سويسرا تُمولُ مشروعا يُؤمّن الماء الصالح للشرب لـ 20 ألف قروي في تونس
اختتم وزير الدولة التونسي المكلف بالموارد المائية المهندس عبد الله الرابحي مؤخرا، برفقة سفيرة سويسرا لدى تونس ريتا آدام مشروع "برنامج مياه القصرين" الذي انطلق في عام 2011، في إحدى أفقر المحافظات التونسية، بتمويل من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون.
وهدف البرنامج إلى تزويد 20 ألف من سكان الأرياف بالماء الصالح للشرب بتكلفة جملية بلغت 29 مليون دينار (12 مليون فرنك)، بالإضافة إلى تزويد المدارس والمساجد والمراكز الصحية بالماء. أضف إلى ذلك، ساهم المشروع في إنشاء نظام حديث للرصد عن بعد للمياه الجوفية، وتوفير حلول للصرف الصحي بالمدارس، الى جانب توفير الطاقة الضوئية (الفوتوفلتائية) لبعض منظومات التزود بالمياه.
برنامج مياه القصرين
يغطي البرنامج 12 منطقة ريفية في المحافظة.
تم إنجازه على أربع مراحل رئيسة شملت:
· إصلاح وتركيب شبكات مياه الشرب،
· التحسين المستمر لقدرات المؤسسات والسكان المعنيين بالإدارة المستدامة للمياه واستخدامها،
· الإدارة المستدامة للمياه الجوفية،
· تدعيم المعلومات والحوار العام حول الإستخدام الملائم وحسن إدارة الموارد المائية.
(المصدر: مسؤول في المديرية الجهوية للتنمية الريفية بمحافظة القصرين)
ويشكل المشروع جزءً من برنامج التعاون التونسي السويسري الذي أطلقته برن منذ عام 2011 لدعم عملية الإنتقال الديمقراطي والإجتماعي والإقتصادي في تونس.
في حوار خاص مع swissinfo.ch، تطرق المهندس عبد الله الرابحي إلى دوافع بعث هذا المشروع مشيرا إلى أنه “أتى بناء على رغبة الحكومة السويسرية بعد ثورة 2011 في تقديم العون لتونس، وخاصة إلى مناطق الظل. ونظرا إلى أن القصرين محافظة حدودية ومؤشراتها التنموية أضعف من سواها بشكل عام، ولأن منظوماتها المائية بشكل خاص تعاني من إشكالات كبيرة، انخرط سكانها في الثورة”. وأضاف أن “الجلسات الأولى لبلورة مشروع إيصال الماء إلى عشرين ألف قروي في محافظة القصرين (وسط) انطلقت بناءً على هذه الخلفية”.
إطارٌ للحوار
أما عن مكونات المشروع فهي، كما عدَدها الرابحي: “أولا إيصال الماء الصالح للشرب لاثنتي عشر منطقة ريفية، بالاضافة لتزويد المدارس والمساجد والمراكز الصحية بالماء، لكن المشروع كان جامعا اي لا يقتصر على تأمين الماء الصالح للشرب فقط، مُعتبرا أن “إحدى نقاط قوته تكمن في كونه اعتمد على الهياكل المحلية إطارا للحوار، فهناك مجامع مائية قديمة، وكان المنطلق أن كل ريفي يجب أن يتلقى الماء الصالح للشرب مثله مثل ساكن المدينة والمناطق الحضرية”.
صمت مُحدِثُنا كما لو كان يتذكرُ شيئا ما، ثم قال: “الملاحظة الأولى هي أنه كان لدينا من قبل نوعان من التزويد: نمطُ تزويد ريفي ونمطٌ آخر للتزويد الحضري. والملاحظة الثانية أن إنجاز المشروع اندرج في سياق النمط الجديد لوزارة الزراعة، وهو ما أعطى المشروع ديمومة أطول”.
وواصل حديثه: “قلنا منذ البداية إنه لا فائدة في تحصيل الإستثمارات سواء من الدولة التونسية أم من المانحين بمبالغ طائلة، إذا لم نضمن الديمومة لهذه المشاريع. ومن هنا نشأ شعور جديد وهو ضرورة التحسيس (أي التوعية) المستمر بضرورة الرفع من قدرات العناصر التي ستتولى التنفيذ والتسيير. ولذلك أقمنا دورات تدريبية وحلقات استماع لفائدة العاملين في المديرية الجهوية للتنمية الزراعية بالقصرين، ولدينا لجنة قيادة هنا في العاصمة تونس أتولى أنا رئاستها”.
ومضى شارحا “بتعبير آخر هناك مساران في هذا المشروع: كل ما هو مادي من جهة، وكل ما يتعلق بتحسين القدرات والمتابعة والتقويم والإستماع من جهة ثانية”.
تطوير قدرات السكان
“الأمر الجيّد أنه كان هناك، إلى جانب إيصال الماء الصالح للشرب، أعمالٌ ترمي لتطوير قدرات السكان المعنيين على الادارة المستدامة للبيئة، على ما قال الرابحي. وفي هذا الاطار، تم مدّ المشرفين على المشاريع في المديرية الجهوية للتنمية الزراعية بالقصرين بالآليات الكفيلة بمراقبة منسوب المياه على مستوى الموارد المائية، وهذا في علاقة بالتحسيس بندرة المياه وصعوبة توفيرها”.
المسؤول في المديرية الجهوية للتنمية الريفية بالقصرين قال لـ swissinfo.ch أيضا “إن الادارة صارت تعمل بواسطة آليات وطرق استشعار عن بُعد، فهناك اليوم في المديرية حواسيب تعطي معلومات دقيقة عن المائدة المائية في جميع المحافظات، وهي تساعد في معرفة أقوم السبل لإدارة الموارد المائية وحُسن استثمارها”.
وفي السياق، اعتبر الوزير الرابحي أن من أهم ما أنجز هو تدعيم المعلومات والحوار العام في إطار منتديات أقيمت تقريبا في كل منطقة من هذه الجهات الريفية. وأكد أن هذا المشروع أصبح، بالرغم من وجود مشاريع أخرى في المحافظة وضخامة الإستثمارات المرصودة (124 مليون دينار أي نحو 50 مليون فرنك)، أنموذجا يمكن الإقتداء به في حسن إدارة المشاريع المماثلة.
حسن الادارة والحوكمة
لقد كان لهذا المشروع “فضل كبير على مستوى المواطنين وعلى مستوى الإدارة مركزيا وجهويا”، مثلما صرح لـ swissinfo.ch محمد بلهادي أحد المنتفعين منه، الذي اعتبر أن المشروع “حقق أهدافه على مستوى فلسفته وأدائه في ولاية حدودية مؤشراتها التنموية ضعيفة، بغية دعم المواطنين للحصول على الماء الصالح للشرب بنوعية جيّدة وبهدف أساسي، وهو حسن الإدارة”. وعُدتُ أسأل الرابحي عن ميزة المشروع، فرد قائلا: “هذا ليس المشروع الوحيد في تونس، لكن ميزته أنه جامعٌ، فقد كان مشروعا إدماجيا ربط بين المواطنين والهياكل والمُسيّرين، وكان ربما أكثر قربا للمنتفعين من مشاريع أخرى”.
أضاف بلهادي: “وصلنا في القصرين إلى نسبة تغطية تبلغ 90 بالمائة على صعيد التزويد بالماء الصالح للشرب، لكننا نكتشف دائما مناطق جديدة لا يصلها الماء، وكلفة إيصال الماء ثقيلة. وفي نهاية المطاف أمكن بفضل المشروع توصيل الماء إلى 3910 بيتا وست مدارس ابتدائية ومساجد ومراكز صحية، كما أنشأنا نسيجا من المؤسسات، وإن كان صغيرا، يشمل الكهربائي والحداد واللحام والبنَاء وغيرهم، مع إعطاء الفرصة للمقاولات الصغيرة كي تعمل هي الأخرى، مما يُؤمّن تدوير عجلة الإقتصاد المحلي”.
سألتُه: “هل هناك تعاون مع المجتمع المدني في إنجاز المشاريع؟”، أجاب: “بلى، أولا المجتمع المدني والمرأة بشكل خاص كانا ركيزة المشروع، إذ لا يكفي أن نُوصل الماء إلى البيت، فلا بد أن تكون لدى ربة البيت أيضا ثقافة صحية، وعلى هذا الأساس تم تبني أنشطة أخرى في إطار تدعيم المهارات لجميع الأطراف المعنية، أي المديرية وموظفيها والمجتمع المدني، بالإضافة إلى أننا اعتمدنا على مكاتب دراسات جهوية لإنجاز الدراسات الفنية، ما جعل المشروع يُوفر عمليا فرص عمل للمهندسين والفنيين في القصرين، بعدما كان وجود مثل تلك المكاتب يقتصر على العاصمة”.
طاقات متجددة
من ميزات المشروع أيضا التي يتوقّف عندها المسؤول التونسي: “استخدام الطاقات المتجددة، فإلى جانب الطاقة التقليدية (الكهربائية) نستخدم الطاقة الضوئية، وهذه التجربة قامت على مساعدة فنية من مؤسسات عمومية متخصصة مثل “المؤسسة التونسية للتحكم في الطاقة”. وحاولنا أيضا تنظيم مسالك الصرف الصحي، وتم في إطار هذا المشروع تكليف مكتب دراسات بإعداد دراسة عن هذا الجانب. وفي السياق تم التعاون مع مؤسسات أخرى في مجال البحث، مثل القطب التكنولوجي ببرج السدرية (جنوب العاصمة) الذي تولى إعداد دراسة حول نوعية المياه المستعملة وأماكن صرفها والتصور الممكن للإستفادة منها. نتمنى أم يكون هذا المشروع رائدا من حيث خلق المعلومة وملاءمتها للمنطقة المعنية”.
وتابع “الجديد ايضا في هذا المشروع أننا أعددنا دليلا عمليا لكل جانب من المشروع لتيسير إدارته على المُسيّرين وعلى الجمعيات، بما في ذلك موضوع الصرف الصحي، لكي يُدرك أعضاء الجمعية كيف يكون التصرف في مختلف الحالات، وكيف يصونون المنشآت والتجهيزات”.
وسألتُهُ عن مفهوم الديمومة أو الإستدامة، فأجاب أن “المشروع لم يأت فقط ليروي الناس من عطش، وإنما بحث أيضا عن استدامة الموارد المائية، فإذا ما استهلكناها بالكامل، وكلٌ على طريقته، لن يبقى شيءٌ، لذا كرسنا مبدأ المراقبة عن بُعد، فيمكنك حاليا أن تلاحظ في مقر المديرية الجهوية للتنمية الزراعية حاسوبا تتجمع فيه كل المعلومات عن منسوب المياه، ما يعني أن المعلومة تأتي إليك بدل أن تسعى وراءها. وقد ربطنا قاعدة المعلومات هذه مع الوزارة. كما قمنا بجرد للموارد المائية، وبالتالي حتى وزارة الصحة صارت قادرة على مراقبة نوعية المياه المستعملة”.
أهم مكسب من وراء هذا المشروع هو إعداد مخطط مديري لتزويد محافظة القصرين بالماء الصالح للشرب
المهندس عبد الله الرابحي، وزير الدولة التونسي المكلف بالموارد المائية
في الخلاصة، يقول الوزير الرابحي: “كسبنا أولا أننا أوصلنا الماء للريفيين وثانيا أننا دربناهم وثالثا حسَنا من نوعية دفاتر الشروط التي تتناول إقامة المشاريع سواء أكانت حفرا أم تجهيزا، ورابعا ضمنّا مراقبة نوعية المياه بفضل المتابعة الصحية، بالاضافة لإرساء حوار دائم على الصعيدين الجهوي والوطني، مع إدماج المواطنين في التصرف المستدام في الموارد المائية، زيادة على أهم مكسب من وراء هذا المشروع، وهو إعداد مخطط مديري لتزويد محافظة القصرين بالماء الصالح للشرب”. وأشار أيضا إلى أن الوزارة أرست من خلال هذا المشروع الحوار في إطار هيكل جديد أطلقت عليه تسمية “المجالس الجهوية للمياه”.
ختمتُ المقابلة قبل أن أغادر مكتب الرابحي في وزارة الزراعة بالسؤال: هل هناك مشاريع مماثلة قيد الإنجاز حاليا؟ أجاب أن “المشكلة هي في ضمان الديمومة، وكذلك في ضعف الإحاطة بالمواطن، ولذلك اتجهنا إلى تكوين خلايا وكوادر مدربة على نطاق المحافظات، لدعم الإحاطة بالمواطن، وقد أقر مجلس الوزراء مؤخرا إحداث خمس مديريات لمراقبة مجامع المياه في محافظات مختلفة. وليس المال هو العائق، فموازنة المشاريع المائية الجاري تنفيذها حاليا في تونس تبلغ 4000 مليون دينار (1600 مليون فرنك) لكن المهم هو ضمان الديمومة كي لا نُقيم في كل مرة مشروعا، ثم نعيد إقامته أو إصلاحه بعد فترة. وهذا المشروع في القصرين ساعدنا كثيرا ومكّن الجهة من إقامة حوار حول هذا الموضوع في مرحلة كانت صعبة (بين عامي 2011 و2015)”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.