البرلمان الأوروبي يُصادق على إصلاح مثير للجدل لحقوق التأليف والنشر على الإنترنت
اقترن القرار الذي اتخذه البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ والقاضي بتضييق الخناق على منصات الإنترنت الكبرى بخوض حملات ضغط كبيرة جدا من قبل الناشرين والمدافعين عن حرية التعبير على حد السواء. أما سويسرا، فلا زالت غير معنيّة بعدُ بشكل مباشر بهذه المسألة.
تميّزت أول جلسة عقدها البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (شرق فرنسا) يوم الأربعاء 12 سبتمبر الجاري بعد انتهاء العطلة الصيفية باتخاذ قرار غير مسبوق من طرف أعضائه يقضي بمُعاقبة دولة المجر بسبب تراجعاتها الأخيرة على مستوى الممارسة الديمقراطية.
في مقابل ذلك، لم تحظى الموافقة العريضة للنواب على إصلاح طموح للقواعد المنظمة لحقوق التأليف والنشر داخل الإتحاد الأوروبيرابط خارجي باهتمام واسع في العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام، إلا أن آثارها لا تقل أهمية عن القرار الأول. فهذا الإصلاح قد تترتب عليه آثار ضخمة جدا على وسائل الإعلام الإلكترونية في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك في سويسرا.
تهدف التغييرات – وهي بالمناسبة المرة الأولى التي تقوم فيها بروكسل بتحديث قوانين حقوق التأليف والنشر منذ عام 2001 – إلى التكيّف مع تحديات العصر الرقمي من خلال تغيير سُلّم الأولويات واستبدال المنصات الكبيرة المتاحة على الإنترنت مثل غوغل وفيسبوك بـ “مُبتكري المضامين” الذين يُزودونها بشتى أصناف المواد، وهم الموسيقيون والمصورون والصحفيون، إلخ….
من أجل القيام بذلك، يعتمد التوجيه المُعتمد من طرف البرلمان الأوروبي على سلاحين رئيسيين، يتمثل الأول في إلزام مُجمّعي المواد (aggregators) بمكافأة المؤلفين الأصليين كلما ظهر مقتطف من أعمالهم في خلاصة نتائج بحث أو “تغذية” مواد (Feed) (“أخبار غوغل” على سبيل المثال)، ويتلخص الثاني في إلزام مواقع مثل “يوتيوب” بتوفير اختيار مُسبق لتحميلات مقاطع موسيقية أو فيديو وذلك للحيلولة دون حصول أي انتهاك لحقوق الطبع والنشر.
مخاوف من الرقابة
في الحقيقة، يتعلق الأمر بفكرة هائلة مُورست بشأنها ضغوط كبيرة في بروكسل من طرف المنظمات المدافعة عن حقوق الناشرين والمُبدعين من ناحية، ومن طرف كبريات شركات التكنولوجيا والنشطاء المؤيّدين لحرية الإنترنت من ناحية أخرى. كما سُجّل انخراط شخصيات بارزة في هذه الحملات من بينها المغني الشهير بول مكارتني (كمؤيّد) ومطرب الراب وايكلف جان (كمُعارض).
في السياق، اختار المؤلف السويسري والناشط الرقمي أندرياس فون غونتن الوقوف مع المعسكر الثاني. وفي تصريح لـ swissinfo.ch، قال: “إنه يومٌ سيّء بالنسبة إلى الإنترنت”، موضحًا أن القرار لن يُفيد في نهاية المطاف إلا نفس المجموعات التي صُمّم لمواجهتها وكبح جماحها، أي عمالقة الإنترنت.
فون غونتن أشار أيضا إلى أن تجارب سابقة (في ألمانيا مثلا) هدفت إلى إرغام مُجمّعي المحتويات والمضامين على دفع أموال للمؤسسات الإعلامية مقابل إنتاجاتهم لم تنجح، ويُعزى ذلك أساسًا إلى أن غوغل تتمتع بنفوذ كافٍ لإجبار الناشرين المُتعطشين للدعاية على توقيع عقود تسمح بالتوزيع المجاني.
في الأثناء، يُلاحظ الناشط الرقمي السويسري أنه – في أسفل السلسلة – ستتعرض المنافذ الإخبارية الأصغر وكذلك الشركات الأصغر حجما التي تحاول التجديد والإبتكار في سوق معالجة المواد و/أو تجميعها للخسارة لأنه من غير المُجدي بالنسبة لها أن تُوقّع وتدفع مقابل العدد الكبير من العقود التي ستترتب عن اعتماد قانون من هذا القبيل.
ويُضيف “سيكون لدينا ابتكار أقل. كما أن القدرة التحرّرية التي يُوفّرها الإنترنت للأصوات الأصغر حجما ستختفي”.
بخصوص ما ورد في القانون المُصادق عليه بخصوص “وضع عبء إزالة المحتوى المحمي بحقوق الطبع والنشر على مُوفّـري مضامين مثل يوتيوب”، أعرب فون غونتن ومُشكّكون آخرون عن عدم اقتناعهم بالخطوة. وقالوا إن الخوارزميات الخاصة بـ “مصفيات (أو فلاتر) التحميل” قد تميل بعيدا باتجاه تحميل “حواجز ومُعرقلات”، على حد زعمهم، وهو ما سيؤدي إلى الحيلولة دون وصول مُحتويات لا ضرر منها تمامًا إلى شبكة الإنترنت.
التصويت – الذي حظي بدعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وآخرين – قُوبل بالترحيب من طرف المفوضية الأوروبية، بالإضافة إلى اتحاد ناشري الصحف الأوروبيينرابط خارجي الذي يضم في صفوفه “مجموعة الإعلام السويسريةرابط خارجي” التي تمثل أكثر من 300 صحيفة ومجلة في الكنفدرالية.
وقال متحدث باسم اتحاد ناشري الصحف الأوروبيين: “إن هذا الإصلاح لا يقتصر على تحديث حقوق التأليف والنشر فحسب، بل يشمل الوظيفة الأساسية لديمقراطياتنا”، وأضاف: “لقد أثبت البرلمانيون الأوروبيون اليوم أنهم يُقدّرون الصحافة المستقلة الأوروبية من خلال التصويت لصالح حقّ للناشرين سيُساعد على ضمان استدامة القطاع الصحفي الأوروبي”.
سويسرا تتابع
في سويسرا، التي ليست بلدا عضوا في الإتحاد الأوروبي، تجري حاليا مراجعة منفصلة للقوانين الفدرالية المتعلقة بحقوق التأليف والنشررابط خارجي، لكنها تتميّز بتركيز أكبر على حماية حقوق التصوير مقارنة بالقضايا المثيرة للجدل المتعلقة بـ “رسوم الإرتباط” و “مصفيات (فلاتر) التحميل” المطروحة على جدول الأعمال في بروكسل.
مع ذلك، وبما أن شبكة الإنترنت لا تعرف الحدود، فمن المُحتمل أن ينظر المُشرّعون في برن في إمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة لما سيتم إقراره في الإتحاد الأوروبي في مرحلة ما في المستقبل، حسبما صرحت به آن-فيرجيني لا سبادا، المحامية المتخصصة في مجال الملكية الفكرية إلى صحيفة “لوتونرابط خارجي” (تصدر بالفرنسية في لوزان) خصوصا “إذا ما كانت تجربة الإتحاد الأوروبي مُقنعة”.
في الوقت الحاضر، تبقى التفاصيل المتعلقة بكيفية تطبيق القانون المُصادق عليه مفتوحة، حيث ستتم مناقشتها خلال الأشهر القادمة من قبل المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي ومجلس وزراء الإتحاد الأوروبي قبل طرح النسخة النهائية مجددا على أعضاء البرلمان الأوروبي لإجراء تصويت أخير عليها.
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.