“معاناة الفلسطينيين سـبـبُـها الإحتلال”
تحولت عملية إعادة البناء في قطاع غزة ومساعدة سكانه التي تسهم فيها سويسرا، إلى ما يُشبه صخرة سيزيف. إذ يتعرض كل تقدم يتم إحرازه للتدمير في كل مرة تشهد فيها المنطقة موجة عنف جديدة. فيما يلي جملة من الشهادات التي حصلت عليها swissinfo.ch من عدد من الأشخاص المشاركين في عملية إعادة البناء هذه.
تقول مها البنا، الصحفية التي تعيش في قطاع غزة” لقد عشت عدة هجمات تمت خلال الست سنوات الماضية، لكن هجوم هذه المرة هو الأوسع، والأطول أمدا، والأكثر خبثا لاستهدافه النساء والأطفال بالدرجة الأولى”. إذ ترى أنه بالإضافة الى معاناة انقطاع التيار الكهربائي، ونقص المياه والغذاء والأدوية، على السكان يوميا، مواجهة القصف المدفعي والجوي الذي أدى الى مقتل زهاء ألفي شخص أغلبهم من المدنيين.
فقد اتهمت إسرائيل حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية، بتنصيب بطاريات صواريخها في قلب الاحياء السكنية. ولكن آبنر غيدرون، المستشار السياسي لمنظمة العفو الدوليةرابط خارجي قال في حديث لإذاعة بي بي سي الدولية، بأنه لا توجد دلائل كافية باستخدام دروع بشرية من قبل حماس. لكنه قال على كل، بأن هناك العديد من المعلومات التي تشير الى ضرورة أخذ هذا الموضع مأخذ الجد.
البقاء على قيد الحياة.. مفاجأة!
لكن آبنر غيدرون يرى بأنه ليس بإمكان إسرائيل، لا من الناحية الأخلاقية أو القانونية، أن تتجاهل تواجد مدنيين في المناطق التي تقوم بقصفها. إذ قال في حديثه إلى هيئة الاذاعة البريطانية: “إن انتهاكا خطيرا للقانون الانساني الدولي لا يُرخِّص للطرف الثاني بحق ارتكاب انتهاك خطير لهذا القانون”.
ويقول الدكتور ياسر أبو جميع، مدير برنامج غزة للرعاية النفسيةرابط خارجي، وهي منظمة غير حكومية تنشط في مجال الرعاية الصحية في القطاع وتدعمها الوكالة السويسرية للتنمية والتعاونرابط خارجي:”إن العديد ممن يَصِلون إلى المستشفى، يصلون في حالة صدمة، ويعبرون عن المفاجأة لكونهم لا يزالون على قيد الحياة. إنهم لا يُصدّقون ذلك”.
هذا الطبيب فقد 28 من افراد عائلته في 21 يوليو الماضي، عندما أصابت قذيفة المنزل الذي كانوا يجتمعون فيه للإفطار بعد يوم صيام. لكن على الرغم من هذه المعاناة لا زال واقفا لتقديم الدعم للآخرين. في المقابل، يُقر بأن “الوضع ليس بالسهل، لكن علينا أن نتجاوز هذا الظرف للحفاظ على توازننا النفسي ولأن الوضع يتطلب أن نتآزر في هذه الظروف الصعبة”.
الرصاص الطائش؟
تقول مها البنا” لقد شاهدت أوضاعا كارثية، لقد تعرفت على عدة حالات تعرض فيها الناس للقتل وهم في داخل بيوتهم، مثل هذه السيدة الحامل التي كانت برفقة حماتها وأطفالها في شقتها. لم يكونوا يقومون بشيء سيئ، ولم يكونوا في الشارع أو يقومون بأعمال مقاومة. بل كانوا مدنيين في داخل بيوتهم”.
سويسرا تجري مشاورات مع الدول الأعضاء في معاهدات جنيف
طلبت سويسرا بضرورة العمل من أجل “التوصل الى وقف فعلي لإطلاق النار” من أجل حماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل، ومن أجل تقديم المساعدة للعديد من الضحايا في قطاع غزة .
جددت سويسرا التعبير عن إدانتها “لكل الانتهاكات التي تم ارتكابها في حق القانون الدولي وأيا كان القائم بتلك الانتهاكات”.
في البيان الذي أصدرته في برن يوم 30 يوليو 2014، أعادت الحكومة السويسرية التأكيد على دعمها للجهود الدولية والتعبير عن استعدادها للمساهمة في البحث عن حل سياسي للصراع.
بوصفها البلد الراعي لمعاهدات جنيف، شرعت سويسرا في إجراء مشاورات مع الدول الأعضاء في معاهدات جنيف، عقب تقدم الجانب الفلسطيني بطلب رسمي لعقد مؤتمر للدول الأعضاء قبل موفى السنة الجارية.
للتذكير، تساهم سويسرا منذ عام 1950 في دعم اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط، ويتم ذلك بصورة رئيسية عبر منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها. كما شرعت منذ عام 1994 في دعم عدة مشاريع تنموية في الضفة الغربية وقطاع غزة عن طريق الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (ابلتابعة لوزارة الخارجية).
هذه الصحفية تعيش في غزة برفقة طفلتيها الصغيرتين ووالدها، وشقيقتها، وشقيقها وعائلته. “وهذا هو الحال بالنسبة للعديد من الناس في غزة”، كما تقول، حيث أن “كل عائلة استقبلت إما شخصين أو أكثر ممن تم ترحيلهم”.
وتضيف “تعاني الصغيرتان من الخوف ومن الملل لأن الفترة فترة عطلة وكانتا تفضلان الذهاب للشاطئ”. كانت الصحفية تقول ذلك وهي تفكر في ما حدث لأربعة من الشبان الذين أصابتهم قذيفة وهم يلعبون في الشاطئ. إذ ترى مها البنا أنه “من المغالطة” القول بأن إصابة المدنيين تتم عن طريق الخطأ.
بدوره، يُشاطر جابر وشاح، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسانرابط خارجي، هذا الرأي ويقول: “لا يمكن لإسرائيل، بالتكنولوجيا التي توضع تحت تصرفها، أن تخطئ أهدافها”.
تحد إنساني
في سياق متصل، يوضح كل من عالم الاجتماع أبو أكرم، والدكتور عائد ياغي، اللذان يُديران جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينيةرابط خارجي، التي تتلقى دعما من المؤسسة السويسرية ميديكو انترناسيونالرابط خارجي أن “طبيعة الجروح لدى المصابين، تشير إلى استخدام أسلحة جديدة تعمل على تمزيق الأنسجة الداخلية للضحايا، بحيث يصبح من الصعب بالنسبة للأطباء المحليين علاج مثل تلك الجراح”.
كما تطرق المتحدثان أيضا لوصف مدى معاناة العائلات عندما تتوصل بإشعار من الإسرائيليين بقرب وقوع هجوم”إذ تعم الفوضى كلية، ويشرع الناس في الهروب دون معرفة إلى أي مكان يجب التوجه”. ويقول جابر ابو وشاح هناك”آخرون يحتمون بمنازل أو مستشفيات أو مدارس حولتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الى ملاجئ”. ثم أضاف “هناك سيدة وضعت مولودها وسط حوالي 50 شخصا كانوا متواجدين في أحد هذه الملاجئ. لم يكن هناك خيار آخر غير ذلك، لم يعد أمام الناس مكان يمكنهم الإحتماء به لذلك تنتهي بهم الأمور باللجوء الى المدارس رغم عدم توفيرها لما يحفظ الحياة الشخصية وافتقارها للمنشئات الصحية الكافية”.
فضيحة كبرى
يلخص ابو أكرم الوضع برمته قائلا: “إنه جحيم. فنحن نفتقر لكل شيء.. الأدوية والمعدات الطبية وكل شيء. ولكن ما نحتاج له أولا وقبل كل شيء هو الحماية الدولية من هذا العدوان الإسرائيلي المستمر ضد الأبرياء”. وحتى فترات الهدنة القليلة، فلم تسمح سوى بالتعرف على مدى فداحة الأضرار. إذ يقول عائد ياغي “لقد سمح وقف إطلاق النار الذي تم يوم 26 يوليو بالتعرف على مدى فداحة الأضرار التي لحقت بحي الشجاعية في ضواحي غزة. فقد تمت تسوية المنازل بالأرض. وكلما تقدمت الأيام كلما أصبحت تحيط بنا رائحة الموت من كل مكان، في إشارة الى تواجد جثث تحت الأنقاض”.
أبو أكرم قال بغضب شديد: “إن العالم يشاهد ما يحدث بدون التدخل لوقفه، إنها فضيحة كبرى”. أما جابر وشاح فأضاف قائلا: “ربما قد حان الوقت بالنسبة للمجموعة الدولية لكي تتحرك، وأن تقوم سويسرا بوصفها راعية معاهدات جنيف بالدعوة عقد مؤتمر دولي للقانون الإنساني الدولي”، واختتم بالتأكيد على أن “الكلمة المعبرة عن معاناة الفلسطينيين هي كلمة احتلال. وعلى المجموعة الدولية أن تمارس ضغوطا على إسرائيل من أجل وضع حد لهذا الإحتلال الأطول في التاريخ، والذي نتمنى أن يُصبح الأخير…”.
بدءُ سريان هدنة في قطاع غزة
بدأ يوم الثلاثاء 5 أغسطس 2014 سريان هدنة في غزة توسّطت فيها مصر بعد تصاعد الهجمات الصاروخية التي تشنها حركة المقاومة الاسلامية (حماس) على اسرائيل.
بدأت الهدنة الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش ومن المفترض ان تستمر 72 ساعة بما يسمح بإجراء مفاوضات في القاهرة بشأن وقف أكثر صمودا للأعمال القتالية.
قبل سريان الهدنة بدقائق دوت صفارات الانذار في جنوب اسرائيل والى الشمال حتى مناطق نائية في القدس بعد زخة من الهجمات الصاروخية أعلنت حماس مسؤوليتها عنها. ولم ترد أنباء فورية عن وقوع اصابات.
انسحبت القوات البرية الإسرائيلية من قطاع غزة قبل سريان الهدنة وقال متحدث عسكري إنها استكملت مهمتها الرئيسية وهي تدمير أنفاق التسلل عبر الحدود. وأضاف المتحدث أن القوات “سيعاد نشرها في مواقع دفاعية خارج قطاع غزة وستحتفظ بتلك المواقع الدفاعية.”
فشلت محاولات سابقة عديدة قامت بها مصر وقوى إقليمية أخرى وأشرفت عليها الولايات المتحدة والأمم المتحدة في تهدئة أسوإ قتال بين إسرائيل والفلسطينيين منذ عامين.
يقول المسؤولون الفلسطينيون في غزة إن 1834 فلسطينيا معظمهم مدنيون قتلوا، في المقابل تقول إسرائيل إن 64 من جنودها وثلاثة مدنيين قتلوا منذ بدء هجومها على القطاع في 8 يوليو 2014.
(نقله إلى العربية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.