محطّات مهمّة: 2024، “عام الاستحقاقات الديمقراطية”
هذا العام، سيقوم حوالي 4.5 مليار شخص في نحو 80 دولة، بتحديد هوية قيادات بعض الدول التي تٌعتَبر من أكبر الديمقراطيات في العالم. في هذا المقال، نلقي نظرة على بعض أبرز المحطات الانتخابية التي ستجري في 2024، وما قد يترتّب عن نتائجها بالنسبة لسويسرا.
من المتوقّع أن تتطلّب الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة في عام 2024، استدعاء أكثر من ضعف عدد الأشخاص للتصويت، مقارنة بعام 2023. وستُجرى انتخابات في ثمان من أكبر عشر دول في العالم من حيث عدد السكان؛ ومن بين هذه الدول الهند التي تضم وحدها 1.4 مليار شخص. أما في باكستان وإندونيسيا والولايات المتحدة والدول الـ 27 في الاتحاد الأوروبي، و(على الأغلب) في بريطانيا، فقد تمكّن أو سيتمكّن مئات الملايين من الأشخاص، نساءً ورجالا، من الإدلاء بأصواتهم.ن خلال هذا العام. وقد وصفت مجلة “ذي إيكونوميست”(The Economist) رابط خارجي عام 2024 بأنه “أكبر عام انتخابي في التاريخ”.
ولكن، وكما أشار الكاتب المسرحي البريطاني توم ستوبارد، “فإن عملية التصويت بحد ذاتها لا تمثّل الديمقراطية، بل عملية فرز الأصوات بشفافية”. فالعديد من الانتخابات التي تجري، ليست حرة وعادلة، ومن غير المرجح أن يكون لها تأثير كبير على مسار الحكومات القائمة. فلا نحتاج اليوم التخصّص في شؤون الكرملين، لتوقّع إعادة انتخاب فلاديمير بوتين في مارس المقبل لفترة رئاسية جديدة، وهو الذي يحتفل هذا العام بمرور 25 عاماً على تولّيه أعلى منصب في روسيا.
ثم إنه لا ينبغي أن تغيب عن بالنا قدرات الذكاء الاصطناعي. إذ ما الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الأخير في مسار مختلف الانتخابات؟ وما هي الخطوات التي يمكن أن تتخذها الحكومات والأحزاب السياسية على هذا الصعيد؟ لقد جرى تسخير قدرات الذكاء الاصطناعي فعلياً من أجل تلفيق فضائح تتعلّق بسياسيين وسياسيات سويسريين.يات.
لكن، ربما لا يزال من السابق لأوانه التشاؤم بشأن مستقبل الممارسة الديمقراطية. “على الرغم من كل التحديات التي تواجه الديمقراطية في العصر الحالي، فإن الحكم الاستبدادي مع إحساسه بالزخم التاريخيّ، ليس مستعدّاً على الإطلاق لاستعادة الانتكاسات التي تعرض لها في النصف الثاني من القرن العشرين”، كما كتب جنان جانيش في صحيفة “فينانشال تايمز”( Financial Times) رابط خارجي، مقدّماً رؤيته في فهم الوضع من منظور مختلف.
ويضيف قائلاً: “لا شك أن الديمقراطية تمر بانتكاسة ومرحلة تراجع، ولكن يمكننا تشبيه هذه المرحلة بوضع الملاكم الذي يخسر جولة بعد الفوز بست جولات”. وبتعبير آخر فإن القوى الديمقراطية قد تكبدت خسائر خلال العقود الأخيرة، ولكنها لا تزال قوية ولديها إمكانية للصمود والتعافي.
وفيما يلي مختارات من أبرز الاستحقاقات الانتخابية في العالم خلال السنة المقبلة:
يناير
13 يناير. في تايوان، التي يسكنها 24 مليون شخص، ستُجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية. يمكن أن تؤثر نتيجة التصويت على رسم معالم كيفية استمرار تحقيق الرئيس الصيني شي جين بينغ هدفه في السيطرة على ما تعتبره بكين “أراضٍ صينية مقدسة”. ومهما كانت نتائج الانتخابات، فمن المتوقّع أن تظل سويسرا، التي لا تعترف بتايوان كدولة ذات سيادة، تسلك خطاً رفيعاً من التوازن بين تعزيز السلام والديمقراطية من جهة، والتعامل بحذر لعدم إثارة استفزاز الصين في العلاقات الدولية أو السياسة الخارجية، من جهة أخرى.
فبراير
8 فبراير. من المقرر أن تُجرى في باكستان (التي يبلغ تعداد سكانها 240 مليون نسمة) انتخابات عامة (كان قد تم تأجيل إجرائها بعد أن كانت مقرّرةً في شهر نوفمبر المنصرم).
في 14 فبراير. تُجرى في إندونيسيا انتخابات رئاسية وتشريعية. وهناك ثلاثة مرشحين يتنافسون على خلافة الرئيس الحالي جوكو ويدودو، الذي ينهي الفترة الأخيرة المسموح بها للحكم بموجب الدستور. وتبلغ أعداد الناخبين والناخبات حوالي 205 مليون من إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 270 مليون نسمة في إندونيسيا، وهناك حوالي الثلث من هؤلاء الناخبين.ات دون سنّ الثلاثين.
مارس
3 مارس. هو يوم أحد، في هذا اليوم سيتوجه الناخبون والناخبات في سويسرا إلى صناديق الاقتراع لافتتاح أول أربع محطات انتخابية (وستنظّم الأخرى تباعاً في 9 يونيو، 22 سبتمبر، و24 نوفمبر). يتعلّق الموضوعان الفدراليان المطروحان للتصويت بإصلاحات تطال نظام التقاعد.
المزيد
هذا ما تتوقعه سويسرا: نظرة استشراف سياسية للعام 2024
15 مارس (وحتى 17 مارس). في روسيا (بتعداد سكاني يصل إلى 140 مليون نسمة)، تبدو مسألة إعادة انتخاب فلاديمير بوتين لفترة رئاسية جديدة مؤكدة، وذلك بعد سنوات من ممارسة عمليات القمع للمعارضة السياسية. ويعني هذا أنه على الأرجح أن تستمرّ حرب روسيا على أوكرانيا أيضاً، وهي حرب ستشكّل اختباراً إضافياً لصبر الحليف الرئيسي لكييف، أي الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تستمر سويسرا في تنفيذ عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا، وما يرافق ذلك من تساؤلات بشأن حياد سويسرا.
31 مارس. ستُجرى الانتخابات البلدية في تركيا (التي يبلغ تعداد سكانها 85 مليون نسمة). هل سيتمكن الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أُعيد انتخابه بفارق ضئيل في مايو، من تشديد حكمه على البلاد، عن طريق استعادة المدن التي فقدها في عام 2019؟ في وقت سابق، كانت العلاقات بين تركيا وسويسرا في حالة أفضل، قبل أن يؤدّي حرق تمثال لأردوغان في زيورخ العام الماضي إلى استياء هذا الأخير، وقيام أنقرة باستدعاء السفير السويسري لتلقي انتقادات وتحذيرات حادة.
إبريل
ستُجرى انتخابات عامة في الهند، أكبر دولة من حيث السكان في العالم، في شهريْ أبريل ومايو. ويتجه ناريندرا مودي، الذي يستأثر بصفتيْ القوة والسلطة لنفسه، نحو إعادة انتخابه كرئيس وزراء، بعد أن عزز نمطاً في قيادة البلاد، لا يتساوى فيه أمام العديد من الناخبين.ات والمستثمرين.ات الأجانب، ولكنه يثير استياء منظمات حقوق الإنسان. وإذا فاز حزب مودي القومي الهندوسي في هذه الانتخابات، فمن المٌتوقّع أن يبقى تركيزه الأساسي منصبّاً على الاقتصاد، بدلاً من معالجة المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان.
في المملكة المتحدة، يتوجّب على رئيس الوزراء البريطاني الحالي ريشي سوناك، أن يدعو إلى إجراء انتخابات عامة بحلول 28 يناير 2025، ولكن يتوقّع العديد من الخبراء والخبيرات أن تتم الدعوة لإجرائها خلال فصل الربيع أو الخريف القادم. وستكون هذه الانتخابات أول انتخابات وطنية تنظمها المملكة المتحدة، ويُلزم الناخبات والناخبون فيها ملزمين بالتعرف على هوياتهم.ن رقميا في مراكز الاقتراع. فهل سيتم اللجوء إلى رفض اقتراع العديد من الأشخاص في هذه المراكز؟
مايو
11 مايو، قد لا تعجب الجميع نوعية الموسيقى التي يتم تقديمها في مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجون” (Eurovision)، ولكن سيعترف معظم الناس بالإنجازات التقنية، والديمقراطية ربّما، في بث المسابقة. وقد تمّ جمع الأصوات العام الماضي من 144 دولة، وستقام الحفلة النهائية للمسابقة هذا العام في مالمو، السويد.
31 مايو. في المكسيك (التي يبلغ تعداد سكانها 130 مليون نسمة) ستُجرى انتخابات رئاسية وتشريعية (حتى 2 يونيو).
هناك أيضاً انتخابات عامة في جنوب أفريقيا، حيث يسكن أكثر من 60 مليون نسمة، ومن المقرر إجراؤها في الفترة الواقعة بين شهريْ مايو وأغسطس. فبعد ثلاثة عقود من الحكم الملوث بالفساد والتراجع الاقتصادي، يتعرض الحزب الوطني الأفريقي (ANC) لخطر فقدان أغلبيته البرلمانية لأول مرة منذ قيادة نيلسون مانديلا للسلطة في عام 1994 الذي شهد نهاية نظام الفصل العنصري. ونتيجة ذلك، قد يكون هذا الحزب بحاجة إلى التحالف مع شريك للبقاء في السلطة، وهو على الأرجح إما الحزب الديمقراطي، الذي يحظى بتأييد الناخبين البيض، أو حزب المحررين الاقتصاديين، وهو حزب ماركسي يحظى بتأييد الناخبين السود الفقراء. وفي كلتا الحالتين، ستمر الديمقراطية في جنوب أفريقية بمحطة مهمة من تاريخها.
يونيو
6 يونيو. انتخابات البرلمان الأوروبي (تستمر حتى 9 يونيو). ستقوم 27 دولة ذات عضوية في الاتحاد الأوروبي بانتخاب البرلمان القادم للاتحاد. ومن المتوقّع هذا العام أن يتلقى الاتحاد الأوروبي أكثر من مليون طلب لجوء. فهل سينتقل القرار في الاتحاد إلى أحزاب اليمين، كما حدث مع البرلمان السويسري في شهر أكتوبر المنصرم؟
يوليو
15 يوليو. في رواندا (التي يبلغ تعداد سكانها 13 مليون نسمة) ستُجرى انتخابات رئاسية وتشريعية. سيسعى الرئيس بول كاغامي لتمديد فترة حكمه لهذا البلد، الواقع في شرق أفريقيا، والتي غطت حتى الآن ثلاثة عقود تقريباً. وهو مؤهل للاستمرار في المنصب لعقد آخر، بعد تعديل دستوري أجراه في عام 2015 قام من خلاله بتغيير الحدود الزمنية للفترة الرئاسية.
سبتمبر
15 سبتمبر. يوافق هذا التاريخ اليوم الدولي للديمقراطية في الأمم المتحدة. لم يتم الإعلان بعد عن الموضوع الذي سيجري تناوله هذا العام، ولكن المواضيع السابقة كانت تتضمن تعزيز الديمقراطيات، وأهمية العملية الديمقراطية في خطة تعزيز التنمية المستدامة لعام 2030، وتعزيز مشاركة المواطنين والمواطنات في القرارات، وتعزيز الحوار وشموليته، والمساءلة، والتسامح السياسي في تقبل الآراء السياسية المتباينة دون اللجوء إلى العنف أو الصراع. وللدلالة على أهمية الاحتفال بهذا اليوم، قمنا قبل خمس سنوات، بنشر مقال بعنوان “عشر مكونات رئيسية لمجتمع ديمقراطي“.
نوفمبر
5 نوفمبر. هو يوم الحدث الكبير. سيختار الناخبون والناخبات في الولايات المتحدة (التي يبلغ تعداد السكان فيها 330 مليون نسمة) رئيسهم القادم، فضلاً عن انتخابات لشغل جميع مقاعد مجلس النواب، وثلث مقاعد مجلس الشيوخ. ومن المرجح أن يواجه الرئيس جو بايدن دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الرئيسي، في سيناريو مكرر لانتخابات عام 2020. حاليّاً، ووفقاً للمراهنين.ات البريطانيينرابط خارجي، يُعتبر ترامب المرشح المفضل للناخبين.ات، ولكن ما زال مسار هذه الانتخابات طويلاً أمامنا. وفي توقعاتها الأخيرة للعام الحاليرابط خارجي، أوردت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن السباق سيكون محتدماً، لكنّ بايدن سيفوز بصعوبة شديدة وبفارق ضئيل. ولكنها حذرت، من أنه “في حال تم تجاوز العقبات القانونية الأخيرة التي واجهها ترامب في ولايتي كولورادو ومين، فإن حملته الانتخابية ضد جو بايدن ستكون أقسى حملة انتخابية رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة”.
ومن غير المفاجئ أن نعرف أن العديد من الجهات في جنيف الدولية تتمنى الفوز لجو بايدن. فخلال فترة رئاسته من 2016 إلى 2020، أظهر ترامب ازدراءه للسياسة الدولية متعددة الاطراف، ملقياً بظلال سياسته السلبية على العديد من المنظمات الدولية في هذه المدينة السويسرية. وبتحفيز منه، انسحبت الولايات المتحدة من العديد من الهيئات الدولية، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية (WHO).
كانت نتيجة هذه السياسة تصاعد نفوذ الصين، حيث كانت مصممة على الاستفادة من الفراغ الذي تركته واشنطن، بغية وضع بصمتها على نظام حقوق الإنسان. وستلقي عودة ترامب إلى انتهاج سياسته في الحماية الاقتصادية لبلاده، دون أدنى شك، بظلالها السيئة أيضاً على منظمة التجارة العالمية (WTO)، التي شهدت الآلية التحكيمية الخاصة بها، حالة من العجز أو التعطيل، وذلك منذ فترة إدارة ترامب.
وتجدر الإشارة أخيراً، إلى أهمية تاريخ 4 مارس في مذكرات الرصد السياسي في واشنطن، حيث من المقرر أن يمثل ترامب أمام المحكمة، بسبب التهم الموجهة إليه، والمتعلقة بمحاولاته المزعومة لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
المزيد
سلام، وأزمات، وترامب مقابل بايدن: هذا ما ينتظر جنيف الدولية في عام 2024
ترجمة: جيلان ندا
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/ أم
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.