام 2011، الجهود التي تبذلها مصر، من أجل تحقيق الشمول والمساءلة، بما يتماشى مع الأهداف الواردة في “رؤية مصر 2030″؛ مشيرة إلى أنها “تعمل، مع مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، من أجل تعزيز التعاون فيما بينهما، سعيًا وراء تحقيق المشاركة الفعالة، والشفافية، وتدابير المُساءلة في البلاد”.
في السياق، يأتي في مقدمة أولويات هذا المحور “تعزيز قدرات مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، من أجل التعاون”. وفي هذا الصدد، يهتم مكتب التعاون الدولي بسفارة الكنفدرالية في القاهرة بـ “العمل مع مؤسسات الدولة، والمؤسسات الأكاديمية، والمجتمع المدني، لتعزيز آليات التعاون بين الدولة والمجتمع”، كما يُعنى بـ “مشاركة الخبرات السويسرية في إقامة شبكات تواصل، وعقد حوارات، لتشجيع مشاركة المواطنين في عمليات صنع القرار”، كما يهتم بـ “دعم مجلس الدولة المصري، في ميكنة أنظمة سير العمل، ونظام إدارة القضايا”.
التعاون مع منظمات الدولة والمجتمع المدني
ضمن أولويات هذا المحور المتعلق بـ “العمليات الديمقراطية وحقوق الإنسان” يندرج أيضًا “تعزيز حقوق الإنسان، عبر تحسين قدرات الجهات الفاعلة، للعمل بفاعلية من أجل الإصلاحات التشريعية”؛ وفي هذا الإطار يعمل مكتب التعاون الدولي بالسفارة السويسرية في القاهرة على “دعم العمليات ذات الصلة بتيسير حصول المواطنين على المعلومات المتعلقة بالسياسات والقرارات التشريعية”، وعلى “بناء قدرات المجتمع المدني، للتعاون مع الدولة، فيما يتعلق بالقضايا الحيوية ذات الصلة المباشرة بالمواطنين”، كما يهتم بـ “التعاون مع منظمات الدولة، والمجتمع المدني، من أجل دعم وضع سياسات حقوق الإنسان”.
ثالث هذه الأولويات يتمثل في “خلق ثقافة مشتركة – أطلقت عليها تسمية “ثقافة النيل” – عبر الموسيقى والحوار والتدريب الأكاديمي”؛ حيث يعمل مكتب التعاون الدولي بالسفارة السويسرية على “دعم “مشروع النيل”، الذي يمثل تجربةً موسيقيةً، تعزز الإقامة المنتظمة لموسيقيين من بلدان حوض النيل (التي تشمل كلا من مصر والسودان وأثيوبيا وإريتريا أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا – التحرير)، فضلاً عن إقامة ورش عمل وحفلات موسيقية”، و”إقامة مجال للثقافة المشتركة، بين مواطني بلدان حوض النيل، لتبادل الممارسات الثقافية، ولتعزيز وتبادل الخبرات المحلية بممارسات إدارية مستدامة، من أجل بيئتهم المشتركة”، وأخيرًا “تعزيز التعاون بين قادة المجتمع غير الرسميين، في بلدان حوض النيل، عبر الأنشطة الثقافية والتعليمية والحوار”.
في هذا الصدد، تشير السفارة إلى أنها تتعاون – من أجل إنجاز هذه الأهداف – مع عدد من الشركاء المحليين والدوليين، وهم: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء رابط خارجي ومجلس النواب المصريرابط خارجي، والمعهد الإنتخابي للديمقراطية المستدامة في إفريقيارابط خارجي، ومشروع النيلرابط خارجي، ومجلس الدولة المصريرابط خارجي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.رابط خارجي
مشروعات غير واضحة وغير معلومة للكافة
في الأثناء، يرى أبوبكر الدسوقي، مستشار تحرير مجلة “السياسة الدوليةرابط خارجي” (تصدر عن دار الأهرام)، أن “المشروعات القائمة بين مكتب التعاون الدولى بسفارة سويسرا بالقاهرة، ومؤسسات الدولة المصرية، والمجتمع المدنى، غير واضحة، أو غير معلومة للكافة”؛ معتبرًا أنه “لابد أن يعرف أكبر قدر من الناس بجهود التعاون المشكورة، التى تقوم بها السفارة السويسرية بالقاهرة، من خلال تعزيز التعاون بين السفارة ووسائل الإعلام المصرية”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، يقول الدسوقي، الخبير في العلاقات الدولية بمؤسسة الأهرام: “ربما كان مفيدًا تحديد جهات المجتمع المدنى التى يتم التعامل معها، مثلما هو مشار إليه، بخصوص التعاون مع مجلس الدولة، وذلك لعموم الفائدة، ولضمان أن تكون هذه المنظمات تعمل فى إطار الشرعية، وتسعى لتحقيق مصالح الوطن”، مشيرًا إلى أنه “يفضل العمل مع جهات محلية فى المحافظات والأقاليم، حيث المواطنين الأكثر حاجة للتعاون فى مجال المشاركة وصنع القرار، وعدم تركيز النشاط على مستوى العاصمة، أو المدن الكبرى”.
ومع أن أبوبكر الدسوقي يُقرّ بأن “تيسير حصول المواطنين على المعلومات المتعلقة بالسياسات والقرارت التشريعية – كما هو مشار إليه في ورقة العمل – عملية مهمة” لكنه يستدرك متسائلا: “لكن كيف يتم ذلك؟ وهل هناك مشروعات محددة يتبناها مكتب التعاون الدولى بسفارة سويسرا بالقاهرة؟ ربما كان مفيدًا إعداد نشرة أسبوعية أو شهرية، تُوَزَع على وسائل الإعلام، وتنشر على وسائل التواصل الإجتماعى، لتوضيح هذه الجهود حتى يستشعرها المواطن المصري، ويستفيد منها أيضًا”.
إن دعم خلق ثقافة مشتركة بين دول حوض النيل هدفٌ أسمى، وغاية نبيلة، تعزز قيم التعاون لا الصراع
أبوبكر الدسوقي
“يجب استهداف طلاب الجامعات بالأنشطة”
الخبير المصري أشار أيضا إلى أنه “لابد أيضًا من التعاون مع منظمات حقوق الإنسان الحقيقية، بالتنسيق مع أجهزة الدولة، مثل المجلس القومى لحقوق الإنسانرابط خارجي، من أجل وضع سياسات حقوق الإنسان موضع التنفيذ”، وأضاف أنه “من المفيد أيضًا عمل دليل إرشادى، عن كيفية تعامل المواطنين مع أجهزة الدولة المختلفة العاملة فى هذا المجال، والتعريف بكل جهة، والخدمات التى تقدمها فى خدمة المواطنين، في هذا الاطار”.
من جهة أخرى، أوضح الدسوقي أن “دعم خلق ثقافة مشتركة بين دول حوض النيل “ثقافة النيل” هدفٌ أسمى، وغاية نبيلة، تعزز قيم التعاون لا الصراع، كما تعزز ثقافة التكامل لا التناحر، وترسّخ فكرة المصير المشترك، وتُعلي من قيم المنفعة المتبادلة”، كما اعتبر أن “تقارب الثقافات وتوحدها كفيلٌ بتحقيق هذه الأهداف”، ملفتا إلى أنه “يجب تسليط الضوء عليها، من خلال وسائل الإعلام، في دول حوض النيل”.
واختتم الدسوقي، الرئيس السابق لمجلة السياسة الدولية، مقترحًا “إقامة أنشطة ثقافية وفنية تشاركية، مع الجهات الرسمية وغير الرسمية، المهتمة بالثقافة والفنون، مثل دار الأوبرا، وقصور الثقافة، والمسارح القومية، والمكتبات العامة، لا سيما فى الأقاليم، على أن يكون طلاب المدارس والجامعات هدفًا لهذه الأنشطة، وربما كان تعزيز التعاون المشترك مع الجامعات عملٌ إيجابيٌ فى هذا الصدد”، حسب رأيه.
أبرز ما يُميّز المبادرة السويسرية عن غيرها من البرامج الأوروبية يتمثل في الحرص على التنوع وتمثيل الجهات المختلفة
هاني سليمان
“تمتاز عن غيرها من البرامج الأوروبية”
هاني سليمان، كبير الباحثين بالمركز العربي للبحوث والدراساترابط خارجي، اعتبر أن الأوراق الثلاثة التي أعدها مكتب التعاون الدولي، بالسفارة السويسرية بالقاهرة، ذات أهمية بالغة، وبخاصة في عمق الموضوعات ودلالة التوقيت، وتعكس حرص سويسرا على تعميق التعاون، ونقل خبراتها، وتحسين قدرات الشريك المصري، في مجالات أساسية، أبرزها: العمليات الديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصةً في ظل تميز سويسرا بديمقراطية مباشرة، تسمح للمواطن في مختلف الكانتونات الست والعشرين بالمشاركة في إدارة شؤونه، وخارجياً من خلال اتباع ثقافة الحياد.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، لفت سليمان، سكرتير تحرير مجلة “آفاق سياسية”، إلى أن “أهمية الورقة المطروحة تكمُن في تبنيها خلق ثقافة مشتركة “ثقافة النيل”، عبر الموسيقى والحوار والتدريب الأكاديمي، وإقامة مجال للثقافة المشتركة، بين مواطني بلدان حوض النيل، لتبادل الممارسات الثقافية، وتعزيز الخبرات المحلية بممارسات إدارية مستدامة، وهي مبادرة هامة، في ظل جهود التقارب بين دول حوض النيل”، على حد قوله.
إضافة إلى ذلك، اعتبر كبير الباحثين بالمركز العربي للبحوث والدراسات أن أبرز ما يُميّز المبادرة السويسرية عن غيرها من البرامج الأوروبية هو “الحرص على التنوع، وتمثيل الجهات المختلفة، من مؤسسات الدولة، والمؤسسات الأكاديمية، والمجتمع المدني، مستهدفة تعزيز آليات التعاون بين الدولة والمجتمع، واعتمادها على التوازن بين الداخل والخارج، باعتمادها على مجموعة متنوعة، وذات أرصدة قوية مثل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ومجلس النواب المصري والمعهد الإنتخابي للديمقراطية المستدامة في إفريقيا ومشروع النيل ومجلس الدولة المصري وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.