رهان بالمليارات في صناديق الاقتراع السويسرية
المعركة حامية الوطيس، وغير عادية، حيث سَيَبُتّ الناخبون السويسريون يوم 10 يونيو 2018 بمصير القانون الجديد الخاص بألعاب الحظ، والذي بالنسبة لمؤيديه يعزز الصالح العام ويحمي اللاعبين من الخطر، وبالنسبة لمعارضيه، يفرض رقابة على الإنترنت ويكرس احتكار الكازينوهات المحلية، في حين تنطوي اللعبة على مبالغ مالية ضخمة.
في سويسرا، تتبع الكازينوهات للحكومة الفدرالية، ويوجد في البلاد 21 كازينو، تنقسم بحسب الامتيازات إلى فئتين، حيث الفئة “أ”، تمثل الكازينوهات الكبيرة، وتحظى بامتيازات أكبر، وتخضع لقيود أقل، من الفئة “ب”.
بينما تتبع ألعاب اليانصيب والمراهنات الرياضية وألعاب المهارات للكانتونات، التي تحدد أيضا وجهة صرف أرباح الشركتين الكُبرَتيْن اللّتين تحتكران السوق الوطنية وهما: “سويسلوس Swisslos”، في الكانتونات الناطقة بالألمانية وكانتون تيتشينو الناطق بالإيطالية، و”لوتري روموند Loterie Romande”، في الكانتونات الناطقة بالفرنسية.
لعبة الروليت، أو بلاك جاك ، أو البوكر: يمكن للكازينوهات السويسرية أن تتيح ألعاب الورق هذه، وغيرها، للّعب على الانترنت، في حال بدء العمل بالقانون الفدرالي لألعاب القمار، الذي اعتمده البرلمان في شهر سبتمبر الماضي.
وكما هو الحال بالنسبة لطاولات ألعاب القمار الحقيقية، فإن تلك الافتراضية ستكون بحاجة كذلك للحصول على ترخيص، مرتبط بشروط معيّنة، وأيضا سيتم حظر جميع ألعاب الحظ على الويب إذا لم تكن حاصلة على تراخيص من السلطات الفدرالية.
من ناحية أخرى، فإنه بموجب قانون ألعاب القمار، يمكن للشركات المرخص لها تنظيم ألعاب اليانصيب الكبيرة والرهانات الرياضية اقتراح أشكال وأنماط جديدة، كالمراهنة مع وكلاء الرهانات، أو في الوقت الفعلي، أي في أثناء سير السباق.
ومما هو جديد أيضا، الإعفاء الضريبي لأرباح اليانصيب والرهانات الرياضية لغاية مليون فرنك، بينما هي حاليا لغاية ألف فرنك، وكذلك إصدار تراخيص لبطولات البوكر الصغيرة والتي تُنظّم خارج الكازينوهات.
أرباح للمصلحة الجماعية
الفكرة الأساسية وراء التشريع الجديد هي أن الدولة تهدف إلى تنظيم سوق ألعاب الحظ وضبطه، وفي نفس الوقت، إتاحة المجال أمام تقديم عروض تواكب مستجدات السوق، ومن خلال تنفيذ المادة الدستورية المتعلقة بألعاب القمار، التي وافق عليها المواطنون والكانتونات في عام 2012 ، يضمن القانون تحويل عائدات هذا النوع من الألعاب لحساب صندوق التأمينات الاجتماعية ضد الشيخوخة والعجز والوفاة، ولصالح منظمات النفع العام: الثقافية والاجتماعية والرياضية.
اعتمد البرلمان الفدرالي قانون القمار الجديد بأغلبية معتبرة، في حين لم يعارضه سوى حزب الخضر الليبراليين، وغالبية نواب حزب الشعب وحزب الخضر، وعدد قليل من نواب الحزب الليبرالي الراديكالي.
ثورة شبابية
ومن المفارقات، أن القانون الذي تسوّقه الحكومة والبرلمان على أنه “تكيّف مع العصر الرقمي” عارضه بشكل خاص مَن يُطلق عليهم “أهل الرقمنة”، وهم في الحقيقة الأفرع الشبابية لأربعة أحزاب ممثلة في البرلمان الفدرالي – الشعب والليبرالي الراديكالي والخضر والخضر الليبراليين – التي أطلقت مبادرة ضد القانون، وربحت الرهان الأول حيث تمكنت من جمع التوقيعات اللازمة، وهي 50 ألف توقيع، لعرض القانون الجديد للاستفتاء الشعبي.
والأدهى من ذلك، هو أن الأفرع الشبابية لكامل الأطياف السياسية في البرلمان السويسري، وكما يبدو مؤكّدا، تقف جبهة واحدة ضد قانون القمار الجديد، وقد انضمت شبيبة كل من الحزب الاشتراكي والحزب البرجوازي الديمقراطي بالفعل إلى معسكر الرافضين للقانون.
وأما النجاح الكبير، ضمن التحضيرات لحملة الاستفتاء، فقد حققه الشبيبة الليبراليين الراديكاليين، حيث تمكنوا من انتزاع قرار من مجلس مندوبي الحزب تبنّي قضيتهم، ويتنصّل من موقف برلمانيي الحزب الذين صوّتوا لصالح القانون بأغلبية كبيرة.
المزيد
ما هو الاستفتاء؟
ضد “الرقابة” والحمائية
ومع أن حجب المواقع الافتراضية لألعاب القمار الأجنبية ليس الأمر الوحيد الذي يحتج عليه خصوم القانون على اختلاف وجهاتهم، إلا أنه بالتأكيد نقطة التقاء لجميع هجمات الخصوم، الذين يرفضون “الرقابة الحكومية على الإنترنت” و”العزلة الرقمية”.
ومن وجهة نظر المعارضين، هذا الحظر ينتهك الحرية التجارية والمعلوماتية، ومن شأنه أن يمثّل “سابقة خطيرة”، “تبدأ بلعبة البوكر، وإلى أين تنتهي؟” وفق قولهم، وإذا كنا اليوم سنمنع الوصول إلى مواقع ألعاب المال لحماية مصالح الكازينوهات السويسرية، فمن الممكن أن يطال نفس التصرف مجالات أخرى.
ممارسة منتشرة
وبمناسبة إطلاق حملة ترويج لصالح القانون الجديد، أشارت وزيرة العدل والشرطة سيمونيتا سوماروغا إلى أن ألعاب المال ليست كغيرها من السلع، سوقها مفتوح، وإنما تتطلب رخصة خاصة، كما أن مسألة الحظر ليست مختصة بسويسرا، وإنما هي ممارسة منتشرة في كثير من البلدان، وتمارسها في أوروبا وحدها 17 دولة منها إيطاليا وفرنسا المحاذيتين لسويسرا، أكدت الوزيرة.
وأضافت بأن الشركات التي تدير مواقع من خلال الانترنت لم تحصل على ترخيص من الحكومة السويسرية، ولا تقتطع جزءا من عائداتها لمصلحة تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة ولا لمصلحة النفع العام، وكذلك لا تدعم تدابير الحماية ضد المخاطر المرتبطة بألعاب القمار، كالإدمان والغش وغسل الأموال.
عدم توفير الحماية الكافية للاعبين
ومن ناحية أخرى، من شأن قانون القمار الجديد أن يعزز تدابير الحماية من الإدمان على لعب القمار، والتي تطبق حاليا في إطار الكازينوهات، وبحيث تصبح إلزامية أيضا للكانتونات وشركاتها التي تنظم اليانصيب، فضلا عن أن التشريع الجديد ينص على ضرورة أن يكون ضمن هيئة الرقابة خبير واحد على الأقل في شؤون الوقاية من الإدمان.
لكن، حتى من هذا الجانب، الأحكام التشريعية في القانون الجديد غير الكافية من وجهة نظر المعارضين، الذين يرون وجوب تشكيل لجنة خبراء وطنية، وأن تفرض الكانتونات ضريبة معيّنة لتعويض التكاليف الناجمة عن الإفراط في لعب القمار، كما أنهم يرفضون مسألة إعفاء أرباح اليانصيب التي تقل عن مليون فرنك من الضريبة.
مجموعات الضغط تعقّد اللّعب
غير أن المعركة بين مؤيدين قانون القمار ومعارضيه غير متوقفة على القضايا المرتبطة مباشرة بالنص، وإنما يتهم أنصار القانون خصومهم بالعمل لحساب الشركات الأجنبية التي تقامر عبر الإنترنت، وبالفعل تلقت لجنة الاستفتاء ضد القانون دعما ماليا من قبل شركتين عالميتين، مما جعل شبيبة حزب الخضر تُنشئ لجنة أخرى منفصلة عن سابقتها لكي تحافظ على استقلاليتها.
وعلى الضفة الأخرى، تتهم جبهة معارضة القانون الأطراف المؤيدة بأنها ألعوبة بيد دور القمار المحلية وشركات اليانصيب والمراهنات الرياضية في الكانتونات، التي تتلقى منها التمويل لدعم حملتها المناهضة للاستفتاء.
وعموما، الضغوط قوية، وجبهة “نعم”، المؤيدة لقانون القمار الجديد، ينضوي تحتها الحكومة وأغلبية البرلمان الفدرالي وحكومات الكانتونات، ولديها دعم واسع ومتنوع، ويتحالف معها، على وجه الخصوص، المنظمات والجمعيات الرياضية والثقافية والاجتماعية، كما أنها تحظى بدعم لجنة كبيرة ومهمة مؤلفة من شخصيات سياسية فدرالية وكانتونية من أحزاب اليمين والوسط. وعلى كل حال، يظهر بأن المعركة تحتدم أكثر فأكثر، واللعب لا يزال في أوله.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.