مُدافع مخضرم عن حقوق الانسان يتعرض للاستهداف في بلاده
في عام 2020، أكمل البرازيلي باولو سيرجيو بينهيرو خمسة وعشرين عامًا من العمل في منظمة الأمم المتحدة دفاعًا عن حقوق الإنسان. فقد شغل بعضًا من أكثر المناصب حساسية في المنظومة الأممية لمراقبة الانتهاكات، وكان مقررًا خاصا لكل من بوروندي وميانمار، وأشرف طيلة ما يقرب من عقد على تسيير لجنة التحقيق في الجرائم المرتكبة في سوريا. وفي البرازيل، كان على رأس وزارة حقوق الانسان أثناء إدارة فرناندو هنريكي كاردوزو.
تم نشر هذا المحتوى على
13دقائق
جميل شحادة، جنيف
English
en
UN human rights veteran is a target in his native Brazil
لكن – وهنا تكمن المفارقة – فإن أكبر تهديد يتعرّض له يأتي من بلده، البرازيل. فقد تم إدراج بينيرو في قائمة أعدتها وكالات الاستخبارات بتكليف من وزير العدل تشتمل على مدرسين ورجال شرطة وشخصيات انتقدت حكومة جايير بولسونارو ويُزعم أنهم كانوا أعضاء في حركات “مناهضة للفاشية”. وقد نددت جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان بالقائمة باعتبارها خطوة من شأنها إحياء مشاعر الخوف من تجسّس الدولة، وهي الممارسة التي لم تُعرف إلا خلال مرحلة الديكتاتورية العسكرية (1964 – 1985).
في مقابلة خاصة مع swissinfo.ch، تحدث عميد حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن التحديات التي ميّزت ربع القرن الماضي، وعن الدبلوماسية الدولية متعددة الاطراف، وعن الدور المركزي للضحايا في عمل المنظمة الأممية، وعن وضعيته في البرازيل.
swissinfo.ch: خلال 25 عامًا من العمل في وظائف مختلفة في الأمم المتحدة، ما هو الدور الذي تعتقد أنه يمكن للمنظمة الأممية أن تلعبه بالفعل في ضمان حماية حقوق الإنسان؟
باولو سيرجيو بينهيرو: إذا ما نظرنا إلى الأمم المتحدة ككل، نجد أن حقوق الإنسان كانت منذ البداية في صميم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (الصادر) في عام 1948. فهي حاضرة في قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن. كما أن جميع وكالات الأمم المتحدة مثل اليونيسف ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية وغيرها تحمي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم وكل واحدة في مجالها. لكن أهم هيئة تقوم بفعل المزيد لضمان ذلك فهي مجلس حقوق الإنسان في جنيف من خلال مقرريه الخاصين (الذين بدؤوا) منذ عام 1979 بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في البلدان وبمواضيع شتى، بمساعدة المفوض السامي لحقوق الإنسان.
swissinfo.ch: هل عشت لحظة إحباط بسبب محدودية الدور الذي تلعبه المجموعة الدولية؟
باولو سيرجيو بينهيرو: وحدهم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، الذين أفضل أن أسمّيهم بالناجين، يُمكنهم الشعور بالإحباط. أما نحن الذين نكافح من أجل أن تُصبح الانتهاكات ظاهرة للعيان ويُعاقب عليها، فلا نشعر بالإحباط إلا بسبب وجود خلل في عمل هيئات الأمم المتحدة. على مدار أكثر من 10 سنوات من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، فإن الخلل الكائن في مجلس الأمن الدولي كان يعني أن هذه الجرائم لا تُعرض على أنظار المحكمة الجنائية الدولية. هذا الأمر ليس محبطًا فحسب، ولكنه غير مفهوم أيضا بالنسبة للناجين من الحرب.
swissinfo.ch: لدى قيامك بمهمتك الأولى في بوروندي في عام 1995، كان هناك توقع حقيقي بإحراز تقدم من خلال ولايتك. هل نجح الأمر؟
باولو سيرجيو بينهيرو: ليس للمقرر الخاص عصا سحرية لتغيير الوضع في بلد معيّن، لكن هناك فرق بين وجود مقررين خاصين، وبين إنشاء لجنة تحقيق بعد عام 2016. إذ يشعر المجتمع المدني المحلي بأنه أقوى، تماما كما يشعر بذلك أعضاء الحكومة المعنيين بمجال حقوق الإنسان. لقد كان أفضل محاور لي خلال فترة ولايتي هناك وزير حقوق الإنسان، يوجين نيندوريرا، الذي أصبح في وقت لاحق من عام 2010 مسؤولًا بالأمم المتحدة ضمن مهام معنية في مجال حقوق الإنسان في كوت ديفوار وجنوب السودان.
swissinfo.ch: لقد أمضيت سنوات أيضًا في التعامل مع ميانمار وزعيمتها، أونغ سان سو تشي، عندما كانت لا تزال قيد الإقامة الجبرية. كيف كانت تلك الاجتماعات؟
باولو سيرجيو بينهيرو: كانت ميانمار حالة استثنائية، لأنها كانت حكومة عسكرية سعت إلى الاقتراب من هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومن كيانات المجتمع المدني، بل استقبلت مهمة من منظمة العفو الدولية. خلال السنوات الأربع الأولى، أي منذ عام 2001، تمكنتُ من الوصول إلى جميع الأماكن والمؤسسات التي طلبت زيارتها. لكن لم أستجب لا أنا ولا غيري من ممثلي الأمم المتحدة في البلاد بشكل مُرضٍ لهذا الانفتاح الذي أبدته الحكومة، التي لم يكن لديها أشياء قيمة لتبرزها ثم تمت الإطاحة بها. لم أعد إلى هناك إلا بعد أربع سنوات أي في عام 2007 عندما اندلعت انتفاضة قام بها الرهبان والمجتمع المدني.
swissinfo.ch: مرت الآن حوالي عشرة أعوام على الحرب في سوريا، وقد سمح التحقيق الذي تقوده بمراكمة حجم غير مسبوق من المعلومات حول الأزمة هناك. ما الذي يمكن عمله بهذه المعلومات؟
باولو سيرجيو بينهيرو: لجنة التحقيق الخاصة بالجمهورية العربية السورية ليست محكمة ولا اختصاص لها في إجراء مفاوضات سياسية. إن الهدف من هذه اللجان – على غرار اللجنة التي ترأستها منذ عام 2011 – هو التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتوثيقها. نحن نعمل من أجل معرفة الحقيقة وهو من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الشعب السوري.
هذا هو الغرض من التقارير المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان ثلاث مرات في السنة، والتي تشمل الدراسات الموضعية وجميع التدخلات في هياكل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. لقد أفادت قاعدة بياناتنا التحقيقات التي فتحها القضاء في العديد من البلدان ضد منتهكي حقوق الإنسان في النزاع. كما استُخدمت بياناتنا من قبل الآلية الدولية المستقلة الخاصة بسوريا التي تهيئ قضايا التحقيق الجنائي تمهيدا لعرضها على المحاكم يوما ما.
swissinfo.ch: لقد تحدثت حتى عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في بداية الحرب. هل يُمكن أن يوفّر هذا يومًا ما الأساس لمحاكمة دولية؟
باولو سيرجيو بينهيرو: بالتأكيد، فالبيانات التي يعتمد عليها فريقنا المكون من ثلاثين باحثًا وخبيرًا والتي تستند إليها تقاريرنا، بالإضافة إلى تدخلاتنا داخل هيئات الأمم المتحدة، ستكون قادرة على التعامل مع القضايا المعروضة أمام محاكم دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم في سوريا.
swissinfo.ch: يُصادف عام 2020 أيضًا مرور خمسة وسبعين عاما على إنشاء الأمم المتحدة. هل هناك ما يُحتفى به؟
باولو سيرجيو بينهيرو: هناك ما هو مدعاة للاحتفاء أكثر مما هو مثير للندم. دعونا نتظاهر بأن الأمم المتحدة لم تكن موجودة. ستكون النزاعات الدولية أكثر حدة، ولن يتم التصدي للأزمات الإنسانية، وستكون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أقل ضمانًا. كما أن الإخفاق في إنجاز مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمعاهدات ذات العلاقة كان سيحدث بدرجة أكبر. بمجرد مغادرتها، قالت لي بريجيت لاكروا، مساعدتي كمفوض سام للبوروندي: “باولو، ما يهمّ حقًا هو ما الذي ستفعله لفائدة الضحايا. لذا، من وجهة نظر الناجين، يتوجّب علينا إحياء الذكرى لأنهم محور عملنا”.
swissinfo.ch: اليوم، تقف الأمم المتحدة ونظام تعددية الأطراف على مفترق طرق، كما تُظهر ذلك جزئيا كيفية التعاطي مع وباء كوفيد – 19. هل هناك خطر حقيقي على المنظومة برمتها؟
باولو سيرجيو بينهيرو: لقد كشف الوباء بوضوح هائل عن عدم المساواة، وتمركز الدخل (لدى فئة محدودة)، وعن العنصرية التي لا تزال سائدة في جميع المجتمعات تقريبًا، في الشمال والجنوب على حد السواء. لم يُفلت أحد. أولئك الذين كانوا فقراء يزدادون فقرًا، كما زادت الرعاية الصحية لمن يُعانون من الفقر والفقر المدقع سوءا، ولم يقتصر الأمر على الرعاية السيئة للمتضررين من كوفيد – 19، ولكنه شمل الحق في الصحة بشكل عام.
لا أعتقد أنه سيكون هناك بعد الوباء تلقائيا مزيد من التضامن، مثل “نشيد الفرح” في سمفونية بيتهوفن التاسعة، ولا رعاية أفضل للمحرومين. لهذا السبب، سيكون من الضروري أن تقوم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بدلاً من حرمان المنظمة من الموارد، كما فعلوا مع منظمة الصحة العالمية، بزيادة دعمها السياسي وإسهاماتها المالية للأمم المتحدة.
swissinfo.ch: تمّ إدراج اسمك ضمن قائمة أعدتها وزارة العدل في البرازيل فيما يُشبه الملف المُعدّ ضد أولئك الذين يقومون بالتشكيك في الحكومة. كيف تقيّم ذلك؟
باولو سيرجيو بينهيرو: وضعتني وزارة العدل في قضية تتعلق بتجريم مُعاداة الفاشية. لقد كان شرفًا غريبًا أن أكون مشمولًا بها، في حين كان يكفي فتح موقع غوغل لمعرفة ما أفكر به وأقوله وأفعله في البرازيل وفي هيئات الأمم المتحدة وفي جميع أنحاء العالم. لقد كانت مبادرة مؤسفة على ما يبدو ترمي لإحياء ملفات التجسّس السياسي البغيضة للديكتاتورية العسكرية.
لحسن الحظ، منعت المحكمة الفدرالية العليا، في قرار تاريخي – اتخذته بتسعة أصوات مقابل واحد يوم 21 أغسطس 2020 – وزارة العدل من إعداد هذه التقارير حول ما يفكر فيه بعض المواطنين ويقومون به، وحظر توزيعها.
swissinfo.ch: بشكل عام، كيف يندرج تطور المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان والتحقيقات في الانتهاكات المرتكبة وجدول أعمال حقوق الإنسان ضمن تاريخ الانسانية؟
باولو سيرجيو بينهيرو: للبدء من نقطة محددة، (لا مفر من القول أن) العنف ضد المواطنين كان ساريًا منذ أن تشكلت الدول، لأن الدولة كيان متناقض إذ تتركز فيه القدرة على فعل الخير للسكان من جهة، وتحتكر فيه الدولة العنف الذي يُمكنها به قمع المواطنين من جهة أخرى. الإعلانات العالمية (لحقوق الانسان) الأمريكية والفرنسية اقترحت الحد من الانتهاكات المرتكبة ضد المواطنين، والدفاع عن أولئك المُحتاجين للحماية. وكان الإعلان العالمي لعام 1948 أفضل إعلان للتعبير عن هذا الدفاع، تلته المواثيق والاتفاقيات الدولية التي جعلت هذا الدفاع أكثر دقة.
على الرغم من كل الفظائع، لقد كان القرن العشرين أعظم لحظة توطدت فيها الديمقراطية، التي لا زالت حتى الآن أفضل نظام لتجسيم حقوق الإنسان.
قراءة معمّقة
المزيد
آفاق سويسرية
صحيفة سويسرية تكشف تفاصيل رحلة هروب الأسد إلى موسكو
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
باولو سيرجيو بينهيرو : “سوريا ما قبل الحرب فُقـِدت للأبد”
تم نشر هذا المحتوى على
"سيختفي بالتأكيد الجمعُ بين نظام استبدادي ودولة علمانية مُتسامحة مع المجموعات الدينية المختلفة"، هذه هي قناعة باولو سيرجيو بينهيرو، رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا. ومع ذلك، يرغب معظم اللاّجئين الذين استجوبتهم اللجنة في العودة إلى سوريا بمُجرد انتهاء الحرب.
آمال متزايدة في إمكانية تقديم مجرمي الحرب إلى المحكمة
تم نشر هذا المحتوى على
مع توقع إجراء أول محاكمة دولية لجرائم الحرب في سويسرا أمام محكمة غير عسكرية في الأشهر المقبلة، تقول منظمة " ترايال إنترناشيونال " TRIAL International السويسرية غير الحكومية أن حالات "الولاية القضائية العالمية" هذه في تزايد في جميع أنحاء العالم. وتقول إن سويسرا لديها العديد من القضايا الأخرى قيد الدرس والتحقيق، لكنها ما زالت بحاجة إلى زيادة وتيرة عملها في هذا المضمار.
نظراً لتداعيات أزمة فيروس كورونا، أُجلت المحاكمة التي طال انتظارها لزعيم المتمردين الليبيريين السابقين إليو كوشيا، والتي كان من المقرر إجراؤها مبدئياً أمام المحكمة الجنائية الفدرالية السويسرية في أبريل الحالي، ولكن ما زال من المتوقع أن تتم هذه المحاكمة في وقت لاحق من العام. وتأمل فاليري بوليت، رئيسة تحرير مجلة "ترايال السنوية بشأن الولاية القضائية العالمية" المنشورة يوم الاثنين الماضي، في أن تفتح المحاكمة حقبة جديدة في وحدة الجرائم الدولية في سويسرا في مكتب المدعي العام (OAG).
تقول فاليري بوليت لـ swissinfo.ch: "آمل أن تكون المحاكمة علنية وأن تحظى بتغطية إعلامية كبيرة لهذه القضية، كما آمل أن يكون ذلك حافزاً لوحدة الجرائم الدولية للمضي قدماً في التحقيق وإرسال لوائح الاتهام". وتضيف: "نحن بحاجة إلى الإقرار بأهمية ما آلت إليه الأمور بأن كوشيا سيخضع أخيراً، وبعد ست سنوات من الانتظار، للمحاكمة؛ لقد حان الوقت لذلك".
كوشيا، القائد السابق لحركة التحرير المتحدة من أجل الديمقراطية في ليبيريا (ULIMO)، متهم بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الأهلية الليبيرية الأولى بين عامي (1989-1996)، بما في ذلك أعمال عنف جنسي وقتل وأكل لحوم البشر وتجنيد الأطفال للقتال، وإجبار المدنيين على العمل في ظروف قاسية. وقد تم اعتقاله في سويسرا في نوفمبر 2014، وهو قيد الاحتجاز على ذمة التحقيق منذ ذلك الحين بانتظار المحاكمة، حيث قامت السلطات السويسرية بإجراء تحقيقات، بشأن الجرائم المنسوبة إليه.
وقد رفعت القضية منظمة سويسرية أخرى غير حكومية، هي "سيفيتاس ماكسيما" Civitas Maxima وذلك بالنيابة عن الضحايا الليبيريين، بموجب مبدأ يعرف باسم الولاية القضائية العالمية، حيث يمكن لدول مثل سويسرا التي اعتمدت هذا المبدأ في القانون الوطني، استخدامه لمحاكمة غير مواطنيها على الجرائم الدولية الخطيرة (الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية) التي ترتكب في أي مكان في العالم.
ويخضع وزير الداخلية الغامبي السابق عثمان سونكو أيضاً، منذ يناير 2017، للاحتجاز، بانتظار محاكمته في سويسرا، حيث يتم التحقيق معه من قبل مكتب المدعي العام في جرائم مزعومة ضد الإنسانية، ومنها التعذيب.
اللجوء إلى الولاية القضائية العالمية في ازدياد
يعتبر محامو حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية مثل " ترايال" في طليعة الجهات التي دفعت الولاية القضائية العالمية إلى تحمل مسؤولياتها في المحاكمات، وإجراء المساءلة عن الجرائم الخطيرة، لا سيّما عندما لا تتوفر الأطر القانونية لذلك في البلد الذي ارتكبت فيه الجرائم. وعلى سبيل المثال، لم تقم ليبيريا، حتى اليوم، بمحاسبة أي شخص على الجرائم الدولية الخطيرة التي ارتكبت خلال حروبها الأهلية، علماً أن هناك بعض القضايا أيضاً في دول أوروبية تتبنّى هي الأخرى مبدأ الولاية القضائية العالمية.
ووفقا لتقرير "ترايال"، فلقد ازداد اللجوء إلى صلاحيات الولاية القضائية العالمية في البلدان حول العالم "أضعافاً مضاعفة"، مع وجود عدد غير مسبوق من القضايا. وبحسب التقرير المذكور، واستناداً إلى عام 2019، تخضع 16 دولة لملاحقات قضائية، وهناك حالياً 11 متهماً قيد المحاكمة، و "يمكن أن يضاف إليهم قريباً، أكثر من 200 مشتبه به"، بحسب التقرير. وقد ارتفع عدد المشتبه بهم في قضايا الولاية القضائية العالمية حول العالم (207) أي بنسبة 40% عن عام 2018.
وتقول بوليت إن الاتجاه بدأ في عام 2015 بتدفق اللاجئين إلى أوروبا "الذي رافقه قدوم العديد من الشهود والعديد من الضحايا والعديد من الجناة المشتبه بهم". وتقوم الدول الأوروبية الآن باكتساب خبرتها في هذا المجال، وهناك دول مثل فرنسا وألمانيا، تقوم بإنشاء وحدات تعاون مشتركة للتحقيق في القضايا.
وتضيف بوليت: "لدى سويسرا بعض القضايا، التي رُفع الكثير منها من قبل "ترايال إنترناشيونا". "لدينا ست قضايا كبيرة قيد التحقيق، لكن أخشى ألا يتم إجراء التحقيقات اللازمة. لذا فمن الواضح أنه لا يمكن اعتبار سويسرا مثالاً"، على حد قولها.
الموارد والإرادة السياسية
لطالما اتهمت المنظمات غير الحكومية وغيرها، مكتب المدعي العام بالتباطؤ في قضايا الجرائم الدولية. ويُعزى ذلك إلى المعاناة من النقص في الموارد، والخشية من التدخلات والضغوط السياسية الممكنة. في شهر أبريل من عام 2018، كتب المقررون الخاصون للأمم المتحدة، المعنيون بقضايا التعذيب واستقلالية القضاة والمحامين، إلى الحكومة السويسرية، معربين عن قلقهم إزاء مزاعم بأن مكتب المدعي العام قد تعرض للضغط السياسي، لا سيما في القضايا المرفوعة ضد وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار، ورفعت الأسد عم الرئيس السوري الحالي.
وفي ردّ مكتوب، رفض وزير الخارجية إينياتسيو كاسيس هذه الادعاءات وأكد أن "سويسرا تعلق أهمية كبيرة على مكافحة الإفلات من العقاب، لا سيما بالنسبة للجرائم التي تقع تحت طائلة القانون الدولي". ولكن، ورغم مرور عامين على رفع هذه القضايا إلى المختصين، لم يتم فيها إحراز أي تقدم يذكر، حيث لم يتم الاستماع سوى لشاهد واحد في قضية نزار، بحسب ما تدّعي بوليت. أما في قضية سونكو، التي رفعتها "ترايال" أيضاً للجهات المختصة، فإن العاملين فيها "ليس لديهم أدنى فكرة" عن متى يمكن تقديمه للمحاكمة، على حد قولها.
ورفض مكتب المدعي العام مقابلة swissinfo.ch بشأن هذه الادعاءات، وصرّح في رد مكتوب أن التحقيقات المتعلّقة بهذه القضايا "جارية". وفيما يتعلق بقضية الوزير الغامبي السابق سونكو، ذكر أن "المشتبه به ما زال رهن الاحتجاز وأن الإجراءات الجنائية السويسرية مستمرة بحقه"، كما أن مكتب المدعي العام يتابع عن كثب ما يحدث في غامبيا بهذا الشأن وفي ولايات قضائية أخرى ذات صلة. ووفقاً لـ ترايال، ذكرت لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات TRRC أن هناك جلسات استماع إلى شهود وضحايا أحياء تجري في غامبيا، وأن اسم سونكو تردد على لسان هؤلاء بشكل متكرر. كما تم نقل "مواد وأدلة متعلقة بالقضية، بما في ذلك شهادات أمام لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات TRRC، وتسليمها إلى المدعي العام السويسري".
ورفض مكتب المدعي العام إعطاء تفاصيل عن موارده المخصصة لمتابعة قضايا الجرائم الدولية، وعن مدى ملاءمتها إنجاز المهام المطروحة.
الجرائم الدولية والإرهاب
ويعرب تقرير "ترايال" أيضاً عن القلق بشأن ما يسميه منحى متزايداً للمدعين العامين حول العالم، لاتهام المشتبه بهم بالإرهاب، وهي تهمة يسهل إثباتها أكثر من تهمة ارتكاب الجرائم الدولية. وهذا أمر يثير القلق، لا سيّما مع انتفاء وجود تعريف دولي للإرهاب، ولأن من عواقبه تهميش الضحايا، لأن الإرهاب جريمة ضد الدولة وليس ضد الأفراد. وتعتبر "ترايال" أن عواقب هذا المنحى، تشكل "حقيقة من الصعب تقبّلها بالنسبة للعديد من الناجين الذين يعتبرون اتباع هذا المنحى للوصول إلى تحقيق العدالة التي ينشدونها بمثابة خطوة نحو إغلاق ملفات قضاياهم".
ويشير التقرير إلى ما حصل في قضية الجهاديين الفرنسيين منير ديوارا ورودريغ كوينوم، اللذين حكمت عليهما محكمة فرنسية في ديسمبر من عام 2019 بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة الإرهاب. وكان المتهمان قد ظهرا في صوَر في سوريا وهما يرتديان ملابس قتالية ويحملان بنادق كلاشينكوف، وكان أحدهما يلوح بإحدى يديه برأس مقطوع.
وتعتبر "ترايال" أن المشتبه بهما "كان يمكن أن يتهما، بالإضافة إلى التهم المتعلّقة بالإرهاب الموجهة ضدهما، بالاعتداء على الكرامة الشخصية لضحاياهما، وهي جريمة حرب محددة بوضوح في اتفاقيات جنيف".
وترى بوليت إن المشكلة لا تكمن في سويسرا بقدر ما تكمن في واقع أن وحدة الجرائم الدولية التي، وبنتيجة افتقارها إلى الموظفين، قد تم دمجها مع وحدة جرائم الإرهاب. هذا الدمج لا يُعتبر مشكلة في حد ذاته، فقد حصل أيضاً في فرنسا. وتقول لموقع swissinfo.ch: "قد يكون من الجيد الاعتقاد بأن لديك وحدة معنية بجرائم الإرهاب تعمل أيضاً في قضايا جرائم الحرب، لأن هذه الجرائم مرتبطة ببعضها أحياناً. لكن المشكلة تكمن في الافتقار للموارد البشرية والمالية والتعرّض للضغوط السياسية التي تمارسها دولة ما. ونتيجة لضغوط الرأي العام، تجنح الدول إلى مقاضاة المشتبه بهم في قضايا الإرهاب. ثم يصبح من الصعب الدمج بين الإرهاب وجرائم الحرب، لأن جرائم الإرهاب هي التي ستُولى الأهمية ".
تم نشر هذا المحتوى على
في أحدث تقرير لها، أكدت لجنة التحقيق في سوريا المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان ارتكاب حوالي 17 مجزرة في الفترة الأخيرة يُنسب بعضها للقوات المعارضة والغالبية للحكومة. اما عن استخدام اسلحة كيميائية فقد اعترفت اللجنة بوجود أدلة عن استعمالها "بكميات محدودة" ولكن من غير المعروف طبيعتها او من أطلقها.
هل ستصبح الأمم المتحدة قريبا عاجزة عن تحقيق أهدافها؟
تم نشر هذا المحتوى على
إلى جانب نيويورك، تُعد جنيف، المقرّ الأوروبي للأمم المتحدة، أحد أهمّ مركزيْن للدبلوماسية متعددة الأطراف في العالم. ففي جنيف، يتم تناول التحديات التي تواجه العالم بالتحليل والنقاش، قبل أن تقرّر البلدان الأعضاء في نيويورك أي الخيارات التي يجب اعتمادها لمواجهتها. للتأكيد على أن هذه الطريقة في تنظيم العلاقات بين الدول هي أكثر قيمة الآن من أي…
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.