مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أول غالبية نسائية في برلمان محلي سويسري

ثلاث نساء يتحادثن وهم مرتديات لكمامات
يوم النساء: المرشحة لعضوية مجلس الحكم المحلي فلورنس ناتر (في الوسط) في صورة التقطت لها يوم الأحد 18 أبريل 2021 في مدينة نوشاتيل. من المزمع استكمال انتخابات عضوية الحكومة المحلية للكانتون في يوم لاحق. أما انتخابات البرلمان المحلي فقد حُسمت بالفعل. Keystone / Jean-christophe Bott

بإعلان نتيجة انتخابات عضوية البرلمان المحلي لكانتون نوشاتيل يوم الأحد 18 أبريل الجاري، أصبح هناك 58 سيدة و42 رجلاً يمثلون الناخبين في الكانتون. وهذه سابقة في تاريخ سويسرا. فكيف حدث هذا؟ فيما يلي تحليل المؤرخ والخبير السياسي كلود لونشان.

الثورة التي حصلت في نوشاتيل لم تكن متوقعة.. ففي عام 2013، كان البرلمان المحلي للكانتون يضم 23% من السيدات فقط، وفي عام 2017 لم تتجاوز نسبتهن 34%. وبشكل عام، كانت هذه النّسب أقرب ما تكون إلى المعدلات السويسرية، لكن التمثيل النسائي قفز الآن – وعلى غير المتوقع – بزيادة قدرها 24 بالمائة.

فما الذي يحدث في سويسرا وخاصةً في نوشاتيل؟

الرقم القياسي الجديد في سويسرا

تؤكد تقارير الإحصاءات الانتخابيةرابط خارجي في سويسرا منذ عام 2019 بصورة متكررة على وجود موجة جديدة من تحسّن التمثيل السياسي للنساء.

محتويات خارجية

على المستوى الفدرالي تحظى النساء في الغرفة السفلى للبرلمان (مجلس النواب) حالياً بنسبة تمثيل تقدر بـ 42%، بينما تصل هذه النسبة في الغرفة العليا (مجلس الشيوخ) إلى 26%. ويُعتبر هذا أيضاً رقماً قياسياً سويسرياً. ويرجع الفارق في التمثيل النسائي داخل غرفتي البرلمان إلى قانون الاقتراع. حيث يُيسر حق التمثيل النسبي المطبق في انتخابات مجلس النواب على النساء دخول البرلمان. وهذا ما أثبته الباحثون في دراسة نشرها مركز الديمقراطية بمدينة آراورابط خارجي في بداية شهر أبريل الجاري.

وكانت أعلى نسب تمثيل نسائي على مستوى الكانتونات قد شهدتها قبل ذلك كانتونات مدينة بازل (42%، 2020)، وزيورخ (40،6%، 2019) وريف بازل (40%، 2019). وكلها كانتونات (أو أنصاف كانتونات) تتسم بالطابع الحضري.

محتويات خارجية

أما أعلى المعدلات، فهي تلك المُسجّلة مؤخراً في المجالس المحلية لبلديات المدن. حيث وصلت النسبة في العاصمة الفدرالية برن بحلول نوفمبر 2020 إلى 70% لتسجل بذلك اتجاهاً واضحاً. وتبعتها منذ ذلك الحين مدينتا لوزان وفريبورغ بأغلبية نسائية في كلتيهما.

موجة جديدة من مُشاركة المرأة

تعود هذه الديناميكية إلى عام 2019، حينما شهدت سويسرا تنظيم ثاني إضراب نسائي عام في تاريخها. ومنذ ذلك الحين أصبح التمييز الذي يُمارس ضد النساء في الاقتصاد والمجتمع والسياسة مطروحاً للنقاشات العامة بصورة متزايدة. وصحيح أن المؤشرات لا تدل على تغييرات ثورية، إلا أن هناك بالفعل تحولات تراكمية متواصلة.

تجمّع لعشرات النساء والرجال في ساحة عامة
الإضراب النسائي الذي شهدته سويسرا في الرابع عشر من يونيو 2019، هنا لقطة من مدينة زيورخ. Keystone

فيما يتعلق بالمساواة، يُمكن القول أن المسألة سجلت تقدما على المستوى السياسي كما أوضحت دراسة أنجزتها جامعة لوزانرابط خارجي ونشرت حديثاً. أما في القطاع العام، فالتغييرات أقل أهمية إلا أنها برغم ذلك واضحة للعيان، في حين ظل القطاع الخاص الأقل تأثرا بالتغييرات الجارية.

في المجال السياسي، يُعتبر المستوى الفدرالي المعيار الأساسي. ففي انتخابات الحكومة الفدرالية عام 2018 كان الانطلاق. حيث انتخبت حينها سيدة ثالثة لتتبوأ مكانها في الحكومة الوطنية المكونة من سبعة أعضاء. ومنذ ذلك الحين، يحظى كل من الحزب الاشتراكي، وحزب الوسط (الديمقراطي المسيحي سابقا)، والحزب الليبرالي الديمقراطي بوجه نسائي في الحكومة الفدرالية.

الاستجابة لنداء هيلفيتسيا

تعتبر حركة “هيلفيتسيا تنادي!”رابط خارجي جزءً من الحركة النسائية الجديدة. إذ تقوم المنظمة بممارسة عمل توعوي غير حزبي، يرتبط بتكوين جماعات ضغط قوية من أجل النساء. وبفضل هذا العمل ارتفعت نسبة النساء على القوائم الانتخابية بصورة ملحوظة. فقبل انتخابات عضوية مجلس الشيوخ الأخيرة، كانت هذه النسبة ثابتة عند الثلث، ثم قفزت لتتخطى 40%.

وبالفعل أثمرت هذه الجهود لدى أغلب الأحزاب. وكانت أعلى نسبة تمثيل نسائي قبل ذلك في عام 2019 على القوائم الانتخابية للحزب الاشتراكي، ثم تلاها حزبا الخضر، والخضر الليبراليين. ومن بعدهما الحزب الليبرالي الراديكالي، وحزب الشعب السويسري، والحزب المسيحي الديمقراطي (يعرف حالياً بحزب الوسط). وكان هذا الحزب – مثلما يوثق المكتب الفدرالي للإحصاء – هو الحزب الوحيد الذي لوحظ فيه وجود توجه نحو التراجع في التمثيل النسائي على قوائم المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ.

على الجانب الآخر، هناك تغييرات أيضاً لدى الناخبين. ففي عام 2019 تخطى معدل انتخاب المرشحات لأول مرة نسبة انتخاب المرشحين من الرجال. وهذا ما ألهب حماس الناشطات. حيث بدأت حركة “هلفسيا تنادي!” تنشط في الكانتونات أيضاً.

تمثل نوشاتيل إذن إحدى قصص النجاح هذه. وقد كان الأمر يتعلق بدايةً بتركيبة القائمة الانتخابية. حيث كانت تُشكل في المتوسط من 40% من النساء ـ مع مراعاة الفارق المعروف بين اليسار واليمين: أي اختيار المزيد من النساء لدى أحزاب اليسار، وعدد أقل في معسكر اليمين. ثم زاد على ذلك السلوك الانتخابيرابط خارجي. ففي حزب الخضر نجد أن 78% من جميع الفائزين في الانتخابات أضحوا مؤخراً من النساء، بينما تبلغ نسبتهن لدى حزب الخضر الليبراليين 75%. أما في الحزب الاشتراكي فيمثلن 71%، وحتى في الحزب العمالي والشعبي (أقصى اليسار)، نرى أنهن يُشكّلن نسبة 63% بالمائة. إذن فهناك قطاعات واسعة من الناخبين، الذين ينحازون بوعي لانتخاب النساء من بين جميع المرشحين سواء كانوا رجالاً أم نساء. أما بالنسبة لحزب الوسط، فإن النسبة المماثلة تظل عند الربع، هذا فيما تبلغ في حزب الشعب السويسري حوالي 38%، بينما تقدر في الحزب الليبرالي الراديكالي بـ 41%.

المقارنة العالمية

بعد المصاعب التي واكبت بداية التمثيل النسائي فيها، تمكنت سويسرا من اللحاق بجدارة. حيث تحتل بحسب إحصاءات الأمم المتحدةرابط خارجي المرتبة العشرين عالمياً منذ عام 2021، وهذا فيما يتعلق بالتمثيل الشعبي على المستوى الوطني.

محتويات خارجية

هناك ثلاث تفسيرات لأفضل النتائج تفرض نفسها:

  • تصدعات في المجتمع الذكوري نتيجة للحروب مثلما هو الحال في رواندا (المرتبة الأولى)
  • دول مثل كوبا ذات الحزب الواحد (المرتبة الثانية)
  • ومجتمعات تراهن على التنوع بصورة واعية بهدف تعزيز الديمقراطية، مثلما هو الحال في نيوزيلاندا (المرتبة الخامسة).

أما بالنسبة لسويسرا فقد تنطبق واحدة أو اثنتان من هذه التعليلات: فقد هز التغير المناخي السياسة الوطنية بشدة. إذ لم تشهد المائة عام الأخيرة انتخابات في سويسرا بمثل هذا التقلب الذي كانت عليه في خريف عام 2019.  

فالجهود التي بذلتها الأحزاب المختلفة، لرفع التمثيل النسائي، تعدُّ إذن جزءً من برنامج “التنوع”.

تزايد التوجّه النّسوي بين صفوف ناخبي يسار الوسط

توضح الأبحاث التي تتناول الانتخابات، أثر تغيّر البيئة المحيطة.

ففي عام 2019 تزحزح توجه الناخبات في سويسرا نحو اليسار، وذلك وفقاً لاستطلاع وطني للرأي أجرته جامعة لوزان. حيث كان 46% من النساء قد انتخبن الحزب الاشتراكي، أو حزب الخضر، أو حزب الليبراليين الخضر. أما بالنسبة للرجال فقد بلغت نسبة من انتخبوا هذا التيار الثلث فقط.

مع ازدياد العنصر النسائي بين ناخبي يسار الوسط، تغير كذلك السلوك الانتخابي للرجال في هذا الطيف السياسي. حيث تبين دراسة أجريت على انتخابات كانتون زيورخ 2019رابط خارجي هذا الأمر بدقة. إذ أوضحت هذه الدراسة التي قامت بها جامعة زيورخ أن ناخبي الحزب الاشتراكي وحزب الخضر الليبراليين والخضر على وجه الخصوص يفضلون المرشحات من العنصر النسائي في حد ذاتهن.

الأثر الجانبي لقانون الانتخاب الجديد

مع كل ما تقدم، تظل هناك حاجة إلى تفسير خاص لهذه القفزة الهائلة التي حدثت في انتخابات كانتون نوشاتيل. وهو موجود بالفعل: حيث قام هذا الكانتون الواقع على سفوح جبال جورا بتعديل قانونه الانتخابي ابتداءً من انتخابات 2021. حيث كان هذا القانون يتميّز قبل ذلك بفكرة التمثيل الإقليمي، بنظام الست دوائر انتخابية المعروف. وكان الهدف منها، هو ربط الفائزين في الانتخابات بالناخبين المحليين.

إلا أنه جرى حالياً فك ارتباط مواطني نوشاتيل بهذه الدوائر الانتخابية. بهذا أصبح البحث يتم عن شخصيات محلية داخل الكانتون، يمكنها تشكيل هويته. أما التوازنات الإقليمية فتتحقق بصورة لاحقة في ظل هذا القانون الانتخابي الجديد.

منظر عام لمدينة نوشاتيل السويسرية
منظر عام لمدينة نوشاتيل، عاصمة الكانتون الذي يحمل نفس الاسم. © Keystone / Gaetan Bally

لكن ما الذي حدث؟ لقد ظهر أثر إضافي. فقد كان الهدف في نوشاتيل يتمثل في إحداث توازن بين الأقاليم ذات المصالح المُتعارضة بشدة. إلا أن نظام الانتخاب الجديد كان له أثر واضح على تمثيل الجنسين في المجال السياسي.

المزيد
رسم توضيحي عن حق التصويت للنساء

المزيد

حق التصويت للمرأة.. هكذا سارت الأمور عبر العالم

تم نشر هذا المحتوى على يُوافق تاريخ 7 فبراير الذكرى الخمسين لمنح المرأة حق التصويت على المستوى الفدرالي في سويسرا، التي تُعتبر واحدة من آخر الدول التي أقرت هذا الحق، إذ لم تسبق في هذا المجال سوى اثنتين وعشرين دولة من شتى أنحاء العالم.

طالع المزيدحق التصويت للمرأة.. هكذا سارت الأمور عبر العالم

فالسياسة المحلية ذات طابع ذكوري. وكلما زادت هيمنتها على السياسة داخل الكانتون، كلما اشتد أثر عوامل التمثيل المتوارثة: حيث يفضل الناخبون اختيار هؤلاء الرجال الذين لهم أثر بارز على البيئة المحيطة.

وكلما زاد السعي نحو التمثيل اللامحلي، كلما ازدادت فرص النساء للحصول على تمثيل متكافئ أو حتى أفضل من تمثيل الرجال.

وهذا أمر ليس مُفاجئاً تماماً في هذا العصر الجديد!

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية