سويسرا تتخلى عن إبرام اتفاقية إطارية مؤسساتية مع الاتحاد الأوروبي
قررت الحكومة السويسرية التخلي عن اتفاق إطاري مؤسساتي مثير للجدل بشأن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، مشيرةً إلى وجود "خلافات جوهرية" بين الطرفين بشأن الصفقة.
وقالت الحكومة يوم الأربعاء 26 مايو الجاري إن هذا الإعلان “يُنهي المفاوضات بشأن مسودة [الاتفاق الإطاري المؤسساتي]”.
عمليا، يعني هذا القرار نهاية سبع سنوات من الجهود المبذولة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي لصياغة معاهدة شاملة تكون بديلا لأكثر من مئة وعشرين (120) اتفاقية ثنائية نظمت العلاقات بين برن وبروكسل على مدى العقود الماضية.
في المؤتمر الصحفية الذي عقدته في برن، أشارت الحكومة إلى الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن ثلاث نقاط رئيسية أعاقت التقدم منذ صياغة مسودة الاتفاقية في نهاية عام 2018، وهي قضية حماية الأجور، والقواعد الخاصة بمساعدات الدولة، ومسألة حصول مواطني الاتحاد الأوروبي على مزايا الضمان الاجتماعي السويسري.
مع العلم أنّ النقطة الأخيرة كانت مثيرة للجدل بشكل خاص، حيث أن القبول بمطالب بروكسل بمنح حقوق متساوية لعمال الاتحاد الأوروبي في سويسرا كان من شأنه أن يرقى إلى “نقلة نوعية” بالنسبة لسياسة الهجرة في البلاد، على حد قول وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس يوم الأربعاء.
فتح صفحة جديدة
في الأيام الأخيرة، تكهنت وسائل الإعلام السويسرية بأن الصفقة كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، مع عدم اقتناع أعضاء الحكومة الفدرالية بإمكانية حصولها على موافقة البرلمان وفي ظل تشكك الرأي العام بشأن ما قد تعنيه (الاتفاقية الإطارية) بالنسبة لسيادة البلاد.
مع ذلك، كانت الحكومة حريصة يوم الأربعاء أيضًا على عدم تقويض العلاقات مع أكبر شريك تجاري للبلاد.
فقد قال رئيس الكنفدرالية غي بارمولان في المؤتمر الصحفي: “تظل سويسرا شريكًا رئيسيًا [للاتحاد الأوروبي] والعكس صحيح”. وأضاف أنّه لم يكن “أربعاء أسود” – كما جاء على لسان أحد الصحفيين – بل اعتبره “فصلًا جديدًا” في العلاقات السويسرية الأوروبية.
في هذا الصدد، تريد الحكومة أن يرتكز هذا الفصل الجديد على “تنمية وتطوير” العلاقات على أساس الاتفاقيات الثنائية القائمة، واقترحت إطلاق حوار سياسي مع بروكسل من أجل متابعة أولويات مشتركة للمستقبل.
من جهة أخرى، ستقود وزارة العدل أيضًا عملية مراجعة للتشريعات السويسرية، لفحص التناقضات القائمة بين تشريعات الاتحاد الأوروبي والتشريع السويسري وتحديد المواضع التي يُمكن التوافق (أو المواءمة) فيها، في محاولة لإضفاء أكبر قدر من الاستقرار على العلاقات.
وأوضحت وزيرة العدل كارين كيلر-سوتر أن هذه المراجعة ستتم “بشكل مستقل” من طرف سويسرا، مع إدخال تغييرات أو تنقيحات “حيثما يكون ذلك منطقيًا” فحسب.
من جهة أخرى، تعهدت الحكومة بالضغط على البرلمان لكي يمنح الضوء الأخضر للإفراج عن مساهمة سويسرا المالية البالغة مليار فرنك (1.1 مليار دولار) في صندوق التماسك الأوروبي – وهو مطلب رئيسي لبروكسل – “في أقرب وقت مُمكن”.
مستقبل يشوبه عدم اليقين
مع ذلك، يقول المراقبون إنه نظرًا لأن الاتفاقيات الثنائية تميل إلى التآكل بشكل طبيعي بمرور الوقت، وبما أن الاتحاد الأوروبي غالبًا ما يربط تجديدها بالتقدم في بلورة معاهدة إطارية شاملة، فإن الخطر يكمن في أن سويسرا ستُمنع بشكل متزايد من أي وصول جديد إلى السوق الأوروبية الموحدة، مثل الاتحاد الكهربائي المُرتقب.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للاتفاقيات الحالية التي تنتهي صلاحيتها آثار سلبية أيضًا: فاعتبارًا من يوم 26 مايو الجاري، على سبيل المثال، وبعد انتهاء صلاحية اتفاقية متعلقة بمعايير الأجهزة الطبية، فقد المُصدّرون السويسريون لهذه المعدات أفضلية الوصول المباشر إلى السوق الأوروبية.
في الماضي، كان التكافؤ الذي تتمتع به سوق الأسهم السويسرية مع أوروبا بدوره ضحية للعلاقات المتعطلة مع بروكسل، فيما ينتاب القلق الباحثين السويسريين بشأن مستقبل مشاركة بلادهم في برنامج ” أفق أوروبا Horizon Europe” للبحث العلمي.
ردود فعل متفاوتة
في بروكسل، أعربت المفوضية الأوروبية عن أسفها لقرار الحكومة السويسرية، وقالت في بيان صادر عنها: “بدون هذه الاتفاقية، فلن يكون تحديث علاقتنا هذا ممكنًا، وستتقادم اتفاقياتنا الثنائية حتما […] فهي لا تفي اليوم بالفعل بما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا وما يُمكن أن تكون عليه”.
في غضون ذلك، صدرت ردود فعل متباينة من المنظمات والأحزاب السياسية في سويسرا.
فبينما رحب حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) بقرار الحكومة باعتباره “انتصارًا للسيادة السويسرية والديمقراطية المباشرة”، أعربت معظم الأحزاب الرئيسية الأخرى عن أسفها لعدم التوصل إلى حل وسط مع الاتحاد الأوروبي.
أمّا النقابات العمالية السويسرية – التي كانت قلقة بشكل خاص بشأن حماية الأجور المحلية من المنافسة مع الاتحاد الأوروبي على المدى القصير – فقد رحبت بهذه التطورات.
(ترجمه من الانجليزية وعالجه: ثائر السعدي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.