تبديد الأوهام المرتبطة بأسطورة "الجنة" السويسرية وتوعية المهاجرين الأفارقة المُحتملين بمخاطر الرحلة إلى أوروبا! هذا هو الهدف الذي يرمي إليه مسلسل تلفزيوني نيجيري مُموّل من طرف سويسرا. في المقابل، لا يبدو أن تأثير مشروع من هذا القبيل بلغت تكلفته 450 ألف فرنك مضمون سلفا.
الحياة في سويسرا ليست بالأمر السهل دائما. هذه حقيقة يعرفها جوشوا، الشاب النيجيري الذي رفضت السلطات منحه اللجوء والذي يُقيم حاليا بصفة غير قانونية في سويسرا. قصة هذا الشاب هي الخيط الناظم لمسلسل “خطوات مفقودة” التلفزيوني، وهو إنتاج مشترك سويسري – نيجيري أنجز في إطار الشراكة في مجال الهجرة التي أبرمت بين البلدين منذ عام 2011.
في عام 2016، بلغ عدد طلبات اللجوء المقدمة في سويسرا 27207، كان من بينها 1106 طلب من مواطنين نيجيريين (أي بنسبة 4.1%). في نفس العام، لم يتحصل على اللجوء سوى ثلاثة نيجيريين فيما مُنح ستة آخرون القبول المؤقت وذلك من بين 1261 حالة لنيجيريين تمت دراستها من طرف الجهات المعنية.
هذا المسلسل الذي يشتمل على 13 حلقة له هدف محدد يتلخص في إثناء المهاجرين النيجيريين عن القدوم إلى سويسرا بحثا عن مستقبل أفضل. وفي تصريح أدلى به إلى القناة الألمانية للإذاعة والتلفزيون العمومي السويسري SRF، قال لوكاس ريدر، المتحدث باسم كتابة (أو أمانة) الدولة للهجرة: “نريد أن نقدم معلومات موضوعية حول الهجرة، وأن نُظهر أن رحلة عبور (البحر الأبيض المتوسط – التحرير) خطيرة وأن إمكانية حصول النيجيريين على اللجوء محدودة. إضافة إلى ذلك، نسعى لأن نشرح بأن حياة المهاجرين السريين في سويسرا ليست سهلة”.
تبلغ الميزانية المخصصة لإنجاز المشروع بـ 450 ألف فرنك وسوف يتم تأمينها بشكل كامل من طرف كتابة (أو أمانة) الدولة للهجرة. من جهة أخرى، يشتمل المسلسل على بعض المشاهد التي يجري تصويرها هذه الأيام في سويسرا من طرف المخرج النيجيري تشارلز أوكافور وفرقة الممثلين التابعة له.
في الواقع، ليست هذه المرة الأولى التي تنخرط فيها كتابة الدولة للهجرة في مشروع من هذا القبيل. ففي عام 2007، موّلت ومضة إشهارية بدقيقتين بُثت في عدد من البلدان الإفريقية من بينها الكاميرون ونيجيريا نفسها. حينها، كان ملخص الرسالة الموجّهة للجمهور: “لا تُصدقوا كل ما يُقال لكم!”، إلا أن الومضة أثارت بعض الإنتقادات لأنها “تُعطي صورة سيئة” عن سويسرا برأي البعض. وفي عام 2013، جاء الدور على كوسوفو من خلال عدد من أشرطة الفيديو القصيرة الموجّهة لفئة الشباب تم نشرها على موقع “يوتيوب”.
سويسرا ليست الدولة الوحيدة التي موّلت حملات من هذا القبيل. فقد قامت بلدان مثل ألمانيا وإيطاليا أو أستراليا بإنتاج أشرطة فيديو تتضمن رسائل تتسم بقدر يزيد أو ينقص من التشدد تجاه المهاجرين.
ولكن ما مدى فعالية هذه الإستراتيجية؟ جيل آربس، الخبيرة في مسائل الهجرة لا تبدي أي اقتناع بها، وفي تصريحات أدلت بها إلى قناة SRF العمومية السويسرية الناطقة بالألمانية، تقول الباحثة التي أنجرت تحقيقا في الكاميرون حول الكيفية التي يستعلم بها المهاجرون قبل التوجّه إلى أوروبا: “يعرف معظم الأشخاص بدقة مخاطر الهجرة بفضل الأصدقاء والأقارب”. من جهة أخرى، تشكّ جيل آربس في أن يكون لهذه الفيديوهات تأثير مباشر على تدفقات المهاجرين، حيث “لا يكفي أنها لا تقدم معلومات جديدة، لكن الناس يختارون بعناية المصادر التي يثقون بها”.
بدورها تتساءل منظمة العفو الدولية عن التأثير المُحتمل لهذا الصنف من الحملات، وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، ترى دنيز غراف، الخبيرة القانونية لدى الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية أنه “يتعيّن على سويسرا قبل كل شيء العمل على تحسين وضعية حقوق الإنسان وتوزيع الموارد في نيجيريا. إنها مسائل أساسية حتى لو كنا نريد من الناس أن لا يكون لهم من خيار سوى البقاء في بلدانهم الأصلية”.
قراءة معمّقة
المزيد
آفاق سويسرية
صحيفة سويسرية تكشف تفاصيل رحلة هروب الأسد إلى موسكو
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
هل تُطبّق سويسرا اتفاقيات دبلن بصرامة شديدة؟
تم نشر هذا المحتوى على
“قال لي المهربون: “إذا لم يأخذوا بصماتك في إيطاليا، فمن الممكن أن تواصل رحلتك نحو الشمال”. كنت أريد الذهاب إلى سويسرا، حيث يقيم شقيقي مع عائلته”، يقول سميري*، الذي فر من إريتريا منذ أكثر من عشرين عاما. “لذلك، بمجرد أن وطئت قدمي أرض جزيرة صقلية ركضت، وركبت القطار باتجاه كياسّو، وطلبت اللجوء، كنت أظن أني…
تم نشر هذا المحتوى على
في الربع الثالث من عام 2016، سجلت سويسرا 7105 طلب لجوء، أي أقل بحوالي 42% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. هذا التراجع عزته كتابة (أو أمانة) الدولة للهجرة رابط خارجيبالخصوص إلى إغلاق طريق البلقان وأيضا إلى أن جزءا من المهاجرين تحاول مواصلة رحلتها باتجاه الشمال دون التقدم بطلب لجوء في سويسرا. النقص المسجل طال…
تم نشر هذا المحتوى على
“عند عودتهم إلى وطنهم، تعتقِد الغالبية من طالبي اللجوء بأنهم مُنِـيوا بالفشل، لأنهم ليْسوا من كِبار رجال الأعمال الناجحين، الذين عادوا مُحمَّلين بالأموال الطائلة”، كما تقول كاترينا شنورينغ، من المنظمة الدولية للهجرة، التي تعمَل مع السلطات في سويسرا من أجْل تنفيذ برامج العودة لطالبي اللجوء – المعروف باسم “مساعدة العودة الطوعية وإعادة الإدماج”. عمليا، يمنحُ…
نيجيري.. مِثليّ الجِنس.. وعالـِقٌ بين قوانين اللجوء
تم نشر هذا المحتوى على
بعد أن رَفَضَت الجهات السويسرية المُختصّة طلب اللجوء الذي تقدّم به، حاول “و” الإختفاء عن الأنظار، ولكن انتهى به المطاف إلى السجن، وهو الآن بانتظار أن يتم إعلامه عمّا إذا كان سوف يُعاد إلى نيجيريا قسْراً. واليوم، يبدو الرجل الجالس على الجانب الآخر من الزجاج، مُتعَباً، ولكنه متأهّب أيضاً وحريص على التحدُّث مع شخص – أي…
تم نشر هذا المحتوى على
“الأوضاع رائعة بالنسبة للصغار هنا. في بعض المدارس الابتدائية السويسرية، تصطف في الفصول أجهزة كمبيوتر مخصصة للأطفال، بينما قد تتوفر مدرسة ثانوية في نيجيريا على كمبيوتر واحد للجميع.. إن حالفهم الحظ. لذلك لا يمكن مقارنة البلدين بأي شكل من الأشكال”. هذه الملاحظات جاءت على لسان مايكل*، وهو نيجيري في الأربعين من العمر يعيش في العاصمة الفدرالية…
استعيدوا طالبي اللجوء القادمين من بلدانكم وسوف نساعدكم!
تم نشر هذا المحتوى على
ولكن هل يمكن أن تكون سياسة من هذا القبيل ناجعة؟ ولـماذا تُثير هذه الفرضية شكوكا عميقة في أوساط المنظمات غير الحكومية؟ “استعيدوا رعاياكم الذين رفضنا طلب لجوئهم وإلا سنحرمكم من المساعدات التنموية”. الصياغة النهائية لهذه الفكرة ستتحلى بقدر أكبر من الدبلوماسية بطبيعة الحال، ولكن هذا هو نوع الخطاب الذي قد تعتمده سويسرا في المستقبل إزاء…
224 مليون مهاجر حول العالم.. أيّ بلد يضم أكبر عدد منهم؟
تم نشر هذا المحتوى على
بالأرقام المطلقة، لا تزال البطولة في مضمار الهجرة في حوزة الولايات المتحدة، إذ يُقيم فيها حوالي 20% من المهاجرين المُسجلين حول العالم. تليها ألمانيا، وروسيا، والمملكة العربية السعودية: فهذه البلدان الثلاثة مُجتمعة تستقبل 14% من المهاجرين وفقا للقوائم الرسمية. وإذا كانت غالبية المهاجرين في العالم تتواجد بأمريكا الشمالية وأوروبا، فإن الهجرة بين بلدان الجنوب (بين…
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.