مجلات المستهلكين في سويسرا تتصدّر جبهة الدفاع عن خدمات مؤسسات القطاع العام
نجحت المجلات الخاصة بالمستهلكين في سويسرا في إطلاق مبادرة شعبية للدفاع عن الخدمات العامة سيجري التصويت عليها يوم 5 يونيو 2016، وبالإستناد إلى شكاوى قرائها، نددت هذه الوسائل الإعلامية بزيادة الأسعار وتدني الخدمات، إلا أن نص المبادرة لقي معارضة من طرف الجميع تقريبا.
أطلقت المجلة السويسرية “بون أسَفواررابط خارجي” (أي: من المهمّ أن تعرف) الناطقة بالفرنسية والمعروفة بالدفاع عن مصالح المستهلكين، وذلك بالتعاون مع ثلاث مجلات أخرى مماثلة، ناطقة بالإيطالية والألمانية، المبادرة الشعبية “تحسين الخدمات العامةرابط خارجي“.
“تتمحور مبادرتنا حول ثلاثة مطالب تتوجّب على الحكومة الفدرالية أولا، أن لا تنشد التربح من وراء الخدمات الأساسية، وثانيا، أن لا تموّل ميزانيتها العامة من عوائد المؤسسات العمومية، وثالثا، أن لا يتقاضى المسؤولون فيها أكثر من الوزراء المختصين”، وفق تلخيص زينب ارسان بيردو، رئيسة تحرير صحيفة “بون أسَفوار” والعضوة في لجنة المبادرةرابط خارجي.
وقد رُفضت المبادرة بأغلبية ساحقة في غرفتي البرلمان، فبالإضافة إلى اليمين والجمعيات الإقتصادية، عارضها أيضا اليسار والنقابات الذين يقفون في العادة في صف المستهلِك والخدمات العامة.
شكاوى متكررة
هذه المبادرة وليدة استياء المستهلكين الذين عبّروا عنه مرات عديدة، وأوضحت زينب ارسان بيردو قائلة: “من خلال انتقادات القراء، لاحظنا منذ سنوات تدنّي في مستوى الخدمات العامة، وقد شهدت المناطق اللغوية الثلاث في البلاد زيادة كبيرة في عدد الانتقادات بخصوص زيادة الأسعار ونقص الخدمات”،
وأضافت: “نتيجة لهذه الإنتقادات، استعرض مسؤولو مجلاتنا الأهداف الرئيسية التي وضعتها الحكومة لشركات الخدمات العامة، فإذا بنا أمام تحوّل واضح، حيث كان الهدف الأول سابقا هو إرضاء المستهلك، أما الآن فقد بات التركيز على العوائد والأرباح ويكاد رضى المواطن يختفي من بين الأهداف”.
المبادرة في سطور
تم إطلاق مبادرة “تحسين الخدمات العامة” من قبل مجلات تعنى بالمستهلك وهي: “بون أَسَفوار” و “كاتب” و “سالدو” و “سبينديري ميليو”، والتي يبلغ عدد قرائها في المجموع نحو 2,5 مليون شخص في سويسرا.
تمّ ايداع نص المبادرة لدى المستشارية الفدرالية في عام 2013 ممهورة بعدد 104197 من التوقيعات الصحيحة.
تمّ رفض المبادرة من قبل غرفتي البرلمان الفدرالي، كما أوصت الحكومة الفدرالية الناخبين برفضها.
ووفق ما ذكرت زينب أرسان بيردو، ترك هذا الوضع أثرا واضحا في مجال الخدمات، ومن الأمثلة على ذلك: “على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية تم اغلاق 1800 مكتب بريد، أي أكثر من النصف، وخلال 20 عاما، ارتفع سعر إرسال طرد وزنه 1,5 كغم إلى نسبة 150٪ بينما لم تزد نسبة التضخم عن 13٪، وبالنسبة للسكك الحديدية الفدرالية، ارتفع سعر تذكرة الدرجة الثانية، من جنيف إلى لوزان ذهابا وإيابا، بنسبة 75٪ منذ عام 1990، في حين تراجعت الخدمات، كنقص شبابيك الخدمة، والسفر وقوفا في القطارات الإقليمية والسريعة وتقليص عدد المفتشين، وغيره”.
غير أن هذه المبررات لم تقنع روجيه نوردمان، رئيس المجموعة البرلمانية الاشتراكية ومقرر اللجنة خلال المناقشات، ومن وجهة نظره، فإن “اعداد قائمة بمجموعة أشخاص متذمرين لا يمكن اعتباره مؤشرا على جودة أو سوء الخدمات العامة، إذ أن بعضها يعمل بشكل جيد وبعضها أقل، ولكن لا يمكن الحكم عليها من خلال ما يرد إلى مجلة من تعليقات أو شكاوى، لأن الراضين على الخدمات لا يكتبون”.
اختلاف في التفسير
جوهر الخلاف بين المؤيدين والمعارضين لهذه المبادرة هو تفسير الفقرة الأولى من المبادرة، والتي تشترط على الحكومة الفدرالية: “في مجال الخدمات الأساسية، أن لا تسعى إلى تحقيق ربح، ولا إلى تقديم دعم متبادل لأي مجال من المجالات الإدارية الأخرى، ولا إلى أي مصلحة مالية”.
وبحسب المعارضين، فإنه من غير الممكن منع شركات الخدمات العامة من تحقيق أرباح: “إذا لم توجد أرباح، فلن تكون هنالك إمكانية لمعاودة الإستثمار من أجل تحسين العرض، ثم إنه من الطبيعي أن تكون لأي رأسمال ثابت عوائد، وفيما لو استمرت شركات الخدمات العامة في الخسارة، فربما اضطرت الحكومة الفدرالية إلى بيع أسهمها للحد من الدين”، وفقا لقول روجيه نوردمان.
بدورها، أكدت زينب أرسان بيردو أن “مبادرتنا لا تعارض أن تكون هنالك أرباح، وإنما نطالب فقط بأن لا تكون لها الأولوية على حساب رضا المستهلك، ثم لتحقق بعد ذلك أرباحا، فهذا أمر جيد”.
بيد أن روجيه نوردمان يعارض أيضا منع الدعم المتبادل لأنه كما يقول: “أمر أساسي للخدمات العامة، فمن الواضح على سبيل المثال في مجال السكك الحديدية، حيث تُستخدَم الأرباح الناشئة من محور جنيف زيورخ لتغطية العجز في الخط الحديدي في منطقة لأ بروا La Bryoe من كانتون فريبورغ”.
مرة أخرى، تخالف زينب أرسان بيردو النائب الاشتراكي قائلة: “لا يوجد في نص المبادرة ما يحظر الدعم المتبادل داخل نفس الشركة، وكل ما نريده هو أن لا تذهب الأرباح إلى صندوق عام يسمح للحكومة الفدرالية بالتصرف بهذه الأموال كما يحلو لها، أو أن تصرفها إلى مجالات أخرى، فمن وجهة نظرنا نعتبر ذلك بمثابة ضريبة مُقنّعة وغير سليمة”.
أعلى من مرتّب وزير؟
ورغم المعارضة الواسعة للمبادرة، إلا أنها تضمّنت نقطة واحدة قد تلقى تأييدا، على الأقل بين اليسار، حيث تشترط الفقرة الثانية على الحكومة الفدرالية ضمان: “ألا تتجاوز رواتب وأجور العاملين في شركات الخدمات العامة ما يتقاضاه موظفو الحكومة الفدرالية”.
هذا الإجراء يخدم بوضوح كبار المسؤولين في مؤسسات الدولة: “إنه من غير المعقول أن يكسب مدراء تلك الشركات ثلاث أو أربع مرات أكثر من الوزراء أصحاب الشأن، ونحن هنا في موضوع خدمات عامة، وبالتالي من الضروري تحديد الأولويات، ومسألة الأجور المنطقية هي من ضمن تلك الأولويات”، برأي زينب أرسان بيردو.
“تلك هي النقطة الإيجابية الوحيدة في هذه المبادرة”، يقول روجر نوردمان، ويضيف: “أنا أيضا لا أوافق على أن يتقاضى هؤلاء المدراء تلك الرواتب – بالرغم من أنها أقل ممّا لنظرائهم في البنوك وشركات التأمين -وإنّي مقتنع بأنه يجب ألا يتقاضوا أكثر من الوزراء، ولكنها مشكلة هامشية”.
الكلمة الفصل للشعب
من وجهة نظر المعارضين، تسير المبادرة في اتجاه خاطئ وقد: “قامت على مرتكزات خاطئة، واستندت إلى ذرائع ليست هي المشكلات الحقيقية للخدمات العامة، ولن تحل ما زعمت أنه مشكلة. نهج غريب وغير مفهوم”، وفق وصف روجيه نوردمان.
بينما أشارت زينب أرسان بيردو، من جانبها، إلى أن الباعث على المبادرة هو زيادة الشكاوى من جانب المستهلكين، ولفتت قائلة: “تفاعلنا مع الأمر، خوفا منا على مستقبل الخدمات العامة، وشعرنا بأهمية أن يتضمن الدستور تعريفا شاملا للخدمات العامة تجنبا للتجاوزات”.
وفي ظل هذين الموقفين المتضاربين، سيكون القرار بيد المواطنين (المستهلكين)، وسيكون الحكم الفصل لصناديق الإقتراع في يوم 5 يونيو 2016.
الخدمات العامة
وفقا للمنصوص عليه في المبادرة، الخدمات العامة هي: “هي الاعمال التي تؤديها الشركات الشركات لحساب الدولة في مجال الخدمات، أو التي تسيطر عليها الدولة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بحكم ثقل حصة المشاركة”.
والحقيقة أن الأمر يتعلّق في المقام الأول بثلاث شركات كبرى وهي:
البريد السويسريرابط خارجي: الذي هو مؤسسة عامة مستقلة مملوكة بالكامل للدولة، ووفقا للأرقام الرسمية الحكوميةرابط خارجي، بلغ في عام 2015 عدد العاملين فيها حوالي 62 ألف شخص، وحجم المبيعات 8,22 مليار فرنك، والأرباح 645 مليون فرنك.
السكك الحديدية الفدراليةرابط خارجي: وهي أكبر مؤسسة نقل عام في البلاد، وتتبع للدولة بالكامل، ووفقا لبيانات عام 2015، تُشغّل 33 ألف موظف، ويبلغ حجم مبيعاتها 8,7 مليار فرنك، وأرباحها 245 مليون فرنك.
سويسكوم:رابط خارجي وهي المؤسسة الرئيسية للاتصالات في البلاد، وتعتبر من القطاع الخاص، لكن تملك الدولة فيها الحصة الأغلب (51,22 ٪)، وفي عام 2015، شغّلت حوالي 22 ألف موظف، وبلغ حجم مبيعاتها 11,7 مليار فرنك، وسجلت أرباحا بـ 1,4 مليار فرنك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.