وثائقي يستذكر الدور السويسري في أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران
خلال الدورة الرابعة والخمسين لأيام سولوتورن السينمائية، تمّ عرض فيلم وثائقي سويسري يتناول دور الدبلوماسيين السويسريين الذين وجدوا أنفسهم قبل أربعين عاما في قلب معمعة جغرافية - سياسية في إيران، ويتطرق إلى المساعدة التي قاموا بتقديمها من أجل التوصل إلى اتفاق للخروج منها.
ليست هناك أي احتفالات بمناسبة الذكرى الأربعين لأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران التي استمرّت من 4 نوفمبر 1979 إلى 20 يناير 1981. حيث تم احتجاز 52 دبلوماسيًا ومواطنًا أمريكيًا كرهائن في مقر السفارة الأمريكية في طهران.
444 يومًا من الأسر، هي المدة الأطول بالنسبة لهذا النوع من احتجاز الرهائن في التاريخ، ومثلت بداية للعلاقات العدائية بين الولايات المتحدة وإيران. حينها، قام 400 طالب وثوري إيراني باقتحام السفارة، ما شكّل نقطة تحول في سياسة الشرق الأوسط بالإضافة إلى السبب المحتمل لهزيمة الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية لعام 1980.
هل هناك مبرر للإحتفال بتلك الأزمة؟ في حين أن كلمة الاحتفال قوية جداً، فهناك بالتأكيد سبب للإعتراف على الأقل بالجهود الدبلوماسية البارزة التي بذلتها وزارة الخارجية السويسرية وسفيرها في طهران، إيريك لانغ، وزملائه فلافيو ميروني، وباسكال ديكوستر، وفرانز موهاهم، من أجل التوصل إلى حل لتلك الأزمة.
كوسطاء بين طرفي الأزمة، تمكن لانغ وزملاؤه من التفاوض على اتفاق، بمساعدة من الجزائر أيضاً، لإطلاق سراح الدبلوماسيين والمواطنين دون خسائر في الأرواح باستثناء ثمانية أمريكيين قتلوا خلال محاولة إنقاذ غير ناجحة.
وفي حفل تأبيني لإدوارد برونر، وزير الدولة السويسري الراحل والوسيط لدى الأمم المتحدة، قال سفير متقاعد منذ عشر سنوات: “إن إريك لانغ لم يتلق أبداً التقدير الذي استحقّه على جميع جهوده في إطلاق سراح الرهائن”.
ظهر الآن شكل من أشكال الإعتراف بفضل لانغ وزملاؤه في تلك الوساطة على الشاشة. حيث قدم المخرج دانييل فيس فيلمًا وثائقيًا، بعنوان “سفارة” (Ambassade) رابط خارجييعرض من خلاله عملية حل الأزمة ودور سويسرا في ذلك، وذلك خلال أيام سولوتورن السينمائية رابط خارجيالتي انتظمت من 25 إلى 30 يناير 2019.
يمزج الفيلم بين المقابلات بشكل أساسي مع المشاركين السويسريين والأمريكيين في المفاوضات ومقاطع من الأخبار التي عُرضت على مدار الـ 444 يوماً، بهدف إظهار التوترات بين الجماهير الغاضبة التي استولت على السفارة والتحديات أثناء تفاوض الدبلوماسيين السويسريين الذين كانوا بمثابة “قوة الحماية”.
قال إيريك لانغ في مقابلة هاتفية: “لقد سحرني هذا الفيلم، فهو يُظهر بالضبط ما عايشناه خلال الثورة”.
قوة الحماية
ما هي “قوة الحماية”؟ إن دور قوة الحماية هو دور رسمي حددته اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961رابط خارجي. تقول المادة 45 (ج) منها: “يجوز للدولة الموفدة أن تعهد بحماية مصالحها ومصالح رعاياها إلى دولة ثالثة مقبولة لدى الدولة المستقبلة”.
ولكن لماذا تم اختيار سويسرا؟ إن دور سويسرا كقوة حماية هو دور تاريخي ويعتمد على حيادها الرسمي. فقد كانت سويسرا قوة حماية خلال الحرب الفرنسية – البروسية بين عامي 1870 و1871 واستمرت خلال الحربين العالميتين. ومثلت سويسرا 35 بلداً خلال الحرب العالمية الثانية ولديها أكثر من 200 ولاية معينة. أبرز الوسطاء كان وولتر شتوكي الذي مثل أكثر من 20 ولاية مع حكومة فيشي في فرنسا بين عامي 1940 و1944. بين 1946 و1964، كان لدى سويسرا 46 ولاية. وقد مثّلت سويسرا مصالح الولايات المتحدة في كوبا منذ عام 1961، فضلاً عن تمثيلها مصالح كوبا في الولايات المتحدة منذ عام 1991 (وحتى عام 2015).
وأشار لانغ إلى أن “اختيار سويسرا يتماشى مع سياسة الحياد التي تشتهر بها، ولكن أيضًا لأننا اكتسبنا المعرفة والخبرة في هذه المسألة الحساسة”.
ولم يكن من المفاجئ أن تحولت واشنطن إلى برن طالبةً منها المساعدة في نوفمبر 1979، وذلك بسبب علاقاتها القنصلية والدبلوماسية مع إيران، ووافقت الحكومة الفدرالية على ذلك. منذ تلك اللحظة، كما وثق الفيلم الوثائقي، كان الدبلوماسيون السويسريون مسؤولين عن وضع الرهائن في معتقلهم.
ومن خلال المقابلات مع الفاعلين في المحادثات والمشاهد المؤثرة من الشوارع والمظاهرات ومن داخل المعتقل، يُظهر الفيلم الوثائقي فرحة الرهائن لحظة الإفراج عنهم. كما أن إعادة تجميع السويسريين الذين اشتركوا في تلك المفاوضات الدبلوماسية المكثفة في منتجع مونترو (قرب لوزان) في شهر أكتوبر 2018 مثّل “لحظة عاطفية جداً” بالنسبة لإريك لانغ.
دور متكرر؟
ولكن لماذا استغرق الأمر وقتاً طويلاً ليظهر فيلم كهذا على شاشات السينما؟ أحد أسباب عدم الإهتمام بدور سويسرا قد تكون سياسة التكتّم المعتادة لها. فأخذ الرهائن كان انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، لحظة من الانفعال العاطفي الذي تحدّى جميع قواعد الدبلوماسية المقبولة. فالسفارة ملك لبلدها قبل كل شيء وليس للبلد المُضيف.
قبلت الولايات المتحدة استقبال شاه إيران لتلقي العلاج الطبي في 29 أكتوبر 1979، بناء على دعوة من وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر ورئيس بنك تشيس مانهاتن ديفيد روكفلر. وهكذا اشتدت المشاعر المعادية لأمريكا في إيران، حيث شهدت البلاد مظاهرات كبيرة ضد أمريكا وإحراقًا لعلمها في الشوارع. علماً أنّ اجتياح السفارة لم يكن مخططاً له مسبقاً ولكنه كان كارثة دبلوماسية. ورغم أن السويسريين تمكنوا من إنهاء حالة الجمود السياسي، فلم يكن هناك أيّ سبب لتمجيد هذه الجهود في مواجهة التوترات المستمرة بين جمهورية إيران الإسلامية والولايات المتحدة.
ومن المثير للإهتمام أن دانييل فيس نوّه في مقابلة أجريت معه بعد عرض فيلمه في سولوتورن إلى أنّ اللحظة مناسبة لعرض مثل هذا الفيلم حيث أنّ التوترات بين الولايات المتحدة وإيران تقترب من أن تصبح أزمة حقيقية، وربما يتكرر الدور التاريخي لسويسرا”، على حد قوله.
عواقب
بالنسبة لأولئك الذين يتوقون إلى دراما أكبر من تلك التي يعرضها هذا الفيلم الوثائقي، هناك فيلم أرغو (Argo)رابط خارجي وهو إنتاج هوليوودي يقدم موقفاً موازياً. عُرض هذا الفيلم عام 2011، وهو من إنتاج بن أفليك، وفاز بثلاث جوائز أوسكار. وكان تمجيدًا لدور وكالة المخابرات المركزية في مساعدة ستة دبلوماسيين أمريكيين على الهروب من إيران خلال تلك الأزمة، رغم أنّ الفيلم قد تعرّض لانتقادات شديدة بسبب عدم دقته التاريخية إلّا أنّه حقق نجاحًا في شبابيك التذاكر.
وكما قال فيس: “يجب أن نتذكر أن (الإنقاذ) تضمن ستة أمريكيين وأزمة الرهائن بأكملها التي استغرقت 444 يومًا شملت 52 شخصاً. قد يكون فيلم “السفارة” أقل إثارةً وتشويقاً ولكن القصة التي يرويها لها تداعيات استمرت إلى يومنا هذا”.
كما لفت فيس إلى أنّ (أرغو) كان الاسم الحقيقي للفيلم السينمائي المزيف، الذي استخدمه العملاء السريون كقصة للتغطية من أجل إخراج الرهائن الستة. و”آرغاو” كان اسم طائرة الخطوط الجوية السويسرية التي أخرج بها عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الرهائن من إيران، وهو اسم كانتون سويسري.
علماً أنّه قد تمّ عرض فيلم “سفارة” مساء يوم 10 فبراير 2019 أيضاً على القناة العمومية السويسرية الثانية الناطقة بالفرنسية (RTS2).
إن جمع الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء كاتبها، ولا تعكس بالضرورة آراء swissinf.ch.
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه: ثائر السعدي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.