هل سيحمل لنا عام 2021 نظاماً عالمياً جديداً؟
مع بدء شتاء كوفيد هذا العام، ينتابنا شعور بأنه سيكون طويلاً وبارداً وكئيباً؛ فالبلدان في جميع أنحاء أوروبا ستلجأ إلى الإغلاق التام، وقد تتبعها سويسرا، إذا استمرت حالات الإصابة بالفيروس في الارتفاع.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه السنة التي أحدثت زلزالاً على صعيد العالم، وهذا الاضطراب في حياتنا جميعاً والذي لم يكن ليخطر في بالنا، فإن العالم يمضي قدماً. عمليات شحن الطعام مستمرّة بالنسبة لمعظمنا حول العالم، وهي تزوّد محلات السوبر ماركت لدينا في الوقت المحدد. معظم القطارات تعمل؛ والأطفال في المدرسة، غالباً.
هناك أيضاً استمرارية لأوضاع أخرى أقل إيجابية؛ الحرب في سوريا واليمن، والجفاف المرتبط بتغيّر المناخ، والمجاعة المحتملة في منطقة الساحل الإفريقي، وأزمات اللاجئين الناجمة عن الصراع وعدم الاستقرار من فنزويلا إلى إثيوبيا.
ومن المؤكد أنه يوماً بعد يوم، لا تنفك الأمم المتحدة تطلق نداءها الإنساني كما في كل عام، وتقرع الطبول لجمع المساعدات المالية من أجل دعم عمليات الإغاثة للأشهر الاثني عشر القادمة. وحول هذا الموضوع، كتب زميلي دانيال فارنر مقالاً مثيراً للاهتمام، باحثاً في المعضلة التي تواجه عادةً الحكومات المانحة حسنة النية التي تعاني اليوم لدفع تكاليفها الضخمة للتخفيف من تبعات كوفيد-19. كيف ستتمكن هذه الدول من تسديد فاتورة الأمم المتحدة القياسية والبالغة 35 مليار دولار (31 مليار فرنك سويسري)؟ وقد قرر البعض منها، ولا سيما المملكة المتحدة، عدم التبرع بمبالغ كبيرة.
يلقي أحدث بودكاست من “داخل جنيف” (انقر على الرابط للاستماع إليه بالانجليزية) الضوء على هذا الموضوع أيضاً. لكن ضيوفنا، رين بولسن من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وجولي بيلود، الأستاذة المشاركة في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع في معهد الدراسات العليا بجنيف، ودانييل فارنر نفسه، يتخذون نهجاً يستند كثيراً إلى الجذور والفروع.
الترنّح من أزمة إلى أخرى
لقد طرحنا سؤالاً رئيسياً: هل تجري مقاربتنا للمساعدات الإنسانية فعلياً بالطريقة الصحيحة؟ مما لا شك فيه أن هذه المسألة تمت مناقشتها لعقود من الزمن، وهي مسألة غالباً ما تبقى ماثلةً أمام الوكالات الإنسانية.
لكن جولي بيلود تغوص في أعماق المسألة. وتقترح أن تبقى جميع الحكومات، بما في ذلك تلك الموجودة في الدول المانحة، في “حالة طوارئ”، لتتمكن من التفاعل مع الأزمات عند حدوثها. ولكنها أيضاً تشير إلى أن “هذا يعني أن الأمور في العادة تجري على ما يرام، ولكن في بعض الأحيان يُمكن أن تسوء”. ترى جولي المسألة من وجهة مختلفة؛ فالنظام العالمي لم يعد مناسباً على أرض الواقع، ولا سيما لجهة هذا التباين الهائل في الثروات بين الشمال والجنوب، وبالتالي هناك إمكانية لأزمات حتمية.
هناك الكثير من العاملين في الأمم المتحدة ممن قد يوافقون على هذا التقييم. لكن هناك قلة قليلة ممن يعتقدون بوجود متسع من الوقت لتغيير النظام العالمي بحيث يقوم بتلبية الحاجات الملحّة من المساعدات الانسانية لمائتين وخمسة وثلاثين (235) مليون شخص في عام 2021.
ويحدد رين بولسن بعض التطورات الإيجابية التي طرأت حديثاً على العمل الإنساني؛ ففي الصومال، على سبيل المثال، تبنت الأمم المتحدة استراتيجية “الاستجابة الاستباقية”. فمع تنبؤات بإمكانية حدوث فيضانات وغزو الجراد، استجابت الأمم المتحدة لدعم المجتمعات المحلية، و “تم دعم ما يقرب من مليون ونصف شخص قبل اندلاع الأزمة” على حد قوله. وبدلاً من الانتظار حتى تتعطل الحياة وسبل العيش تماماً، تمت مساعدة العائلات استباقيّاً للتغلب على الأزمة. هذه الاستراتيجية خففت من وطأة الكوارث، وكانت أكثر فعالية من حيث التكلفة بالنسبة للأمم المتحدة. إنها استراتيجية تأمل وكالات المساعدة في اللجوء إليها في كثير من الأحيان.
إعادة البناء بشكل أفضل
أثناء العمل على هذا البودكاست (وآمل أن تستمعوا إلى مناقشتنا الرائعة)، استحضرتني عبارة سمعتها مراراً وتكراراً هذا العام: “إعادة البناء بشكل أفضل”. فمن الأمين العام للأمم المتحدة في خطاباته التحفيزية إلى الدول الأعضاء، وحتى من أصدقائي حين نجتمع على فنجان من القهوة، هناك دعوات للاستفادة من هذه الأزمة الوبائية من أجل خلق عالم يقوم على أسس أفضل لنا جميعاً.
إذن، ماذا يعنى هذا بالتحديد؟ في بودكاست سابق عن مسار الحياة بعد الوباء، ألمحت أخصائية الصحة العالمية إيلونا كيكوش إلى أن التغيير الجذري يحدث بالفعل. “نحن نتحدث باستمرار عن عودة الحياة إلى طبيعتها، يجب أن نتوقف عن التفكير بهذه الطريقة. إن مجتمعاتنا والطريقة التي نعيش بها واقتصاداتنا تتم إعادة هيكلتها من حيث لا ندري”، على حد قولها.
بالعودة إلى أبريل الماضي، أخبرني فينه كيم نغوين، الطبيب في منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية ونائب مدير مركز الصحة العالمية التابع لمعهد جنيف للدراسات العليا، أن الوباء سيتطلب منا “شجاعة في تصور المستقبل”، وحذرنا من أنه يجب علينا الاستعداد للعيش في “وضع طبيعي جديد”.
لذلك ربما، على الرغم من أن الكثيرين منا يتوقون إلى استعادة مسار حياتهم كما كان، يجب أن نفكر حثيثاً في شيء مختلف. ربما كانت جولي بيلود على حق، في قولها إن نظامنا العالمي لا يعمل ولم يعد مناسباً. إن الوباء وعواقبه ليست صاعقة من صواعق الجن الأزرق لا يُمكن لأحد أن يستعد لها، ولكنها علامة على أن أسلوب حياتنا غير منسجم. بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني، كما حتماً بالنسبة لملايين الأشخاص على كوكبنا، هناك دليل فعلي على هذا الأمر، سواء أكان في الضرر الناجم عن تغير المناخ، أم في النزاعات التي طال أمدها والتي لا يبدو أن أحداً على استعداد لإيجاد الحلول لها.
في عام 2021، سيتعيّن علينا مواجهة التكلفة الاقتصادية للوباء. هل سنتراجع أكثر نحو النزعة القومية لكل بلد، ونهدم جسور التعاون المالية فيما بيننا، بحيث يكون جلّ همنا فقط رفاهيتنا الذاتية المباشرة؟ أم أننا سننتهز الفرصة ونظهر الشجاعة في تصور مستقبل أفضل؟ حبّذا لو يمنحنا جميعاً، موسم الأعياد الهادئ الذي طال انتظاره وقفة مع الذات للتفكير في الأمر.
المزيد
أزمة المساعدات: أموال الدول ستذهب إلى مواطنيها
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.