كيف يُمكن لجواز السفر الصحي أن يجعل رفض الهوية الرقمية مسألة متجاوزة
يرى إيان ريتشارد، الخبير في الأمم المتحدة، أن مخاوف الناخبين السويسريين من مقترح الهوية الإلكترونية قد تتلاشى مع ميل المزيد من البلدان إلى تغليب كفة فوائد رقمنة الوثائق الشخصية، بما في ذلك جوازات السفر الصحية، على أي سلبيات مُحتملة.
في 7 مارس 2021، صوت الجمهور السويسري بأغلبية ساحقة لرفض مشروع الهوية الرقمية الذي كان من شأنه أن يمنح كل مواطن سويسري حق تسجيل دخول رسمي وكلمة مرور لفتح حسابات مصرفية أو المشاركة في تصويت أو شراء تذاكر القطار وبطاقات التزلج عبر الإنترنت.
لو نجحت المبادرة الشعبية، كان سيتم اعتماد تسجيل الدخول، ما يعني أنه تم التحقق من هوية صاحب التسجيل مُسبقًا. وسيكون بإمكان أي موقع على الشبكة العنكبوتية بعد ذلك قبول تسجيل الدخول بالقيمة الاسمية.
فوائد ما يُعرف بالهوية الإلكترونية كثيرة، وبفضلها لن يحتاج المقيمون السويسريون مستقبلا إلى إرسال مستندات حساسة عبر البريد (أثيرت شكوك قبل عامين حول موثوقية التصويت البريدي)، أو الاحتفاظ بكلمات مرور متعددة أو الاعتماد على مديري كلمات المرور مثل غوغل أو فيسبوك. كما أنها كانت ستوفر تنظيمًا قانونيًا للهويات عبر الإنترنت، وتعالج مخاوف الخصوصية والأمان طويلة الأمد.
فكرة نظام الهوية الرقمية ليست جديدة. وتُستخدم على نطاق واسع في الدول الاسكندنافية وفي إستونيا.
بالنسبة لهذا النظام، قررت برن تفويض إصدار تسجيل الدخول الرقمي إلى شركات خاصة مرخّص لها، وأنه سيكون بإمكان هذه الشركات الولوج إلى قاعدة بيانات الشرطة المركزية لإجراء عمليات التحقق..
وبرّرت وزيرة العدل السويسرية كارين كيلر- سوتر تدخل القطاع الخاص، بالإشارة إلى أن الحكومة نفسها لا تملك التكنولوجيا ولا الوسائل اللازمة لتنفيذ مثل هذا المشروع.
لكن هذا القول أثار رد فعل قوي من المدافعين عن الخصوصية. وجمع هؤلاء في العام الماضي 65 ألف توقيعا وأطلقوا استفتاءً وطنيا.
كانت الحجة الرئيسية للمعترضين هي أن إصدار وثائق الهوية يجب أن يظل حكرا على الدولة، وذلك على الرغم من الجهد الكبير الذي بذلته كيلر-سوتر في التأكيد على أن مقترح الهوية الإلكترونية لم يكن الغرض منه استبدال بطاقات الهوية أو جوازات السفر. كما أثار الرافضون للمشروع مخاوف بشأن الشركات التي سوف تحقق أرباحا بفضل استخدام البيانات الخاصة للمواطنين، كأن تُستخدم هويات المواطنين من قبل سلسلة المتاجر المحلية مثل ميغرو، أو من طرف منظمات غير حكومية (يُنظر إليها كفزاعة) أو من جانب شركة غلينكور لتجارة السلع، أو حتى من طرف فيسبوك نفسه. وقد نجحوا في كسب تأييد العديد من الأحزاب السياسية لوجهة نظرهم.
وقالت كيلر-سوتر في البداية إنه لا توجد خطة بديلة لمشاركة القطاع الخاص. ولكنها تراجعت، في أعقاب التصويت، وقالت إنها تتفهّم مخاوف الرافضين وتوجساتهم.
وينتج عن وضع الهوية الإلكترونية تحت مسؤولية الإدارة الحكومية العديد من الاحتمالات التي لم يتطرّق إليها النقاش خلال حملة الاستفتاء، بما في ذلك بطاقات الهوية الرقمية وجوازات السفر التي تم استبعادها في الأصل.
في إستونيا، على سبيل المثال، يرتبط نظام الهوية الإلكترونية ببطاقة الهوية الوطنية، التي يُمكن استخدامها مع قارئ البطاقة بدلاً من تسجيل الدخول، للقيام بالمعاملات المصرفية، أو تسجيل الشركات، أو الحصول على الوصفات الطبية أو إثبات ملكية مستندات أخرى كرخصة قيادة مثلا. وأكثر من 98٪ من السكان يفعلون ذلك بالفعل.رابط خارجي
لكن هذه ليست سوى البداية
يعمل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) مع حكومتي العراق والبنين للسماح بتخزين النسخ الرقمية من المستندات الحكومية على هاتف محمول مع اعتمادها على أنها أصلية من خلال تقنية قواعد البيانات المتسلسلة ويمكن تقديمها إلى الشرطة أو الإدارات الحكومية الأخرى دون الحاجة إلى مزيد من الفحوصات. وتدير مقاطعة بريتيش كولومبيا الكندية بالفعل مثل هذه العمليةرابط خارجي في علاقة بمعاملاتها مع الشركات العاملة في منطقتها.
وإذا ما قررت الحكومة السويسرية الذهاب إلى ما هو أبعد من الهوية الإلكترونية كالسماح بتخزين جوازات السفر الرقمية أو بطاقات الهوية أو رخص القيادة أو تصاريح العمل أو الإقامة أو أي مستند آخر على الهواتف المحمولة، يُمكن الوصول إليه من خلال مسح الوجه، فإن ذلك سيجعل العيش في هذا البلد مُريحا إلى أبعد الحدود.
ولدخول البلد مثلا يمكنك فقط مسح رمز الاستجابة السريعة ضوئيًا بدلاً من الوقوف في صفوف طويلة أمام نقطة مراقبة الجوازات. وللحصول على تصريح وقوف للمقيم، سيكفي تحميل بطاقة الهوية وتسجيل السيارة على موقع البلدية، ثم الدفع بواسطة بطاقة الائتمان. وبالإمكان في هذه الحالة إصدار التصريح تلقائيا في غضون ثوان، من دون الحاجة إلى إجراء فحوصات بشرية. ولن تكون هناك صفوف انتظار أمام المكاتب الحكومية. كما يُمكن تجديد تصاريح العمل وإنشاء الشركات بنفس الطريقة. وحتى تسجيل الدخول بالمعرّف الإلكتروني لن يكون ضروريًا في هذه الحالة.
وتؤدي هذه العملية إلى تسريع الإجراءات الحكومية وتحرير المسؤولين الحكوميين من المهمات الروتينية المتمثلة في فحص المستندات طوال اليوم، فضلا عن تحقيقها لمكاسب اقتصادية مهمة.
وفي الفترة الأخيرة، أفاد معهد ماكينزي العالميرابط خارجي أن “السماح بالرقمنة المتزايدة للمعاملات الحساسة التي تتطلب مستويات عالية من الثقة” يُمكن أن يضيف ما بين 3% إلى 13٪ من إجمالي الناتج المحلي.
وتدعم هذا التمشيّ خبرة الأمم المتحدة الخاصة بمساعدة البلدان النامية على تنفيذ أنظمة حكومة رقمية في مجال تسجيل الشركاترابط خارجي. وقد أثبتت هذه التجربة جدواها من خلال ارتفاع عدد الشركات المنشأة، وازدياد نسبة الالتزام بدفع الضرائب والضمان الاجتماعي. وكان المستفيدون الرئيسيون من هذا التمشي النساء وصغار رجال الأعمال.
وربما نظرت الحكومة إلى بطاقات الهوية الرقمية أو جوازات السفر على أنها مهمّة صعبة تقتضي تقنية عالية، وإلى تسجيل الدخول إلى الهوية الإلكترونية كعملية سهلة. لكن هذه النظرة هي الآن على وشك التغيير.
خلال الأشهر القادمة، سيبدأ السويسريون في التخطيط لإجازاتهم الصيفية.
وطرحت اليونان، بالإضافة إلى غيرها من الوجهات السياحية المفضلة لدى السويسريين مثل إسبانيا والبرتغال، فكرة جعل جوازات السفر الصحية الرقمية (المستندة إلى عمليات التطعيم ضد وباء كوفيد-19) شرطًا ملزما مسبقا للدخول إليها. وكما يلوح في الأفق، من المرجح أن يشرف اتحاد النقل الجويرابط خارجي، وهو اتحاد للطيران الخاص، على إدارة إصدارات 2021 من البطاقات الحكومية الصفراء المعروفة سابقا، والتي ستكون قابلة للتخزين على هاتف محمول.
نعم، لا تزال جوازات السفر الصحية مثيرة للجدل، تقول منظمة الصحة العالمية: “ولا تزال هناك أمور غير معروفة حرجة فيما يتعلق بفاعلية التطعيم في الحد من انتقال العدوى”رابط خارجي، وكان هناك القليل من النقاش حول كيفية تنظيم ذلك.
ولكن إذا كان الأمر يتعلق بالاختيار بين صيف آخر في المنتجعات الجبلية الغالية أو الأسماك المشوية الطازجة في حانة بجانب الشاطئ، فمن المُرجّح أن يُصوّت كثيرون وهو يرتدون ملابس السباحة الخاصة بهم، ويقومون بتحميل جواز سفرهم الصحي والسفر بعيدا إلى الخارج.
سيفعل المصطافون في البلدان الأخرى الشيء نفسه، وعند العودة إلى الوطن، فمن المحتمل أن يكون هناك اندفاع من قبل الحكومات للتعامل مع جوازات السفر والوثائق الأخرى بشكل تقتدي فيه بما فعله اتحاد النقل الجوي الدولي مع شهادات اللقاح وبما يقوم به العراق والبنين وكولومبيا البريطانية في هذا المضمار.
في غضون ستة أشهر، قد لا يكون الانتقاد الرئيسي للهوية الإلكترونية هو أنها تذهب بعيدًا، بل كونها لا تذهب بعيدًا بما فيه الكفاية.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء swissinfo.ch.
سلسلة “وجهات نظر“
تقوم swissinfo.ch بنشر آراء حول مواضيع مختلفة، سواء حول قضايا سويسرية أو مواضيع لها تأثير على سويسرا. يرمي اختيار المقالات إلى تقديم آراء متنوعة بهدف إثراء النقاش حول القضايا المطروحة. إذا كنت ترغب في اقتراح فكرة لمقال رأي، يُرجى إرسال رسالة إلكترونية إلى arabic@swissinfo.ch.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.