مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المشوار الطويل الذي سمح بالوصول إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949

صورة بالأبيض والأسود لرجال يوقعون موافقة
وقع الوفد السوفياتي، الذي وصل إلى سويسرا متأخرا بسبب سوء الأحوال الجوية، اتفاقية جنيف في برن يوم 12 ديسمبر 1949. Keystone

 قبل سبعين عامًا، وعلى الرغم من العزلة التي عاشتها بعد الحرب العالمية الثانية بسبب علاقاتها مع دول المحور، تمكنت سويسرا من تحقيق اختراق على الصعيد الدبلوماسي بعقدها لمؤتمر نوعي في عام 1949 هدف إلى تجديد اتفاقيات جنيف، باعتبارها خطوة أساسية في تطوير القانون الدولي الإنساني.

“أكثر من أي حرب سابقة، تسببت الحرب العالمية الأخيرة في معاناة أكبر من أن توصف، فقد كانت شاملة وكاسحة ودون تمييز، ولم تستثن أحدًا، وخلّفت مآسي وكوارث فظيعة، عجزت اتفاقيات عام 1929 عن التخفيف من آثارها، فكان لابد من الوقوف على المآسي والتجارب التي مرّ بها العالم، وبقدر الإمكان، سد الثغرات الموجودة في نصوص عام 1929 […] وبشكل رئيسي كشفت الحرب العالمية الثانية أن اتفاقيات جنيف لن تكون مكتملة ما لم توفر الحماية للمدنيين”.

مقتطف من الخطابرابط خارجيالذي ألقاه عضو الحكومة الفدرالية ماكس بيتيت بيير في افتتاح مؤتمر جنيف الدبلوماسي يوم 21 أبريل 1949.

وضعت الحرب العالمية الثانية اللجنة الدولية للصليب الأحمررابط خارجي أمام اختبار عسير، فعلى الرغم من أن المنظمة تمكنت من مساعدة الآلاف من أسرى الحرب، إلا أن جهودها لحماية السكان المدنيين كانت محدودة، وقد وقفت إلى حد ما مكتوفة اليدينرابط خارجي أمام إبادة اليهود والغجر وغيرهم من الأقليات على أيدي النظام النازي.

ويشار إلى أن سويسرا، الدولة الراعية لـ اتفاقيات جنيفرابط خارجي، كانت تدرك، ومنذ زمن، أن الأسس القانونية الدولية لأنشطة الصليب الأحمر غير كافية لمواجهة التحديات التي تفرضها الحروب الحديثة.

بحاجة إلى مراجعة

فقرة توضيحية عن هذه السلسلة
هذا المقال جزء من سلسلة مكرسة لـ “قصص الدبلوماسية السويسرية”، التي تُنجز بالتعاون مع الوثائق الدبلوماسية السويسرية (Dodis) . يُعدّ مركز “Dodis” للأبحاث، وهو معهد تابع للأكاديمية السويسرية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، قطب كفاءات مستقل في مجال تاريخ السياسة الخارجية السويسرية والعلاقات الدولية لسويسرا منذ تأسيس الدولة الفدرالية في عام 1848. Dodis

وكتبت الحكومة الفيدرالية في رسالةرابط خارجي وجهتها إلى الدول الموقعة على اتفاقية جنيف في يونيو 1939: “قدّمت المبادرة الإنسانية العظيمة، التي أطلقها هنري دونانت، خدمات هائلة في أوقات الحرب، وستواصل المشوار، غير أن فعالية ما تقوم به من جهود يعتمد، بشكل كبير، على المسوغات القانونية التي تمنحها حق التصرف”.

وذكرت سابين دَندْليكر، الباحثة في أرشيف الوثائق الدبلوماسية السويسريةرابط خارجي (دوديس اختصارا).”وقبل ذلك، بدأ العمل فعليا، ضمن فعاليات المؤتمر الدولي للصليب الأحمر في طوكيو عام 1934، على مراجعة اتفاقيتي لاهاي وجنيف والتمهيد لاتفاقيات جديدة، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين” ،

وفي السنوات التالية، قامت لجنتان من الخبراءرابط خارجي بإعداد جملة مقترحات لمناقشتها في مؤتمر دبلوماسي كانت سويسرا تنوي القيام به في عام 1940، إلا أن اندلاع الحرب حال دون عقدهرابط خارجي.

وما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى عادت القضية مرة أخرى إلى الواجهة، وليس فقط بمبادرة من سويسرا، ففي اللقاء الذين جمعه في يونيو 1945 مع كارل بوركهارت، السفير السويسري في باريس ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر “الذي يستعد لمغادرة منصبه”، تطرّق وزير الخارجية الفرنسي جورج بيدو إلى: “الضرورة الملحّة لصياغة الملاحظات المستفادة من الحرب ودمجها في الاتفاقيات، لاسيما الجانب المتعلّق بحماية المدنيين”.

في أبريل 1947، اجتمعت لجنة من الخبراء الحكوميين في جنيف، بدعوة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقدمت توصيات لمراجعة اتفاقيات جنيف لعام 1929 بشأن الجرحى والمرضى وأسرى الحرب، واتفاقية لاهاي لعام 1907 بشأن الحروب البحرية، كما وضعت المبادئ لاتفاقية جديدة بشأن حماية المدنيين في حالة الحرب.

“قيمة الحياد السويسري”

بناءً على توصيات لجنة الخبراء، دعت اللجنة الدولية الحكومة الفدرالية إلى التعجيل في عقد مؤتمر دبلوماسي لمناقشة الاتفاقيات الجديدة، وكانت الاستجابةرابط خارجي فورية من جانب الحكومة.

يقول ساشا زالا، مدير دوديس: “ما حصل من تغيير عالمي جذري، دفع سويسرا، التي لم تكن عضوا في الأمم المتحدة، إلى التأكيد على تمسكها بحياديتها وبدورها في رعاية وتحديث القانون الإنساني الدولي”.

وفي عام 1947، ذكررابط خارجي بول روجر، المبعوث السويسري إلى لندن، والذي أصبح لاحقا رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بأن مراجعة اتفاقية جنيف أتاحت الفرصة لسويسرا لإبراز: “قيمة وضرورة الحياد السويسري، والذي بدونه لا يمكن لعمل الصليب الأحمر الدولي أن يتقدّم وأن يكون فاعلا”، على أن المطلوب من سويسرا، وفق قول الدبلوماسي، أن تتجنب إعطاء الانطباع بأنها: “تريد خلط مصالحها مع مصالح المنظمة الدولية في جنيف”.

عملية عسيرة المخاض

بيد أن طريق تعديل اتفاقية جنيف لم يكن خاليا من العقبات، وإذا كان اتفاق هولندا، الدولة الراعية لاتفاقية لاهاي، لم يتسبب في إثارة أي مشاكلرابط خارجي، فإن الانتقادات التي وُجّهت للجنة الدولية للصليب الأحمر من جانب الصليب الأحمر الأمريكي والسويدي كانت مقلقةرابط خارجي بشكل كبير.

فقد كانت برن تخشىرابط خارجي من “طموحات الهيمنة الأمريكية”، الساعية إلى استبدال اللجنة الدولية باتحاد جمعيات الصليب الأحمر الوطنية الخاضعة للسيطرة الأمريكية، وهي هيمنة أمريكية ومنافسة من السويد ، على عكس سويسرا انضمت إلى الأمم المتحدة ، في المجال الإنساني .

ومن جهة أخرى، أثيرت قضية مشاركة بلدان أوروبا الشرقية في عملية مراجعة القانون الإنساني الدولي، في حين أكدرابط خارجي بول روجر في عام 1947 أن: “المشاركة الفعالة للاتحاد السوفيتي ولدول ما وراء ‘الستار الحديدي‘ هي بلا شك شرط من شروط النجاح”. وكان متوقعا أن يشكل حضور اسبانيا بقيادة فرانكو، والتي دُعيت إلى المؤتمررابط خارجي باعتبارها دولة موقعة على اتفاقيات جنيف لعام 1929، عائقا أمام مشاركة دول الكتلة الاشتراكية.

وكما أثارت دعوة إسرائيل إلى المؤتمر، إثر ابلاغ حكومتها المؤقتة في عام 1948 الحكومة السويسرية عن عزمها الانضمام إلى اتفاقية جنيف، بعض القلاقل، ففي يوم افتتاح المؤتمر الدبلوماسي في جنيف يوم 21 أبريل 1949، احتجرابط خارجي رؤساء وفود كل من أفغانستان ومصر ولبنان وباكستان وسوريا بشدة ضد وجود “صهاينة من فلسطين باسم دولة ‘إسرائيل’.

ونجح مؤتمر جنيف

وعلى الرغم من الصعوبات، أو “بالرغم من الاختلافات في الرأي المتفهَمّة، ولكنها في بعض الأحيان عميقة” وفق تعبيررابط خارجي ماكس بيتيت بيير الذي ترأس المؤتمر، كان مؤتمر جنيف الدبلوماسي الذي عُقد في 12 أغسطس 1949 ناجحا، فقد وقعت جميع الوفود الحاضرة على القرار النهائي، ومباشرة وقّعت 17 دولة، من بينها سويسرا، على الاتفاقيات الأربعرابط خارجي بصيغتها المقدّمة من قبل المؤتمر.

ويوم 8 ديسمبر 1949، أقيم حفل التوقيع الثاني في جنيف، وبعد أربعة أيام، قام الوفد السوفياتي، الذي وصل إلى سويسرا في وقت متأخر بسبب الأحوال الجوية السيئة، بتوقيع الوثائق التي تمخض عنها المؤتمر.

وقبل ذلك بوقت قصير، كان ماكس بيتيت بيير قد كتبرابط خارجي إلى بول روجر يقول: “أعتقد مثلك، بأن المؤتمر كشف عن قيمة الحياد الدائم لبلدنا”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية