نشاط مكثف ومتعدد الأبعاد لـ “مركز جنيف” في تونس
منذ الإطاحة بالنظام الإستبدادي السابق في تونس قبل أكثر من سبعة أعوام ونصف، ما فتئ "مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة" يُقدم الدعم للسلطات التونسية الجديدة في مجال إصلاح قطاع الأمن وتعزيز دولة القانون. واليوم، تتبوأ تونس حاليا الرتبة 63 بين البلدان الأعضاء في هذا المركز - الذي تُساهم سويسرا بقسط معتبر في تمويل أنشطته - وهي تنتفع بصفتها تلك بمساعدة متعددة الأشكال حسب طلبها.
في إجابته على أسئلة swissinfo.ch، أجمل السيد ستيفان بوخماير Stefan Buchmayer، مدير مكتب تونس لـ”مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة”رابط خارجي أبرز محاور التعاون القائم بين المركز والسلطات المحلية الذي انطلق منذ أكثر من عشرة أعوام في خمس نقاط رئيسية تتمثل الأولى في توفير الدعم في مجال تعزيز الرقابة البرلمانية والرقابة المستقلة. في هذا الصدد، يُؤمّن المركز الدعم لهيئات الرقابة الرسمية وغير الرسمية في الميدان الأمني. ويشمل ذلك تقديم المساعدة الفنية للجنتيْ الأمن والدفاع ولجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح التابعتيْن لمجلس نواب الشعب (البرلمان) من خلال إقامة دورات تدريبية مختصة تستهدف كل واحدة منها فئة معينة، وذلك طبقا لحاجة الشريك.
مساهمة مالية سويسرية
ارتفعت مساهمة برن في تمويل الصندوق الإستئماني لمركز جنيف للرقابة الديموقراطية على القوات المسلحة لشمال أفريقيارابط خارجي إلى 600 ألف فرنك سويسري سنة 2018. وتُمول سويسرا أيضا نشاطات أخرى لـ”مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة”، تنفيذا لبرامجه مع الشركاء التونسيين.
في الوقت نفسه، يفوق إجمالي مساهمات الصندوق الإستئماني لـ “مركز جنيف” المُخصّصة لدول شمال أفريقيا 15 مليون فرنك سويسري، وساهمت الحكومة السويسرية بـ 3200000 فرنك لتمويل البرامج الاقليمية للصندوق و 1800000 فرنك لفائدة البرامج التي يتم إنجازها في الجمهورية التونسية. وتُعتبر هذه المساهمة الأرفع بين الدول المانحة، وهي هولندا والسويد وبلجيكا ولوكسمبورغ وسلوفاكيا وألمانيا.
كما يشمل هذا التدريب أيضا الهيئات الدستورية التي أقرها الدستور الجديد مثل هيئة الحقيقة والكرامة أو الهيئة الوطنية لمكافحة التعذيب أو الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري المعروفة هنا باسم “هايكا”. من جهة أخرى يدعم “مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة” أيضا العديد من الأنشطة لصالح المجتمع المدني ووسائل الإعلام بوصفها أجهزة غير رسمية تساهم من جهتها في مراقبة قطاع الأمن.
استراتيجيا اتصالية شاملة
المحور الثاني الذي يشتغل عليه المركز يتعلق بمجال الإتصال وتقاسم المعلومات، حيث يدعم “مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة” وزارة الداخلية التونسية في مجال الاتصال منذ سنة 2011، من خلال وضع تقويم للأداء الإتصالي في الوزارة، بالتعاون مع الشريك، مشفوعا ببلورة استراتيجيا اتصالية شاملة، إلى جانب استراتيجيا اتصالية أخرى خاصة بالأزمات. في هذا السياق، أقام مركز جنيف أيضا حوالي 20 دورة تكوينية في مجال الاتصال لفائدة المسؤولين عن مكتب الإعلام والاتصال بالوزارة ومختلف الأسلاك الأمنية (الأمن الوطني والحرس الوطني والحماية المدنية). كما يساهم المركز في المسائل المتعلقة بالنفاذ إلى المعلومة في علاقة بقطاع الأمن، من أجل تعزيز النفاذ للمعلومات. وتجلى هذا الدعم كأوضح ما يكون من خلال إقامة ورشات نوعية في مسائل تتعلق بالنفاذ إلى المعلومة، مع مختلف الهيئات التعديلية الموكولة لها هذه المسائل.
السيد بوخماير أضاف شارحا: “يخصّ المحور الثالث الدعم في مجال إنشاء مواقع افتراضية تفاعلية، إذ أنشأ مركز جنيف منذ سنة 2011 موقعا باللغتين العربية والفرنسية جمَع فيه مجمل النصوص القانونية ومشاريع القوانين المتعلقة بقطاع الأمن وبالدستور والتشريع عموما. وتشتمل قاعدة المعلومات الخاصة بالتشريع على أكثر من ألفي نص وقانون ومرسوم وأنواع أخرى من النصوص التشريعية، وهي مُتاحة على موقع شاملرابط خارجي أضحى اليوم أحد أهم المواقع القانونية التي يزورها الجمهور في تونس. كما أنشأ مركز جنيف أيضا موقعارابط خارجي لتبسيط الجوانب القانونية من خلال شرح مسار العدالة الجزائية لفائدة المختصين والمتقاضين وعموم المواطنين، تحت مسمى “العدالة الجزائية في تونس بالباء والتاء”.
المحور الرابع يتمثل في الحوار الإدماجي حول الحاجات، إذ طور مركز جنيف الحوار الإدماجي حول الحاجات الأمنية، مُركّـزا بشكل خاص على وضع برامج مع المجتمع المدني مُوجّهة للشباب. على هذا الأساس، يدعم مركز جنيف المبادرات الرامية لوضع سياسات أمنية، وذلك من خلال دعوة خبراء وتنظيم فعاليات لصالح مؤسسات تونسية، مثل البرلمان ورئاسة الجمهورية والوزارات، حول مسائل تتعلق بالأمان في العالم الإفتراضي وتأليف كتاب أبيض خاص بالدفاع ووضع سياسة لحماية الأحداث والتوقي من الإنحراف والجنوح، علما أن هذه الفعاليات تُقام في ضوء حاجات المؤسسات التونسية الشريكة وطلباتها.
أما المحور الخامس فيتعلق بنوع آخر من الدعم، وهو الخاص بالتعاطي مع عمليات إحداث التغيير على مستوى الحوكمة وإسداء الخدمات من قبل مُوفّري الأمن. وفي معرض شرح هذا المحور، أشار السيد بوخماير إلى أن “مركز جنيف يدعم كثيرا من المبادرات الرامية لتنمية المهارات الخصوصية المرتبطة بالحوكمة الرشيدة في قطاع الأمن، وبخاصة من خلال مشاريع ملموسة مثل الدليل حول استعمال الإثبات الطبي الشرعي لكشف وتوثيق ادعات التعذيب وسوء المعاملةرابط خارجي، الذي قام بإعداده فريق من الأطباء والقضاة التونسيين. وأتاح هذا المشروع وضع بروتوكول مشترك بين دكاترة الطب الشرعي والقضاة بما يُمكّنهم من تسهيل اتخاذ القرار في شأن مزاعم التعذيب من جهة، وتعزيز دولة القانون من جهة ثانية. وحظي هذا المشروع لدى تقديمه بتزكية كل من وزارتي العدل والصحة التونسيتين.
930 مستفيد منذ بداية 2018
تُشير الإحصاءات إلى أن ما لا يقل عن 930 منتفعا استفادوا بشكل مباشر من أحد نشاطات “مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة” في تونس منذ بدء العام الجاري.
تنوعت تلك النشاطات وشملت ورشة عمل حول تقنيات التغطية الإعلامية لمسائل الحوكمة الرشيدة في المجال الأمني، وأخرى حول وضع استراتيجيا وطنية لتطوير صناعة عسكرية تونسية، أقيمت بالتعاون مع “المعهد الوطني للدفاع”، ومنها أيضا تنظيم مؤتمر دولي حول موضوع “النساء والسلم والأمن” بالتعاون مع جمعية “أصوات نساء”، كان مُوجّها بالأساس للحقوقيين ونشطاء الأحزاب والجمعيات.
شركاء متنوعون ونتائج ملموسة
سألتُ السيد بوخماير عن الشركاء المحليين لمركز جنيف، فأوضح أن القائمة تشمل عددا من مؤسسات الدولة وهي رئاسة الجمهورية والبرلمان ووزارات الداخلية والدفاع والعدل والمرأة والتربية والصحة. كما يعمل المركز أيضا مع مؤسسات مستقلة مثل هيئة الحقيقة والكرامةرابط خارجي أو الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيبرابط خارجي أو الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصريرابط خارجي، إلى جانب مراكز بحوث محلية مثل المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجيةرابط خارجي. إضافة إلى ذلك، أقام المركز شراكات مع وسائل إعلام عمومية وخاصة ومع المجتمع المدني اعتبارا للدور البارز الذي يقومون به في تونس.
واليوم، ما هو حصادُ هذا العمل الذي استمرَ على مدى سبع سنوات؟ وهل تابع المركز مُخرجات الأنشطة التي يقوم بها؟ جواب السيد بوخماير أتى قاطعا، مُستدلا بأمثلة ملموسة، لاسيما من قطاع الإتصال، فوزارة الداخلية التونسية باتت تتواصل حاليا على مُجمل الشبكات الإجتماعية بمتوسط 8 إلى 10 بيانات صحفية في اليوم، إلى جانب موقع مُخصّص للإعلام وموقع ثان مفتوح ومخصص لنشر الإحصاءات. ومن المفارقات أن وزارة الداخلية التي كانت قبل أعوام قليلة مُغلفة بطبقة سميكة من الضباب، أضحت اليوم أكثر الوزارات تقدما في مجال الإتصال.
وسألتُ السيد بوخماير عن مدى تجاوب العسكريين والأمنيين في بعض البلاد العربية مع مقتضيات المحاسبة، فأجاب بأن “مسؤولية القادة العسكريين والأمنيين مبدأ راسخ في الدستور التونسي، الذي يُشدد على المحاسبة في إطار الحوكمة الرشيدة. أما عن الدول العربية الأخرى فأستطيع أن أقول إن لكل بلد ملابساته وخصوصياته، ولذلك ينبغي تحليل الحالات حالة بحالة، مع المُلاحظ أن هناك خطوات إيجابية قُطعت في بعض المسائل، بينما مازال ثمة هناتٌ في نقاط أخرى”. وتوقف السيد بوخماير ليشرح نقطة دقيقة في هذا الباب ردا على سؤال لـ swissinfo.ch، فأوضح أن دور مركز جنيف في وضع التشريعات هو دور غير مباشر “لأن سن القوانين يظل عملا سياديا”، كما قال. واستدل على ذلك بمشروع القانون التونسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية.
على صعيد آخر، تمت استشارة المركز في بعض الجوانب القانونية من طرف الجهات المعنية وذلك في إطار وضع تشريعات تخص مكافحة الإتجار بالبشر والعنف المُسلط على النساء.
قبل أن أغادر مكتب “مركز جنيف” في العاصمة التونسية، كان لابد من إطلالة على خططه للفترة المقبلة. هنا، أفادنا مدير المكتب أن البرامج الجاري تنفيذها مع الشركاء ستستمرُ، مع زيادة إسهام المجتمع المدني في الإستفادة من تلك البرامج. وفي هذا السياق، يُعير المركز أهمية خاصة للتعاون مع شركاء يعتبرهم “مفاتيح” على غرار رئاسة الجمهورية والبرلمان ووزارتي العدل والمرأة، ولكن أيضا مع الهيئات المستقلة.
من بين المشاريع التي يحرص المركز على استكمال تنفيذها في الفترة المقبلة، إقامة مركز إعلامي في وزارة الداخلية سيُطلق عليه اسم “بيت الإتصال”. كما يعتزم المركز إقحام العديد من الفاعلين والوزارات في مشاريع ذات المنفعة المشتركة، بحسب الحاجات والإنتظارات النابعة من الشركاء، إن كانوا رسميين أم من المجتمع المدني.
مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة
منظمة دولية تأسست عام 2000 بمبادرة سويسرية وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها.
يكرّس المركز رابط خارجيجهوده لمساعدة الدول والديمقراطيات المتقدمة والديمقراطيات الناشئة في إرساء الحوكمة الرشيدة في القطاع الأمني في إطار من الديمقراطية واحترام سيادة القانون.
يقدم المركز برامج الدعم الاستشارية والمساعدات العملية للدول التي تسعى لتعزيز الحوكمة الرشيدة في قطاعات الأمن. كما يعمل مباشرة مع الحكومات الوطنية والمحلية والبرلمانات والمجتمع المدني والمنظمات الدولية وقوات الأمن والدفاع.
حاليا، تتمتع 61 دولة من مختلف مناطق العالم بعضوية مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة وتقدر ميزانيته السنوية بحوالي 25 مليون فرنك سويسري، تسهم الكنفدرالية بأكثر من نصفها.
قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، شملت نشاطات المركز في المنطقة العربية الأراضي الفلسطينية ولبنان والعراق والمغرب الأقصى. أما اليوم، فلدى المركز أربعة مكاتب في كل من بيروت ورام الله وتونس وطرابلس.
في عام 2012، أنشأت الدول الأعضاء في المركز الصندوق الإستئماني لمركز جنيف للرقابة الديمقراطية لشمال أفريقيارابط خارجي بهدف الإستجابة لطلبات المساعدة المقدمة من حكومات تونس ومصر وليبيا والمغرب بشكل سريع ومرن.
يدعم الصندوق الإستئماني برامج ومشاريع شاملة ترمي إلى تحسين الرقابة البرلمانية أو تسعى إلى تعزيز وصول المواطنين إلى المعلومات أو تهدف لتطوير آليات المساءلة أو تخدم بناء الثقة بين المواطنين والسلطات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.