“إيروندال”.. خطاف سويسري يُبشّر بربيع إعلامي في أفريقيا
تتميز مؤسسة إيروندال (الخطاف أو السنونو) السويسرية غير الربحية بالدور المحوري الذي لعبته ومازالت في دعم نشوء محطات إذاعية محلية في عدة بلدان أفريقية، وفي بلدان تشهد نزاعات، كاليمن وسوريا، وهي تتجه حاليا إلى إطلاق إذاعة في كل من نيانمار وبنغلادش، ويُعتقد أنها ستركز على أخبار أقلية الروهينغا المُبعدين من بلدهم الأصلي.
تم نشر هذا المحتوى على
14دقائق
رشيد خشانة، تونس
وعلى مدى السنوات الماضية، حققت تجربة المحطات المحلية المدعومة من إيروندالرابط خارجي نجاحا كبيرا جعلها تتبوأ المراتب الأولى في نسبة الإستماع، مُتقدمة بشكل واضح على الإذاعات العمومية، وخاصة في مالي والنيجر وأفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية.
وقبل أسابيع، أتاحت فعاليات “منتدى الصحافة الدوليةرابط خارجي” الذي عقد دورته الأخيرة أيام 15 و16 و17 نوفمبر 2018 في العاصمة التونسية الإطلاع على بعض تلك التجارب وإجراء حوارات مع المسؤولين عن ثلاث محطات إذاعية، بالاضافة لمدير التحرير في مؤسسة إيروندال ميشال بوريه Michel Beuret. وشرحت سوزان نزوبو Suzanne Nzobo رئيسة تحرير محطة “راديو أوكابيرابط خارجي” Radio Okapi في الكونغو الديمقراطية لـ swissinfo.ch كيف أن فريقها الصحفي يتوجه بالدرجة الأولى الى من يحتاجون إلى المعلومة من الأهالي وليس إلى السياسيين.
لا مكان للشراكات
تابعت مؤسسة إيروندال مشاريع محطات في ثمانية عشر بلدا عبر العالم، وبعض المشاريع اضمحلت بينما انبعثت مشاريع أخرى، والحصيلة اليوم بحسب مدير التحرير في مؤسسة إيروندال ميشال بوريه هي ثمانية مشاريع في سبعة بلدان من بينها ميانمار وبنغلادش. ولم تستطع إيروندال اتباع الأسلوب الذي توخته في البلدان الافريقية، إذ أن السكان الروهينغا اقتُلعوا من مجتمعاتهم وفروا من بلدهم فلا يمكن الإعتماد على إذاعات محلية لبناء شراكات. وتباشر إيروندال حاليا بث برامج ترفيهية وموسيقية للتخفيف من آلام المُهجَرين الروهينغا، معتبرة أنهم ليسوا بحاجة لمن يصف لهم المأساة التي هم غارقون في جحيمها يوميا بلا ماء ولا مرافق ولا كهرباء.
شرح وتفسير
ويتألف فريق المحطة من ستة أشخاص بينهم أربعة صحافيين موزعين بحسب المناطق اللغوية، لكنهم لا يغطون الأحداث السخنة على غرار الصحافة التقليدية، وإنما يشتغلون على الخلفيات من أجل الشرح والتفسير.
وتعتمد المحطة على أربعين مراسلا، وهي تنتج برامج ثم ترسلها عبر خدمة واتساب أو ويترانسفير إلى المراسلين لكي يبثوها عبر المحطات الجهوية والمحلية النائية. ومن القضايا التي اهتمت بها المحطة الاعتداءات الجنسية وانتهاكات الحقوق الانسانية بجميع أصنافها. وتم تقديم مساعدة إلى المُعتدى عليهن من منظمات إنسانية وحقوقية محلية.
وأوضحت سوزانا أن الاذاعات المحلية لا تقتصر على مراكز المدن وإنما توجد أيضا في مناطق نائية من الكونغو، ومن هنا فإن التعاون مع إيروندال كان بمثابة تأهيل وتدريب للصحفيين العاملين في تلك المحطات، الذين لم تُتح لهم فرصة دراسة الاعلام في المدارس والجامعات.
وشددت سوزانا على أن المبادئ والقيم المهنية تظل هي نفسها إن كانت المحطة في مدينة أو في قرية نائية، وهي الحياد والعدل في توزيع الوقت والموضوعية والتوازن. وأضافت أن الاذاعة “تنتج أيضا حوارات مع الشباب والنساء حول قضايا الحريات وحقوق الانسان والانتخابات وغيرها في شكل فيديوات قصيرة ونضعها على صفحتنا في شبكة فيسبوك أو على منصتنا «daily motion» وكذلك على اليوتوب”.
وقالت بلهجة حماسية “في هذا البلد من يكسب الشباب والنساء إلى جانبه فقد ملك البلد كله”. ونحن نركز على تغطية نشاطات الشباب والنساء، مع التشجيع على إرسال البنات إلى المدارس ومحاربة تزويج القاصرات، ونشرح للجمهور الواسع أن تلك العادات ليست من الاسلام في شيء خلافا لما يحاول أن يُروج له البعض.
أما محطة “إذاعة النيجر”رابط خارجي أو Studio Kalangou فتعتبر من أحدث المحطات التي ساعدت “إيروندال” على بعثها، إذ انطلق بثها في يناير 2016، وهي تحظى حاليا بأوسع شبكة تغطية للتراب النيجري، فهي تتجاوز إمكانات التغطية التي تملكها الاذاعة الرسمية، لأنها تبث عبر الأقمار الإصطناعية. وقال رئيس التحرير في المحطة أبو بكر ديالو لـ swissinfo.ch: “إن الاذاعة عقدت شراكات مع نحو ثلاثين محطة محلية وتجارية، وهي تبث بلغات النيجر الخمس وتعتمد على ثلاثين مراسلا، كما تستخدم واتساب للوصول إلى جمهور أوسع”.
وأضاف ديالو أن مصداقية المحطة تعززت لأنها تلتزم الحياد، ولا تبث تعاليق ولا تنشر افتتاحيات، وإنما تكتفي بنقل الأخبار إلى المستمعين وتترك لهم حرية الإستنتاج والتعليق.
تحت الدرس
تعكف مؤسسة إيروندال على البحث في إطلاق مشروع أو مشاريع في ليبيا، لكن الدراسة طالت بسبب الوضع غير المستقر في هذا البلد، وبالتالي صعوبة تحديد نوع الشراكة الممكن إقامتها هناك. ولكي ينجح أي مشروع من هذا النوع لابد من تعاون المواطنين وتحصيل ثقتهم مثلما حدث في البلدان الافريقية الأخرى، لكن ليبيا الحالية مقسمة عمليا إلى ثلاث مناطق كبرى على الأقل، وهو ما فرض التريث على ما يبدو لتحديد من أين يكون البدء؟ وهل الناس مُرحبون في بنغازي مثلا؟ وهل التبو معنيون بمحطات إذاعية اليوم أم لا؟
مع ذلك ساعدت إيروندال في إقامة “إذاعة روزنةرابط خارجي” في سوريا. غير أن بوريه أوضح أنه من الصعب تركيز قاعة تحرير ثابتة في بلد تهزه الصراعات والحروب مثل سوريا، “لذا اضطررنا لإجلائها إلى باريس، مع استمرار الاعتماد على نحو ثلاثين مراسلا داخل الأراضي السورية” كما قال.
كان عدد العاملين لدى إطلاق بث المحطة في 2013 أكثر من ستين فرد موزعين بين المناطق التي تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة والمناطق التي تخضع للحكومة. واليوم بعد خمس سنوات خسرت المحطة نصف الصحفيين فبعضهم قُتل وبعضهم الآخر مفقود والبعض الثالث فضل الانسحاب خوفا من عقاب النظام. وتقول رئيسة التحرير لينا الشواف “إن الناس يتفادون الاستماع إلى برامجنا مخافة التعرض للقمع”.
نصف السكان
وعرفت محطة “نديكي لوكا” Ndeke Luka رابط خارجيفي أفريقيا الوسطى، المدعومة من إيروندال، نجاحا مماثلا منذ تأسيسها في سنة 2000، حتى غدت اليوم المحطة الأولى في البلد، إذ يستمع نصف السكان تقريبا إلى برامجها. وعزا بريس نداغوي Brice Ndagoui رئيس التحرير المساعد في الإذاعة في تصريحه لـswissinfo.ch نجاحها اللافت إلى أنها تلعب دور الوسيط بين المواطنين والسلطات. وأوضح أن المحطة أصبحت تتبوأ حاليا الرتبة الأولى، وهي إذاعة ناطقة باللغتين الفرنسية والسانغو، ويستمع لبرامجها نصف سكان البلد. وأضاف أن بعض المستمعين يتصلون بالمحطة للسؤال عن أشخاص فقدوا الاتصال بهم، وبما أن صيتها واسع، يكتشفون بعضهم البعض بعد سنوات من التباعد.
يتألف طاقم محطة “نديكي لوكا” من عشرين صحافيا و24 مراسلا جهويا وثمانية مُنشطين يعملون بصفة دائمة، وتبث على مدار أربع وعشرين ساعة، وتكون البرامج مباشرة من الخامسة والنصف صباحا إلى التاسعة مساء، وبعد ذلك تُبث إعادات حتى الفجر. وأوضح رئيس التحرير أن مؤسسة إيروندال هي التي تتكفل بالبحث عن تمويلات للمحطة، وهي تحصل عليها في غالب الأحيان من الاتحاد الأوروبي أو الصندوق السويسري للتنمية وبعض المُمولين الآخرين.
فراغ ورعب
مع ذلك تعرضت الاذاعة إلى الاعتداء على أيدي المتمردين خلال المحاولة الانقلابية التي جرت في 2013، ولوحظ أن صمتها أشاع في البلد شعورا بالفراغ والرعب. وبعد عودتها إلى البث شعر المتمردون أن عليهم التعاطي معها ومدها بأخبارهم ووجهة نظرهم لكي يطلع عليها الرأي العام. ووصف الاذاعة بكونها “تحولت إلى مؤسسة حقيقية في البلد”.
وبحسب جهاز قياس الاستماع فإن إذاعة “نديني لوكا” هي الأكثر شعبية في أفريقيا الوسطى إذ يُقدر عدد المستمعين إليها بـ2.5 مليوني مستمع، مما يعني أن 64% من الشعب يتابع برامجها. إلا أن بريس نداغوي مازال متشائما، وعزا تشاؤمه إلى أن 60% من أراضي البلد توجد في قبضة جماعات مسلحة على ما قال. وأكد أن الاذاعة تدعو ممثلين من الجماعات الاثنية الصغيرة التي شردتها الصراعات إلى التعبير عن مواقفها، ووضعت لهم برامج تحض على الحوار وإعادة النظر في علاقاتهم مع المجموعات الأخرى باعتبارهم جميعا أبناء أفريقيا الوسطى.
الخبر المستقل
وختمت swissinfo.ch الحوارات مع رؤساء التحرير الثلاثة بحوار مع مدير التحرير في مؤسسة إيروندال ميشال بوريه Michel Beuret قال فيه إن المؤسسة تعمل منذ 1995 في ثمانية بلدان من أجل تأمين الخبر المستقل غير الحزبي الذي يحظى بالصدقية، وتقديمه إلى المجتمع المحلي الذي يواجه عادة أزمات، من أجل تمكين المواطنين من اتخاذ القرارات الملائمة في حياتهم اليومية، ولعب دورهم باعتبارهم مواطنين، والمشاركة في حل الأزمات والمساهمة في إرساء مجتمع أكثر هدوءا.
وأضاف بوريه أن إيروندال تمارس صحافة مفيدة ودقيقة ومسؤولة، وهي تعمل في ظروف تغلب عليها النزاعات الأهلية أو الأزمات الانسانية. وتحرص المؤسسة على إشراك السكان المحليين ومختلف الشرائح الاجتماعية والتيارات السياسية في النقاش العام وتُتيح تلك البرامج مساحات تمكن كل فرد من التعبير عن رأيه، وتوفر فرصة للبحث معا عن حلول للمشاكل يتفق عليها الجميع.
وأوضح أن الدافع إلى بعث هذه المؤسسة “كانت المجزرة التي حصلت في رواندا عام 1995، وكان هناك صحافي لاحظ أن خلف الحرب الأهلية محطةٌ إذاعيةٌ أوغرت صدر جزء من الشعب على الجزء الآخر. وبعد سنوات من تغذية الحقد والضغينة تفجر الصراع. هذا الصحافي أعرفه جيدا، وهو الآن مُتوفى، وقد تساءل طالما أن إذاعة استطاعت أن تصنع كل هذا الدمار فلم لا تستطيع إذاعة أخرى ملتزمة بالمبادئ المهنية أن تصنع العكس وتُبشر بالتآخي والسلم وتمنع اشتعال حروب وصراعات أهلية مدمرة؟”.
من هنا بدأ تجميع وبث أخبار موثوق منها ومتوازنة وانطلق البث في شرق الكونغو في 1995، وأفضى ذلك إلى ما نسميه اليوم مؤسسة إيروندال التي قامت بتغطية جلسات المحكمة الجنائية الدولية عن طريق 20 ألف برقية، ثم جرى تأسيس محطة “راديو أوكابي” Radio Okapi في الكونغو أيضا، وأتت قوتها من كونها تتكلم باللغات المحلية. وأوضح أن التسويق أمر ضروري ولذلك فإن هذه الاذاعة ومثيلاتها أقامت شراكات مع الاذاعات الرسمية بلغ عددها في مالي على سبيل المثال سبعين شراكة مع إذاعات محلية، ويرتفع العدد في فترات الانتخابات إلى مئتين وثمانين شراكة، وهذا يعني أنه لم يبق متر واحد من تراب مالي لا يصله الارسال.
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
“إيرونديل” السويسرية تدعم إصلاح العمل الإذاعي في تونس الجديدة
تم نشر هذا المحتوى على
ومن أبرز ما يتضمنه دعم مؤسسة إيرونديل لمُذيعي تونس ما بعد “ثورة الياسمين” التي لم تعرف تنظيم انتخابات حقيقية منذ استقلالها عام 1956، وضع مدونة سلوك، وميثاق انتخابي، وإعداد جدول برامج خاصة بالانتخابات تمنـح الكلمة بوقت متساو لكافة الأحزاب، وتتيح لأبناء الشعب التونسي فرص التعبير عن رأيهم وطرح أسئلتهم على المُرشحين، حتى في أكثر المناطق…
تم نشر هذا المحتوى على
تساهم سويسرا في تحديث المؤسسات الإذاعية في بلد الديمقراطية العربية الناشئة، بالإشتراك مع مؤسسة إيرونديل غير الحكومية. في هذا الإطار، تلقى عشرون مراسلا محليا يعملون في المناطق المهمّشة من البلاد تدريبا خاصا في الأعوام الأخيرة.
“الصراعات المقبلة تتطلب منح الأولوية لإعلام موضوعي ومستقل”
تم نشر هذا المحتوى على
تُظهر تجربة مؤسسة "هيرونديل" السويسرية في مناطق الصراعات بعدد من الدول الإفريقية مدى أهمية تواجد إعلام مستقل "على الأقل للتخفيف من حدّة الانتهاكات" في صراعات يتم فيها توظيف العامل العرقي والديني بشكل مفرط.
تُظهر تجربة مؤسسة "هيرونديل" السويسرية في مناطق الصراعات بعدد من الدول الإفريقية مدى أهمية تواجد إعلام مستقل "على الأقل للتخفيف من حدّة الانتهاكات" في صراعات يتم فيها توظيف العامل العرقي والديني بشكل مفرط. وقد تم تكريم هذه التجربة بحصول المؤسسة على جائزة شارة حماية الصحفي لعام 2014.
بهذه المناسبة، أجرت swissinfo.ch حديثا مطولا مع أحد مؤسسي إذاعة هيرونديل ومديرها الحالي جون ماري إيتر الذي يأسف لـ "عدم وعي المجموعة الدولية جديا بأهمية الإعلام المحايد والموضوعي في مناطق الصراعات".
تعود فكرة تأسيس مؤسسة هيرونديل إلى تجربة الصحفي التلفزيوني السويسري فيليب داهيندن أثناء قيامه بربورتاج في رواندا أثناء الحرب الأهلية. وعند عودته الى سويسرا، شعر بنوع من الغضب لكون الواقع المعاش ومعاناة الناس هناك بعيدين كل البعد عما يُتداول إعلاميا في الغرب.
وعند مفاتحة صديقيه المقربين، فرانسوا غروس وجون ماري إيتر بالموضوع، قرر الثلاثة التجند من أجل عمل قد يساعد السكان هناك. وأحسن ما كانوا يتقنونه جميعا هو مهنة الصحافة، لذلك اختاروا وضع تجربتهم في خدمة السكان في مناطق الصراعات للتخفيف من معناتهم. وعن ذلك يقول جون ماري إيتر: "كانت انطلاقتنا من هنا، دون معرفة السبيل الذي سنسلكه. وكانت البداية بتأسيس أول محطة إذاعية في رواندا، كان عليها إقبال كبير وسمحت لنا باكتساب التجربة واستخلاص الدروس، ومنها أولا وقبل كل شيء، معرفة أن ما يحتاجه الناس في مناطق الصراعات المسلحة بالدرجة الأولى، هو الحصول على معلومات موضوعية و ذات مصداقية". وقد ساعدهم في ذلك انحدارهم من سويسرا هذا البلد "الذي ليست له أجندات خفية أو ماض استعماري، والذي تسمح قوانينه بقيام مؤسسات مثل مؤسسة هيرونديل، دون ممارسة أية ضغوط عليها"، على حد قول إيتر.
القناعة التي اهتدى لها مؤسسو مؤسسة هيرونديل، اعتمدت أيضا على تجربة إيتر أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، لما كان الناس "يحاولون بكل الوسائل ويتوقون إلى الحصول على معلومات نزيهة وذات مصداقية يمكن الإعتماد عليها ولو فقط في تنقلاتهم، ولمعرفة المحيط الذي يتواجدون فيه. وثانيا لتفادي تأثير الدعاية الهدامة من هذا الطرف أو ذاك"، مثلما يقول إيتر.
بعد رواندا، توسعت تجربة مؤسسة هيرونديل في إقامة محطات إذاعية إلى الكونغو الديمقراطية ثم جنوب السودان. وللمؤسسة مراكز إنتاج إذاعية في مالي ومراكز تكوين وإنتاج في غينيا وكوت ديفوار. وتقوم المؤسسة بأول تجربة في تونس من خلال تعاون مع الإذاعة الوطنية تسمح للعاملين في هذه الإذاعة بـ "التحول من إذاعة الدولة التي كانت قائمة في عهد نظام بن علي، إلى إذاعة وطنية تابعة للقطاع العام وتقدم خدمة للجمهور"، على حد تعبير إيتر.
جائزة شارة حماية الصحفي لعام 2014
حصلت مؤسسة "هيرونديل" (وتكتب أيضا إيرونديل Hirondelle) على جائزة الحملة الدولية لشارة حماية الصحفي لعام 2014 على العمل الذي قدمته للإعلام والإعلاميين في مناطق الصراعات المسلحة في كل من رواندا والكونغو الديمقراطية وجمهورية وسط إفريقيا والسودان وجنوب السودان وتونس.
وفي تعقيبه على ذلك، صرح مدير مؤسسة هيرونديل جون ماري إيتر: "من المفرح جدا الحصول على جائزة، لأن ذلك يعني بأن هناك اعترافا بما نقوم به من عمل. والحصول على هذا الاعتراف من زملاء صحفيين معتادين على الإنتقاد بالدرجة الأولى، فهذا له وقع أكبر، خصوصا وأن العمل الذي نقوم به غير ظاهر للعيان في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي، فإن الحصول على جائزة من هذا النوع يسمح بالتعريف بنا أكثر".
الحفاظ على المصداقية وسط صراع مسلح!
أكيد أن سكان المناطق التي تعرف حروبا أهلية أو صراعات مسلحة، كثيرا ما يلجأون لمتابعة الأوضاع عبر الإذاعات الدولية. ولكن متابعة الأوضاع عبر هذه الإذاعات تتم من منطلق أن لكل إذاعة أجندتها الخاصة. يُضاف إلى ذلك أن كل طرف من أطراف النزاع يرغب في التحكم في وسائل البث الإذاعي ، لأن الحرب الإعلامية من الاستراتيجيات المتبعة من قبل الجميع، كل حسب وسائله المتاحة.
ولهذا يرى مدير مؤسسة هيرونديل أن "الصعوبة في إقامة إذاعة مستقلة وموضوعية في منطقة صراع مسلح تواجه العديد من التحديات وفي مقدمتها، قبول كافة الأطراف بهذا التواجد. فلا أحد يعرف جيدا طريقة عملكم، وبالتالي فإن الجميع ينظر إلى المشروع بنوع من التحفظ سواء الحكام أو المحكومين. يُضاف إلى ذلك أن قوانين الإعلام السائدة في مناطق مثل إفريقيا أو الشرق الأوسط هي قوانين تحديدية أو وقائية. والتحدي الثاني هو الحصول على التمويل الضروري للقيام بهذه النشاطات".
من النقاط التي يصر عليها مدير مؤسسة هيرونديل من أجل القيام بعمل مماثل في مناطق الصراعات، "ضرورة التعامل مع كافة أطراف الصراع دون إقصاء، وبحياد وموضوعية لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإعطاء المحطة المصداقية الضرورية. ويدفع حتى الحكام، الذين يُنعتون بجميع الأوصاف، من ديكتاتوريين ومستبدين، و غير الراضين كل الرضا عن طريقة عملنا، للشعور بضرورة الإستفادة من خدماتنا ومن الشعبية التي أصبحنا نكتسبها بين السكان".
الأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن السيد جون ماري إيتر اكتفى بذكر ما حدث من خلال برنامج إذاعي في إذاعة "أوكابي" بالكونغو، تم فيه توجيه الدعوة إلى مرشحين لشغل منصب كثر حوله الجدل، أي منصب رئيس هيئة الأركان وقائد الجيش. وتردد فيه أن تأخير التعيين راجع الى وجود خلافات بين المرشحين، الأمر الذي أخر إكمال بناء المؤسسات في هذا البلد ذي الإستقرار الهش. لكن ما حدث أثناء اللقاء الإذاعي" سمح للمواطنين في الكونغو باكتشاف أن الرجلين كانا مؤدبين في تخاطبهما، وواضحين في عرضهما لأسباب الاختلاف. كما أن المرشحين اكتشفا أثناء اللقاء أنهما قادران على الحوار، وبالتالي طلبا مواصلته عبر حلقات جديدة من نفس البرنامج".
وأضاف إيتر أن مؤسسته نظمت مؤخرا في مالي "جلسة في برنامج إذاعي بين ممثلين من العاصمة، وممثلين عن شمال البلاد لعرض وجهات نظرهما في وقت كانت فيه قوات كل طرف تخوض معارك ميدانية بالسلاح مخلفة قتلى وجرحى. وهذا ما سمح للمواطن العادي بالتعرف على هؤلاء القادة الذين يخوضون الحرب، وعلى مواقفهم".
وعن جمهورية وسط إفريقيا التي تعرف صراعا تريد أطراف معينة أن تضفي عليه طابع الصراع الديني بين مسيحيين ومسلمين، يقول إيتر: "نقوم منذ حوالي 15 عام بتجربة إذاعة "نديكي لوكا" التي تحولت إلى أول محطة إذاعية في البلد، بفضل صرامة الخط الذي ننتهجه، ومدى حرصنا على التعامل مع مختلف الأطراف، وعملنا على تجنب استخدام عبارات مضرة. ولئن لم يكن بوسعي التكهن بعدد الضحايا الذين استطعنا تجنب سقوطهم، فإنه بالإمكان القول بأن خطنا الإعلامي سمح في هذا الجو المفعم بالعنف الطائفي، بلعب دور هام في التخفيف من حدة هذا العنف".
مؤسسة "هيرونديل" في العالم العربي
تقوم مؤسسة هيرونديل بتجربة في تونس بعد الثورة تهدف لمساعدة التونسيين على "تطوير قطاع إعلامي عمومي مستقل عن تأثيرات هذه الفئة أو تلك، ويعكس التعددية الحقيقية المتواجدة في المجتمع التونسي"، على حد قول جون ماري إيتر، مدير مؤسسة "هيرونديل".
عمليا، شرعت مؤسسة "هيرونديل" وبدعوة من الإذاعة الوطنية التونسية، وبعد إنجاز برنامج عن تغطية الإنتخابات المتعلقة باعتماد الدستور، في إنجاز مشاريع مع محطات جهوية تابعة للإذاعة الوطنية، بدأت بمحطة قفصة. ويقول إيتر: "بدأنا في تطوير قنوات المراسلين لكي يكونوا أقرب من الجمهور، وبتطوير البرامج وتحديثها لكي تصبح في المرتبة الأولى كقطاع عام وحتى في مواجهة وسائل الإعلام الخاصة". "وهذا ما حصل بالفعل"، حسب تقدير مدير مؤسسة هيرونديل، "وهو ما سيتم تعميمه في باقي المحطات الجهوية إذا رغبت الإذاعة التونسية في ذلك".
في جنوب السودان، قامت مؤسسة هيرونديل حتى وقت قريب بتعاون مع إذاعة الأمم المتحدة، شأنها في ذلك شأن التعاون القائم في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويقول مدير مؤسسة "هيرونديل": "إن الأمم المتحدة هي التي طلبت منا تحديد معالم وطبيعة العمل الإعلامي في جنوب السودان، بعد التجربة التي قمنا بها لعدة سنوات في السودان قبل عملية استقلال الجنوب. ولكن هذا التعاون توقف الآن".
ومن المناطق العربية التي يرى أنها "في أمس الحاجة إلى إعلام مستقل"، يذكر السيد إيتر سوريا، قائلا: "بما أننا لا نقبل العمل في بلد إلا من الداخل، ونرفض أي نشاط موجه من الخارج، وبالنظر إلى الوضع المتأزم من الناحية السياسية والعسكرية، بل حتى الإنسانية والإعلامية، كيف يمكن الحصول على موافقة، سواء النظام في دمشق أو الأطراف التي تحارب النظام، على تواجد لنا هناك بشروطنا وبطريقة عملنا الإعلامية. ولو يحدث ذلك، فإنه سيكون مهما جدا بالنسبة للشعب السوري. لقد استمعنا لعدة اقتراحات في هذا الإطار، ولكن بدا لنا في كل مرة أنه من غير الممكن تطبيق ذلك على الأرض".
وإذا كانت التطلعات لعمل مستقبلي تشمل كلا من مصر وليبيا "إذا ما طُلب من مؤسسة هيرونديل القيام بذلك"، فإن مدير مؤسسة هيرونديل يعبر عن أمل كبير في إنجاز أحد المشاريع الإعلامية في فلسطين، إذ يقول "على الرغم من كون المنطقة تعرف تغطية إعلامية مكثفة"، فإن ما تعتبر المنطقة في أمس الحاجة له وما هو غير متوفر في الوقت الحالي، هو تواجد إعلام واضح ومسموع من قبل كافة الفلسطينيين ومن قبل قسم من الإسرائيليين".
تحديات ومخاطر وخط تحريري صارم
رغم هذه التجارب الغنية في كيفية إدرة مؤسسة إعلامية محايدة وموضوعية في منطقة صراع مسلح، يقر مدير مؤسسة هيرونديل بنفسه قائلا: "نحن مازلنا في بداية التجربة، لأن الصراعات العرقية والدينية التي كنا نعتقد بأننا تجاوزناها، مازالت أمامنا".
ومن خلال التجربة، يقول المسؤول عن تطبيق البرامج بمؤسسة هيرونديل جون لوك موتوسمي: "إن عمل الصحفيين بمحطاتنا في مناطق الصراعات المسلحة يبدأ بالتغلب على صعوبات الوصول إلى مكان العمل، وتجاوز نقاط التفتيش، والتغلب على مخاوف الأهل والأقارب، ودراسة الأوضاع من حيث المخاطر المحتملة".
من المشاكل الأخرى التي تواجه صحفيي هذه المحطات، دائما حسب تجربة المسؤول عن البرامج "كون جل المواضيع حساسة، ويصعب فيها الحصول على شهادة أشخاص يسمحون بذكر أسمائهم، رغم حرصنا الشديد على التعريف بالمصادر قدر الإمكان لتجنب الإتهامات المبهمة المتبادلة".
لذلك تم التركيز في عمل الإعلاميين في محطات مؤسسة هيرونديل أو تلك التي تتعامل معها، على ضرورة تجنب التعليق على الخبر والإكتفاء بنقل الخبر المؤكد فقط.. ويوضح جون ماري إيتر ضمن هذا السياق: "لقد منعنا منعا باتا استخدام التعليق في عملنا عند الحديث عن أوضاع صراع مسلح، لأنه ليس المكان المناسب للتعبير عن الميولات الشخصية".
من النقاط الأخرى التي يرى أنها مهمة في مناطق الصراعات، قوة الشهادات التي يقدمها الجمهور بخصوص حالات العنف، وحالات الإنتهاكات السائدة في تلك المناطق، خصوصا عبر محطة تحظى بقبول من قبل الجميع. ومن الأمثلة المُقدمة "شهادة أحد أفراد الحرس الجمهوري في بلد إفريقي تنعم فيه مثل هذه المؤسسات العسكرية بكونها فوق القانون، والذي شارك في عمليات قتل جماعي وتعذيب كانت تبدو له عادية، ولكنه اكتشف عبر شهادة الجمهور في بعض برامجنا، هذه المرآة التي لم تكن متوفرة من قبل، بشاعة ما شارك فيه، مما دفعه هو وبعض من زملائه إلى تغيير تصرفهم ليس تطبيقا لأوامر قادتهم، بل عن اقتناع، بأن ما يقومون به بشع وغير مقبول".
"الكلمة قد تقود إلى الحرب أو إلى السلم"
يرى المسؤول عن تطبيق البرامج بمؤسسة هيرونديل جون لوك موتوسامي أن "اختيار الكلمات والألفاظ في البرامج الإعلامية بمحطات مناطق الصراعات، أو الزاوية التي يتم اختيارها لمعالجة موضوع من المواضيع، كلها أمور لها أهمية البالغة، وهذا ما اكتشفتُ بُعده من خلال عملي الصحفي في هذه المناطق".
ويثني موتوماسي على مهنية ومعارف الصحفيين المحليين الذين يعملون في هذه المحطات "نظرا لكونهم عايشوا عدة انقلابات وترعرعوا في المنطقة، حتى أن منهم من كان مجندا في بعض الميليشيات، أو كان موظفا في إذاعات حكومية، وانضمامهم لمحطات مثل محطاتنا في وسط إفريقيا أو جنوب السودان، نابع من الرغبة في العودة إلى شعور بروح المواطنة، وخدمة المجتمع إعلاميا في مرحلة هو في أشد الحاجة فيها إلى إعلام محايد وموضوعي".
لكن ما يأسف له مدير مؤسسة "هيرونديل" جون ماري إيتر هو أن المجموعة الدولية التي كثيرا ما تسارع لمساعدة مناطق الصراع في إعادة البناء، لم تدرك بعد مدى أهمية منح الأولوية لبناء أسس إعلام مستقل لتوعية الجمهور، ونزع فتيل الأحقاد المتراكمة، والتي تغذي بدورها استمرارية هذه الصراعات، إذ يشرح قائلا: "إن تواجد مثل هذه الإذاعات أصبح ضرورة ملحة في مناطق الصراعات، لأن إحساس الكره تجاه الآخر يتم عبر مراحل، وتتسع رقعته شيئا فشيئا. ولن يقتصر الأمر على الشعور بكره الآخر بسبب عرقه أو دينه أو أية ذريعة أخرى، بل سيتحول إلى التحريض على قتله لتطهير المنطقة من عنصر دخيل. والمرحلة الأخيرة ستتمثل في تحول قتل الآخر ليصبح أمرا عاديا".
والمشكل يكمن في أن وسائل الإعلام الدولية لن تأبه لضخامة المشكل إلا بعد بلوغ عمليات القتل والعنف حجما كبيرا وبعد أن تشمل مناطق أوسع. وهذا ما يعتبره إيتر تدخلا متأخرا "لأن التعايش السلمي تم القضاء على أسسه منذ مدة وليس فقط عند ظهور عمليات القتل الجماعي" عل حد قوله.
ومن هذا المنطلق، يرى مدير مؤسسة هيرونديل أن التدخل إعلاميا وباختيار التعابير المناسبة وفي الوقت المناسب "قد يقود إلى السلم، ليس لأننا نُوجه الناس نحو هذا الموقف أو ذاك، بل فقط بتوضيح الأمور لهم من وجهات النظر المختلفة، لأن الناس يملكون ما يكفي من الذكاء لمعرفة ما هو في صالحهم إن توفرت لهم فرصة التعرف على آراء كل الشركاء وفرصة الإستماع الى آراء الآخرين".
صعوبات تُـواجـه مسار التحوّل إلى إعـلام مستقل في تونس
تم نشر هذا المحتوى على
وفي سياق الإستعدادات الحثيثة لهذه الخطوة الحيوية في المسار الإنتقالي، تم إبرام عدد من الشراكات مع إذاعات ومنظمات غير حكومية من بلدان الشمال، مثل المؤسسة السويسرية “إيرونديل” (أو الخُطاف، السنونو). فقد أقدمت هذه المؤسسة التي يُوجد مقرها في لوزان غرب سويسرا، والمعروفة بإشرافها منذ التسعينات على تأسيس عدة إذاعات في بلدان مزقتها الحروب (مثل البوسنة والهرسك…
تم نشر هذا المحتوى على
وبالتعاون مع الأمم المتحدة، تسعى المؤسسة إلى تفعيل دور الإذاعة في تعزيز السلام والديمقراطية، لتعمل كوسيلة لمكافحة العنف والفقر. من الكونغو، حيث نجحت إذاعة أوكابي منذ عام 2002 في أن تتحول إلى أكبر إذاعات الأمم المتحدة المحلية، إلى محطة إذاعية مشابهة في السودان، ثم نحو سيراليون حيث تدرس المؤسسة سبل إنشاء مشروع تعاوني آخر مع…
شارف على الإنتهاء... نحن بحاجة لتأكيد عنوان بريدك الألكتروني لإتمام عملية التسجيل، يرجى النقر على الرابط الموجود في الرسالة الألكترونية التي بعثناها لك للتو
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.