مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الصين: السير على حبل مشدود بين المشاركة والمخاطرة
أنهت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باتشليت يوم 28 مايو الماضي زيارة استمرت ستة أيام إلى الصين، في وقت ظهرت فيه المزيد من التقارير الموثقة عن انتهاكات واسعة النطاق ضد أقلية الإيغور في منطقة شينجيانغ شمال غرب البلاد. وفيما لم يتم الإعلان عن الشروط المؤطرة لهذه الزيارة والمتفق عليها مع بكين، يتساءل الكثير من المراقبين إن كانت حققت أي شيء أم أنها عرّضت مصداقية المفوضة السامية للخطر؟
يقول النمساوي مانفريد نواك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالتعذيب الذي زار الصين في عام 2005: «لديّ الكثير من التعاطف مع ميشيل باتشيليت في ما أقدمت عليه لأنه قد يكون له أيضًا تأثير إيجابي». «في الوقت نفسه، القيام بذلك في ظل هذه الظروف – أعني جائحة كوفيد-19 على وجه الخصوص [عذر مُحتمل للسلطات الصينية لتقييد حرية الحركة والتنقل] – ولمدة أسبوع واحد فقط هو تمرين محفوف للغاية بالمخاطر».
باتشيليت، التي تنتهي ولايتها كمفوضة سامية لحقوق الانسان في شهر سبتمبر المقبل، ولم تذكر ما إذا كانت سترشح نفسها مرة أخرى، هي أول مفوضة سامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تزور الصين منذ لويز أربور في عام 2005. كانت المفاوضات بشأن الرحلة طويلة، ولم ييسّر وباء كوفيد 19 المهمة. وقالت منظمات غير حكومية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية إنه ما كان ينبغي لباتشيليت الموافقة على الذهاب. في الوقت نفسه، لم يتم الإعلان عن الشروط التي تم التفاوض عليها مع بكين خلال ترتيب الزيارة.
قبل الرحلة، أعرب العديد من نشطاء حقوق الإنسان عن مخاوفهم بشأن توظيف الصين المحتمل لهذه الزيارة لتلميع صورتها، خاصة عندما أصرّت بكين على أن المهمة يجب ألا تشكل أكثر من «زيارة ودية». ودعا بيان صحفي صادر عن أكثر من 220 مجموعة ديمقراطية من التبت والإيغور وهونغ كونغ وجنوب منغوليا والصين باتشيليت إلى تأجيل الزيارة أو «المخاطرة بالدخول في حقل ألغام دعائي نصبه الحزب الشيوعي الصيني». في الأثناء، منعت بكين والأمم المتحدة الصحفيين الأجانب من تغطية الرحلة بشكل مباشر.
كما تعرضت باتشيليت لانتقادات لعدم سماحها حتى الآن بإصدار تقرير للأمم المتحدة يُحتمل أن يكون متفجرًا عن الوضع في إقليم شينجيانغ. وكان يُعتقد أنها قد تفعل ذلك بعد دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير 2022 في الصين، لكن الوثيقة لا تزال طي أدراجها. وتقول جماعات حقوق الإنسان إنه يجب عليها أن تنشره الآن للعموم.
‘لا ينتظر شيئا من الزيارة’
قال بيتر إيروين، مدير الاتصال في “مشروع الإيغور لحقوق الإنسانرابط خارجي” ومقره الولايات المتحدة، لـ SWI swissinfo.ch قبل أن تُنهي باتشيليت زيارتها أن منظمته “لا تتوقع أن تسفر الزيارة عن نتائج إيجابية، للأسف. من الواضح تمامًا أنه لا يوجد إيغور في المنطقة في وضع يسمح لهم بالتحدث بصراحة عن الانتهاكات التي يواجهونها”.
وقال إنه يأمل، بالنظر إلى النشر الإعلامي الأخير لملفات الشرطة الصينية المخترقة التي تحتوي على صور تقشعر لها الأبدان لمعتقلين من الإيغوررابط خارجي، أن تستخدم باتشيليت الزيارة لطرح أسئلة مباشرة على المسؤولين الصينيين. وقال: «إذا لم تكن قادرًا على التحدث مع السكان المتضررين، فإن أقل ما يمكنك فعله هو تحدي الحكومة باستخدام جبال الأدلة الموجودة التي تشير إلى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية».
وقالت باتشيليت في مؤتمر صحفي افتراضي عقدته يوم السبت 28 مايو 2022 إنها أجرت محادثات «صريحة» مع كبار المسؤولين الصينيين. وخلال يومين قضتهما في شينجيانغ، قالت إنها زارت «سجن كاشغر ومدرسة كاشغر التجريبية، وهي مركز سابق للتعليم والتدريب المهني (يُشار إليه اختصارا بـ VETC)، من بين أماكن أخرى» وأن الزيارات لم تكن «خاضعة لتوجيه مُسبق». وكما هو معلوم، اتُهمت الصين باستخدام هذه المراكز لارتكاب «إبادة جماعية ثقافية» ضد الإيغور والأقليات العرقية الأخرى.
احترام الاختصاص
إذن ما هي الاختصاصات أو الأطر المرجعية المثالية لزيارة مفوّض أو مفوّضة حقوق الإنسان؟ في العام الماضي، كانت سويسرا من بين أربعين بلدا ضغطت على بكين للسماح للسيدة باتشيليت بالوصول «الهادف وغير المقيد» إلى مقاطعة شينجيانغ التي تقطنها أقلية الإيغور.
وقال مانفريد نواك، المقرر السابق للأمم المتحدة المعني بالتعذيب متحدثا إلى SWI swissinfo.ch إن احترام الاختصاصات أساسي، خاصة في بلد مثل الصين. “بالنسبة لي كمحقق في التعذيب، كان هذا في المقام الأول أنه يُمكنني زيارة كل مكان احتجاز – ليس فقط السجون، ولكن أيضًا أماكن احتجاز الشرطة ومعسكرات إعادة التأهيل وما إلى ذلك – دون إعلان مُسبق للسلطات، والأهم من ذلك، التحدث على انفراد مع المحتَجَزين. بالطبع، تم إعاقة زيارتي أخيرًا إلى حد ما لأنهم وضعونا تحت الكثير من المراقبة، لكنني ذهبت إلى العديد من مراكز الاحتجاز دون إعلان مُسبق، وكان بإمكاني التحدث على انفراد إلى المعتقلين الذين اخترتهم”.
نوفاك، بصفته مقرر الأمم المتحدة المعني بملف التعذيب، ألغى في الواقع زيارة لمعسكر الاعتقال العسكري الأمريكي في خليج غوانتانامو في كوبا في نوفمبر 2005 عندما لم يستوف دونالد رامسفيلد، الذي كان وزيراً للدفاع الأمريكي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، الشروط التي طالب بها، ولا سيما الاجتماع على انفراد مع المعتقلين المتهمين بالإرهاب. «بالصدفة، عقدتُ مؤتمرا صحفيا في لندن مع منظمة العفو الدولية وسأل صحفي، لم تذهب إلى غوانتانامو في ديسمبر، لكنك الآن تذهب إلى الصين؟» أضاف متحدثا إلى SWI swissinfo.ch “فأجبت نعم، لأن الصين وافقت على احترام اختصاصي. بينما لم تفعل الولايات المتحدة ذلك. لذلك لم أذهب، هذا بالطبع أفضل نوع من العلاقات العامة لإدارة بوش. من حيث المبدأ، كان الصينيون يمتثلون للاختصاصات، وحصلت بالفعل على الكثير من المعلومات”.
ومع ذلك، “في الصين، عليك أن تكون حذرًا للغاية”، كما يقول نوفاك. “أنت بحاجة إلى فريق يُسافر معك يضم أفراد خبراء في تكنولوجيا المعلومات وفي تأمين اتصالاتها، والذين بامكانهم التحقق مما إذا كانت غرفتك بالفندق مجهزة بأجهزة تنصّت أو يتم التجسّس على هواتفك”.
ويقول: «كان علينا كل ساعتين تغيير الشرائح في هواتفنا لأنهم كانوا يستمعون إلى اتصالاتنا».
أنت بحاجة أيضًا إلى أشخاص «يعرفون اللغة الصينية حقًا، بالطبع، ولكن أيضًا واقع الإيغور بالتحديد، لأنهم بخلاف ذلك يقولون لك فقط إن هذا هو السيد فلان وفي الواقع إنه شخص مختلف تمامًا»، كما أوضح نواك.
‘الأمرُ لا يتعلق بتحقيق’
أبلغت باتشيليت ممثلي وسائل الإعلام خلال نفس المؤتمر الصحفي الذي عقدته يوم السبت الماضي أن زيارتها للصين لم تكن بغرض القيام بتحقيق. وأضافت المسؤولة الأممية: «الزيارات الرسمية التي يقوم بها المفوض السامي أو المفوّضة السامية هي بطبيعتها رفيعة المستوى، وهي ببساطة لا تفضي إلى نوع العمل التفصيلي والمنهجي والسري ذي الطبيعة الاستقصائية». قبل أن تواصل أن «الزيارة كانت فرصة لإجراء مناقشات مباشرة – مع كبار قادة الصين – حول حقوق الإنسان (…) بهدف دعم الصين في الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان».
في هذا الصدد، يُشير نواك إلى أن باتشيليت هي رئيسة سابقة لجمهورية تشيلي ودبلوماسية أكثر من كونها محققة. ولفت إلى إن الانخراط في حوار حول حقوق الإنسان مع الصينيين على أعلى مستوى يُمكن أن يؤدي أيضًا إلى تحسينات وخفض تصعيد سياسي محتمل في وقت يتصاعد فيه التوتر، ولا سيما بشأن تايوان وهونغ كونغ وأوكرانيا وشينجيانغ..
ويعتقد المقرر السابق للأمم المتحدة المعني بالتعذيب أن أفضل سيناريو سيكون تحسين وضع الإيغور في الصين. لكن قد تحصل باتشيليت أيضًا على بعض التنازلات بشأن أهداف الأمم المتحدة طويلة الأجل مثل تصديق الصين على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وإلغاء عقوبة الإعدامرابط خارجي.
وماذا بعد؟
قالت باتشيليت لممثلي وسائل الإعلام إنها أثارت هذه القضايا مع بكين، فضلاً عن مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان في شينجيانغ وهونغ كونغ وإقليم التبت. كما أعلنت موافقة الحكومة الصينية على تشكيل مجموعة عمل «لتسهيل التواصل الموضوعي والتعاون البناء بين مكتبي والحكومة من خلال اجتماعات في بكين وجنيف، بالإضافة إلى اجتماعات افتراضية». وقالت إن هذا مهم بشكل خاص لأنه ليس لمفوضية حقوق الانسان مكتب تابع لها في الصين.
لذلك ربما تكون هناك متابعة، وربما تكون هناك بعض النتائج، وربما استغرق الأمر بعض الوقت. لكن صوفي ريتشاردسون، مديرة هيومن رايتس ووتش في الصين، تظل متشككة. وغردت متسائلة: «مجموعةُ عمل حول “التعاون الموضوعي” بين مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة والحكومة الصينية؟»، إنها مجرد “لعبة. الرابح فيها شي، [في إشارة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ]”، حسب رأيها.
(ترجمه من الانجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.