الخلافات حول الأجنبي تتصدر العناوين من جديد
في الآونة الأخيرة، هدأ الجدل الدائر حول الحدود بين ما هو سويسري وما هو غريب عن البلاد بعض الشيء. لكن هذا سوف يتغيّر في عام 2020 كما يبدو، مع بعض الحواجز الجديدة التي يتم وضعها. ومرة أخرى يتعلق الأمر بالتمييز والاقصاء، أو بكلمات أخرى: بالهوية والاختلاف.
بعد أن ركزنا في الجزء الأول من توقعاتنا لعام 2020 على اقتصاد سويسرا، سوف نُكَرِّس الجزء الثاني لموضوع السياسة.
بعد أكثر من أربع سنوات من المفاوضات، لا تزال المحادثات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي بشأن إبرام اتفاق إطاري شامل ينظم العلاقات الثنائية بين الطرفين متوقفة دون إحراز تقدم مَلموس. وعلى العكس من ذلك، ازداد تَمَسُك الطرفين بمواقفهما.
هذه المفاوضات لم تشهد أي بادرة إنفراج في عام 2019. فقد أوضح الاتحاد الأوروبي أنه لن يُعيد التفاوض على مُسودة المباحثات التي تم التوصل إليها في عام 2018، كما ان الاقتراح الحالي لا يحظى بقبول الأغلبية في البرلمان الفدرالي.
هذا الوضع سيبقى مُتقلباً في عام 2020 أيضاً. فالمراقبون لا يتوقعون أي تَغَيُر في المواقف من طَرَف بروكسل في ظل الرئيسة الجديدة للمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. ومن المُتَوَقع أن يلتقي بعض أعضاء الحكومة السويسرية للمرة الأولى وبشكل غير رسمي مع السيدة فون دير لاين في إطار الدورة السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي ينعقد في منتجع دافوس في موفى شهر يناير الجاري. لكن الرسالة السويسرية إليها وإلى الاتحاد الأوروبي سوف تكون: “الرجاء عدم إثارة أي مواضيع الآن فنحن على أبواب حملة دعائية للتصويت على مبادرة شعبية”.
في سويسرا، سوف يجري التصويت على ‘مبادرة الحد من الهجرة الجماعية’ التي اقترحها حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) في شهر مايو المقبل. وتطالب هذه المبادرة الحكومة الفدرالية بالانسحاب من اتفاقية حرية تنقل الأفراد المبرمة مع الاتحاد الأوروبي. وفي حال أيّد الناخبون هذه المبادرة، فسوف يعني ذلك خروج سويسرا من جميع الاتفاقيات الثنائية مع أوروبا وانفصالاً أساسيا عن الاتحاد الأوروبي.
ولكن المبادرة سوف تقابل بالرفض على الأرجح، الأمر الذي سيكون بمثابة تصويت الشعب السويسري السيّد لصالح إقامة علاقة منظمة مع الاتحاد الأوروبي – ونقطة انطلاق جيدة لاستئناف الحوار مع بروكسل – إن لم يكن مُراجعتها.
في ظل الوضع العالمي الراهن، تزداد أهمية العلاقات مع القوى العظمى كالولايات المتحدة والصين وروسيا بالنسبة لسويسرا. وبالتالي، تريد الهيئة التشريعية القادمة وَضع هذه الاستراتيجية بنظر الاعتبار في سياستها الخارجية. وهي تهدف بذلك إلى وَضْع البلاد في موقف أكثر تَماسكاً تِجاه الخارج في عالم تشكله سياسة القوة على نحوٍ متزايد.
المشكلة هنا، هي أن سويسرا المحايدة قد تجد نفسها مُرغمة على الوقوف مع جهة مُعينة في كثير من الأحيان. وقد يكون هذا هو الحال عند حدوث تصعيد جديد في النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة. وإذا ما وجدت سويسرا نفسها مضطرة إلى الإعلان عن رأيها صراحة، فإنها سوف تجازف على الأرجح بالتخلي عن إتفافية التجارة مع امبراطوية الوسط، ولن تغامر بإفساد علاقتها مع الولايات المتحدة لأسباب ليس أقلها الضغوط الشعبية.
فبعد نَشر وثائق مُسرّبة حول الممارسات القمعية المُمَنهَجة التي تطال أقلية الإيغور المسلمة من قبل بكين، باتت الشكوك تجاه الصين تتزايد في سويسرا.
هناك شيء واحد يبقى مؤكداً، ألا وهو إعادة إحياء مبادرة “الحَد” لِنقاشٍ قَلَّت حِدَّته في سويسرا خلال السنوات القليلة الماضية: تلك المبادرة المتعلقة بالهوية والاختلاف، ما هو خاص بسويسرا وماهو غريب عنها، المواطنين والأجانب. هنا يتعلق الأمر بالتقييد وفَرْض الحدود.
فمبادرة “من أجل هجرة معتدلةرابط خارجي” التي أطلقها حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ لا تُطالب بإلغاء الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن حرية الحركة والَتَنقل فَحَسْب، ولكن أيضاً بقيام سويسرا بتنظيم حركة الهجرة بشكل مُستقل.
الحكومة الفدرالية من جانبها تعارض هذا المقترح. وهي تتوقع بأن سويسرا، وبسبب التطور الديموغرافي وشيخوخة السكان، سوف تواجه مُشكلة مُعاكسة تماماً في المستقبل، تتمثل في بحثها عن يد ٍعاملة مُستعدة للهجرة إلى سويسرا. بدوره، أوصى البرلمان الشعب السويسري برفض المبادرة.
من شأن سويسرا في المستقبل أن تقوم بتضييق الخناق في مجال اللجوء أيضاً. وهنا، تريد الحكومة السويسرية مَنْع طالبي اللجوء والأشخاص الذين يتم قبولهم مؤقتًا والأشخاص المشمولين بالحماية من السفر إلى الخارج في حال لم يكن هذا ضرورياً لإجراءات اللجوء أو العودة إلى بلادهم. من جهتها، تُعارض منظمات مساعدة اللاجئين هذه المخططات، وترى فيها انتهاكاً لحقوقهم الأساسية وتَدَخلاً في حرية التنقل. وهي تشير إلى أن رحلات هؤلاء للخارج غالباً ما تكون الطريقة الوحيدة للحفاظ على تواصلهم مع العائلة والأصدقاء. ومن المُتَوَقَّع أن يتبنى البرلمان الفدرالي اقتراح الحكومة خلال هذا العام.
بالإضافة لما سبق، من المقرر أن تتشدد الحكومة السويسرية في مسألة أخرى تتعلق بأجهزة الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة الخاصة بطالبي اللجوء، والتي سوف يُسمح بمصادرتها في المستقبل.
في هذا السياق، سوف يتقدم البرلمان بمشروع قانون يُوَسع الصلاحيات التحقيقية لسلطات الهجرة، في حال عدم تمكنها من إثبات هوية طالب اللجوء من خلال وسائل أخرى. في نفس الوقت، من المتوقع أن تشهد طلبات اللجوء تراجعاً آخراً في سويسرا، حيث انخفضت أعداد طالبي اللجوء في البلاد بشكل طفيف عاماً بعد عام منذ 2015، عندما بلغت حركة الهجرة ذروتها. واليوم، تتدارس أمانة الدولة للهجرة 13,000 طلب لجوء مقارنة بـ 39,000 طلب قبل أربع سنوات.
هل تَعمَد سويسرا إلى حَظْر ارتداء البرقع والنقاب في جميع أنحاء البلاد؟ في عام 2020، سوف يَنشغل البرلمان الفدرالي بمناقشة المبادرة الشعبية “نعم لحظر النقاب” بالإضافة إلى المشروع المضاد غير المباشر الذي قامت الحكومة بصياغته.
فكرة حظر إخفاء الوجه في جميع أنحاء سويسرا أطلقتها لجنة إيغركينغنرابط خارجي، التي تصدرت عناوين الأخبار قبل عشر سنوات بسبب إطلاقها مبادرة حظر بناء مزيد من المآذن في البلاد. وقد أطلقَت هذه المبادرة الشعبية حينها خشية بناء مآذن أخرى جديدة إضافة إلى المآذن الأربعة الموجودة في الكنفدرالية بالفعل. وقد حظيت المبادرة حينها بموافقة 57,5% من الناخبين.
في عام 2017، قامت ذات اللجنة المؤلفة أساساً من أعضاء حزب الشعب السويسري اليميني المحافظ، بإطلاق المبادرة الشعبية الداعية إلى حَظْر ارتداء البرقع والنقاب. ولن يتأثر بهذه المبادرة سوى قلة قليلة من النساء في سويسرا لا يتجاوز عددهن بضع عشرات.
المزيد
سويسرا الغنيّة في مواجهة أسئلة أخلاقية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.