مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“ليس هناك أزمة هجرة… بل أزمة في إدارة الهجرة”

مقابلة مع حسني عبيدي، خبير في شؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط
يشرح حسني عبيدي لماذا "نعيش إحدى أصعب الفترات بالنسبة للمهاجرين.ات". © Olivier Vogelsang

أعاد رفضُ الرئيس التونسي يوم الإثنين دعمًا ماليًّا من الاتحاد الأوروبي مذكرةَ التفاهم الموقّعة بين الطرفين إلى واجهة الأحداث. وبينما يعتبر قيس سعيّد أن المبلغ المعلَن عنه زهيدٌ، تتزايد المخاوف الأوروبية من تقويض الاتفاق وسط تزايد الهجرة غير النظامية.

مبلغ الدعم المعلن عنه ليس سوى الجزء المرئي من جبل الجليد… ففي العمق، تتعلّق المسألة بسياساتِ “تصدير الحدود” الأوروبية. وليست سويسرا بمنأى عن الجدل. في هذه المقابلة التي أجريناها معه في سبتمبر الماضي، يحلّل حسني عبيدي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، الآثارَ المترتّبة عن مذكّرة التفاهم بين الاتحاد الأوروبي وتونس، وأوجُهَ تشابُهها مع اتفاق سابق مع سويسرا.

كان التوقيع على مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبي وتونس رابط خارجيفي يوليو الماضي قد أدّى إلى إحياء النقاش السياسي و العامّ حول انعكاسات سياسات الاتحاد الأوروبي على منطقة شمال أفريقيا. وتتعلق هذه النقاشات بشكل خاصّ بما يعرف بسياسات “تصدير الحدود” وإدارة تدفّقات الهجرة.

وتعيد هذه المذكّرة إلى الأذهان اتفاقا سابقا بشأن الهجرة بين الكنفدرالية السويسرية وتونسرابط خارجي، تم التوقيع عليه في يونيو 2012. وإن كان ذلك قد تمّ في ظلّ حكومة تونسية مختلفة، وضمن سياق جيوسياسي مغاير أيضًا.

المزيد

المزيد

سويــسرا وتــونس توقعان على إقــامة شراكة في مجــال الهجرة

تم نشر هذا المحتوى على بحيث تتضمن الشراكة إبرام اتفاق تعاون ينظم بالتفصيل مُجمل المسائل المرتبطة بإعادة هذه الفئة من المهاجرين، واتفاقا آخر يتعلق بتبادل المهنيين الشبان. وجاء في البيان الصادر عن وزارة العدل والشرطة السويسرية مساء الإثنين في العاصمة الفدرالية برن أن “هذه الاتفاقات تندرج ضمن الجهود التي تبذلها سويسرا من أجل تعزيز التعاون الدولي في مجال الهجرة، وفقا…

طالع المزيدسويــسرا وتــونس توقعان على إقــامة شراكة في مجــال الهجرة

ومع ذلك، فإن كلا الاتفاقيتين تثيران السؤال حول كيفية موازنة الدول الأوروبية بين السيطرة على تدفقات الهجرة من جهة وبين معايير احترام حقوق الإنسان من جهة ثانية. ويطرح هذا التساؤل خاصة عند عقد شراكة مع دول ثالثة لا تتمتع بأنظمة ديمقراطية ومؤسسات مستقلّة.

تحدّثت سويس إنفو  (SWI swissinfo.ch) مع حسني عبيدي، المحلّل السياسي المتخصّص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المقيم في جنيف، بغرض فهم كيفية تأثير هذه الاتفاقيات على سياسات الهجرة في كلّ من سويسرا والاتحاد الأوروبي ودول شمال أفريقيا.

سويس إنفو: لدى سويسرا حوالي عشرين اتفاقية تتعلق بإعادة القبول، هل تعتقد أنها تستخدم هذه الاتفاقيات كذريعة من أجل تصدير إجراءات السيطرة على حدودها؟

حسني عبيدي: هذا بالفعل أحد أسباب تعدد الاتفاقيات، ولا تزال سويسرا تبحث عن دول أخرى في أفريقيا لتوقيع اتفاقيات مماثلة. ويجب ألا ننسى أن الحكومة الفيدرالية تتعرض بانتظام لانتقادات من قبل مختلف الأحزاب، وخاصة حزب الشعب (اليميني)، بسبب عدم قدرة سويسرا على فرض إعادة قبول طالبي اللجوء المرفوضين أو المهاجرين بطرق غير نظامية الذين يثبت تورّطهم في قضايا الأمن العام. وقد أصبحت هذه قضية رأي عام داخل سويسرا.

والسبب الثاني هو أن الحكومة السويسرية مقتنعة بأن الحدود يجب ألا تتوقف عند حدودها الطبيعية لأنها تعلم أن الوصول إلى إيطاليا هو في النهاية وصولُُ إلى سويسرا، وكذلك الأمر بالنسبة لإسبانيا. ومن خلال هذه الاتفاقيات، تريد سويسرا التأثير على بلدان العبور أو حتى بلدان المنشأ.

هل تصدير الحدود سياسة مُنصِفة برأيك؟

هي بالفعل سياسة غير عادلة، لأن البت في طلبات اللجوء خارج الحدود أمر صعب للغاية في نهاية المطاف. في مثل هذه الحالات، نحن نتعامل مع الإدارة بالوكالة. فمن ناحية، عندما لا يستطيع طالبو وطالبات اللجوء تقديم ملفاتهم إلى السفارات في الخارج أو داخل سويسرا عند وصولهم، فمن المحتم أن يتم التعامل معهم مثل سائر المهاجرين، حتى وإن كانت أسباب هجرتهم سياسية وإنسانية. ومن ناحية أخرى، تعلم سويسرا أن إدارة هؤلاء المهاجرين من قبل أطراف أخرى، سواء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو مراكز المهاجرين في بلدان العبور، من شأنها أن تقلل العبء على حدودها.

مع اقتراب الانتخابات الفيدرالية السويسرية، هل تعتقد أن الهجرة قضية بارزة ضمن أجندات الأحزاب السياسية المختلفة؟

لم تكن قضية الهجرة، على مدى عقود، واحدة من المواضيع الرئيسية في المناقشات الانتخابية السويسرية. لكنها في وقتنا الحالي تكتسب زخمًا كبيرا في وسائل الإعلام وبرامج الأحزاب. حتى وإن اختلف الخطاب، فإن جميع التشكيلات السياسية تعلّق الآن أهمية على الموضوع.

وكان حزب الشعب، الذي استغل هذه الورقة في وقت مبكر، هو المستفيد الأكبر. ومع ذلك، أعتقد أن عواقب الربيع العربي، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وموجة الهجرة المتزايدة إلى سويسرا، بالإضافة إلى قبول البلاد أكثر من 65 ألف لاجئ أوكراني، كل ذلك خلق شعورا لدى بعض الأحزاب السياسية بأن الهجرة أصبحت عبئا اقتصاديا واجتماعيا هائلا على البلاد.

 إعادة القبول، الإعادة القسرية، والعودة الطوعية: أين يمكننا رسم الخط الفاصل بين الإكراه والاختيار الحقيقي للمهاجرين؟

هناك بالفعل ارتباك وغموض كبيران في المصطلحات. أعتقد أن هذا الخلط متعمد لفسح المجال للحكومات والوزارات المعنية لتفسير القضايا المتعلقة بالهجرة حسب مصلحتها. أقول دائمًا ليست هناك أزمة مهاجرين، بل أزمة إدارة. أي أن هناك تسارعاً في وتيرة النزوح الداخلي والخارجي وطلب اللجوء والهجرة وغيرها… ولم تتمكن الحكومات من التكيف، ولا حتى أدواتُنا القانونية. هناك بالطبع خطوط حمراء، مثل مسألة الإعادة القسرية، وهي غير قانونية، لكنها لا تزال تحدث.

إعادة القبول:

الإجراء الذي تتخذه الدولة بقبول دخول أحد  شخص عائد (أحد مواطنيها أو مواطن دولة أخرى، وفي أغلب الأحيان يكون قد سبق له المرور عبر الدولة، أو شخص مقيم دائم، أو عديم الجنسية).

الترحيل:

طرد أو إخراج أحد الرعايا الأجانب من البلاد، إما إلى دولة المنشأ أو إلى دولة أخرى. في حين يجب على المهاجرين دائما الحصول على تمثيل قانوني وفرص للطعن بترحيلهم مع وقف التنفيذ، لا تكون هذه الضمانات الإجرائية مضمونة دائما. ففي بعض الحالات، يتم ترحيل المهاجرين عن طريق القوة، أو غير ذلك من الأشكال القسرية.

عدم الإعادة القسرية:

(مبدأ) عدم الإعادة القسرية مبدأ أساسي في القانون الدولي للاجئين الذي يحظر على الدول طرد أو إعادة لاجئ إلى دولة حيث تكون حياته أو حريته فيها مهددة بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو رأيه السياسي. يعتبر مبدأ عدم الإعادة القسرية قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، وبالتالي فإنه ملزم لكافة الدول، سواء كانت طرفا في اتفاقية 1951 أو الصكوك الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان أو لم تكن.

(مساعدة على) العودة الطوعية وإعادة الإدماج:

الدعم الإداري أو اللوجستي أو المالي، بما في ذلك المساعدة في إعادة الإدماج، للمهاجرين غير القادرين أو غير الراغبين في البقاء في البلد المضيف أو بلد العبور والذين يقررون العودة إلى بلدهم الأصلي.


المصدر: قاموس مصطلحات الهجرة المخصص للإعلام في الشرق الأوسطرابط خارجي، منظمة العمل الدولية، 2017.

هل تشارك الرأي القائل بأن تأثير برامج إعادة القبول محدود، وأنها غالبًا ما تؤدي إلى الزيادة في معدلات العودة من بلدان ثالثة؟

من المؤسف أن السياسات العامة في العديد من الدول الغربية، بما في ذلك سويسرا، تمليها أجندات انتخابية وإعلامية وحزبية. ليس هناك رؤية سياسية ولا استراتيجية متوسطة أو طويلة المدى. وفي نهاية المطاف، تريد الحكومات تقديم إجابة فورية وعملية. لقد سبقت سويسرا الاتحادَ الأوروبي في التوقيع على اتفاقية إعادة القبول مع تونس. وأعتقد أن الاتحاد الأوروبي قرأ تلك الاتفاقية قبل وقت طويل من توقيعه اتفاقيةً مماثلة مع تركيا وليبيا، ثم مؤخرا مع تونس.

في سياق الاتفاقية بين سويسرا وتونس، وعدا عن مسألة إعادة القبول، ما هي أوجه التشابه الأخرى التي تراها بين الاتفاقية التونسية السويسرية والمذكرة التونسية الأوروبية؟

هناك بالفعل نقاط التقاء أخرى، أهمّها مسألة الأخذ والعطاء. وهناك عروض من الحكومات الأوروبية وسويسرا لتونس وتركيا وليبيا لتلقي الدعم المالي مقابل قبول هؤلاء المهاجرين على أراضيهم. وفي نهاية المطاف، تعمل هذه الصفقات على تخفيف الضغوط على أوروبا، وهي التي ترفض أن تتحمّل وحدها العبء الاقتصادي والاجتماعي والإنساني الناجم عن الهجرة.

وفقًا للقرار 1741/ 2010 الصادر عن مجلس أوروبا، يجب أن يكون لدى الدول الموقّعة على مثل هذه الاتفاقيات نظام لجوء قوي، وأن تضمن حقوق الإنسان. هل تونس عام 2012، واليوم، تستجيب لهذه المعايير؟

في ذلك الوقت (2012)، كانت تونس تقول إن الوقت غير مناسب لسنّ قوانين الهجرة. لقد مرت أكثر من عشر سنوات، والوضع لا يزال على حاله؛ ليس هناك حتى إحصائيات دقيقة حول الهجرة غير النظامية في البلاد.

وهذا يعني أن العديد من المهاجرين والمهاجرات في تونس يعملون بشكل غير رسمي في مواقع البناء أو الأعمال المنزلية؛ وهم يحتاجون إلى أوراق إقامة نظامية وتصاريح عمل. إن إضفاء الشرعية على وجود هؤلاء المهاجرين سيكون بمثابة إجراء أمني إيجابي لدول العبور، وسيصبّ في صالحها في نهاية الأمر.

حسني عبيدي، خبير في شؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط
“وراء كل مهاجر قصة وحياة…” حسني عبيدي. © Olivier Vogelsang

تصوّر السردية السائدة المهاجرين.ات كضحايا. هل يجب أن نركّز أكثر على سردية يتمّ فيها تحميل أوروبا مسؤولياتِها من حيث معالجة الأسباب الجذرية واقتراح حلول مستدامة؟

ليس هناك خطاب أو سردية واحدة. كلّ من الحكومات وبلدان العبور والمهاجرين.ات أنفسهم لديهم خطاباتهم الخاصة. والحقيقة أن وراء كل مهاجر قصة وحياة…

لكن، هل أصواتهم مسموعة بنفس القدر؟

لا، للأسف. ذلك أنه في نهاية الأمر، عندما لا يتمّ احترام حقوق شخص ما، فإن وجودَه نفسَه (من حيث السردية) يصبح مُتهافتًا. عندما لا يمتلك شخص ما جواز سفر، أو يقوم هو ذاتُه بإتلاف بطاقة هويته، فليس من السهل أن يتمتّع بسردية موضوعية. لكن المهاجرين.ات جزء من المجتمع؛ بعضهم سلوكه جيّد والبعض الآخر لا، شأنهم شأن باقي فئات المجتمع. إنهم ضحايا بالفعل لوضعٍ ليسوا مسؤولين عنه، وهنا أعني الوضع الذي أجبرهم على ترك عائلاتهم وقراهم ومدنهم. ولكن ليس من العدل أن نضع كل المهاجرين.ات في نفس القالب وكأنهم متجانسون. لكل منهم قصّة وحلم ومشروع. لكنّ غياب القانون، من جهة أخرى، يترك فراغاً كبيراً في التصنيف وفي تأمين حياة جديدة لهم.

ما هي رؤيتك لسياسة هجرة عادلة ومستدامة بين أوروبا وشمال أفريقيا؟ وهل أنّ سياسةً مماثلة أمر ممكن؟

نحن نعيش إحدى أصعب الفترات بالنسبة للمهاجرين.ات. حتى الدول التي تتبنى سياسات أكثر “سخاء” وتفهّماً، مثل الدول الاسكندنافية، بدأت في إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بالهجرة.

أنا لا أرى بصيص أمل فيما يتعلق بمستقبل الهجرة أو الوضع القانوني للمهاجرين. ذلك أنّ المقاربة المنتهجة ما تزال هي نفسها: أمنيّة بحتة.

تحرير: فيرجيني مانجين

*تم إجراء هذه المقابلة عبر الهاتف بدايةَ شهر سبتمبر 2023.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية