مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مؤسسة واحدة للتأمين الصحي: حلّ ناجع أم مصدر للمشاكل؟

صندوق تأمين صحي موحّـد
هذه من بين شركات التأمين الصحي الأساسي البالغ عددها حاليا في سويسرا 61 شركة، وهي ليست ذات نفع ربحي بموجب القانون، وإنما تتمثل مهمّتها في ضمان حقّ كل فرد في الحصول على رعاية صحية مُعتبَرة. Keystone
العُـدول عن التعدّدية الحالية لشركات التأمين الصحي الخاصة وإنشاء مؤسسة عمومية وحيدة مختصة بالتأمين الصحي الأساسي: هذا هو جوهر المبادرة التي ستُعرض على الناخب السويسري يوم 28 سبتمبر 2014 بهدف الحد من تكلفة التأمين، لكن للمعارضين رأي آخر.

في سويسرا، يُلزَم كل مواطن بأن يكون لديه تأمين صحي، ويمكن لكل شخص أن يختار الجهة التي يُؤمّن لديها، وهناك حاليا 61 شركة مصرّح لها تقديم خدمة التأمين الصحي الأساسي، وهي بموجب القانون، ليست ذات نفع ربحي، وإنما مهمّتها ضمان حقّ كل فرد في الحصول على رعاية صحية مُعتبَرة.

تكلفة التأمين الصحيرابط خارجي يتحمّلها الفرد، وليس من معاييرها حجم الدخل، وتختلف باختلاف الفئة العمرية أو من شركة إلى أخرى أو بحسب مكان الإقامة. ويمكن للمُؤمَّن الحصول على تخفيض عن طريق الترفيع مثلا في قيمة “خلوص التأمين” (وهو مبلغ سنوي محدد سلفا في عقد التأمين يلتزم المؤمّن بتسديده مقابل علاجات أو أدوية)، أو تقييد اختيار الطبيب، كما يحِق لغير الميسورين الحصول على خفض في قيمة العلاوات الشهرية عن طريق معونات فدرالية أو كانتونية.

ويبدو أن ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية لن يتوقف: ففي عام 2012 تجاوزت الـ 68 مليار فرنك، وغطى التأمين الأساسي أكثر من 24 مليار فرنك منها. فما من أحد ينكر بأن تكاليف الرعاية الصحية تمثل ثقلا كبيرا على صندوق التأمينات. ومنذ سنوات، يتهم اليسار السياسي والمنظمات التي تقف إلى جانب المستفيدين من التأمينات، شركات التأمين بالتكسّب على حساب المُكتتبين، بشتّى الوسائل.

في الماضي، أطلق اليسار مبادرتيْن تهدفان إلى تغيير نظام التأمين الصحي، لكن تمّ رفضهما بتصويت أغلبية واسعة من الشعب ضدّهما، وكانت إحداهما تطالب بإدارة التأمين الأساسي من قبل مؤسسة نفْع عام، بينما طالبت الأخرى بحصرها في شركة واحدة. وقد طالبت كلتاهما بأن يتمّ حساب التكلفة بناءً على الوضع المادّي للشخص المُكتتب.

إلا أنه تمّ التخلي عن هذا المطلب الأخير في المبادرة الجديدة وعنوانها “مؤسسة حكومية للتأمين الصحي”، التي يقف وراءها الحزب الاشتراكيرابط خارجي وحزب الخُضر رابط خارجيومنظمات الدفاع عن المستهلكين والمرضى، والتي سيصوِّت السويسريون عليها يوم 28 سبتمبر 2014، وتنصّ على إنشاء مؤسسة وطنية واحدة للتأمين الصحي، وتكون لها فروع في المناطق أو الكانتونات، بحيث يتمّ حساب التكلفة بحسب الكانتون وبحسب التكاليف التي تتحمّلها مصلحة التأمين.

التوقّعات بلغة الأرقام

تُقدّر تكاليف التحوّل، من واقع فيه 61 شركة تأمين صحي خاصة، إلى واقع جديد ليس فيه إلا مؤسسة عامة واحدة فقط، ما بين 1,56 مليار و2,15 مليار فرنك سويسري، وِفقا لحسابات أجراها باحثون من معهد الاقتصاد الصحي في فينترتور بتكليف من تحالف “أليانس سانتي”.

ومن جانبه، يشير المكتب الفدرالي السويسري للصحة العمومية، إلى أن تكاليف التحوّل المقترح: “يصعب تقديرها، وهي تعتمد أولا وقبل كل شيء على الطرق والوسائل العملية لتنفيذ المبادرة، وعلى الوقت اللازم لكي تتمكن مؤسسة الرعاية الصحية الجديدة من القيام بكامل مهمتها”.

وبناءً على التكليف من قِبل الحزب الاشتراكي السويسري، قدّرت آنّا ساكس، خبيرة الاقتصاد الصحي، بأن تنفيذ التحوّل خلال أجَل قصير، من شأنه أن يوفر ما بين 300 و350 مليون فرنك من حساب التكاليف الإدارية، أما إن تمّ التحوّل على المدى المتوسط أو الطويل، فإنه، وبفضل التنسيق والبرامج المُهيْكلة الخاصة برعاية المرضى المُزمِنين، سيكون بالإمكان توفير ما بين 5 و10٪ من التكاليف الإجمالية.

الجميع يريد التحسين، ولكن …

ورغم الاعتراف بالحاجة إلى تحسين النظام الحالي، إلا أن كُلاّ من الحكومةرابط خارجي والأغلبية في البرلمانرابط خارجي، المؤلّفة من أحزاب اليمين والوسط، تُعارض المبادرة، زاعمين بأنها تنضوي على تكلفة إضافية وعلى مشاكل في التنفيذ.

“يكفي أنّ المؤمّن لديهم يتمتع بحرية اختيار شركة التأمين وتغييرها في حال عدم الرضا، وبذلك تنشأ منافسة تشجّع الشركات على ضبط الأسعار. أما في حالة الاحتكار، فذلك ليس بالممكن”، على حد قول باربرا شميد فيدرر، النائبة عن الحزب الديمقراطي المسيحي ونائبة رئيس التحالف “أليانس سانتي”، الذي يشكّل اتحادا للبرلمانيين ولممثلي القطاع الصحي، المعارضين للمبادرة.

ويردّ ستيفان روسّيني، عضو هيئة المبادرة، من وجهة نظره قائلا: “لم تستطع شركات التأمين الصحي رابط خارجيأن تُفيد النظام الصحي بأدنى توفير، ولم تساعد أبدا في إبقاء التكاليف تحت السيطرة، ولم يحصل مُطلقا أنها خفّضت الأسعار”.

“في الواقع، أن أقلية قليلة – ما بين 5 و15٪ سنويا – من المكتتبين، هي فقط التي تغيّر المؤمِّن، لكن مثل هذا التحويل هو عبْء يكلّف نظام التأمينات ما بين 400 و500 مليون فرنك، كما أن المنافسة الناشئة بين شركات التأمين هي زائفة، لأنها تهدف إلى اصطياد مَن تُستطاب مخاطرهم”، أي الشباب الأصحاء، كما يقول النائب البرلماني الاشتراكي، ومن أجل الظفر بهم، فإن شركات التأمين تنفق كل عام في مجال الإعلان والتسويق والعمولات، ما يقرب من مائة مليون فرنك. ومن شأن هذه النفقات أن تختفي في حال اعتماد مؤسسة واحدة فقط، وفقا لستيفان روسّيني.

باربرا شميد فيدرر، لديها ذات الهواجس، لكن لها رأي آخر، إذ تقول: “على الرغم من المستوى العالي لنظام الرعاية الصحية في سويسرا، إلا أن هناك مشاكل متعلّقة بشركات التأمين الصحي، والواجب أن تكون هناك عملية إصلاح وتعزيز للشفافية، وليس تغييرا فظّا كالذي تطالب به المبادرة”، ولذلك، فإنها تدعَم مشروع تحسين نظام تعويض المخاطِر، الذي يتضمّن الفصل بين التأمين الاجتماعي الصحيرابط خارجي الأساسي وغيره من التأمينات التكميلية الخاصة، وإلا مشروع تشديد الرقابة على التأمين الصحي، وكلاهما قيْد المناقشة داخل البرلمان. وتقول النائبة الديمقراطية بأنها على ثقة من أن البرلمان سيُوافق على هاذين المشروعين الإصلاحيين.

أما ستيفان روسّيني، فلا أمل له في الإصلاح، ويبرِّر ذلك قائلا: “إن عدم وجود أغلبية في البرلمان ترغب في تصحيح العيوب الموجودة في النظام الحالي، هو الذي جعلنا نقرّر التوجّه إلى الشعب”.

أسعار مُوحّدة؟

تنصّ المبادرة رابط خارجيفي نسختها باللّغة الألمانية على أن: “لكل كانتون سِعر موحّد”، بينما يقول النصّ باللغتيْن الفرنسية والإيطالية بأن: “السعر يُحدَّد بحسب الكانتون”، ومن شأن هذه المفارقة بين النصّيْن أن تثير جدلا واسعا.

ومن وجهة نظر أستاذ القانون أولي كايزر، فإن الإعتبار يكون لصالح الصياغة الأكثر دقّة، وهو النص الألماني في هذه الحالة، وهذا يعني، أنه لن تكون هناك أقساط مخفّضة للفِتيان أو للشباب البالغين، ولا حتى لمن يختارون النماذج العلاجية البديلة أو دفع خلوص تأمين مرتفعة.

أصحاب المبادرة لا يُقرون هذا التفسير ويتذرعون بحصول خطإ في ترجمة نص المبادرة الأصلي (بالفرنسية) إلى اللغة الألمانية ويؤكدون أن التسعيرات المخفّضة لم تُمس مُطلّقا، وهي منصوص عليها بموجب قانون التأمين الصحي.

معالجة مسألة التكاليف

بينما يركّز المروِّجون للمبادرة على تخفيض التكاليف الإدارية للتأمين الصحي، ترى باربرا شميد فيدرر أن هذه المسألة ليست هي السّبب في زيادة الأسعار، ذلك أن النّفقات الإدارية تمثِّل 5,6٪ من إجمالي تكاليف التأمين الصحي الإلزامي. وعلى سبيل المقارنة، وِفقا للبرلمانية، بلَغت نفقات المركز الوطني للتأمين ضد الحوادث “سوفا”، ما نسبته 11,3٪ ونفقات التأمين ضد البِطالة 9,2٪.

“معظم التكاليف تأتي من جهة المستشفيات والعيادات الطبية، والسّبب الرئيسي لذلك، هو التقدم الطبي وشيخوخة السكّان، وهذا لن يتغيّر بوجود مؤسسة عمومية واحدة للتأمين الصحي”، كما جاء على لسان شميد فيدرر.

وبدوره، عارض ستيفان روسّيني وجهة النظر هذه، معتبِرا بأن تغييرا ما سيحصُل، قائلا: “من شأن وجود مؤسسة واحدة للتأمين الصحي أن يعزز التنسيق ويحسّن الوقاية الصحية ويطوّر النماذج البديلة، كأطباء الأسْرة وشبكات الرعاية الصحية المعتمدة. بمعنى آخر، وجود نهْج متكامِل يهدِف إلى تأمين الرّعاية الصحية للأفراد وتحسين مستواها، بحيث تصبّ في مصلحة المصابين بأمراض مُزمِنة على وجه الخصوص، وتفلح في تخفيض الأسعار”.

وبشأن التخوّف من فقدان موظفي شركات التأمين الصحي لوظائفهم في حال ما حصل التحوّل، يجيب روسّيني بأنه من المفروض أن يتِم نقلهم للعمل في المؤسسة الحكومية الجديدة، وبطبيعة الحال، لن يكون بإمكان جميع العاملين البقاء في البلديات التي يعملون فيها حاليا: “التنقل، هو جزء من طبيعة الحياة الاقتصادية”.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية