هل يُوجد أمل للدبلوماسية في عام 2018؟
"قبل عام واحد، قُلتُ بأنني أعتقد أن الأمور ستصبح أفضل في هذه السنة، وكنت أظن هذا بالفعل. لكنني كنت مُخطِئاً. فعلى العكس من ذلك، لم يَزدد الأمر إلّا سوءاً في العديد من النواحي في عام 2017".
كانت هذه هي كلمات يان إيغلاند، رئيس فريق العمل المختص بوصول المساعدات الإنسانية في سوريا رابط خارجيالتابع للأمم المتحدةرابط خارجي قبل عيد الميلاد الأخير. وعقب خروجه من إجتماع لهذا الفريق، قال المسؤول الأممي في مؤتمر صحفي إنه طلب من الدول الأعضاء الرئيسية فى الأمم المتحدة (الولايات المتحدة وروسيا والصين ومصر وتركيا والمملكة المتحدة ونصف دزينة من الدول الأخرى) بَذل المزيد من الجهود.
“في إعتقادي، يُفتَرَض أن تكون هذه الدول قادرة على مُمارَسة تأثير يتناسب مع استثماراتها العسكرية والإقتصادية في سوريا، وأنا أتساءَل في بعض الأحيان لماذا لا يكون هناك تأثير أكبر بالفعل”، كما قال.
سؤال إيغلاد وجيه حقاً، ويتشاطره الكثيرون غيره. ما الذي حدث للدبلوماسية التقليدية؟ وكيف سُمِحَ للصراع الوحشي في سوريا بالإستمرار طوال السنوات السبع الماضية؟
فراغ حيث يجب أن يكون التأثير
قد لا تتمثل المسألة الرئيسية بالإفتقار الحقيقي للنفوذ، ولكن بِعَدَم الإهتمام باستخدامه. فالولايات المتحدة، التي كانت المؤيّد الرئيسي لـ ‘القوة الناعمة’ في العالم ذات مرّة، أضحت غائبة دبلوماسياً في أغلب الأحيان عندما يتعلق الأمر بسوريا، أو بصراعات أخرى مثل ذلك القائم في اليمن.
بدلاً من ذلك، باتت الدولة الأقوى في العالم تُرَكِّز على قضايا مثل القدس، وتُحَذِّر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من ‘اعتبار الرئيس هذه المسألة شيء شخصي’، وبأن أي دولة تتحدى رغباته قد تواجه عقوبات.
في غضون ذلك، تُستأنَف محادثات السلام حول سوريا واليمن تارة، وتتوقف تارة أخرى، دون إحراز أي تقدم حقيقي.
من جانبها، استعادت روسيا زمام المُبادرة في سوريا، بِدَعم من تركيا وإيران. لكن هناك العديد من التساؤلات حول حقيقة هذه الدبلوماسية، وعما إذا لم تكن بالأساس سوى تخفيف قسري لحدّة الصراع بهدف حماية مصالحها الإقتصادية والإستراتيجية في المقام الأول.
“التحدث إلى الشيطان”
إذن، من الذي سيقوم بتحريك الدبلوماسية في عام 2018، هذا في حال وُجِد مَن يديرها بالأصل؟ في جنيف، هناك أسلوب جديد في التفكير بدأ يأخذ مكانه بهدوء. فالمدينة كما هو معروف عنها، موطن للمنظمات الإنسانية الرئيسية في العالم، من اللجنة الدولية للصليب الأحمررابط خارجي ومنظمة أطباء بلا حدود، إلى العديد من وكالات المعونة التابعة للأمم المتحدة.
ومَن هي الجهة التي تتحدث مع الأطراف المُتحاربة بشكل أكبر وعلى نحو أكثر مباشرة من كبار الدبلوماسيين حتى؟ إنها وكالات المعونة في مناطق الصراع، أو المفاوضون في الخطوط الأمامية، كما يُعرَفون أيضاً.
وكما يقول إيغلاند: “نحن نتحدث مع الجميع. وهذا يشمل الأشخاص الموضوعين على قوائم الإرهاب، والحكام الطُغاة، والميليشيات، وأناساً سيئين جدا”.
“لقد التقيت بِمُجرمي حَرب أكثر من مُعظم الناس، وأنا أفعل ذلك لأنني أريد مساعدة الأشخاص الذين يعيشون في أعماق الجحيم. وفي الكثير من الأحيان، يبدو هؤلاء [الذين يجب أن أتحدث إليهم] أشبه بالشيطان”، على حَد قول المستشار الأممي.
كما هو مُتعارَفٌ عليه، ظل العاملون في المجال الإنساني والمفاوضون السياسيون يمارسون عملهم بعيداً عن بعضهم البعض. لكن هناك مَنْ بدأ يتساءَل الآن عن إمكانية الإستفادة من مُفاوضي الخطوط الأمامية في صراعات اليوم الشديدة التشعُب.
ووفقاً لـ بيتر ماورَر، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإنه “قد لا يكون حاجِز الفَصل في المهام بين هذين الطرفين الإستراتيجية الأكثر ذكاء”.
المفاوضون في الخطوط الأمامية
بغية الوقوف على تجربة المفاوضين في الخطوط الأمامية بشكل أعمق، بدأ مركز جنيف المختص بالتفاوض الإنسانيرابط خارجي بِجَمع خبرات الأشخاص العاملين على خط المواجهة. وكما يوضح مدير المركز كلود برودَرلاين: “كانت هذه التجارب سرّية لعقود طويلة، لكننا بحاجة إلى التعلُّم منها اليوم”.
وتقع مهمة جَمع هذه المعلومات لتضمينها في سجلات المركز على عاتق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي واحدة من المنظمات الإنسانية الخمس التي أسهمت في إنشاء هذا المركز. وعلى الرغم من أن هذه المعلومات لن تكون مُتاحة للجمهور قبل 60 عاما، إلّا أنها تقدم تقارير مباشرة وقَيّمة لكبار العاملين في مجال الإغاثة والدبلوماسيين على حدٍّ سواء. “المفاوضات الإنسانية في الخطوط الأمامية واقعية جداً”، وفقاً لـ برودَرلاين. “إنها توضح نوع الترتيبات التي نقوم بها لإجلاء الجرحى، وإدخال المواد الغذائية… وكيفية التعامل مع الجماعات المتطرفة”، كما يضيف.
ومثلما يتضح، فإن هذه المعلومات وثيقة الصلة بالأوضاع في سوريا واليمن. لكن هل يُمكن أن يسهم التعلم من هذه التجارب في دَعم جهود الدبلوماسيين الذين يحاولون تحقيق السلام؟
مثلما هو الحال دائِما، لا يوجد هناك شيء سهل. لذا، إلتقى كل من بيتر ماورَر ويان إيغلاند والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا، ورئيس برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي، ورئيسة الفرع السويسري لمنظمة أطباء بلا حدود ليسبيث ألبريخت، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك في جلسة حوار مغلقة بجنيف، لمناقشة كيفية عمل الوسطاء السياسيين (الدبلوماسيين) بشكل أوثق مع موظفي الإغاثة الإنسانية الذين يمارسون عملهم في الخطوط الأمامية.
أجندة إنسانية مُسيّسة
مع إقرار رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن الوسطاء السياسيين والمفاوضين الإنسانيين يعملون في أوساط مختلفة جداً في العادة، إلّا أنَّه يشعر أن الدبلوماسية والأعمال الإنسانية أصبحتا أشد ترابطا بكثير في الصراعات الدائرة اليوم، وإن لم يكن ذلك على نحو إيجابي دائماً.
وكما أشار ماورَر، كان العامل الأساسي في كل جولة تقريباً من محادثات جنيف حول سوريا، هو طلب حصول المناطق المُحاصَرة على مساعدات دون معوقات، والوصول إلى المُحتَجَزين، الأمر الذي جعله يقلق من تسييس الإحتياجات الإنسانية الأساسية.
وكما قال موضحاً: “بالنسبة لسوريا، أعتقد أن طلَب الجهات الفاعلة السياسية الصريح بالوصول إلى المناطق المُحاصرة، أدّى إلى رَفع ثمن دخول هذه المناطق بالنسبة للعناصر الفعالة في مجال الإغاثة الإنسانية”.
هل المطلوب من الدبلوماسيون إذن السكوت عن القضايا الإنسانية وترك هذه المهمة للعاملين في مجال الإغاثة؟ أوليست هذه بالذات هي ‘الحواجز الفاصلة التقليدية’ التي يُفتَرض أن تعالجها لمناقشات الحالية؟ ليس تماما.
“أنا لا أقصد بأن هذا لا ينبغي أن يحدث، لكن ما أريد قوله هو أننا شهدنا بضع سنوات من الإستخدام غير المدروس للمطالب الإنسانية من قبل الوسطاء السياسيين، وأعتقد بأن هذا الأمر قد حَرَّف دور مفاوضي الشؤون الإنسانية في الخطوط الأمامية، وأفقد عملهم شرعيته”.
وكما يبدو، فإن ما يريده ماورَر هو المزيد من الحوار بين المفاوضين في الخطوط الأمامية والدبلوماسيين الدوليين، لكي يكون بوسع الطرف الأول مساعدة الطرف الأخير في صياغة رسالته. وكما يرى رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قد تأتي المطالب العامة المُستمرة من قبل الدبلوماسيين لوصول المساعدات بنتائج عكسية، بينما قد يعمل التركيز الهادئ على تقديم المعونات بشكل فعال على إنقاذ الأرواح أولاً وقبل كل شيء، وكذلك الإرساء المُتأنّي لأسس حوار بنّاء يرمي لتحقيق المصالحة السياسية.
إطالة أمد الصراع
في ذات السياق، يعتقد بعض العاملين في مجال الإغاثة أيضا أن الطلب العام للوصول إلى هذه المنطقة المُحاصرة أو تلك إنَّما يشجع الأطراف المُتحِاربة على المُقايضة. وفي سوريا، كانت بعض الجماعات المسلحة قد طالبت بتبادل السجناء مقابل السماح بدخول الأغذية والأدوية.
وكما هو معروف، فإن المبادئ التي تستند عليها الإغاثة الإنسانية هي التَجَرُّد والحيادية، كما يؤَمَّل أن لا تكون مشروطة. لكن خبراء الإغاثة من أمثال بيتر ماورَر سوف يخبرونك بأن العمل الإنساني مليء بالمعضلات. “لقد وُضِعَت هذه المبادئ لتوجيهنا، وليس لمنعنا من تقديم التنازلات”، كما يقول.
هنا أيضاً، تجد وكالات المعونة نفسها أمام خيارات صعبة. فمع عدم وجود أي مؤشر على إتفاق سلام، ومعاناة مئات الآلاف من المدنيين، ومعرفة الأطراف المُتحاربة جيداً بأن وكالات الإغاثة سوف تستمر في توصيل الإمدادات الغذائية والطعام ومعالجة الجَرحى، يبرز السؤال عن إحتمال مساهمة عمال الإغاثة في إطالة أمَد الصراع.
ففي اليمن مثلاً، وبعد رَفع الحصار عن الموانئ بشكل جزئي فقط، تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشراء الوقود بالأسعار المفروضة من قبل تجار الحرب، لضمان تشغيل المولدات الكهربائية في المستشفيات ومحطات ضخ المياه. وبالنسبة لـ كلود برودرلاين، يمكن إقتفاء أثر هذه المشكلة إلى المأزق الدبلوماسي مباشرة، ذلك أن “فشل الدبلوماسية يستلزم تمديد المساعدات، وهذه المساعدات تسمح باستمرار الوضع الراهن”.
إذن، ما هي الخطوات التي يُحتَمَل أن نراها في عام 2018 للوصول إلى سلام حقيقي؟ مع عدم وجود حلول دبلوماسية تقليدية في الأفق، قد يكون تمديد المساعدات أفضل ما يمكن تحقيقه. لكن ربما يُلقي التواصل الجديد بين مفاوضي الخطوط الأمامية والدبلوماسيين بعض الضوء على هوية الأطراف التي ينبغي التحدث معها، وطريقة التحدث إليها، وكيفية بناء سلام أكثر استدامة.
في جميع الأحوال، هناك أمر واحد مؤكد؛ ففي حال كُتِبَ لأحدنا أن يكون على قيد الحياة بعد حوالي 60 عاما، عندما يتم الإفراج عن تلك التقارير السرّية الخاصة بمفاوضي الخطوط الأمامية، أو ‘المحادثات مع الشيطان’ على حَدِّ تعبير يان إيغلاند، فإنه سيجد بالتأكيد مادة مُثيرة للقراءة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.