مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مجتمع “2000 واط”: المستقبل أضحى في متناول اليد

يُعتبر حيّ "أيرلنمات الغربي" بمدينة بازل الذي تم الإنتهاء من تشييده في شهر أكتوبر 2015، واحدا من منطقتين تشتغلان بـ "2000 واط" بعدُ في سويسرا، وهو يشتمل على 574 شقة وخدمات متعددة من بينها مطعم. losinger-marazzi.ch

هل من المُمكن خفض استهلاك الطاقة إلى النصف مع المحافظة على مستوى جيد من الرفاه؟ في سويسرا، بدأت تظهر أحياء سكنية وخدمية وفق معايير المشروع "مجتمع الألفي واط"، الذي يهدف إلى ضمان الإستخدام المستدام للموارد دون المساس بمستوى المعيشة.

على غرار الكثير من المجمعات السكنية التي هي قيد الإنشاء في أنحاء متفرقة من سويسرا، سيتم إنشاء مجمع سكني جديد في إحدى ضواحي العاصمة برن، يقع على مقربة من محطة القطار ومن الطريق السريع. ويتكون المشروع الذي يحمل اسم “Stöckacker Südرابط خارجي” من ثلاثة مبان خرسانية كبيرة، مكونة من 5 أو 6 طوابق، وتصطف الشرفات على طول إحدى واجهاتها الخارجية، وسيتم إنجاز المشروع خلال عام 2017 بحيث يستوعب 146 شقة، يتسنى بدء السّكن فيها قبل نهاية العام الحالي.

من النظرة الأولى، لا يمكن أن يدور في خلد أحد بأن هذا المجمع سيكون بمثابة العيّنة الأول للأحياء السكنية التي تستهلك كميات قليلة جدا من الطاقة ومنضوية تحت معايير برنامج “مجتمع الألفي واط” للشخص الواحد، والتي ستصبح النموذج المعمول به إبان العقود القادمة، علما بأن هذا النوع من المباني، المبنية من خرسانة قابلة لإعادة التدوير، تتمتع بعازلية مطلقة، متوافقة مع معايير “Minergie-P-Eco” التي تضمن أقصى قدر من الكفاءة، ليس فحسب وإنما أيضا مزايا أخرى، مثل الإضاءة الطبيعية المثلى والفضاءات الداخلية الخالية من الملوثات وذات مستوى من الإشعاع منخفض. 

في الدورة 21 للمؤتمر الدولي حول تغير المناخ التي عقدت في شهر ديسمبر 2015 في باريس، توصّلت الدول المشاركة وعددها 195 إلى اتفاق على الاستخدام المستدام للموارد ولمصادر الطاقة، لأن لا ترتفع درجة الحرارة الكونية حتى عام 2100 أكثر من (1,5 – 2) درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.

ولا يمكن لهذا الهدف أن يتحقق إلا إذا كان متوسط نصيب الفرد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون لا يزيد عن طن واحد سنويا، أو بحسب نتائج الدراسة، التي أجراها المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، إذا كانت الحاجة إلى الطاقة الأولية لكل شخص على المستوى العالمي لا تتجاوز ألفي واط طاقة مستمرة.

ويُشار إلى أن كمية 2000 واط من الطاقة المستمرة تعادل استهلاكا سنويا في حدود 17500 كيلوواط ساعة من الكهرباء أو 1700 لتر من مشتقات النفط، في حين يُقدّر المعدل العالمي الراهن بحوالي 2500 واط. 

غير أنه يستوجب على الساكنين الجدد أن يتنازلوا عن بعض الامتيازات المعيشية التي ينعم بها عدد كبير من السويسريين، فمثلا، ينبغي ألا تزيد المساحة السكنية عن 60 متر مربع للشخص الواحد، وسينحصر عدد مواقف السيارات بـ 27 موقفا، منها 15 فقط قابلة للحجز مع إعطاء الأولوية للأشخاص المعوقين، وهذا بمثابة تأكيد على أن المشروع “شتوكاكر سود Stöckacker Süd” هو فعلا نموذجا للتنقل المستدام، يضاف إلى ذلك كونه لا يبعد سوى أمتار قليلة عن وسائل النقل العام، وسيتم تزويده بـ 510 مواقف للدراجات، أي بواقع موقف واحد لكل غرفة.

وعلى ما يبدو أن المستأجرين في برن، المدينة التي فيها أكثر من نصف الأسر لا تمتلك سيارة، غير مكترثين بتلك القيود: “عندما عرضنا هذا المشروع، قال لنا الكثير بأننا لن نجد مستأجرين، إلا أننا في غضون شهرين، من بعد افتتاح أبواب التسجيل، تلقينا من الطلبات ما يربو عددها على الشقق المتوفرة”، وفق قول ريناتو بوميو، مدير المشاريع العقارية في مدينة برن، والمروج لهذا المشروع.

التوزيع العادل للموارد

ويشار إلى أن “شتوكاكر سود Stöckacker Süd” في برن، هو أحد تسعة مشاريع سكنية في سويسرا حصلت على شهادة التقييم “منطقة ألفي واطرابط خارجي“، المُعتمَدة من قبل المكتب الفيدرالي للطاقة، والتي تعتمد على نموذج “مجتمع الألفي واط” الذي قام بإعداده المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، والذي بناء عليه من غير الممكن الاستخدام المستدام والتوزيع العادل للموارد العالمية إلا إذا كان احتياج الفرد من الطاقة – بجميع مصادرها – لا يتجاوز هذه القيمة، ومن الناحية العملية، يتوافق معدل 2 كيلو واط من الطاقة المستمرة لكل شخص مع ما كان عليه المعدل السويسري في ستينات القرن الماضي، ووفقا للدراسات التي أجراها الباحثون في زيورخ، يمكن تحقيق هذا الهدف دون حاجة إلى تضحية كبيرة بمستوى الرفاه المعيشي الحالي، وذلك بفضل التقنيات الجديدة وجملة تدابير تساعد في تحسين كفاءة استخدام الطاقة.

وفي الوقت الراهن، لا تزال سويسرا بعيدة عن بلوغ هذا الهدف، ذلك أن 2٪ من السكان فقط يعيشون على أقل من ألفي واط، في حين يزيد متوسط احتياج الفرد عن 5 آلاف واط، وهو مع ذلك أقل بكثير مما عليه الحال في الولايات المتحدة، التي وصل فيها متوسط احتياج الفرد إلى أكثر من 10 آلاف واط، بينما في أفريقيا بحدود 500 واط للفرد، ولذلك فإن الدول الصناعية مُطالبة بالحدّ من استهلاك الطاقة، بينما لا يزال لدى الدول النامية هامش من الزيادة لغاية أن تصل إلى ألفي واط، على أن تخطي هذا الحدّ، بحسب المعهد التقني في زيورخ، لن يحسّن كثيرا في مستوى المعيشة.

محتويات خارجية

في السنوات الأخيرة، أصبحت استراتيجية “مجتمع 2000 واط”، التي شقت طريقها على المستوى الدولي، هدفا تتطلّع إليه الكونفدرالية بل وتقريبا جميع الكانتونات، وهناك أكثر من 100 بلدية أدرجت هذا الهدف في لوائحها الداخلية أو ضمن سياسات الطاقة لديها، وفي بعض المدن، كزيورخ وتسوغ وآرو، كان المواطنون هم مَن صادق، من خلال التصويت، على استحداث هذا النهج في استراتيجية الطاقة، ويمكن القول بأن “مناطق الألفي واط” قد أضحت بالفعل ضمن التدابير الرئيسية التي يجري الترويج لها في بعض البلديات لتعزيز الاستخدام المستدام للموارد ولناقلات الطاقة.

امتيازات للمستثمرين

جدير بالذكر أن غالبية العيّنة الأولى من مشاريع هذه المجمعات السكنية عمل على تنفيذها القطاع الخاص، مما يعني أن مثل هذه النقلة لا تستحوذ على اهتمام السلطات فحسب: “فشهادة منطقة الفي واط، تمنح المستثمرين العديد من المزايا، وهي بالمقارنة مع غيرها من المشاريع العقارية الكبيرة أسهل من حيث استصدار رخصة من الدوائر الحكومية لبناء مثل هذه المناطق، كما أنها في الغالب أقل عرضة لجدلية الرفض والإستئناف وإذا ما جرى طرحها للتصويت الشعبي فإنها تحظى بالقبول”، وفق ما أشار هايْنريش غوغيرلي، رئيس قسم مركز كفاءة مناطق الألفي واط، التابع للمكتب الفدرالي للطاقة.

تُمنح شهادة مناطق 2000 واط من قبل شركة “مدينة الطاقة”، التي أسسها المكتب الفدرالي للطاقة من أجل تعزيز الطاقات المتجددة والاستخدام المستدام للموارد في البلديات السويسرية.

وتُمنح هذه العلامة كامتياز للأحياء أو المجمعات السكنية التي لا تقل مساحة الأرض المقامة عليها عن هكتار (10 آلاف متر مربع) وتفي بمعايير ومتطلبات الاستدامة العمرانية من جهة البناء والصرف الصحي والإدارة، بالإضافة إلى ما تتسبب به من حركة تنقل.

لغاية الآن، حصلت على شهادة “مناطق 2000 واط” تسعة مجمعات إنشائية في سبع مدن، وهي: زيورخ وبازل وبرن ولوتسيرن ولينزبورغ وكرينس وبريلي / رينو، وقد تمّ انجاز مجمعين منها، بينما ستكون خلال هذا العام ثلاثة مجمعات أخرى قد أنجزت بشكل جزئي على أقل تقدير.

ويتفق معه ماسّمو غولييلميتّي، المسؤول لدى الشركة العقارية العامة للسكك الحديدية الفدرالية، عن تطوير منطقة “فيلاج روسليمات Village Rösslimattرابط خارجي” بالقرب من محطة القطار الرئيسية لمدينة لوتسيرن، ويضيف: “شهادة مناطق الألفي واط، تمثل قيمة مضافة في مجال التسويق ليس فقط لتعزيز مشروعنا في المدينة، ولكن أيضا لجذب المستأجرين، بسبب العديد من المعايير التي يجب الوفاء بها لتحقيق هذه العلامة ومن بينها مستوى عال من المعيشة”.

بيد أنه سيتم تجهيز المباني في مشروع “شتوكاكر سود” بالألواح الشمسية وبالمضخات الحرارية لتوفير التدفئة والماء الساخن، سيتم ربط “مجمع روسليمات” بمحطة قريبة لتوليد الكهرباء بواسطة المضخات الحرارية التي تغذيها الطاقة الحرارية لمياه بحيرة لوتسيرن، على أن المشروع الذي تقوم عليه الشركة العقارية للسكك الحديدية يرنو إلى بناء حي متكامل، على مدار 20 عاما، يتربع على مساحة 4 هكتارات في قلب المدينة، ويتضمّن بالإضافة إلى الشقق السكنية، أيضا المكاتب والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق، ويكون قريبا جدا من جميع وسائل النقل العام ومن مواقف خدمة تقاسم السيارات، باعتبار أن مناطق الألفي واط المستقبلية لن يكون فيها سوى عدد قليل من مواقف السيارات.

نمط حياة مناسب

وجدير بالذكر أن نجاح مناطق الألفي واط، يتوقف كذلك على الإرادة لدى المستأجرين في التكيّف إلى حد ما مع نمط الحياة الجديدة، إذ أنه “ليس من المقصود أن يتحوّل الناس إلى نباتيين وأن يتخلوا عن كل شيء وأن يتوافقوا بالتمام والكمال مع معايير مجتمع الألفي واط، وإنما المهم في الأمر هو توعية المستأجرين بأساليب تخفيض استهلاك الطاقة، كاستخدام  أجهزة ذات كفاءة طاقة عالية، على سبيل المثال”، على حدّ قول ريناتو بوميو.

“لا يمكن للسلوكيات الفردية أن تُرسّم في العقد، وإنما يمكن التأثير عليها، من خلال، على سبيل المثال، إعطاء خصم على سعر اشتراك النقل العام”، حسبما ذكر هايْنريش غوغيرلي، واستطرد قائلا: “بالتأكيد لن تكون برامج مجتمع 2000 واط قابلة للتنفيذ إذا كان الأشخاص سيعيشون على الحد الأدنى في كل شيء، وأيضا ليس من المعقول ترك التلفزيون شغّالا باستمرار، أو الإستحمام 4 أو 5 مرات في اليوم… ونحو ذلك. ولا شك أن كل شخص بمقدوره أن يضحّي بعادة سيئة”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية