هل أوشك أحد أطول النزاعات في العالم على الانتهاء؟
تشارك سويسرا «كدولة مرافقة» في مفاوضات السلام بين كولومبيا وجيش التحرير الوطني (ELN)، ثاني مجموعة كولومبية متمردة إلى جانب القوات المسلحة الثورية الكولومبية (FARC). ما هي الفرص والصعوبات لوضع حد لنزاع مسلح مستمر منذ عدة عقود في هذا البلد المهم في أمريكا اللاتينية؟ تحليل جون بيير غونتار، الوسيط السويسري السابق.
SWI swissinfo.ch: ما هي أكبر التحديات في النزاع بين جيش التحرير الوطني والحكومة اليوم؟
جون بيير غونتار: جيش التحرير الوطني هو حركة تمرد فقيرة وأقل تنظيماً من القوات المسلحة الثورية الكولومبية، على الرغم من أنَّ بعض قادته موجودون في مناصبهم منذ فترة طويلة. وقد ازداد عدد مقاتليها بحسب بعض المصادر.
تعتمد حركة التمرد بشكل متزايد على الكوكايين، الذي ازدادت زراعته بكثرة بين عامي 2018 و2022. حيث يقوم الفلاحون في المناطق الحدودية والضواحي بزراعة مساحات متزايدة كما تمَّ استيراد أصناف جديدة ذات مردود مرتفع من بيرو.
علاوة على ذلك، هناك صعوبة في التنسيق بين مختلف جبهات جيش التحرير الوطني، التي لديها موارد غير متكافئة. وتخضع العلاقات الداخلية إلى رقابة تزداد فعاليتها شيئاً فشيئاً. ويجب على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار أنَّ قرارات القيادة المركزية لجيش التحرير الوطني بشأن المفاوضات يصعب اتخاذها ويحتاج تنفيذها إلى بعض الوقت.
المزيد
“عليك أن تقرأ ماركس جيدا قبل التفاوض مع مقاتلين كولومبيين”
والمجموعات شبه العسكرية؟
المجموعات شبه العسكرية حاضرة دائماً. فقد تمَّ دعمها أو على الأقل تمَّ التساهل معها من قبل بعض وحدات الجيش. وهذا الدعم هو عبارة عن غض الطرف عندما كان يأتي أشخاص على الأغلب أجانب عن المنطقة ويقتلون فيها أعضاء من حركتي التمرد، وقادة الحركات الاجتماعية وفلاحين.
في بعض الأماكن، ترى حاجزاً للجيش، وبعده بثلاثة أو أربعة كيلو مترات نقاط تفتيش للمجموعات شبه العسكرية، وبعد ذلك لا وجود لأي تفتيش: وفي هذه المناطق بالذات تمت عدة عمليات اغتيال ومجازر في السنوات الأخيرة.
ما هي مطالب مختلف الأطراف؟
مطالب الحكومة ليست دائماً واضحة. قال أحد السفراء ذات يوم أنه لا ينبغي أن يكون هناك وقف ثنائي لإطلاق النار، في حين أنَّ الرئيس متمسك جداً بذلك. ويبدو القادة العسكريين لجيش التحرير الوطني أقل اندفاعاً للتفاوض من مسؤوليهم. في البداية، كان من المقرر إجراء المفاوضات في يناير في المكسيك، ولكنها قد تتم في وقت لاحق في فنزويلا. من جهته، يمكن للرأي العام أن يرضى بوقف مؤقت لإطلاق النار من الجانبين.
هدف الرئيس غوستافو بيترو هو «السلام الشامل». وهو على عجلة من أمره، لأنه بخلاف الرئيسين أوريبي وسانتوس، ليست لديه سوى فترة أربع سنوات للولاية كما هو منصوص عليه في دستور 1991.
من الصعب تكهن ما سيحدث في الأسابيع القادمة مع الأربع مجموعات شبه العسكرية الأخرى التي بدأت المفاوضات: الفصيلين المنشقين عن القوات المسلحة الثورية الكولومبية “فارك” والمجموعتين المقربتين من المجموعات شبه العسكرية ومن “جولف كلان”. ما الذي يمكن للحكومة أن تقدمه لهذه المجموعات الأربع مقابل ليس وقف النار فحسب، وإنما مقابل نزاع سلاح فعلي؟
تاريخياً، فنزويلا هي التي دعمت بشكل رئيسي مفاوضات السلام مع قوات “فارك”. فماذا عن الدول المجاورة اليوم؟ هل لديهم مصلحة أم لا في دعم مفاوضات السلام؟
كوبا هي التي دعمت المفاوضات مع “فارك” بشكل خاص. فنزويلا منخرطة بشكل مباشر في المفاوضات مع جيش التحرير الوطني. منذ زمن بعيد، يتمركز جزء من قوات جيش التحرير الوطني في المناطق الحدودية، وغالباً ما يتواجدون حتى داخل الأراضي الفنزويلية. وقد أعادت الحكومة الكولومبية علاقاتها الدبلوماسية مع كاراكاس. كما أعد الرئيسان بيترو ومادورو خط اتصال مباشر وستجري المفاوضات الرسمية القادمة كالمفاوضات السابقة في أحد الفنادق في كاراكاس. حالياً، هناك قائمة من الدول «الضامنة» لعملية السلام والدول «المرافقة» لها.
من بين الدول الضامنة، لا نجد سوى دولة أوروبية واحدة، وهي النرويج، التي عملت معها سويسرا كثيراً خلال مفاوضات مختلفة مع جيش التحرير الوطني في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. الدول الأخرى جميعها من أمريكا اللاتينية: بالإضافة إلى كوبا وفنزويلا، هناك البرازيل وتشيلي والمكسيك. باستثناء كوبا، التي تعد جزيرة، البلدان الأخرى هي بلاد واسعة تحكمها حالياً حكومات يسارية (أو أقرب إلى اليسار) قريبة من حكومة الرئيس غوستافو بيترو.
القائمة الثانية تستند إلى مفهوم غامض بعض الشيء للدول «المرافقة». حيث تتضمن اسبانيا والسويد وألمانيا والولايات المتحدة وأخيراً سويسرا.
في هذا الإطار بالذات، ما الذي يمكن أن تقدمه سويسرا اليوم، أكثر من كل ما استطاعت تقديمه في الماضي؟
أول شيء، تمثل الاجتماعات العديدة بين الحكومة الكولومبية وجيش التحرير الوطني، التي جرت في سويسرا وفي كولومبيا وكذلك في كوبا مع سويسرا، رصيداً مهماً للنوايا الحسنة. وسبق أن عمل كل من القائدين الحاليين في جيش التحرير الوطني، بابلو بيلتران وأنطونيو غارسيا، عدة مرات مع سويسرا.
كما أنَّ بإمكان سويسرا أيضاً أن تتدخل في حال حدوث مشكلة كبيرة. على سبيل المثال، إذا توقعنا حدوث انقطاع في المفاوضات أو إذا خشينا أن يتم التغاضي عن نقطة في غاية الأهمية.
منذ السبعينيات، تلعب سويسرا دوراً مهماً في عملية السلام في كولومبيارابط خارجي.
فقد حرصت على تسهيل الحوار بين الحكومة والمتمردين في عدة مناسبات.
في الوقت الراهن، سويسرا مسؤولة عن مراقبة تنفيذ اتفاقيات السلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية، لا سيما فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، والتطورات التي حصلت حتى هذه اللحظة، والعدالة الانتقالية وحماية الناشطين في حقوق الانسان.
تشارك سويسرا كذلك، مع كل من إيطاليا وألمانيا وهولندا والسويد، في المفاوضات الجارية بين الحكومة الكولومبية والمجموعة المتمردة التقليدية الأخرى، جيش التحرير الوطني.
هل مشاركة سويسرا في مفاوضات السلام في كولومبيا هي بمحض إرادتها أم أنَّ الوضع هو الذي دفع برن إلى تبني هذا الموقف؟
جيش التحرير الوطني يعرف جيداً ما فعلناه حتى الآن وما يمكننا القيام به من جديد. كما أنَّ الحكومة الكولومبية تعرف جيداً هي الأخرى كيف كان موقفنا خلال العشرين سنة الماضية تجاه السلام المُفاوض عليه مع جيش التحرير الوطني. أمنيتنا أن تكون سويسرا قادرة من الآن فصاعداً على القيام بدورها «كضامنة» وليس فقط «كمرافقة».
حسب تجربتك، ما هي العوامل التي يجب أن تتوفر كي تخرج الأطراف المتنازعة من لهجة التصعيد وتتبنى لهجة السلام؟
يجب أن تكون هناك ضغوطات كبيرة من قبل سكان المناطق الحضرية والريفية، ومن قبل شخصيات اعتبارية دولية أيضاً.
كثيراً ما يرد اسم الفاتيكان عند الحديث عن هذه المفاوضات. ويمكن للبابا فرانسوا أن يلعب دوراً كبيراً. وهو مطلع تماماً على أدق التفاصيل. وله تأثير قوي على المجلس الأسقفي وعلى بعض الكاردينالات المنخرطين بشدة في الشؤون الكولومبية. ولا يزال للكنيسة الكاثوليكية تأثيراً على بعض الكوادر التقليدية لجيش التحرير الوطني.
فغالباً ما يتواصل السياسيون والمفكرون والفنانون والصحفيون الكولومبيون مع كوادر جيش التحرير الوطني وبالتالي، يمكنهم المساهمة في تسريع التوصل إلى وقف إطلاق نار ثنائي ومستدام.
خلال جلسة مفاوضات في كوبا، اقترح مسؤولون من جيش التحرير الوطني في لجنة أن يكون هناك ممثل عن الولايات المتحدة الأمريكية يشارك في بعض المفاوضات. إلا أنَّ المحضر الرسمي لهذا اللقاء لم يذكر شيئاً عن هذا الاقتراح.
وقد يكون إصدار بيان تشجيع للمفاوضين من قبل شخصيات مثل فرانسيا ماركيز وكاميلا هاريس بمثابة خبر سار جداً بالنسبة لمواصلة المحادثات. حيث تتمتع نائبة الرئيس الكولومبية ونظيرتها الأمريكية بشعبية كبيرة في كولومبيا.
هل هناك مؤشرات أخرى تدعو للتفاؤل؟
ريجيس دوبريه، وهو على دراية جيدة جداً بحرب العصابات في أمريكا اللاتينية، أكد مؤخراً أنَّ: «تشي جيفارا في بوليفيا، لم يكن يهتم بتضاريس الأماكن. بالنسبة لجيلنا، كانت الثورة شبه مستقلة عن الجغرافيا».
ولحسن الحظ، يبدو أن مفاوضي الحكومة وحرب العصابات لم يرتكبوا نفس الخطأ. لقد تمَّ بالفعل تحديد عدة مناطق على أنها خاصة جداً ويمكنها أن تخضع لقرارات من شأنها تخفيف العنف بشكل كبير وسريع.
أحد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربتي كـ «صانع سلام» هي ضرورة مرافقة كل اتفاقية، مهما كانت محدودة، بخارطة دقيقة ومتفق عليها بشكل قاطع من قبل المفاوضين والمقاتلين والسلطات المحلية.
هذا الأمر ليس مضيعة للوقت، ولا يقل أهمية عن طقوس التقاط صور النجاح العزيزة جداً على قلوب المفاوضين.
عانت كولومبيا على مدى أكثر من 50 عاماً من حرب أهلية دامية بين المتمردين اليساريين والمجموعات شبه العسكرية اليمينية وقوات الأمن الحكومية. لقد فقد أكثر من 450 ألف شخص حياتهم، وتشرد الملايين، وتم اختطاف الأطفال. كما يُقدر عدد المفقودين بحوالي 80 ألف كولومبي. في عام 2016، أبرمت الحكومة اتفاقية سلام مع متمردي اليسار من القوات المسلحة الثورية الكولومبية “فارك”رابط خارجي.
على الرغم من اتفاقية السلام مع متمردي “فارك”، فإنَّ كولومبيارابط خارجي هي باستمرار مسرح لأعمال العنفرابط خارجي السياسي.
بالموازاة مع عملية السلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية، استأنفت الحكومة الكولومبية محادثات السلام مع متمردي جيش التحرير الوطني.
تحرير: مارك لويتينيغّر
ترجمة: ميساء قطيفاني ـ خبية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.