ماذا تكتب الصحافة السويسرية عن العالم العربي؟
مع تحوّله إلى محطّة بارزة للحرب الإسرائيلية الفلسطينية الدائرة، أسال مستشفى الشفاء كثيرًا من الحبر الصحفي السويسري هذا الأسبوع. ووسط "رائحة الموت"، أخذت قضية "العودة" حيّزًا من التغطية، فيما تشرئبّ الأعناق نحو محكمة الجنايات الدولية.
مستشفى الشفاء “ساحة معركة” و”رائحة الموت تفوح هنا في كل مكان”
قامت صحيفتا نويه تسورخير تسايتونغ وتاغيس انتسايغير بتغطية الأحداث التي شهدها مستشفى الشفاء اتّساقًا مع تحوّل المشفى إلى أحد أبرز محطات الحرب الإسرائيلية الفلسطينية الدائرة حاليا. فَتحْتَ عنوان “مستشفى الشفاء في غزة يتحول إلى ساحة معركة، وليس لدى إسرائيل سوى خيارات سيئة”، نشرت نويه تسورخير تسايتونغ مقالةَ رأي تناول فيها مراسل الصحيفة في الخارج يوناس روت الوضعَ في قطاع غزّة، وعلى وجه الخصوص “معركة المعلومات” حول مستشفى الشفاء، أكبر مستشفيات القطاع.
وفي هذا السياق، يرى كاتب المقال أنّ الضغط يزداد على إسرائيل وأن الوضع حسّاس من وجهة نظر عسكريّة، حيث يتوجب على الأخيرة حماية المدنيين والمدنيات “وإن لم تقم حماس بذلك”، حسب تعبير روت. وكان هذا الأخير ينقل عن الجيش الإسرائيلي آخر تصريحاته بالنسبة لمستشفى الشفاء قبل دخوله الفعلي. وهذا جاء وصف الصحفي للعملية: “الجيش يتقدم حاليا نحو أحد أهم مواقع حماس في شمال قطاع غزة: ويقال إنّه “مجمع إرهابي” تحت الأرض، ويُزعم أنه لا يحتوي على ترسانة كاملة من الأسلحة فحسب، بل أيضا مراكز ومكاتب قيادية لبعض كبار كوادر حماس. المشكلة هي أن المجمع يقع على ما يبدو تحت مستشفى الشفاء مباشرة، وهو أكبر مستشفى في قطاع غزة، حيث لا يزال آلاف المدنيين يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر للغاية”.
ويضيف يوناس روت أنّ إسرائيل تزعم بأنّ حماس تستخدم نظام أنفاق تحت المستشفى لإخفاء أنشطتها، وأنّ المزاعم الإسرائيلية مدعومة بالرسوم، والأدلة الظرفية، بما في ذلك معلومات المخابرات الأمريكية. فيما تنفي حماس وطاقم المستشفى ذلك بشدة، بحسب الصحيفة. ويقول الصحفي إنه مع اقتراب القتال من مستشفى الشفاء، أصبحت الحقائق مسرحًا لحرب معلومات مكثفة، حيث يستخدم كلا الجانبين المستشفى كرمز لإظهار قسوة الطرف الآخر. ويواجه الجيش الإسرائيلي، بحسب روت، تحدّيًا يتمثّل في مهاجمة المستشفى لمحاربة أهداف حماس، على الرغم من أنّ القيام بذلك قد يعرّض حياة المدنيين للخطر ويثير انتقادات دولية. وتراهن حماس من جهتها على أن تصرفات إسرائيل تعرّض التضامن الدولي معها للخطر.
ويبيّن روت بأنّ الحلفاء الغربيين، بمن فيهم الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشار الأمني الأمريكي، يعبّرون عن مخاوفهم بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، وهكذا تواجه إسرائيل خيارات عسكرية سيئة، ممّا قد يدفعها للقيام بعملية إنسانية لحماية المدنيين قبل مهاجمة المستشفى، بحسب روت.
“هل تعلم ما هو أسوأ من الموت؟ انتظار الموت.” طبيب في مستشفى الشفاء، صحيفة تاغيس انتسايغير
من جهتها، تناولت صحيفة تاغيس انتسايغير، عبر مراسلتها دنيا رمضان، الأزمةَ الإنسانية في غزة والظروف المزرية في المستشفيات، حيث أدى انعدام الكهرباء والمياه وعدم القدرة على إجراء العمليات الجراحية، إلى وضع مأساوي للمرضى والطواقم الطبية.
ونقلت الصحفية شهادة طبيب في مستشفى الشفاء، لم يرغب في نشر اسمه لأسباب أمنية، والذي يعالج الأطفال المصابين بسرطان الدم، في حديث عبر الهاتف: “رائحة الموت في كل مكان. لم يعد بإمكاننا إجراء عمليات جراحية لأي شخص، فالذباب والقمامة في كل مكان، وليس لدينا حتى الكلور لتنظيف الأرضية”.
وطالب الجانب الإسرائيلي بإخلاء مستشفى الشفاء. لكن الطاقم الطبي أفاد بأن العديد من المرضى الذين خضعوا لعمليات جراحية أو الرضع المبتسرين لم يتمكنوا من مغادرة المستشفى على الإطلاق، وفق المقال.
كما أشارت الصحيفة أيضًا إلى وفاة طفلين خدّج والعديد من المرضى منذ انقطاع التيار الكهربائي الكامل، نقلاً عن الأمم المتّحدة، مذكّرةً بأنّ 36 طفلاً خدجًا آخرين يعتمدون على الحاضنات، فيما يتعرّض مرضى غسيل الكلى، لخطر الموت بسبب نقص الكهرباء. ونقلت عن العاملين والعاملات في المستشفى قولهم بعض الأشخاص الذين فروا من المستشفى تعرضوا لإطلاق النار أو أصيبوا أو قُتلوا، كما أن المستشفى محاط بالدبابات.
وفي حديثه مع الصحفية، وبينما يُسمع سقوط الصواريخ في الخلفية، أضاف الطبيب بالقول: “إنهم يقصفوننا ويرجعوننا إلى العصر الحجري”. وبسؤاله عمّا إذا كانت حماس قد بنت أنفاقًا تحت المستشفى، لم يتمكّن الطبيب من الردّ بالتأكيد أو النفي. حيث أجاب بالقول إنهّ يعرف فقط أن هناك مرضى هنا يحتاجون إلى الحماية، وأنه هو نفسه سيقدم المساعدة الطبية لأي شخص، بما في ذلك الجنود الإسرائيليين المصابين. وشدّد الطبيب على أنه: “إذا تم قبول موت الناس في المستشفيات، فأنا أسمّى هذا عقاباً جماعياً”، ليختتم شهادته بالسؤال: “هل تعلم ما هو أسوأ من الموت؟ انتظار الموت.”
(المصدر: نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي، 14 نوفمبر 2023، بالألمانية، و تاغيس أنتسايغيررابط خارجي، 14 نوفمبر 2023، بالألمانية أيضًا)
*ملاحظة: اقتحم الجيش الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي في غزة يوم الأربعاء 15 نوفمبر، بعد حصار دام أيامًا وغارات ليلية استهدفت محيط المجمع، وفق ما تناقلته وكالات الأنباء.
“اللاجئون الفلسطينيون: مصدر دائم للاضطرابات في الشرق الأوسط”
ناقش مقال مطوّل لصحيفة نويه تسورخير تسايتونغ قضية اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين. حيث استهلّ مراسل الصحيفة، المختص في الشرق الأوسط، أولريش فون شفيرين تحليلَه لهذه القضية بالقول: “لا يكاد أي موضوع آخر في سياق الصراع في الشرق الأوسط يكون أكثر إثارة للمشاعر مثل هروب الفلسطينيات والفلسطينيين وطردهم في عام 1948، حيث يتشبّث اللاجئون واللاجئات بوهم العودة. وترفض إسرائيل الاعتراف بالظلم الذي وقع”.
ويكتب فون شفيرين إنّ قضية اللاجئين واللاجئات هذه لا تزال مصدرًا للاضطرابات في الشرق الأوسط. حيث يشرح أنّ: “صور النساء والأطفال والمسنين الذين يفرّون سيرًا على الأقدام من عمليات القتال في شمال قطاع غزة، تعيد ذكريات مظلمة لدى الفلسطينيات والفلسطينيين، إذ يتذكرون نكبة عام 1948، عندما أُجبر حوالي 700 ألف فلسطيني وفلسطينية على مغادرة منازلهم بعد قيام دولة إسرائيل. وحتى يومنا هذا، لم يتمكن هؤلاء من العودة. ويخشى العديد من الفلسطينيين والفلسطينيات من أن إسرائيل لن تسمح لسكان غزة والبلدات المحيطة البالغ عددهم 1.6 مليون والذين فروا من الحرب بالعودة إلى منازلهم”.
ويذكّر الصحفي على بأعداد اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين بشكل عام بقوله إنّه: “اليوم، تشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 7 ملايين لاجئة ولاجئا بالإضافة إلى ذرّيتهم في جميع أنحاء العالم. فهناك 5.9 مليون فلسطيني وفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا مسجلون رسميًا لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)”، وتدعمهم الوكالة، في حين يشير الصحفي إلى أنّ دور هذه الأخيرة مثير للجدل، حيث تتهمها إسرائيل وحلفاؤها بعرقلة التوصّل إلى حلّ.
ويؤكّد فون شفيرين أيضاً على أنّ حق العودة مثار خلاف، حيث يستشهد الفلسطينيون والفلسطينيات بقرار الأمم المتحدة رقم 194 والمؤرّخ في ديسمبر 1949، في حين تعارضه إسرائيل بشدة. ويتعمّق المقال أيضاً في وجهات النظر التاريخية، بما في ذلك “خطة داليت” لعام 1948، ويسلط الضوء على الطبيعة المعقدة والعاطفية للصراع. كما يتناول الوضع الحالي في غزة، والصراعات الأخيرة، والمخاوف من التهجير القسري، ويختتم تحليله قائلاً: “تظهر تجربة ما بعد عام 1948 أن طرد الفلسطينيات والفلسطينيين يخلق لإسرائيل العديد من المشاكل الجديدة. ولا يزال حل مشكلة اللاجئات واللاجئين غير واضح في الأفق، ولا تزال إسرائيل ترفض الاعتراف بالظلم الذي ارتكبته بحق الفلسطينيين والفلسطينيات في عام 1948. ومن جانبهم، يتمسك النازحون والنازحات بحلم العودة، على الرغم من أن تحقيقه ظلّ وهميّاً لفترة طويلة. وأخيراً، فإن الدول العربية لا تريد التنازل عن مطالبتها بحقّ العودة، وإلّا سيعني ذلك الاعتراف النهائي بوجود الدولة اليهودية وتقرير مصير الفلسطينيين والفلسطينيات”.
(المصدر: نويه تسورخير تسايتونغرابط خارجي، 15 نوفمبر 2023، بالألمانية)
شكاوى ضدّ كل من حماس والجيش الإسرائيلي
عالجت صحيفة لوتون السويسرية آخر التطورات المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية وما تواجهه من ضغوط لإصدار أوامر اعتقال بتهمة ارتكاب “جرائم حرب” و”إبادة جماعية” في غزة، بينما تستمرّ عمليات تقديم الشكاوى ضد كل من حماس والجيش الإسرائيلي، بحسب الصحيفة الصادرة بالفرنسية. تحثّ تلك الشكاوى، التي قدمتها منظمات من بينها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR)، ومؤسسة الحق، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، المحكمةَ الجنائية الدولية على إصدار أوامر اعتقال “بأسرع وقت” ضد الأفراد المشتبه في ارتكابهم هذه الجرائم داخل الجهاز السياسي والعسكري والإداري الإسرائيلي.
وتشمل الاتهامات شخصيات مثل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، بحسب الصحيفة، التي تقول إنّ المصادر تشير إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص في غزة خلال شهر واحد. وقد تعهد المدعي العام، كريم خان، “في 29 أكتوبر أمام معبر رفح في مصر بحماية أطفال غزة”، لكنه أكد على أن إصدار أوامر الاعتقال سيستغرق وقتاً، في انتظار وصول الأدلة الكافية إلى عتبة الإدانة الواقعية، كما جاء في الصحيفة.
وكتبت لوتون أنّ المحكمة الجنائية الدولية تحقق في الجرائم المرتكبة خلال حرب غزة عام 2014 والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. كما يسلط المقال الضوء على اللغة القوية التي استخدمها خان في تحذير إسرائيل من الالتزام بقواعد الحرب، مسلّطًا الضوء على التأثير المحتمل لمذكرات الاعتقال على المفاوضات المستقبلية.
ومع ذلك، تذكّر الصحيفة بالتحديات التي تواجهها المحكمة، حيث إنّ إسرائيل لم تصادق على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية وليست ملزمة بالتعاون، وأنّ هناك شكوكًا حول القدرة على جمع الأدلة الفنيّة. وقد أعربت الولايات المتحدة عن معارضتها لملاحقات المحكمة الجنائية الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين، مما أثار مخاوفًا بشأن التداعيات الدولية المحتملة.
ويختتم المقال بذكر دعم بعض دول الجنوب العالمي للمحكمة الجنائية الدولية، وتبني قرار خلال قمّة الرياض يؤكد على توقعات المدنيين والمدنيات الفلسطينيين بالحماية من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
(المصدر: لو تون، 14 نوفمبررابط خارجي 2023، بالفرنسية)
فيما يلي مختارات من مقالاتنا لهذا الأسبوع:
+ زراعة العمود الفقري تساعد المصابين بمرض باركنسون على المشي دون السقوط
+ كيف تتباهى صناعةُ المسيرات الروسية القاتلة بمكوناتها السويسرية؟
+ قضية كونرادي 1923: تداعيات جريمة سياسية على ضفاف بحيرة جنيف
+ هؤلاء يقيسون من كوسوفو نبض سويسرا
+ الدولة المنتجة لأول مركبة هيدروجينية تتخلف في سباق الطاقة الخضراء
+ تتبُّع الذهب من منبعه– هل تحققه التكنولوجيا أم سيظل مطلبًا بعيد المنال؟
+ زراعة العمود الفقري تساعد المصابين بمرض باركنسون على المشي دون السقوط
للمشاركة في النقاش الأسبوعي:
المزيد
يمكنكم/ن الكتابة لنا عبر هذا العنوان الإلكتروني إذا كان لديكم/ن رأي أو انتقاد أو اقتراح لموضوع ما.
سننشر عرضنا الصحفي القادم يوم 24 نوفمبر. حتى نلتقي، نتمنّى لكم/ن عطلة نهاية أسبوع سعيدة!
إلى الأسبوع القادم!
تحرير: أمل المكي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.