ما الذي يُمكن توقعه من المُحادثات الأمريكية الروسية الأخيرة في جنيف؟
يَجتَمع كبار الدبلوماسيين الأمريكيين والروس في جنيف اليوم في محاولة أخرى لتخفيف حدة التوترات بشأن الحشود العسكرية على الحدود الروسية مع أوكرانيا.
انطلقت المحادثات بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي أنطوني بلينكن، في جنيف اليوم. ويأتي الاجتماع في أعقاب ثلاث جولات من المحادثات غير الحاسمة بين الدبلوماسيين الأمريكيين والروس، كانت قد عقدت الأسبوع الماضي في مقر البعثة الدبلوماسية الأمريكية في جنيف، ثم في مقر حلف الناتو في بروكسل، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في فيينا. وتهدف المناقشات إلى خَفض التوتر على الحدود الروسية – الأوكرانية، حيث يتمركز حوالي مئة ألف جندي روسي.
يقول مسؤولون أمريكيون إنهم يَخشون من أن هجوماً روسياً على أوكرانيا قد يكون وشيكاً. لكن روسيا تنفي وجود مثل هذه المخططات. وقد طالبت روسيا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بِتقديم ضمانات أمنية ذات طابع رسمي، تتعهد فيها بِعَدَم تَوَسع الحلف العسكري الغربي باتجاه الشرق وضم جمهوريات من الاتحاد السوفياتي السابق – من بينها أوكرانيا، وعدم إنشاء قواعد عسكرية على أراضي هذه الدول. من جانبها تعتبر واشنطن هذه المطالب غير مقبولة.
“أعتقد أن هذه المطالب [الروسية] ليست بداية جيّدة للتوصل إلى أي نوع من الاتفاق الرَسمي. فإذا كانت هذه هي المسألة حقاً، فهناك مشكلة كبيرة”، يقول جوسي هانهيماكي، أستاذ التاريخ الدولي والسياسة في معهد الدراسات العليا في جنيف.
في نفس السياق، يرى تشارلز آدامز، سفير الولايات المتحدة السابق لدى فنلندا، والذي يعيش الآن في جنيف: “إن الوضع غير مُستقر ومُقلَق للغاية”. لكنه يضيف: “مع ذلك، ما كان الطرفان لِيَجتمعان ويتحدثان ما لم يكونا يأملان في التَوَصُّل إلى نتيجة إيجابية”.
فما أدى إلى تفاقم حالة التوتر القائمة أصلاً، هو قيام روسيا في وقت سابق من هذا الأسبوع بنَشر قوات ضخمة في بيلاروس، الجارة الشمالية لأوكرانيا، لإجراء مناورات عسكرية مُشتركة. على الجانب الأمريكي، سافر بلينكين إلى كييف يوم الأربعاء للاجتماع بالرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، واظهار الدَعم الأمريكى لبلاده.
وكانت موسكو قد أعلَنَت قبل اجتماع اليوم في جنيف، إنها تتوقع ردوداً مكتوبة على مطالبها من واشنطن. لكن بلينكين قال إنه لن يُقدم مثل هذه الإجابات.
وكما قال وزير الخارجية الأمريكي للصحفيين يوم الأربعاء: “لقد حاولنا أن نوضح أن هناك طريقين لروسيا. هناك طريق الدبلوماسية والحِوار لمحاولة حلِّ أي خلافات بالطرق السِلمية … لكن هناك أيضاً طريق المواجهة والعواقب في حال إذا اختارت روسيا تَجديد العدوان”.
مأزق أم بعض التفاهم المُتبادل غير الرسمي؟
هذا التأزم الواضح في المواقف أدّي إلى تساؤلات حول ما إذا كانت محادثات اليوم قد تشكل محاولة الساعة الأخيرة التي تسبق الانفجار.
يقول جوسي هانهيماكي إن التصريحات العامة الجريئة الصادرة عن كلا الطرفين ينبغي أن لا تُفهم حرفياً. ويضيف: “أياً كانت المكاسب التي يحاول المفاوضون الروس الخروج بها، فانهم سيحصلون عليها عبر القنوات الدبلوماسية”. لكن الجمهور قد لا يطلع عليها على الفور.
آدامز يتفق مع هذا الرأي ويتساءل: ” هل من الجائز – وبدون علم العامة – أن تكون قد حدثت بعض البدايات غير المُبلَّغ عنها لنوعٍ من التفاهم غير المكتوب في اجتماعات الأسبوع الماضي حول ما يجب أن يحدث وما لا يجب”؟
السفير الأمريكي السابق يعتقد أن كلا الطرفين قد يقدمان تأكيدات ضمنية: ربما حول عدم احتمال توسع الناتو شرقاً، مقابل مقترح لانسحاب القوات الروسية المُتجمعة على الحدود الأوكرانية في نهاية المطاف. وهو يضيف أن الفشل في التوصّل إلى مثل هذا التفاهم المتبادل سيكون مثيراً للقلق.
من المرجح أن يؤدي هجوم روسي على أوكرانيا إلى فَرض عقوبات اقتصادية كبيرة من قبل دول الغرب. وكان بلينكن قد التقى يوم الخميس مع مسؤولين ألمان وبريطانيين وفرنسيين في برلين لتنسيق التدابير المُحتملة.
من جهته، حَذَّر المستشار الألماني أولاف شولتز روسيا يوم الثلاثاء من التكلفة الاقتصادية للتدخل العسكري في أوكرانيا، وقال إنه لا يمكن استبعاد احتمال فَرض عقوبات على الشركات المشاركة في إنجاز مشروع خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم 2” الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا.
وبحسب عدد من الدبلوماسيين والمراقبين، فإن التوترات عالية والوضع لا يخلو من المخاطر.
“هناك ضغوط في داخل روسيا كي لا تتراجع، وهذا هو الخطر الحقيقي هنا” يقول هانهيماكي، الذي يرى أن وقوع حادث صغير على الحدود الأوكرانية يمكن أن يؤدي إلى ردٍّ عسكري وتصعيد للصراع.
طريق للمضي قُدُما
السؤال إذن: ما هي النتيجة التي يمكن للجمهور أن يتوقعها من اجتماع اليوم؟ آدامز وهانهيماكي من جانبهما لا يتوقعان صدور إعلان يُعلن حصول انفراج في جنيف، لكنهما يأملان في التوصل إلى تفاهم غير رسمي، وإدراك الطرفين أن تصعيد هذه الأزمة لا يَصُب في مصلحة أحد.
“قد يكون ما قد نراه من حيث الاتفاقات الفعلية مُرتبطاً بنشر الأسلحة النووية. هناك عدد من المجالات التي يمكن أن تتواجد فيها أرضية مشتركة، [لكن] أوكرانيا ليست من ضمنها بالضرورة في الوقت الحالي”، كما يقول هانهيماكي، الذي يتوقع إجراء المزيد من المفاوضات خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
“المسار الدبلوماسي يهدف إلى تفادي حدوث الأشياء السيئة … إذا لم يحدث شيء، فهذا أمرٌ جيد. وسوف يكون هذا هو الطريق الدبلوماسي للمضي قُدُماً”، يقول آدامز.
من جهته أيضاً، سوف يكون إينياتسيو كاسيس، رئيس سويسرا ووزير خارجيتها موجوداً في جنيف اليوم لإجراء محادثات ثُنائية مع بلينكن ولافروف بعد انتهاء لقائهما. ومن المُقرر انعقاد مؤتمر حول الإصلاحات الخاصة بأوكرانيارابط خارجي في مدينة لوغانو جنوب سويسرا في يوليو 2022.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.