هل يمثل اتفاق أباشا نموذجاً يُحتذى به لاستعادة أموال الحكام الطُغاة؟
تمت الإشادة مؤخراً بالإتفاق المُبرَم بين سويسرا ونيجيريا والبنك الدولي، لإعادة مئات الملايين من الدولارات المُختَلَسة من قبل الدكتاتور النيجيري السابق ساني أباشا والمُقربين إليه، باعتباره نموذجاً يُحتذى به حول كيفية التعامل مع الأموال المنهوبة من قبل الحكام الطُغاة. لكن بعض منظمات المجتمع المدني في كل من سويسرا ونيجيريا تبدي تحفظها الشديد بهذا الشأن.
تنشط سويسرا منذ عدة أعوام للتخلص من صورة الملاذ الآمن لإموال الطغاة، مع إعادتها لأكثر من ملياري فرنك سويسري (2.1 مليار دولار) من الأصول المنهوبة المودعة في مصارفها منذ عام 1986. وكان آخر مثال على ذلك هو تحويلها مبلغ 321 مليون دولار إلى حساب حكومي نيجيري، هي جزءٌ من الأصول التي نهبها الدكتاتور النيجيري السابق ساني أباشا (1993-1998) والمُقَرَّبين إليه. ومن المقرر استخدام هذه الأموال – وباشراف من البنك الدولي – لتمويل مشروع شبكة السلامة الإجتماعية الوطني في نيجيريا، الذي ينطوي على تحويلات نقدية للنيجيريين الذين يعيشون تَحت خَط الفَقر.
“أعتقد أن هذا الإتفاق نموذجٌ جيّد يحتذى به بالنسبة للبلدان الأخرى، لأنه يتيح الفرصة لتقديم الرعاية لأعضاء المُجتمع الأشد فقراً، والذين يعانون أكثر من غيرهم عندما تُسرَق الأموال المُخَصَّصة للتنمية وتُحوَّل إلى خارج البلاد”، كما تقول جولييت إيبيكاكورابط خارجي، المساعدة الخاصة للرئيس النيجيري في مجال الإصلاح القضائي.
هذا الرأي، يتفق معه بيو فينّوبسترابط خارجي، مساعد المدير العام للوكالة السويسرية للتنمية والتعاونرابط خارجي [التابعة لوزارة الخارجية، والمكلّـفة بملفات التعاون الدولي]. ووفقاً لـلخبير الإقتصادي الزراعي الذي قاد الفريق التفاوضي للحكومة السويسرية في قضية أموال أباشارابط خارجي، فإن لهذا المبلغ الكبير من المال القدرة على إرسال رسالة قوية إلى المجتمع الدولي، كما “يُظهر إمكانية تضافر جهود المؤسسات المالية والعامة من أجل خدمة السكان المحرومين من الخدمات”.
مشاركة المجتمع المدني
على الجانب النيجيري، تقود الشبكة الأفريقية للعدالة البيئية والاقتصاديةرابط خارجي مجموعة من المنظمات غير الحكومية النيجيرية التي ستساعد في الإشراف على كيفية استخدام هذه الأموال. وكما يقول القس ديفيد أوغولور، المدير التنفيذي للشبكة، كانت قضية أباشا هي المَرّة الأولى التي تُدعى فيها منظمات المجتمع المدني إلى المشاركة في صياغة اتفاق لاسترداد الأصول التي نهبها الدكتاتورالسابق.
وهنا يتبادر السؤال: هل يمكن لدول أخرى أن تحذو حذو نيجيريا [في استعادة أموال الحكام الطُغاة المُكتسبة بطُرُق غير مشروعة]؟ مع أن أوغولور يُدرك أن مثل هذه المؤسسات المدنية القوية ليست موجودة في جميع الدول، لكنه يرى “إمكانية تصور إطار عمل بديل في مثل هذه الحالات”.
لكن منظمة عين الجمهور (Public Eye) السويسرية غير الحكومية تشكك بهذا الرأي، ولا ترى بأن الإتفاق المُبرم مع نيجيريا هو النموذج الأمثل في هذه الحالات. وفي الوقت الذي يُقِرُّ فيه أوليفيي لونغشام خبير الشؤون المالية والضريبية في المنظمة بأن الصفقة التي أبرِمَت لإعادة أصول أباتشا هي “اتفاق جيد”، لكنه يشير إلى أن الوصول إلى هذه النتيجة تطلَّب عقدين من الزمن، وكان عبارة عن “عملية طويلة ومعقدة للغاية”.
وكما يقول: “لا أتصور أن ذلك يبرهن على أن سويسرا هي بطلة العالم في إعادة الأصول المسروقة”.
عملية طويلة وأموال تختفي
فضلاً عن على ذلك، لاتزال هناك شكوك قائمة حول كيفية استخدام مبلغ 700 مليون دولار من “أموال أباشا”، كانت سويسرا قد أعادتها إلى نيجيريا في عام 2005.
“لقد اختفى جزءٌ كبيرٌ من تلك الأموال”، كما يقول لونغشام. “هذا لا يعني بالضرورة بأن المال قد سُرِق، لكنه فُقِدَ في النظام المحاسبي للدولة الاتحادية النيجيرية”.
وفي تلك الحالة، لم يُطالَب البنك الدولي بتحليل الوضع إلّا بَعد إنفاق الأموال، الأمر الذي لم يمكنه من الخروج باستنتاج قاطع بشأن الجهة التي انتهت إليها.
وكما يعلّق لونغشام، كانت هذه “دعوة للاستيقاظ” بالنسبة للسلطات السويسرية، التي أدرَكَت ضرورة ضمان مُمارسات الحكم الرشيد قبل إعادة مثل هذه المبالغ الطائلة.
ولم يغفل خبير الشؤون المالية والضريبية في منظمة ‘عين الجمهور’ الإشارة أيضاً إلى إختفاء مبلغ 140 مليون دولار، كانت إمارة ليختنشتاين قد أعادتها إلى نيجيريا، وهو ما مثل “سبباً وجيهاً آخراً لإصرار سويسرا على التَوَصُّل لاتفاق يحمل ضمانات أفضل بشأن استخدام الأموال”، على حَد قوله.
الدروس المُستفادة
من جانبه، يعترف فينّوبست من وكالة التنمية السويسرية بأن “الأمور كان يمكن أن تُنَفَّذ بشكل أفضل” في عام 2005، وبأن هذا الاتفاق الأخير إنما هو نتاج الدروس المُستفادة من حالة نيجيريا ودول أخرى. وهو يقول إن تلك الدروس أسفَرَت عن اتفاق “تاريخي” من حيث مُستوى الرَصد والتتبع وإشراك المجتمع المدني واستخدام التكنولوجيا الجديدة للتحويلات النقدية، وهي إجراءات ما كان لها أن تتحقق قبل بضع سنوات فقط.
أمّا جولييت إبيكيكو فتعتقد أن النتيجة الرئيسية المُستَخلَصة من العملية، هي ضرورة أن تكون هوية المستفيدين من الأموال “واضحة ومحددة”، وأن لا يتم تنفيذ مشاريع لا يمكن ضمان أن الأموال المُخَصَّصة لها لن تُنفَق على أي شيء آخر.
وكما أخبرت swissinfo.ch أيضاً، تعمل الحكومة النيجيرية الآن مع البنك الدولي لتحديد هوية الأطراف المستفيدة وإنشاء سجل بهذا الخصوص. وهذا الإجراء يتيح لمنظمات المجتمع المدني المشارِكة في عملية الرَصد، والتأكد من أن أولئك الذين تم تحديدهم كمستفيدين من الأموال هم الذين يتلقونها بالفعل.
دور البنك الدولي
وبالنسبة للقس أوغولور من الشبكة الأفريقية للعدالة البيئية والاقتصادية، وعدد آخر من منظمات المجتمع المدني التي شاركت في صياغة الإتفاقية بين نيجيريا وسويسرا، توجد هناك مسألة “شائكة” أخرى تتعلَّق بمدى مشاركة البنك الدولي في إعادة الأصول لبلده. وكانت هذه المنظمات قد “أدانت بشدة” قرار محكمة جنيف القاضي بإشراف البنك الدولي على إعادة الممتلكات.
“نحن نعتقد ان قرار المحكمة لم يكن مَقبولاَ على الإطلاق بالنسبة لدولة ذات سيادة و مؤسسات ديمقراطية مثل نيجيريا”، كما يقول المدير التنفيذي للشبكة.
من جانبه، يدرك لونغشام من منظمة ‘عين الجمهور’ أن البنك الدولي كان حاضِراً في نيجيريا منذ سنوات عديدة، بأنه صاحب مبادرة الأصول والأموال المسروقةرابط خارجي، التي تُسَهّل على الحكومات في الدول النامية استعادة أموال منهوبة نقلها زعماء فاسدون إلى دول غنية، واستثمارها في برامج اجتماعية ومشاريع لمكافحة الفقر. لكنه يشير إلى ان انتقاد البنك الدولي في نيجيريا لم يأت من فراغ، بسبب تورط هذه المؤسسة في فضائح فساد في السابق.
ومع إدراك اوغولور للشكوك العميقة المحيطة بمشاركة البنك الدولي، لكنه يرى أن وجوده في العملية “أفضل من عدم وجود أحد على الإطلاق، طالما لا توجد هناك مؤسسة مُماثلة”.
“تنظيف” سويسرا
ويأتي الاتفاق لأخير لإستعادة الأموال التي حولها الديكتاتور النيجيري السابق ساني أباشا إلى سويسرا وسط تغيرات في القوانين والممارسات السويسرية المتعلِّقة بارجاع الأصول المسروقة من قبل الحكام الطغاة، والتي بلغت ذروتها في عام 2016، مع بدء العمل بقانون تجميد واعادة الأصول غير المشروعة العائدة إلى أشخاص أجانب معرضين سياسيارابط خارجي.
كما أشار لونغشام أيضاً الى قيام سويسرا بتعزيز قوانينها المتعلقة بتبييض الاموال بشكل مُتكرر خلال الأعوام الاخيرة “لا سيما فيما يتعلَّق بقضايا التهرب الضريبى”، وإن كان تحت ضغط دولي في كثير من الأحيان.
وهو يقول أنه يرى تقدماً، بَيد أنَّ المشكلة لم تنته تماماً، كما تثبت سلسلة من فضائح الفساد، بدءاً بفضيحة مجموعة النفط البرازيلية ‘بتروبراس’، ووصولاً إلى فضيحة صندوق الثروة السيادية الماليزية 1MDB وأوكرانيا. كما يجادل بأن سويسرا تحاول استخدام ورقة رَدّ الأصول في أحيان كثيرة لتعزيز سمعتها في الخارج كمركز مالي نظيف.
وفي نهاية المطاف، خَلُص خبير الشؤون المالية والضريبية في منظمة ‘عين الجمهور, إلى الإعتقاد بأن معظم حالات الفساد الأجنبية على الأراضي السويسرية “ربما لم تُكتَشَف بعد حتى”.
أول تجميد للأرصدة
1986، فرديناند ماركوس (الفلبين)، 684 مليون دولار: بعد أن كانت قد رفضت تجميد أصول شاه إيران المخلوع قبل بضعة أعوام سابقة، تصرفت سويسرا بسرعة في عام 1986، وقامت بتجميد أصول فرديناند ماركوس وزوجته إيميلدا المولعة بالأحذية، بعد أيام قليلة فقط من سقوط دكتاتور الفلبين. وقد تم تنفيذ هذه العملية كإجراء وقائي، وقبل أن تطالب حكومة الفلبين الجديدة بذلك حتى. وبعد 12 عاما، أي في عام 1998، أعيدت تلك الأموال بموجب اتفاق مع الحكومة الفلبينية الجديدة، يكفل استفادة ضحايا نظام ماركوس من جزءٍ من هذه الأموال. وقد تطلَّب الأمر حينذاك صدور 60 حُكما من المحكمة الفدرالية (اعلى سلطة قضائية في سويسرا) قبل إعادة الأموال.
أول إرجاع للأموال
1997، موسى تراوري (مالي)، 3,9 مليون فرنك سويسري: رغم الحجم المتواضع للمبلغ المُعاد، لكن تحويله إلى حساب الحكومة المالية كان سابقة تاريخية. ولم يستغرق التعامل مع هذه القضية سوى خمسة أعوام فقط، الأمر الذي تعزيه الحكومة السويسرية إلى التعاون السلس مع السلطات المالية، وحقيقة أن تراوري كان قد حوكم وأدين في مالي بتهمة ارتكاب “جرائم دموية وجرائم اقتصادية” خلال فترة حكمه.
حالات إشكالية
1986 هايتي (6 ملايين دولار)، و1997 جمهورية الكونغو الديمقراطية (5.5 مليون دولار): قامت سويسرا بتجميد أصول الدكتاتور الهايتي جان كلود دوفاليي، كما اتخذت نفس الإجراء مع الأموال التي نهبها موبوتو سيسي سيكو الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً) بعد سقوطهما. لكن إعادة هذه الأصول المسروقة إلى بلدانها الأصلية لم يكن مُمكنا بسبب عَجز مؤسسات وهياكل الدولتين وضُعف المساعدة القانونية المُتبادلة بينها وبين سويسرا. وقد أدت هذه الإخفاقات إلى إقرار سويسرا لقانون جديد في عام 2011 يُعرف بـ “قانون دوفاليي” (Lex Duvalier)، للسماح للسلطات بإعادة الأموال حتى في ظل مثل هذه الظروف.
2011: تونس ومصر وليبيا
في أعقاب ثورات الربيع العربي، قامت سويسرا بتجميد ما يقرب من مليار فرنك سويسري (مليار دولار) مرتبطة باسماء الحكام الذين تم إسقاطهم، والرئيس السوري بشار الأسد أيضاً. وإلى حد اليوم، لم تُعد سويسرا سوى جزء قليل من هذه الأصول لتونس. وعند سؤاله حول ذلك في 1 يناير 2018، قال رئيس الكنفدرالية آلان بيرسيه إن سويسرا “تود أن تمضي بشكل أسرع بكثير، ولكن إعادة هذه الأصول يجب أن يتم وفقاً للإجراءات القانونية، ومع اليقين الكامل بوصول هذه الأموال الى مكانها الصحيح”.
2014: أوكرانيا
عَقب التظاهرات التي جرت في ساحة ميدان في العاصمة الأوكرانية كييف، وعَزل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش من منصبه، قامت سويسرا بتجميد ودائعه البالغ قيمتها نحو 70 مليون دولار بشكل وقائي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.