“مركز جنيف” يُدرّب المؤسسات الأمنية التونسية على الحوكمة الرشيدة
يعكف "مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة" منذ سنة 2011 على تقديم الدعم للسلطات التونسية من أجل تنفيذ برنامجها المتعلق بحوكمة قطاع الأمن. حوار خاص مع السيد مكسيم بولان، رئيس المكتب المساعد بتونس حول طبيعة المساعدة وخصوصياتها وحصيلتها وآفاقها.
في حوار مع swissinfo.ch، يُشير مكسيم بولان رئيس المكتب المساعد بتونس إلى أن دعم المنظمة الدولية، التي يوجد مقرها في جنيف غرب سويسرا، توزع خلال السنتين الأخيرتين على خمسة محاور هي دعمٌ في مجال تعزيز الرقابة البرلمانية والرقابة المستقلة، ودعمٌ في مجال التواصل وتقاسم المعلومات، والمساعدة في مجال سن المراسيم، بالإضافة لدعم الحوار الإدماجي حول السياسات والحاجات الأمنية، وأخيرا الدعم في مجال إدارة التغيير لفائدة مُسديي الخدمات الأمنية.
ومضى بولان شارحا: “يتمثل الدعم في مجال تعزيز الرقابة البرلمانية أو المستقلة أساسا في مشروع دعم مجلس نواب الشعب واللجان البرلمانية المكلفة بالمسائل الأمنية”. وبسؤاله عن الغاية من هذا الدعم أوضح أن المركز يساعد على وضع خطة استراتيجية ترمي لزيادة القدرات المؤسسية للبرلمان ولجانه المتخصصة من أجل ضمان رقابة برلمانية أفضل لقطاع الأمن. ومن شأن هذه الرقابة أن تمكن البرلمان ولجانه من التفكير في طبيعة المشاكل العملية والهيكلية التي كثيرا ما تواجهها، وإيجاد حلول تُتيح لها النهوض بالمهمات الموكلة لها.
وفي هذا الصدد، يعتزم مركز جنيفرابط خارجي تعميم هذا البرنامج الرائد الذي تم وضعه بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب، على جميع لجان المجلس. ويُنتظر من هذا المشروع، الذي أطلق في إطار شراكة مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، أن يُحقق الدعم المؤسسي لتلك المؤسسات.
إدارة خلية أزمة
أما الدعم في مجال التواصل وتبادل المعلومات فيتركز على دعم هياكل التواصل والإتصال بوزارة الداخلية، ويجمع هذا البرنامج بين مجموعة من برامج التدريب من شأنها ضمان متابعة أفضل وإدارة أكثر إحكاما للحوادث الأمنية أو الأعمال الإرهابية على صعيد الإعلام والاتصال.
في السياق، تمثل برنامج الدعم من أجل النفاذ إلى الإعلام خلال السنتين الأخيرتين في مشروع أطلقته المديرية العامة للسجون والاصلاح لإنتاج الإحصاءات السجنية. وهو يحظى بالدعم الفني لمركز جنيف. ومن شأن الوصول إلى تلك الإحصاءات أن يُساعد صُنَاع القرار السياسي التونسيين على اتخاذ قرارات استراتيجية تفيد في تحسين ظروف الحبس، عبر تطوير السياسات والقرارات الصادرة عن الإدارة العامة للسجون والاصلاح.
في المقابل، تتمثل المساعدة المقدمة من المركز في مجال سن المراسيم في إنشاء قاعدة بيانات قانونية جمعها مركز جنيف، ويمكن الدخول إليها عبر الشبكة العنكبوتية. وفي شهر يوليو 2016، أطلق المركز نسخة مُطوَرة من الموقع ضمت جميع النصوص الرسمية المتعلقة بقطاع الأمن في تونس. ويُعتبر هذا الموقع اليوم أول مرجع لدى البحث عن نصوص تشريعية عن قطاع الأمن، ويرجعُ إليه أعضاء مجلس نواب الشعب بشكل واسع، وكذلك المسؤولون في مختلف الوزارات والمحامون والقضاة التونسيون إذ تُوفر قاعدة البياناترابط خارجي نفاذا مُيسّرا لجملة النصوص القانونية المنظمة لقطاع الأمن منذ سنة 1956 (تاريخ استقلال تونس عن فرنسا)، وهي تشتمل على أكثر من 2000 نص ما بين قوانين ونصوص ترتيبية ومشاريع قوانين في نسخة مُحدَثة باللغتين العربية والفرنسية.
أربعة عناوين رئيسية
في الواقع، يمكن تقسيم هيكلة قاعدة البيانات هذه إلى أربعة عناوين رئيسية على النحو التالي:
• النصوص الجديدة وهي القوانين والتراتيب الجديدة المتعلقة بقطاع الأمن،
• التشريعات وتشمل مختلف الدساتير التي تم إصدارها منذ الاستقلال، والقوانين والتراتيب ومشاريع القوانين المعروضة على المجلس التشريعي، بالإضافة إلى النصوص القانونية غير المنشورة في الرائد الرسمي،
• المستجدات القانونية وهي تضم مجموعة مقالات صحفية،
• الإحصاءات وتضمُ لمحة حول كمية النصوص القانونية.
وتُؤمنُ قاعدة البيانات الجديدة طرق بحث متقدمة من خلال فهرس شامل مبوب حسب مواضيع رئيسية تغطيها قاعدة البيانات، زيادة على امكانية البحث عن طريق الفرز حسب معطيات مختلفة (صنف النص، عدده، سنة إصداره، المؤسسة المعنية، إلخ ….). ويمكن لزوار الموقع أيضا الاطلاع على مشاريع القوانين التي صادق عليها مجلس الوزراء، وكذلك المقترحات التشريعية التي صاغها أعضاء المجلس التشريعي، كما يمكنهم إضافة تعليقاتهم وآرائهم ومتابعة سير العملية المؤدية إلى سنها وإصدارها.
أكثر من ذلك، تتيح قاعدة البيانات أيضا النفاذ إلى قاعدة البيانات الخاصة بالقوانين المتعلقة بقطاع الأمن في ليبيا، وذلك من أجل ضمان قراءة مقارنة لمختلف التشريعات الإقليمية المتعلقة بقطاع الأمن في البلدين.
سألتُ السيد بولان عن مصدر تمويل هذا المشروع فأوضح أن المُموِل هو الصندوق الإستئماني لمركز جنيف للرقابة الديموقراطية على القوات المسلحة لشمال أفريقيارابط خارجي (TFNA)، وهو يتبعُ مركز الرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة،رابط خارجي ويتأتى تمويله من كل من ألمانيا وسويسرا وهولاندا وسلوفاكيا والسويد وبلجيكا واللوكسمبورغ.
من جهة أخرى، يُساهم المركز في تطوير الحوار الشامل حول السياسات والحاجات الأمنية، ويتولى تقديم الخدمات التي تستجيب لحاجة المواطنين وانتظاراتهم. وتجسد هذا البرنامج في إقامة مائدة مستديرة في شهر فبراير 2016 كان موضوعها “بلورة سياسة دفاعية وأمنية في تونس”، بالتعاون مع وزارة الدفاع.
وفي خط مُواز، أقام المركز دورات تدريبية للصحافيين في المحافظات الداخلية، بالتعاون مع اليونسكو ونقابة الصحفيين التونسيين حول الحوكمة الرشيدة لقطاع الأمن. ورمت الدورات لتدريب الإعلاميين على الإضطلاع بمراقبة قطاع الأمن، وإن كانت رقابة غير رسمية، وشمل المشروع نحو خمسين مشاركا من محافظات قفصة وتونس وجربة والقصرين وسوسة.
أربعة مراصد في العالم العربي
من ثمار برامج التعاون بين “مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة” والبلاد العربية إنشاء أربعة مراصد متخصصة، من بينها موقع “مرصد”رابط خارجي الألكتروني في تونس، وهو مثلما يدلُ عليه اسمُه، مرصد لمراقبة القطاع الأمني وإيجاد ما يحتاجه الصحافيون من معلومات دقيقة عن هذا القطاع بالعربية والفرنسية.
كما تم إنشاء مرصد مُماثلرابط خارجي في ليبيا، وهو يجمع المعلومات والتحاليل المُتعلقة بحوكمة قطاع الأمن وإدخال الإصلاحات اللازمة على أجهزته، رغم الظروف الصعبة التي يمر بها هذا البلد.
والثالث هو “المرصد الاعلامي للقطاع الأمني المصريرابط خارجي“، وهو موقع الكتروني بالعربية والانكليزية يسلط الضوء على مواضيع تتعلق بإصلاح القطاع الأمني والحوكمة في هذا القطاع من خلال رصد ومتابعة ما ينشر في وسائل الاعلام المصرية والعربية والدولية. ويُقدم المرصد معلومات ضافية عن انتهاكات حقوق الانسان والمحاكمات الصورية والضغوط التي يتعرض لها القضاة المستقلون والإعلاميون والحقوقيون والمدافعون عن حقوق الإنسان.
أما المرصد الرابع فهو “المرصد” الفلسطينيرابط خارجي وهو مُخصص أيضا لإصلاح القطاع الأمني الفلسطيني، حيث يتابع ويرصد وسائل الاعلام الفلسطينية والدولية، ويسلط الأضواء على مواضيع تتعلق بحوكمة القطاع الأمني في فلسطين.
حوكمة رشيدة لأجهزة الإستخبارات
على صعيد آخر، يُقدم المركز دعما لإدارة التغيير لدى الجهات التونسية المُسدية للخدمات، وفي هذا المضمار أقام المركز مائدة مستديرة في فبراير الماضي، بالتعاون مع رئاسة الجمهورية، موضوعها “الحوكمة الرشيدة لأجهزة الاستخبارات في مجتمع ديمقراطي”. وأتاحت المائدة إطلاق حوار جوهري حول إدارة تلك الأجهزة بمشاركة ممثلين عن الوزارات المعنية وأعضاء من البرلمان التونسي. وأشار بولان إلى مشروع آخر يتمثل في العمل على إقامة علاقة جديدة بين القضاء والأطباء الشرعيين لإعداد تقارير الطب الشرعي طبقا للمعايير الدولية في هذا المجال، من أجل ضمان التعاطي السليم مع حالات التعذيب، كما ذكر مشروعا آخر يتعلق بإقامة وحدة للتخطيط الاستراتيجي في وزارة الداخلية.
وعُدتُ أسأل السيد بولان عن مدى تطابق حصاد هذه المشاريع مع النتائج التي كانت مُؤملة منها لدى إطلاقها، فأجاب بأن الإرهاب هو “العقبة الأكبر التي مازالت قائمة، بالرغم من وجود تطورات ملموسة في تعاطي السلطات التونسية مع الإستحقاقات الأمنية. ويؤمل أن تؤدي هذه التطورات في المرحلة العصيبة التي تعيشها تونس إلى رسم تخطيط إستراتيجي للقطاع الأمني. ونُسجل في هذا السياق وعيا بأهمية الرهانات، ولذلك من الضروري توافُرُ رؤية واضحة للمسائل الأمنية من أجل مجابهة فعالة للتهديدات الأخرى عدا الإرهاب، مثل التجارة غير المشروعة والجريمة المنظمة والقضايا المتصلة بالعدالة الإنتقالية”.
يُطورُ مركز جنيف ويدعم جهود السلام والإستقرار في مُجمل المنطقة الأورومتوسطية من خلال مساهمته في تحسين الحوكمة في قطاع الأمن مكسيم بولان، الرئيس المساعد لفرع المركز في تونس
صندوق خاص بشمال أفريقيا
وسألتُ السيد بولان مجددا: ما هي المساهمة الخصوصية لمركز جنيف وسط مئات المؤسسات الخارجية التي تقول إنها تدعمُ وتُرافق التجربة الديمقراطية الغضّة في تونس؟ فرد بأن “المساهمة الخصوصية لمركز جنيف تنبعُ من كونه يتبعُ صندوقا خاصا بشمال أفريقيا تُموله كل من ألمانيا وبلجيكا واللوكسمبورغ وهولندا وسلوفاكيا والسويد وسويسرا. ويجري تصوُرُ المشاريع في المركز بناء على طلبات شركائنا المحليين”. وأضاف “يُتيح هذا المسار، الذي يتسم بمرونة كبيرة، لمركز جنيف أن يأخذ في اعتباره الحاجات الخصوصية لأولئك الشركاء المحليين وقدرتهم الاستيعابية. ولا يتدخل المركز إلا بعد التشاور مع السلطات التونسية وبطلب منها، ويمكن للطلبات أن تكتسي أشكالا مختلفة، غير أن تدخلات المركز تندرج جميعها في إطار الاحترام الدقيق للسيادة التونسية. وفي إطار هذه الضوابط يستطيع المركز تعبئة الخبرات المتوافرة في البلدان الثلاثة والستين الأعضاء وتقديم نماذج مقارنة من بلدان أخرى مرت بمسار انتقال ديمقراطي أو بتجارب مماثلة بشكل عام”.
وتابع السيد بولان قائلا: “في هذا النطاق يعمل مركز جنيف بالتعاون مع المؤسسات التونسية، وأساسا مع وزارات الداخلية والدفاع والعدل كما مع مجلس نواب الشعب”. وشدد على أن المركز يهتدي في أنشطته بمبادئ الحياد وعدم الإنحياز والمشاركة الشاملة والمُباركة المحلية. أما عن العلاقة مع المجتمع المدني فيُساعد المركز على تقوية قدرات المنظمات الأهلية ووسائل الاعلام على تأمين رقابة غير رسمية لقطاع الأمن. وعلى هذا الأساس اعتبر السيد بولان أن مركز جنيف “يُطورُ ويدعم جهود السلام والإستقرار في مُجمل المنطقة الأورومتوسطية من خلال مساهمته في تحسين الحوكمة في قطاع الأمن”.
وما كان ممكنا أن نُنهي الحوار مع السيد بولان في مكتبه في حي الحدائق الراقي في تونس، من دون السؤال عن ظاهرة ضخ أموال ضخمة في قنوات المجتمع المدني (وهي عبارة فضفاضة جدا يختلط فيها الحابل بالنابل) طيلة السنوات التي مضت منذ انطلاق التجربة الديمقراطية، وما يتردد من كلام عن فساد وسوء إدارة لأموال الدعم، فأوضح أن “التعاون مع الشركاء من المؤسسات الرسمية يُعتبر إيجابيا إجمالا لأن السلطات مُمثلة في وزارات الداخلية والعدل والدفاع والبرلمان هي التي تطلب في كثير من الأحيان الدعم من المركز باعتبار أن خبرته مشهودٌ بها لدى الجميع. غير أن الصعوبات تأتي من سرعة تغيير الحكومات (أربع حكومات في ظرف سنتين فقط) التي تتسببُ في تعطيل نسق المبادرات الاصلاحية”.
واختتم قائلا: “أما عن مؤسسات المجتمع المدني فهي تقوم بعمل جيّد عموما، غير أن هيكلتها مازالت منقوصة، وعليه فسيكون من أولويات مركز جنيف في المرحلة المقبلة تطوير قدرات المنظمات غير الحكومية وتحديد الشركاء المحليين المؤهلين”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.