“التظاهرات الحالية هي حَجَر الأساس الذي سيَنقَل الوَعي العراقي باتجاه استرجاع هويته”
دَخَلَت التظاهرات السلمية التي إنطلقت من مدينة البصرة جنوب العراق أسبوعها الثالث، وقد امتَدَّت إلى محافظات ميسان، وذي قار، وواسط، وبابل، والنجف، وكربلاء، والمثنى، والقادسية، وصولاً إلى العاصمة بغداد. وطالبَت الجماهير المُحتشدة تحت شمس تموز الحارقة الحكومة العراقية بإيجاد حل لأزمتي الماء والكهرباء والخدمات بشكل عام، وتوفير فرص العمل، وتحسين المستوى المعاشي، ومُحاسبة الفاسدين وإجراء إصلاحات حكومية. كما رَفَع المتظاهرون شعارات تُنَدَّد بالعُنف الذي تستخدمه القوات الأمنية العراقية ضدهم.
الجالية العراقية في سويسرا ليست بمنأى عن الأحداث التي تشهدها مُعظَم المدن الرئيسية في جنوب ووسط العراق، بل تتابعها بشكل يومي منذ انطلاقتها الأولى في مدينة البصرة، التي تحوَلَت إلى ثغر العراق الحزين بعد أن كانت ثغره الباسم في يوم ما. لكن كيف يُتابع العراقيون المقيمون في سويسرا هذه الأحداث في ظل محاولات الحكومة العراقية التعتيم على ما يجري وقمع القوات الأمنية للمتظاهرين؟ وما هي توقعاتهم لمسارها ومآلاتها؟ swissinfo.ch طرحت السؤال على البعض منهم.
يقول الكاتب والإعلامي قاسم المرشدي، مؤسس ورئيس تحرير موقعي العراق نترابط خارجي و عراقيون في سويسرارابط خارجي، ومدير البيت الثقافي العراقي في زيورخ، إنه يُتابع ما يجري في العراق من خلال وسائل الإعلام العراقية والسويسرية والعربية والعالمية، وشبكات التواصل الإجتماعي، والتواصل المباشر مع الأقارب والأصدقاء. لكنه يشير إلى أن اعتماد المصادر الموثوقة يحتاج إلى التركيز والخبرة، “بسبب هَيمَنة الإسلام السياسي الشيعي على الإعلام العراقي الرسمي والأهلي، حيث أسّس كل حزب وسائله الإعلاميه الخاصة، مُستخدماً المال العام. وحتى شبكة الإعلام العراقي الرسمية تخضع لهيمنة حزب واحد تابع لسلطة رئيس الوزراء منذ عام 2003. وبالتالي لا يوجد هناك إعلام مُستقل نستطيع أن نستقي منه الأخبار العراقية. وأصدَق الأخبار هي التي تردنا من الناس مباشرة عَبر وسائل الإعلام الإجتماعية”، كما يقول.
بدورها، لا تتابع الكاتبة والإعلامية ذكرى محمد نادر القنوات العراقية للإطلاع على ما يجري “لأنها – وبدون استثناء – تابعة لأجندات الأحزاب التي تُنفِق عليها، وهي تفتقر إلى المصداقية بالتالي”، حسب رأيها. وتعتمد الإعلامية بشكل رئيسي على تطبيق ‘تويتر’، حيث المواقع الخاصة بهذه الإحتجاجات تحديداً، “ومواقع أخرى يقوم فيها الشباب المتواجدين في الساحة، بتسجيل ما يقومون به، والتعبير عن أفكارهم حول ما يحدث”. كما تلجأ إلى الإتصال المباشر مع الأهل والأصدقاء من خلال تطبيقي ‘واتس آب’ و‘فايبر’ لمتابعة آخر التطورات.
ورغم تواصلها اليومي مع العديد من المُثَقَّفين والإعلاميين في جميع أنحاء العالم، إلّا أنها تَمنح الجزءَ الأكبر من وقتها للموجودين على أرض الحَدَث “لأنهم بحاجة للدَعم”، كما تقول. ومع مُتابعتها لوسائل الإعلام العالمية أيضاً “التي بدأت تتحرك على خَجَل”، ترى نادر أن هناك منظومة إعلامية تَتَبَع المشروع السياسي الأكبر، “الذي يهدف إلى التضليل على هذه التظاهرات وقمعها”.
دريد المشهداني أحد مؤسسي منظمة “ناشطون وأحرار العراق” يؤكد على تواصل منظمته مع جميع المحافظات العراقية من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ، مع إشارته إلى وجود عدد من أعضاء المنظمة العاملين داخل العراق. وكما يقول: “نحن نسعى أيضاً لأن يكون لدينا مقر في بغداد، ومكاتب في سويسرا وفي جميع دول الإتحاد الأوروبي”. وعلى الرغم من اعتماد المنظمة على وسائل التواصل الإجتماعي لِمَعرفة ما يحدث، “لكننا نطالب دائماً أن تكون الأخبار التي تصلنا مُوَثَّقة بغية توخّي المصداقية. نحن نتابع ما يجري باستمرار، ولدينا مواعيد مع المُتظاهرين”، على حدِّ قوله.
بدورها تقول الإعلامية نادية إبراهيمي بأن الحصول على آخر الأخبار بسرعة، ومن موقع الحدث، بات مُمكناً من خلال التطور الحاصل في وسائل الإتصال، واتساع شبكة التواصل الإجتماعي، الأمر الذي “أرعَب السلطة في العراق، التي لم تتوقع يوماً أن يثور سكانها في الجنوب الشيعي على الحكومة الشيعية، التي جاءت للحُكم نتيجة الأغلبية الشيعية”.
ومن جانبه، يقول الدكتور حسين صباح، وهو مهاجر عراقي يقيم في غرب سويسرا منذ حوالي عقدين إنه يعتمد في استقصاء الأخبار حول ما يحدث في العراق على “بعض المواقع الإخبارية العربية التي يثق بصحة تحليلاتها”، بالإضافة إلى “قنوات غير عربية أحياناً لتوثيق مصداقية الحَدَث”.
“هذه الإنتفاضة قد تهدأ.. لكنها لن تموت”
السؤال المطرح اليوم هو: هل سَيُكتَب لهذه الإحتجاجات الإستمرار، سيما وأنها تفتقر إلى قيادة أو هوية سياسية أوسَنَد إعلامي أو عمق دولي؟ يرد المرشدي بالإيجاب ويقول: “سوف تحاول الحكومة العراقية الفاسدة والأحزاب المُهيمنة على السلطة إحتواء هذه الإنتفاضة العربية العراقية الشيعية، وأنا آسف لأن أقول شيعية، لكن هذه هي الحقيقة. فقد انطلقت هذه التظاهرات وانتشرت من المناطق الشيعية في البصرة ومدن الفرات الأوسط، وليس كردستان والمناطق الغربية للعراق”. وهو يرى أن الحكومة سوف تنجح إلى حدٍّ ما في احتواء هذه الإنتفاضة التي يُسمّيها “إنتفاضة الجنوب العراقي ضد الإسلام السياسي الشيعي”. وفي اعتقاده، فإن الإنتفاضة يُمكن ان تهدأ، لكنها لن تموت، وسوف تعود من جديد “لأن الشعب وصل إلى درجة لا يَحتَمِل بعدها المزيد من الكذب والشعارات التي تطلقها الحكومة العراقية والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية المُهَيمنة على الحكم، في بلد يُصَدِّر 5 ملايين برميل نفط يومياً وبِسِعرٍ يصل إلى 165 دولاراً أحياناً”.
“ليس هذا هو المهم” تجيب نادر، “لكن المهم هو هذه الهوية التي إنطلقت بها التظاهرات، وإنكشاف المُخطط العالمي المُناهِض للعراق، ورَفع الصَوت أمام الفاسدين – رغم كل ما يملكونه من سلاح – وغياب الصوت الطائفي بشكل رائع (رغم أن غالبية المتظاهرين هم من الشيعة)، حيث إنكشفت الكثير من إدعاءات هذه الأحزاب بأنهم جاءوا لخدمة العراق والمواطن والمذهب وغيرها”. وبرأي نادر، فإن ما هو أسوأ من إفتقار المتظاهرين الشباب للقيادة أو السَنَد، هو ذوي الذمم الرخيصة القادرين على القيام بعمل لصالح العراق، لكنهم لا يفعلون ذلك بِسَبَب تعارُض مصالحهم الشخصية مع مَصلحة العراق. “علينا أن نكون مُقتَنعين بان هذه الطبقة الفاسدة بكل تسلسلها الهَرمي لا مصلحة لها في أن يكون العراق مُستقراً ودولة ذات قانون، لأن وجود القانون يعني دخول اللصوص والفاسدين إلى قفص الإتهام”، كما تقول.
بدوره يؤكد المشهداني على استمرار هذه الإحتجاجات، ويقول: “لا يزال الإعلام المُسَلَّط على هذه الإحتجاجات ومَطالب المتظاهرين ضعيفاً، لأن إعلام الطَرَف الآخر يَحظى بالدَعم الأكبر. وقد حَصَلنا على وثائق تُبين المُحاربة والتهديد الذي تتعرض له بعض القنوات العراقية التي تَبُث هذه الأحداث بشكل مُباشر، وتَهديد بعض العاملين فيها بالقتل، وتَعَقبهم بسيارات لا تحمل أرقاماً يقودها مُلَثمون. إن ما يحدث اليوم أشبه بممارسات المافيا”.
أما إبراهيمي، فلا ترى إستمرار هذه التظاهرات فحسب، بل تعتقد أنها “سوف تُحدِث تغييراً سياسياً قادماً في الساحة العراقية”، كما كتبت في رسالة اليكترونية لـ swissinfo.ch. على الجانب الآخر، يختلف رأي صباح بعض الشيء. وكما كتب لـ swissinfo.ch، فإن “غياب العوامل الأساسية والمُهِمّة لنجاح أي تظاهرة إحتجاجية – عراقية كانت أو عربية – وافتقارها إلى القيادة الموَحدة على وجه الخصوص، يجعلني غير مُتفائل بنجاح هذه الإحتجاجات في بلوغ غاياتها وأهدافها النبيلة الداعية الى إصلاح البُنى التحتية، والتغيير الجذري للنظام السياسي الفاسد الذي يَستَمد دعائمه من الفكر الثيُوقراطي، ومن سيطرة مافيات الفساد وسُرّاق المال العام”.
المزيد
“إذا نجحت التظاهرات في التخلص من المُندسّين فسوف تستمر وتحقق شعاراتها”
“نقطة مفصلية”
عموما، يرى العراقيون المقيمون في سويسرا الذين تَحَدَّثَت معهم swissinfo.ch بأن حكومة بغداد تتعامل مع هذه الأحداث بِعُنف، وبأنها ستلجأ إلى خطابات التهدئة في محاولة لتخدير الشارع، دون تحقيق مطالب المتظاهرين حقيقة.
وكما يلفت المرشدي، يُطالب المتظاهرون بتغيير الدستور العراقي من برلماني إلى جمهوري، وأن يكون الرئيس مُنتَخَباً من قِبَل الشعب. وهو يقول إن الحكومة تستخدم سياسة الجَزرة والعصا في التعامل مع المتظاهرين، مُشيراً إلى إعتقالها لرموزهم، وسقوط 11 قتيلاً بينهم [حتى يوم 20 يوليو]، فضلاً عن سقوط بعض الجَرحى في صفوف القوى الأمنية. ووفقاً للإعلامي “حاولت الحكومة والأحزاب المُهيمنة تغيير مسار هذه التظاهرات السلمية الشعبية المَطلبية إلى تظاهرات سياسية، من خلال حَرق مقرات الأحزاب الشيعية، وحَرق الصور وإطلاق النار، بينما تؤكد الأخبار بأن المتظاهرين لا يحملون أي سلاح، والسلاح بيد الدولة والأحزاب الشيعية فقط”.
بدورها، تؤكد نادر على تعامل الحكومة مع هذه التظاهرات بأقسى درجات القمع، مشيرة إلى أن قواتها تطلق الرصاص على المتظاهرين بقصد القتل والترويع. “لقد نزلت قوات الأمن إلى شوارع كربلاء ومحافظة المثنى بالدبابات! وإحدى المُدَرَّعات التابعة لفرقة الأسلحة والتكتيكات الخاصة (وتعرف إختصاراً بـ “سوات”) في مدينة السماوة حاولت دَهس المتظاهرين! هل يُعقل ذلك؟” وبرأيها، سوف تلجأ الحكومة العراقية إلى خطابات التهدئة والإعتذار – كما فعل بعض المسؤولين في محاولة لتخدير الشارع، لكن السؤال هو: هل سيتقبل الشارع ذلك؟ “بعد 15 عاماً من التقصير لا يمكن أن يكون هناك إعتذار، ولا بُدَّ من القصاص، وهذه هي الرسالة التي يوجّهها المتظاهرون لهؤلاء المسؤولين”.
وفقاً للإعلامية العراقية، تختلف تظاهرات اليوم عن سابقاتها، إذ لم تكن هناك مثل هذه الإحتجاجات الشاملة والجرأة عند العراقي الجنوبي لإعلان رفضه للنفوذ الإيراني. وبرأيها، فإن هذه التظاهرات – سواء نَجَحَت أم قُمِعَت – “هي النقطة المِفصلية وحَجَر الأساس الذي سينقل الوَعي العراقي باتجاه استرجاع هويته العراقية”.
في السياق ذاته، يذهب المشهداني إلى أن “لكل طرف في الحكومة حصّته في الحُكم، ويعمل لمصلحته الشخصية”، ويُضيف أن “الحكومة تتعامل بِعُنف مع المتظاهرين الشباب، وهذا دَليل على أنها بدأت تتخلخل، سيما وأن الشباب مُستمرون في التظاهر. وبإذن الله سوف تكون هذه الثورة مُوحّدة”، على حَدِّ قوله.
كذلك أشارت إبراهيمي إلى لجوء قوات الأمن العراقية إلى استخدام القوة المُفرطة ضد المتظاهرين، بالإضافة إلى إستخدامها الذخائر الحيّة في مُدُن جنوب البلاد. وكما كتبت: “كان أول إجراء تعَسُّفي وقَمعي من قبل الحكومة العراقية هو لجوؤها إلى حَجب المعلومة لِمَنع نَشر الصور والفيديوهات التي تُوَثق هذه المُمارسات”.
ما مظاهرات البصرة والجنوب وبغداد سوى أحد أشكال الرَفض الجماعي للفساد المُستشري في جميع مرافق العراق
الدكتور حسين صباح
“العراق هو دولة اللا دولة”، كما كتب صباح لـ swissinfo.ch: “لا وجود هناك لحكومة بالمَعنى المُتعارف عليه، وإنما هناك ‘كابينة موظفين’ عنوانها الحكومة العراقية، وظيفتها شَرعَنة وجود حيتان الفساد وميليشياتها، وشَرعَنة وإباحة استخدام شتى الوسائل ضد من يتعرض لها. وما مظاهرات البصرة والجنوب وبغداد سوى أحد اشكال الرَفض الجماعي للفساد المُستشري في جميع مرافق العراق. وبالتالي لا نتوقع من ‘الحكومة العراقية’ خيراً في التعامل مع هذه الحركة الشعبية العفوية الإحتجاجية، وسقوط القتلى في هذه التظاهرات هو خير دليل على ما أسلفت”.
“في ذيل قائمة الدول الصالحة للعيش”
علاوة على ما سبق، أجمَع العراقيون المقيمون في سويسرا الذين حاورتهم swissinfo.ch على عَدَم وجود أي تخطيط مسبق لهذه الإحتجاجات أو مَن يُحَرِّض عليها، ويُؤكدون بأنها جاءَت “عفوية تماماً” بسبب الوضع المعيشي المُتَرَدّي الذي تُعاني منه المحافظات الجنوبية.
وكما قال مدير البيت الثقافي العراقي في زيورخ مُذكراً: “لم تبدأ هذه التظاهرات قبل أسبوعين فقط، ولكنها بدأت في عام 2015. وحينها إنضم الكثيرون إلى هذه التظاهرات ودخلوا إلى المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، كما تعاطف الإعلام الدولي معها. هذه المظاهرات ليست وليدة اليوم، ولكنها نار تحت الرماد”.
“هذه التظاهرات عفوية بكل تأكيد” يقول المشهداني، ويضيف: “المتظاهرون يطالبون بأبسط حقوقهم من ماء صالح للشرب وكهرباء، وهذا غير متوفر منذ عام 2003 وحتى اليوم. لقد هاجَرَ الكثير من الشباب أو فقدوا حياتهم بسبب المصالح الشخصية للمتنفذين، الذين لم يهتموا ببناء الوطن أو توفير العيش الكريم للشعب. إن إيصال العراق لهذا الوضع كان مُخططا له قبل دخول أمريكا للعراق، وهذا الأمر بات واضحاً الآن”، حسب رأيه.
بنفس الإتجاه، أرجعت نادر هذه الإنتفاضات إلى الغضب الشعبي العارم، واليأس وانعدام فرص الحياة. “لقد وصلت نسبة ملوحة الماء في البصرة إلى 40%. حتى الحيوانات لا تستطيع شرب هذه المياه. كما تفشت الأمراض والأوبئة. لقد أرسل لي أحد الأطباء مقطع فيديو بشأن دراسة أجرِيَت على مياه الشرب في العراق، عُثِرَ فيها على بقايا بشرية! هل يُعقَل أن يصل هذا البلد الذي قدَّم أسس الحضارة إلى هذا المُستوى من الإنحطاط في الحياة اليومية في القرن الحادي والعشرين؟ قد تكون هذه الإنتفاضة تأخرت حتى، لكنها على الأقل بلوَرَت وَعي الشباب الرافضين لهذا الواقع. وكل إنسان لديه ذرة ضمير سوف يقول لأولئك المُتنفذين “كفى إلى هذه الحَد”!
الوضع أشبه بفوهة البركان التي انفجرت
نادية إبراهيمي
بدورها، نَفَت إبراهيمي أن تكون لهذه التظاهرات أي قيادة أو تنظيم سياسي أو دَعم خارجي. “لقد بدأت هذه الإحتجاجات من مدينة البصرة للمُطالبة بالماء والكهرباء في بلد تُسجّل فيه أعلى مستوى لدرجات الحرارة صيفاً. إن حَجم الكارثة الإنسانية في العراق تجعله يُصَنَّف سنوياً في ذيل قائمة الدول الصالحة للعيش. البطالة تُسَجِّل أرقاماً مرتفعة، والتعليم في أسوإ حالاته، والحكومات المُتعاقبة لم تفعل شيئا تجاه تعامل القوى الأمنية مع المواطن بما يحفظ كرامته. وهذه الأسباب جميعها أدَّت إلى هذه الإحتجاجات. الوضع أشبه بفوهة البركان التي انفجرت”، كما كتبت لـ. swissinfo.ch.
يتفق الدكتور صباح مع آراء مواطنيه ويقول: “لقد إندلعت هذه التظاهرات بعفوية المجروح المتألم الذي عانى ولا يزال من تَرَدّي الأوضاع المعيشية، وعدم تحقيق عوامل الحياة البسيطة – ولا أقول الكريمة – وفُقدان الأمل بتحسينها في الأفق المنظور. لكن هذا لا ينفي دخول بعض المُندَسّين من المُتصيّدين في الماء العَكِر لتحريف المَسار الشرعي لهذه التظاهرات التي يكفلها الدستور العراقي وكل دساتير الدول المتحضرة”. وبرأيه فإن مُهِمّة إلقاء القبض على هؤلاء الفاسدين تقع على عاتق القوات الأمنية وليس المتظاهرين – “هذا إذا كانت لدينا فعلاً قوات أمنية مِهَنية تَتَسامى عن كلِ الميول والإتجاهات”.
“الحكومات المُتعاقبة لم توَفر لنا مطالبنا”
مع دخول الإحتجاجات الشعبية أسبوعها الثالث، يتساءل البعض هل ستُحاول بعض الجهات الداخلية أو الخارجية استخدام هذه التظاهرات كورقة ضغط ضد بعضها الآخر؟ المرشدي لا يَستَبعد دخول أي جهاز مخابرات للعراق، سواء من دول الجوار أو من الدول البعيدة، ويقول: “العراق مُهَيمَن عليه من قبل الحكومتين الإيرانية والأمريكية بشكل رَسمي ومَكشوف، والحدود العراقية مُستباحة وتخضع لسيطرة الأحزاب الشيعية والكردية، وعندما تكون الحدود مفتوحة، تدخل المخدرات والسلاح والإرهابيين. بالتالي فإن كل الدول تبحث عن مصالحها” .
كذلك لفت المرشدي الإنتباه إلى مسألة تراجع الهوية وروح المواطنة العراقية لصالح إيديولوجيات الأحزاب المُهَيمنة على الدولة، ويقول: “لقد حاربت الأحزاب الإسلامية الهوية الوطنية لصالح هوية الإيديولوجيات الحزبية والشخصية. ومن المهم أن نعمل على تثقيف الأطفال والطلاب بهذا الشأن، لكي لا ينسى الإنسان العراقي هويته، لأن الإذاعة والتلفزيون والصحيفة والمدرسة لا يتحدثون عن العراق وتاريخه العظيم الممتد إلى 6000 عام”.
أنا أسميها ثورة، وأرفض أن أطلق عليها تسمية ‘إحتجاج’ أو‘ثورة جياع’، لأن العراقي ليس هدفه أن يأكل
ذكرى محمد نادر
بدورها، ترى نادر أن إيران قد تكون حاولت القيام بمثل هذه الخطوة، “لكن المتظاهرين الشباب انتبهوا لهذه المسألة فوراً، حيث نرى أن جميع الشعارات التي يحملونها ا تنُدَدِّ بالرموز والأحزاب الإيرانية. كذلك ألقى المتظاهرون في كربلاء – ولديّ أفلام توثق ذلك – القبض على عضوين من أعضاء الحرس الثوري الإيراني مع هوياتهم، وهم يحرقون المقرات الحزبية”، على حد قولها. وتؤكد الإعلامية على عدم وجود أي مسلحين ضمن المتظاهرين، أو توفرهم على دعم داخلي أو خارجي “بل على العكس، كل من يعمل في أحد الأحزاب يناهض هذه الثورة. وأنا أسميها ثورة، وأرفض أن أطلق عليها تسمية ‘إحتجاج’ أو‘ثورة جياع’، لأن العراقي ليس هدفه أن يأكل، فلو كان هذا هو هدفه، لكان احتمى بالميليشيات الحزبية الموجودة”.
المشهداني أعرب عن اعتقاده بأن بعض “النفوس الضعيفة التي باعت وطنها ولا تفكر بِمُستقبله أو بمستقبل الأجيال القادمة” حسب توصيفه، قد تحاول استخدام هذه التظاهرات لمصالحها الشخصية. “لكن المتظاهرين سوف يحاولون التخلص من هذه الزمر الفاسدة بالتأكيد”. ويختتم العضو المؤسس لمنظمة “ناشطو وأحرار العراق” حديثه بالقول: “منذ عام 2003، والحكومات المتعاقبة لم توفر لنا مطالبنا. لماذا نستورد كل شيء من خارج البلاد ونحن بلد زراعي؟ ماهي المراكز التي أنشأتها الحكومات المتعاقبة لنا؟ جميع المؤسسات التي يعمل فيها العراقيون اليوم قديمة وتعود إلى ما قبل سقوط النظام السابق، كما أنهم دمروا البنى التحتية. علينا كعراقيين أن نتكاتف ونضع يداً بيد، فاللعبة إنتهت، ورائحة الفساد فاحت”.
في نفس الإطار، يشير الدكتور حسين صباح إلى “عدم توَرّع الطرف الأجنبي والإقليمي منذ بداية التاريخ عن التدخل عندما يَسمَح له العامل الداخلي بذلك، وعندما توجد هناك ثغرات في جدار الداخل”. وكما يضيف: “الوضع عندنا فيه الكثير من الثغرات التي تتمثل أهمها وأوسعها بالتناحر بين القوى السياسية الفاسدة التي غرست أنيابها في جَسَد العراق وشعبه. إن الجهات الداخلية والخارجية مُكَمِّلة لبعضا البعض، وسوف يحاول الطرفان الإستفادة من التظاهرات وركوب موجتها، أملاً في تنفيذ أجندتهما السياسة الداخلية، وخدمة العامل الخارجي لتنفيذ استراتيجياتهما الإقليمية والدولية المُتضاربة”.
رئيس مجلس الوزراء: “أنا حريص لأن أستمع إلى مُختلف شرائح المُجتمع العراقي”
نقلاً عن وكالة الأنباء العراقية، أكَّد المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي سعد الحديثي، يوم 24 يوليو، أن المواطن العراقي سيشهد تغيرا ملحوظاً على مستوى الخدمات خلال المدة القليلة المقبلة.
وقال الحديثي لوكالة الانباء العراقية (واع): إن “وجود خلية الأزمة المركزية برئاسة رئيس مجلس الوزراء، ومباشرة عملها بصور آنية و متواصلة مع وجود لجان فرعية لها في الوزارات والحكومات المحلية في المحافظات وانعقادها المستمر، يذلل الكثير من التعقيدات التي كانت تقف عائقاً أمام الاستجابة السريعة لمطالب المتظاهرين بتوفير واقع خدمي أفضل”.
واضاف “إن رئيس الوزراء والحكومة المركزية حريصة كل الحرص على درئ جميع منافذ الفساد”، مشيرا إلى ان “عمل الحكومة الان ينصب على توفير الخدمات والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة”.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد شدد في المؤتمر الصحفي الاسبوعي ليوم 17 يوليو الجاري، على أهمية الإستقرار ورعاية مصالح العراقيين، وحفظ الأمن في جميع المحافظات، مؤكدا على أن تحقيق الرفاه الإقتصادي والخدمات لا يتحقق بدون إستقرار. وكما قال: “نحن نتابع مطالب واحتياجات المواطنين المشروعة في جميع المحافظات ونستمع إليها، ووجهنا إلى كافة المدراء المحليين والوزارات المعنية بتلبية المطالب الحقة التي يمكن تنفيذها في الوقت الحاضر”.
كما أشار العبادي إلى توجيه القوات الأمنية للحفاظ على سلامة المواطنين، وإحترام التظاهر السلمي “وهو حق للمواطنين”، ومنع إي إعتداء على الممتلكات الخاصة أو العامة. وكما قال: “إن واجب الحكومة والأجهزة الأمنية هو تنفيذ القانون وحماية مصالح الدولة والمواطنين والمنشآت الحيوية والشركات والمطارات وكافة مؤسسات الدولة” وأضاف: “أنا أمد يدي إلى كافة المتظاهرين السلميين، دعونا نتعاون، أريد أن أسمع صوتكم ومطالبكم. ولكن دعونا نتعاون لكشف وفضح المُندَسين، فهؤلاء يدمرون البلد ويريدون عودتنا للوراء ويجب تسليمهم إلى القضاء”.
واعترف العبادي بوجود خلل في أجهزة الدولة، داعيا المواطنين إلى التعاون و”تنبيه الدولة لذلك”.
وكان رئيس الوزراء العراقي قد إجتمع يوم 16 يوليو الجاري مع قادة وممثلي الكتل السياسية الرئيسية في البلاد في خطوة تهدف إلى إشراك جميع الكتل السياسية في العراق في البحث عن حلول عملية لأزمة المظاهرات التي تَعم محافظات الوسط والجنوب وبغداد.
وأورد بيان صادر عن مكتب العبادي أن قادة الكتل السياسية “أجمعوا على حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي وتفهمهم لمطالب المواطنين المشروعة والعمل على تلبيتها”، مع “رفضهم وإدانتهم للتجاوزات التي طاولت الممتلكات العامة والخاصة ومؤسسات الدولة، والاعتداءات على القوات الأمنية التي حررت الأرض من الإرهاب وما زالت تلاحق جيوب العصابات الإرهابية”.
وأشار البيان إلى تشديد “القوى السياسية على ضرورة الإسراع في تشكيل لجنة لمتابعة الإجراءات الحكومية بالإصلاحات السريعة لتأمين حلول عاجلة للمشاكل الخدمية والإدارية وبما يتصل بضرب الفساد لضمان أداء أفضل لمؤسسات الدولة لتلبية حاجات المواطنين المُلِحّة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.