مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ما الذي ستجنيه سويسرا من مقعدها في مجلس الأمن؟

مشهد جوي لمقر الأمم المتحدة في نيويورك
العمل الفني المرسوم فوق العُشب أمام المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، هو هدية من سويسرا بمناسبة اليوبيل الماسي لإنشاء المنظمة الدولية. لقد تكلف هذا العمل الفني حوالي 132000 فرنكاً، ومن شأنه تعزيز فرص سويسرا في ترشحها لعضوية مجلس الأمن الدولي. Keystone / Valentin Flauraud

سويسرا تترشح للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن بالأمم المتحدة. أما الانتخابات التي ستُجرى في يونيو المقبل فتعتبر عملية شكلية. فلماذا تسعى سويسرا إلى الانخراط في اللعبة مع الكبار؟

“لكنني لا أريد أن أصبح سويسرا!”رابط خارجي ربما تتذكرون كيف كان جيري ساينفيلد في المسرحية الهزلية التي تحمل اسمه يقاوم جيرانه، الذين أرادوا استغلال شقته كمخزن مُحايد في الدور الذي لم يكتمل من لعبة “الخطر”. ربما يمكن القول، أن حتى سويسرا نفسها لم تعد تريد أن تظل ˈسويسراˈ، أي رمز الحياد الدولي، بل أضحت تحدوها رغبة في المشاركة في رسم السياسة العالمية.

وفي جميع الأحوال، فهي لم تعد راغبة في أن تظل فقط أحد مُموّليرابط خارجي الأمم المتحدة، بل تسعى لأن يكون لها رأي أيضاً. بمعنى: إنها تسعى للحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، وهذا لمدة عامين.

>> هذا الفيديو هو جزء من الحملة الترويجية الحكومية لترشح سويسرا لعضوية مجلس الأمن الدولي (بالانجليزية):

محتويات خارجية

فالحصول على مقعد غير دائم في الأمم المتحدة يُتيح مزايا واضحة – ويحمل في طياته بعض المخاطر في ذات الوقت –، والتي يُمكن تلخيصها فيما يلي:

تقوية الصلات مع الدول العظمى

نشير هنا إلى أن مشروع ترشح سويسرا، قد أطلقته رئيسة الكنفدرالية ووزيرة خارجيتها السابقة ميشلين كالمي-ري عام 2011. وفي حوار أجرته معها SWI swissinfo.ch، أوضحت أن سويسرا يُمكنها من خلال مجلس الأمن توسعة شبكة علاقاتها وزيادة نفوذها على الساحة الدولية.

المزيد
شعار الأمم المتحدة على خلفية حمراء
ميشلين كالمي رَي

المزيد

“سويسرا بموقفها المستقل قادرة على خلق التوافق في مجلس الأمن”

تم نشر هذا المحتوى على ميشلين كالمي ري في مقابلة حول ترشّح سويسرا لشغل مقعد في مجلس الأمن، وهي مبادرة أطلقتها عندما كانت وزيرة للخارجية.

طالع المزيد“سويسرا بموقفها المستقل قادرة على خلق التوافق في مجلس الأمن”

إلا أن تعزيز العلاقات مع الدول الأخرى، الأعضاء في مجلس الأمن له وجهه الآخر أيضاً: حيث صرح أول سفير لسويسرا في الأمم المتحدة يينو شتايلين لصحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” (تصدر بالألمانية من مدينة زيورخ)، أنه قد عاين بنفسه مدى خطورة الضغط الذي تحاول الدول الأخرى ممارسته، وأن سويسرا سوف تضطر في لعبة استعراض القوة هذه إلى الانحناء والتنازل عن مبادئها. “إن الحصول على مقعد في مجلس الأمن يعتبر أمراً خطراً؛ إلا إذا لاقى دعماً واسعاً على الصعيد الداخلي”، على حد قول شتايلين.

المزيد
شعار الأمم المتحدة على خلفية حمراء
رجال ونساء جالسون داخل قاعة اجتماعات مجلس الأمن الدولي

المزيد

أول سفير سويسري لدى الأمم المتحدة “ليس متحمّسا” لترشيح بلاده لمجلس الأمن

تم نشر هذا المحتوى على يرى أول سفير لسويسرا لدى منظمة الأمم المتحدة أن الحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لسويسرا.

طالع المزيدأول سفير سويسري لدى الأمم المتحدة “ليس متحمّسا” لترشيح بلاده لمجلس الأمن

على الجانب الآخر، يرى ماركوس هاينيغر، الذي عمل طويلاً في وزارة الخارجية الفدرالية، والذي ينخرط اليوم على منصة المجتمع المدني للمشاركة في رسم سياسة سويسرا داخل مجلس الأمن، أن محاولات الأمم المتحدة في ممارسة الضغط على سويسرا قد أصبحت اليوم حقيقة واقعة بالفعل، على سبيل المثال داخل مجلس حقوق الإنسان. أما الفيصل بالنسبة له ـ كما هو الحال بالنسبة لشتايلين – فهو تأمين مواقف سويسرا على صعيد السياسة الداخلية. فالتناقضات الكبيرة في السياسة الداخلية، من شأنها إضعاف قدرة سويسرا على التصرّف داخل مجلس الأمن.

وهذا ما تعتقده بدورها أيضاً أنجيلا مولر، نائبة رئيس جمعية “شفايتس-أونو” أو “سويسرا – الأمم المتحدة”، وهي إحدى منظمات المجتمع المدني التي تشارك الكنفدرالية في تمويلها، حيث تأخذ على عاتقها تعزيز العلاقات بين سويسرا والأمم المتحدة. فعلى وزارة الخارجية – وفقاً للسيدة مولر – ممارسة إعلام يتميّز بالشفافية على صعيد السياسة الداخلية، حتى يتمكن الرأي العام السويسري من تفسير تصرفات سويسرا داخل مجلس الأمن، وإلا فقد يتم تسليط الضوء على موقف بعينه من مواقف سويسرا أثناء الاقتراع، أو على تصويتها، وبالتالي يجري تضخيم ذلك أو استغلاله.

الأجندة وتحديد الموضوعات

إذن، ووفقاً لتصريحات السيدة مولر، فإن مقعد سويسرا في مجلس الأمن يُتيح لها فرصة المشاركة في توجيه بعض الموضوعات ووضع بصمتها. “يمكن لسويسرا الإدلاء برأيها في المباحثات والاقتراعات، كما يمكنها تولي رئاسة المجلس لمرة أو مرتين، مما يمكنها من تحديد النقاط المحورية” على جدول الأعمال.

يعني هذا، أن هناك فرصة لتحريك الكثير في مجلس الأمن، أكثر مما يتاح من خلال العضوية العادية للأمم المتحدة، مثلما يضيف الناقد يينو شتايلين في تصريحاته لجريدة “نويه تسورخر تسايتونغ”.

لكن بعضاً من المنتقدين الآخرين، مثل السفير السابق باول فيدمر يعترضونرابط خارجي بقولهم، أن الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي هي من تنفرد باستخدام حق النقض (الفيتو) في جميع الأحوال. فمن لا يملك مقعداً دائماً، يصبح تأثيره شبه منعدم. وفي هذه القراءة تبدو العضوية غير الدائمة لسويسرا في مجلس الأمن بلا تأثير يُذكر لا على صعيد السياسة الخارجية ولا الداخلية.

المزيد
وجهات نظر

المزيد

سويسرا في مجلس الأمن.. هل سيكون صغر حجمها الشديد حائلا دون نجاحها؟

تم نشر هذا المحتوى على مرافعة من طرف نائبة رئيس جمعية “سويسرا – الأمم المتحدة” دفاعا عن ترشّح سويسرا لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي.

طالع المزيدسويسرا في مجلس الأمن.. هل سيكون صغر حجمها الشديد حائلا دون نجاحها؟

من ناحيته، ينظر هاينيغر الموظف السابق بوزارة الخارجية إلى المسألة من زاوية مُغايرة ويقول: “إن الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن يُمكنهم بالفعل تحقيق شيء، خاصةً، حينما يتحدون فيما بينهم”. فعلى سبيل المثال، نجحت السويد ومن بعدها كل من أيرلندا والنرويج في إيصال مساعدات إنسانية إلى سوريا. علاوةً على ذلك، فإن الفضل يعود لهؤلاء الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمن في التوصل لمسودة تفاهم بين الصين والولايات المتحدة في إبريل 2020 بشأن جائحة كوفيد-19، وذلك على الرغم من التوترات السائدة بين البلديْن.

تعزيز مكانة جنيف الدولية

في هذه النقطة تختلف سويسرا عن أغلب الدول ذات العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن: فلديها ما يسمى بجنيف الدولية.

لقد كانت جنيف مقراً لعُصبة الأمم في بداية القرن الماضي، كما أنها تضم منذ عام 1966 المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة. وهذا الوضع جذب العديد من المنظمات الدولية والاجتماعات الدبلوماسية، مما جعل من جنيف مركزاً لتعددية الأطراف وللحوكمة العالمية.

ولهذا أصبحت سويسرا تنافس المدن الأخرى المضيفة مثل فيينا، وهلسنكي وأوسلو، بصورة آخذة في الازدياد.

بحسب ما تعتقده كالمي-ري، فإن مقعد سويسرا في مجلس الأمن من شأنه تعزيز وضع جنيف الدولية. فتعددية الأطراف تتآكل حالياً. لهذا يُمكن لسويسرا العمل على تقوية تعددية الأطراف داخل مجلس الأمن، وهو الأمر الهام بالنسبة لموقع جنيف.

بدورها، تؤيد أنجيلا مولر هذا الطرح أيضا، حيث يتراءى لها أن سويسرا سوف تبذل قصارى جهدها، كي تستفيد جنيف الدولية أيضاً من مقعد مجلس الأمن. “كعضو في مجلس الأمن يُمكن لسويسرا أن تعمل على دعم المحور بين موقع الأمم المتحدة بنيويورك، ذي التوجّه السياسي، وبين موقع جنيف الذي يتميّز بمزيد من التوجه العملي”. وسوف تستفيد جنيف من ذلك بكل تأكيد، حتى وإن كان هذا من شأنه تخفيف الضغط الذي تتعرض له جنيف، إلى حد بعينه فقط.

في هذا الصدد، يشكك السيد هاينيغر، الموظف السابق بوزارة الخارجية، في أن يظل هذا المكان الخلاب بموقعه الفريد على ضفاف بحيرة ليمان داخل سويسرا المحايدة، قادراً وحده على إبقاء مركز جنيف في المنافسة العالمية مع المدن المُضيفة الأخرى. “إن ما يحتاجه الأمر هو الخبرة في بعض المجالات. فإذا قامت سويسرا بممارسة سياسة سلمية فعلية، فإنه من الأرجح أن يقع عليها الاختيار كي تقود مباحثات سلام”، كما يقول.

دور الوساطة

من وجهة نظر ميشيلين كالمي-ري، فإن مقعد مجلس الأمن يُعد فرصة لسويسرا، للعب دورها كوسيط على الساحة الدولية. أي الوساطة بين الدول العظمى، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. فحياد سويسرا لن يُصبح مشكلة في هذا السياق. ولأن مجلس الأمن يعمل باسم المجتمع الدولي، لهذا السبب فإن الحياد لن يتناقض مع عضوية سويسرا في مجلس الأمن.

ومن الجدير بالذكر، أن الحكومة الفدرالية قامت باستيضاح هذه المسألة في تقريررابط خارجي لها، وقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن شغل مقعد في مجلس الأمن “لا يتعارض بأي حال”، مع الحياد السويسري.

برغم هذا، فإن للبعض رأي مختلف، حيث يرون أن الحياد ليس مجرد مبدأ حقوقي، بل إنه يمس كذلك صورة سويسرا. فقد أكد السفير السابق باول فيدمر، أن ترشح سويسرا يعتبر مقامرة بميزتها الأساسية ـ ألا وهي الحياد، مثلما أوضح في تصريحاته لصحيفة “فورين بوليسيرابط خارجي” الأمريكية، وفي مقاله الذي حل به ضيفاً على جريدة نويه تسورخر تسايتونغرابط خارجي. فوفقاً لما كتبه، فقد اكتسبت سويسرا من خلال سياستها الحيادية المستمرة مصداقية عالية في السياسة الخارجية. فالحياد هو السبب الذي يجعل الكثير من الدول تفوض سويسرا للقيام بمهام الدفاع، أو تطلب الحصول على مساعيها الحميدة في الوساطة. أما فوزها بمقعد في مجلس الأمن، فقد يجعل سويسرا تخسر أكثر مما تكسب.

على النقيض، فإن السيد هاينيغر، الموظف السابق بوزارة الخارجية، يرى أن القول بأن قدرة سويسرا على الوساطة قد يتراجع بسبب مقعدها في مجلس الأمن، يعتبر مجرد ادعاء. بل إنه يرى أن شغلها لهذا المقعد قد يمنحها إمكانات لتحقيق المزيد من النفوذ على سبيل المثال في عملية السلام، وسيكسبها سمعة خاصة.

محتويات خارجية

هل سيكون النفوذ على حساب الديمقراطية؟

ختاماً، فإن سويسرا تسعى من خلال شغلها لمقعد في مجلس الأمن إلى اكتساب ثقل في السياسة الخارجية. إلا أن هذا سيتم على حساب الديمقراطية: فإذا ما كانت هناك خيارات حرجة تنتظر البت فيها داخل مجلس الأمن ـ على سبيل المثال كفرض عقوبات أو الموافقة على تدخلات عسكرية ـ فحينها ستنفرد الحكومة الفدرالية باتخاذ القرار بشأن موقف سويسرا. أما البرلمان والناخبون فسيظلون بعيداً عن المشهد.

وبالنسبة للموظف السابق في وزارة الخارجية، فإن هذا ليس بالأمر الجديد: “فالسياسة الخارجية كانت منذ زمن بعيد حكراً على وزارة الخارجية فقط”، على حد قول هاينيغر. فإذا لم يكن الكثيرون يعرفون هذا، فهو ليس ذنب وزارة الخارجية. على أية حال: لقد أعلنترابط خارجي الحكومة الفدرالية عن نيتها في إطلاع البرلمان ووسائل الإعلام والرأي العام المحلي بانتظام عن أنشطة سويسرا داخل مجلس الأمن أثناء شغلها لمقعدها غير الدائم به. أما مسألة الشرعية الديمقراطية، فسوف نتناولها بمزيد من التعمق والنقاش في السلسلة التي سيُوالي موقع SWI swissinfo.ch نشرها في الأشهر القادمة، بشأن عضوية سويسرا في مجلس الأمن الدولي.

يُعتبر مجلس الأمن واحداً من أجهزة الأمم المتحدة. وهو يتكون من خمس أعضاء دائمين (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة) وعشرة أعضاء غير دائمين. ويتم انتخاب الأعضاء غير الدائمين من قبل الجمعية العامة للمنتظم الأممي وذلك لمدة عامين.

لأسباب تاريخية، تحتفظ الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن ـ وهي القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ـ بحق النقض (الفيتو). ويعني هذا أنه في مقدورها عرقلة أي قرار. أما الدول التي تشغل مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن، فإنها تقوم بدور هام كوسيط، لتصحيح أي موقف خاطئ.

وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، فإن مجلس الأمن يتحمل مسؤولية حفظ السلام العالمي. حيث يمكنه فرض عقوبات أو السماح بالتدخل العسكري، إذا ما تعرّض السلام الدولي للخطر. أما قراراته فهي مُلزمة لجميع الدول الأعضاء وفقاً للقانون الدولي، وهذا بخلاف قرارات الجمعية العامة.

يحمل ترشح سويسرا شعار “لأجل مزيد من السلام” لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن لعاميْ 2023 و 2024. وبعد مشاورات موسعة مع البرلمان، قامت الحكومة الفدرالية باتخاذ القرار، وقدمت ترشحها عام 2011.

سوف تجرى الانتخابات في شهر يونيو 2022 بنيويورك. وسوف تتكون لجنة الانتخابات من الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولها الـ مئة وثلاث وتسعين (193). وتبدو حظوظ سويسرا جيّدة، ذلك لأن هناك دولة وحيدة تُنافس سويسرا على أحد المقعدين المُخصّصيْن للدول الغربية وهي مالطا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية