“نحن لسْنا مدرسة قُـرآنية ولن نكون كذلك أبداً”
يهدِف المركز السويسري للإسلام والمُجتَمع، الذي افتُتِح مؤخّراً في جامعة فريبورغرابط خارجي، لأن يكون فضاءً للحوار الفِكري والتحليل النّقدي حول الحضور الإسلامي في المجتمع السويسري. وهو يسعى إلى تعريف أئِمّة سويسرا - من ضِمن أشخاص آخرين - على القِيم والقانون والتاريخ السويسري، كما يقول هانس يورغ شميد، مدير المركز.
وكان العالِم المُتَخَصِّص في عِلم اللاّهوت المسيحي، قد نشَرَ العديد من البحوث والمنشورات حوْل مَكانة الإسلام في أوروبا والحوار الإسلامي – المسيحي. وهو يترأس الآن مركزَ الإسلام والمجتمع في جامعة فريبورغ، الذي بدأ بممارسة نشاطاته منذ أول يناير 2015. وبالنسبة لشميد، ستُسهِم هذه الساحة للحوار في تحقيق إندماج أفضل لنحوِ 400,000 مُسلمة ومسلم في سويسرا “سوف يكون مستقبلهم هنا”.
swissinfo.ch: ألَن يكون من الأفضل لو أن سويسرا تبنَّت تدريب الأئِمة العاملين فيها بنفسها، بدلاً عن “إستيرادهم” من الخارج، كما يُطالب بذلك الشيخ مصطفى محمدي، الذي يَـؤُم مسجداً للجالية الألبانية في برن؟
هانس يورغ شميد: هذا هو النقاش الذي سيتَحَتَّم علينا خَوضَه مع الجمعيات الإسلامية في سويسرا. الأمر الأكيد، هو أن مركز الإسلام والمجتمع، ليس مدرسة قُـرآنية ولَن يكون كذلك أبداً، بل هو معهد جامعي لإدارة حوار هامّ مبْني على أسُس عِلمية وأكاديمية حول الإسلام .
مع ذلك، من الجائز أن توَفّر الجامعة في المستقبل دورات حول العلوم الشرعية الإسلامية [اللاّهوت الإسلامي] والفِكر الإسلامي. ولكن، لَنْ يكون بوسْعنا القيام بتأهيل الأئِمة. وعلى سبيل المقارنة: يقوم الكهنة أو القساوِسة في سويسرا بدراسة اللاّهوت في الجامعة، ويَحْضرون في الوقت نفسه حلقات دراسية لتعلّم المهارات العملية. ربّما يكون هذا نموذجاً للمستقبل، أي أن الجامعة تقدّم التدريب العِلمي، في حين تضْطَلِع الجمعيات الإسلامية بتنفيذ نوعٍ من الحلقات الدراسية. ولكني أعتقِد بأننا لم نَصِل إلى هذه المرحلة بعدُ.
swissinfo.ch: قال الإمام مصطفى محمدي أيضاً إنه ينبغي عدَم السماح لأي إمام بالوَعْظ دون الحصول على ترخيص من الدولة. هل يَحِقّ للسلطات التدخّل في الشؤون الدِّينية أصلاً؟
هانس يورغ شميد: هذا هو الوضع القائم في تركيا. هناك، يُوَظَّف الأئِمة من قِبَل الدولة، وهم مُلزَمون بالوعْظ وِفق الإسلام الرسمي للدولة. ولكن الأمر مختلفٌ في سويسرا العِلمانية، التي تَفصِل بين الكنيسة والدولة، مع ضمان حقوق الطرفيْن. وفي رأيي، لا ينبغي أن تتدخّل الدولة في شؤون الكنيسة، إلا عند حدوث انتِهاك للقوانين.
ربّما يُمكن التفاوُض على حلٍّ يُطالِب الأئِمة في المستقبل بالحصول على شهادة جامعية. ولكن هذه المسألة تتطلّب نِقاشاً حول دوْر الأئِمة الذين تختلف وظائفهم عن وظائف الكهنة أو القساوسة في التقليد المسيحي.
swissinfo.ch: ما هو الدّور الذي يضطلِع به الإمام؟
هانس يورغ شميد: إنه يؤُم المُصلّين ويتلو القرآن، وكثيراً ما يقوم في سويسرا بدوْر الأخصّائي الاجتماعي أيضاً. الناس يقصدونه للتحدّث عن مشاكِل الأطفال في المدرسة، كما يثِقون به، ويطلعونه على همومهم الشخصية. وهناك عدد من الأئمة المُهيَّئين بشكلٍ جيدٍ جدّاً لمُمارسة هذه المهمّة، وهناك آخرون ليسوا كذلك على الإطلاق.
وكثيراً ما يُمثِّل الإمام في أوروبا الجالية المسلمة أمام السلطات والإدارة المحلية ووسائل الإعلام أيضاً. ولكي يكون الإمام أهْلاً لتنفيذ هذه المهام، لابد له أن يكون على إطّلاع جيّد بالنظام. ويُمكن لمركز الإسلام والمجتمع أن يساهم في تحسين هذا الوضع.
swissinfo.ch: هناك سُوء فهْـمٍ حول أهداف مركز الإسلام والمجتمع. ففي بداية الأمر، تم تقديمه كمركز لتدريب الأئِمة. من ثَمَّ، تمّ التأكيد على استهدافه لجمهورٍ أوسَع. مَنْ سيكون طلاّب المستقبل في نهاية المطاف، وكيف سيتِم تدريبهم؟
هانس يورغ شميد: يستهدِف برنامجنا للتدريب المُستمِر الأئِمة ومسؤولي المساجد، وهو مُوجَّه أيضاً للأشخاص الذين تَفرِض عليهم وظائفهم التعامُل اليومي مع المسلمين، سواءٌ في المستشفيات أو السجون أو في مجال الإدارة، أو أولئك الرّاغبين بِمَعرفة المزيد عن الإسلام.
وعلى وجه التّحديد، سأقدِّم اعتِباراً من شهر فبراير دوْرة حوْل موضوع مكانة الأديان في أوروبا – وخاصة المسيحية والإسلام – ومُساهمتها في تكوين الهوية الأوروبية. علاوة على ذلك، سيُناقِش بعض المفكِّرين المسلمين أيضا وَضْع الإسلام واندماجه في أوروبا. وأخيرا، سوف يُـقدِّم أستاذ زائر في العلوم الشرعية الإسلامية دوْرة تمهيدية في الفِكر الإسلامي في أوروبا في الخريف المقبِل.
في نفس السياق، علينا أيضاً تأهيل مُسلمي سويسرا بالشكل الذي يُمَكِّنهم من تدريس الإسلام في الجامعة. ونحن نأمَل في إتاحة الفرصة للرّاغبين في كِتابة أطروحة (رسالة دكتوراه)، تبحث في مواضيع العلوم الشرعية والأخلاقية والإجتماعية في الإسلام. ونحن نريد من خلال هذا المشروع، أن نُصبِح ساحةً للمناقشات الفِكرية والحسّاسة حول الإسلام.
مركز مُثير للجدل
في 28 يناير من العام الجاري (2015)، قرّرت الهيئة المركزية لفرع حزب الشعب اليميني في كانتون فريبورغ، إطلاق حملة لجمع التوقيعات اللاّزمة لطلب إجراء إستفتاء محلّي على مشروع قانون لتكييف دستور الكانتون، بما يسمَح بالحصول على خلفِية قانونية لإغلاق “مركز الإسلام والمجتمع” في جامعة الكانتون، وجعْل أي تدريب للأئِمة من قِبل الدولة أمْراً مستحيلاً.
وخلال اجتماعهم، شدَّدَ العديد من الحضور على التقليد الكاثوليكي لكلية اللاّهوت في جامعة فريبورغ. وعلى الرّغم من نأي العديد من المتحدِّثين بأنفسهم عن أيّ كراهية للإسلام، إلّا أنَّهم عبَّروا عن شكوكِهم من الأهداف الطويلة الأجَل لهذا المركز.
ويخشى أعضاء الحزب على وجْه الخصوص، من قيام كانتون فريبورغ بتأهيل الأئِمة في يوم من الأيام. وكما يقول رولاند موست، رئيس الحزب في الكانتون “كانت مسألة تأهيل الأئِمة قد ذُكِرِت في وثائق سابقة لحكومة الكانتون”.
swissinfo.ch: بالنسبة للبعض، لا يتوافَق الإسلام مع مبدإ الديمقراطية، لأنه شُمولي للغاية. كيف يُمكن أن يتعايَش الإسلام مع الديمقراطية برأيِك؟
هانس يورغ شميد: يحمل العديد من المُفكرين المسلمين المعاصرين نظرة إيجابية جداً حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومُعظم المسلمين المُقيمين في أوروبا سُعداء جداً، لأنهم يعيشون في ظِـلّ نِظام يَمنحُهم المزيد من الحرية والحقوق – ولاسيما الحق في ممارسة شعائِرهم الدِّينية، وكأنهم في “دولتهم الإسلامية”.
swissinfo.ch: ومع ذلك، لا يمنَع هذا الكثير من الشباب للذّهاب والقتال تحت راية ما يُسمّى بـ “الدولة الإسلامية؟”…
هانس يورغ شميد: هذه مسألة يصعُب علي فهْمها. وأعتقد أن عوامِل أخرى لا علاقةَ لها بالدّين تلعَب دوراً أكبَر من الدِّين نفسه هنا. إن هؤلاء الشباب يجدون أنفسهم في مواجهة صِراع شديد في عُمر المراهقة والبلوغ. إنهم يشعرون بالرَّفض، ولا يجدون أي آفاق مستقبلية أمامهم. ولحُسن الحظ، لا يشكّل هؤلاء سوى أقلية صغيرة. إنهم يُثيرون الخوف، ولكن علينا أن نَحرص على عدم تعميم هذه الظاهرة.
swissinfo.ch: إدخال الإسلام في إحدى الجامعات المتميِّزة بتقاليدها الكاثوليكية، ألَـن يُفَسَّر من قِبل بعض المسلمين بمثابة رغْبة الغرب المسيحي بِفرْض السيْطرة على دِينهم؟
هانيس يورغ شميد: لسْتُ أنا أو أي أحد من زملائي في قِسم اللاّهوت مَن يُحَدِّد أصول التشريع الإسلامي [اللاهوت الإسلامي] أو الفكر الإسلامي. هذا أمرٌ ينبغي على المسلمين أنفسهم القيام به في هذه المساحة المخصّصة للحوار، التي يوفرها “مركز الإسلام والمجتمع”. لقد وُجِد هذا المركز لإتاحة نوْع من الإستقلالية في التفكير، ولتبادل الأفكار برُوح من الحِوار بين الأدْيان، وهو تقليد مُتَّبَع في جامعة فريبورغ. وهذا هو السبب أيضاً في تكليف الحكومة السويسرية لهذه الجامعة بإنشاء المركز.
swissinfo.ch: أنت تُباشر مهامّك في جوٍّ يَميل إلى العدائية تُجاه الإسلام. وكما نرى، أطلق حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) حملة شعبية لِجَمع توقيعات تُطالب بالإستفتاء على مشروع قانون لتغيير الدستور، بما يسمح بالحصول على خلفية قانونية لوقْف هذا المركز. هل يُشعركم هذا بالقلق؟
هانس يورغ شميد: أنا أدْرك أن هناك بعض المخاوف، ولكنّي لاحظت الكثير من التعاطُف مع المركز أيضاً. وقد أخبرني العديد من رجال السياسة وأساتذة الجامعات والمسلمين، بعد أحداث باريس، أننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لِدَمج الإسلام [داخل المُجتمع]. وينبغي علينا أن نُشارك في هذه العملية. وأعتقد أنه من المهِم والإنصاف مَنْح المسلمين فُرصة الحضور إلى الجامعة وبَحْث تقاليدِهم الدِّينية، تماماً كما يفعل الكاثوليك والبروتستانت أيضا.
swissinfo.ch: هناك مخاوِف أيضاً من إمكانية تولّي شخصيات غامضة، مهمّة التعليم في فريبورغ. ما هي المعايير المُحَدِّدة لعملية الاختِيار؟
هانس يورغ شميد: لقد قُمتُ بتنظيم عددٍ من المؤتمرات والبرامج الدراسية في مركز ألماني لمدّة إثني عشر عاماً، وكُنت أحرِص دائماً على هوية الشخص الذي يُمكن دعْوته. وبالنسبة لي، يمثل المؤهِّل العِلمي، المِعيار الرئيسي.
الجامعة ليست مُرْغَمة على دَعوة الوُعاظ. وعلى سبيل المثال، نحن على إتصال بكلية الدراسات الإسلامية في سراييفورابط خارجي، التي تتوفّر على خِبرة طويلة وقيّمة، يزيد من أهميَّتها حقيقة أن غالبية مسلمي سويسرا هُم من منطقة البلقان، وهُـم مطلعون على كيفية تنظيم الحياة في دولة عِلمانية.
ولكن ينبغي أيضاً مُراعاة تقديم شكلٍ من التنوّع. فكما يوجد علماء مسلمون تقدميون، يوجد المحافِظون أيضاً. ولا يُمكننا دعوة طرف واحد فقط، لأننا بحاجة إلى إدارة نقاشات في إطار علمي.
swissinfo.ch: أسلَـمة أوروبا، هل هي من وحْي الخيال؟
هانس يورغ شميد: يُوجد العديد من المسلمين في أوروبا، بَيْد أن هوياتهم متنوِّعة جداً. هناك من يُصلّي خمس مرّات في اليوم، وأولئك الذين يشربون الكحول… وعلى المدى الطويل، يتكيَّف معظم الأشخاص مع المجتمع الذي يعيشون فيه.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.