هل يتوجّب إنقاذ ذهب السويسريين؟
يتطلّع اليمين المحافظ، من خلال مبادرة شعبية، إلى إجبار البنك الوطني السويسري على الاحتفاظ بما لا يقل عن 20٪ من أصوله على شكل ذهب، وأن يتوقّـف عن بيع احتياطاته من المعدن الأصفر. بينما يرى المعارضون، بأن هذا الاقتراح سيُـقيِّـد السياسة النقدية في البلاد وسيؤثِّـر على الاقتصاد بأكمله.
عند سماع عِبارة “إنقاذ ذهب سويسرا”، قد يتبادر إلى الذِّهن بأنها إسم لفيلم من نسج الخيال، ولكنها في الحقيقة، عنوانٌ لمبادرة شعبية ستُعرض للتصويت في يوم 30 نوفمبر 2014. والسؤال الذي يطرح نفسه، إنقاذ ذهب سويسرا ممَّـن؟ من عصابة إجرامية أم جماعة إرهابية؟ وِفقا لأصحاب المبادرة، من أصحاب القرار في البنك الوطني السويسري، الذين باعوا ما بين عامي 2000 و2008 أكثر من نصف الاحتياطي الوطني من الذهب.
عمليات البيع هذه، تمّت إثر تراجُـع أسعار الذهب خلال فترة التسعينات، وحيث ساد الاعتقاد بأن المعدن الأصفر، الذي لم تظهر عليه أية بوادر انتِعاش، قد فقد وظيفته كملاذ آمِن، عندها قرّرت العديد من الدول التخلّص من بعض ما لديها من احتياطي الذهب، سعيا إلى استثمار موجودات مصارفها المركزية في تحقيق ربحية أكبر، أو في التخفيف من أعباء الميزانية العامة. ونفس الحال حصل في سويسرا، حيث كان لدى البنك المركزي السويسري رابط خارجي2590 طُـنا من احتياطي الذهب، وكانت سويسرا تحتلّ المركز الخامس من بين أكبر احتياطيات الذهب في العالم.
وبناءً عليه، قام البنك المركزي السويسري ببيع كمية أولى من الذهب، بلغت 1300 طن خلال الفترة بين عامي 2000 و2005، ذهب ثلثا عائداتها إلى الكانتونات والثلث الآخر إلى الحكومة الفدرالية، ثم قام في الفترة بين عامي 2007 و2008 ببيع 250 طنا إضافيا، استخدم إيراداتها في دعم ما لديه من احتياط النقد الأجنبي.
ثروة وطنية
الخطأ الأكبر، بحسب لوتسي ستام، نائب حزب الشعب السويسريرابط خارجي (يمين شعبوي) وأحد ثلاثة من ممثلي المبادرة عن الحزب، يكمُـن في أن “الذهب أثبت مرة أخرى، من خلال الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة، بأنه أصلب عودا من العملات الدولية، مثل اليورو والدولار، وعلَّـمنا التاريخ بأن العُملات قد تفقد قيمتها في وقت قصير، بل قد تختفي أيضا، بينما يُـمثِّـل الذهب واحدا من الأصول المادية التي تحتفظ بقيمتها، حتى لو بعد قرنين أو ثلاثة قرون”.
“علاوة على ما سبق، باع البنك المركزي السويسري 1300 طُـنا من الذهب في أسوإ الأوقات، أي عندما كانت الأسعار أقل ثلاث مرات عمّا وصلت إليه في السنوات الأخيرة، وهذا يدل على أن مسؤولي البنك المركزي السويسري، من الممكن أن يرتكِـبوا أخطاء جسيمة”، على حدِّ قول لوتسي ستام، الذي يعتبر بأن: “احتياطيات الذهب في سويسرا هي ثروة وطنية، تراكمت على مدى عقود من جيل إلى جيل، فلا يجُوز أن تُـهدَر بهذه الطريقة، ومن دون الرجوع إلى الشعب”.
ولذلك، يريد ممثلو حزب الشعب الثلاثة، بواسطة مبادرتهم التي قاموا بإيداعها في عام 2013، فرْض ثلاث قوانين جديدة على البنك المركزي السويسري، بحيث لا يُمكنه مستقبلا بيع ولا حتى سبيكة واحدة من احتياطي الذهب، وعلى العكس، عليه أن يقوم خلال السنوات القليلة المقبلة بشراء كميات كبيرة من الذهب، بحيث يُحقِّـق مطلب المبادرة القاضي بأن لا تقِل احتياطيات الذهب عن نسبة 20٪ من أصول البنك المركزي السويسري (النسبة الحالية هي 7,6٪)، وعليه أن يقوم بالاحتفاظ بكامل مخزونه من المعدن الأصفر في سويسرا، بينما الحاصل منذ زمن، أن 20٪ من احتياطي الذهب السويسري موجود في بريطانيا و10٪ منه في كندا.
المبادرة الخاصة بالذهب
أطلقها ثلاثة ممثلين عن حزب الشعب السويسري، وهُم النائبان لوتسي ستام ولوكاس رايمان والنائب السابق أولريخ شلوير، وتحمل عنوان “أنقذوا ذهب سويسرا” (مبادرة الذهب)، وقد تم إيداعها لدى المستشارية الفدرالية في عام 2013.
وِفقا لنصوص المبادرة، ينبغي وقْف بيْع احتياطيات البنك المركزي السويسري من الذهب. وفي غضون خمس سنوات، ينبغي أن لا تقِل نسبة احتياطي البنك الوطني السويسري من الذهب عن 20٪ من أصوله، ويتعيّن الاحتفاظ به في سويسرا بالكامل.
حاليا، يبلغ إجمالي احتياطيات البنك الوطني نحوا من 500 مليار فرنك، ولكي يستطيع تلبية ما تُطالب به المبادرة، ينبغي على البنك المركزي الاحتفاظ بما لا يقل عن 100 مليار فرنك على شكل ذهب، وهذا معناه، أن عليه، بحسب المخزون الحالي، شراء سبائِك ذهب بما يُعادل 65 مليار فرنك تقريبا.
احتياطي كافٍ
لم تلقَ المبادرة ترحيبا من طرف الحكومة، التي دعت الشعب إلى رفضها. وأشارت وزيرة المالية إيفلين فيدمر – شلومبف إلى أن البنك المركزي السويسري لا يزال لديه 1040 طُـنا من الذهب وأن هذا احتياط كافٍ وهو من بين أعلى المعدّلات عالميا. غير أن أصحاب المبادرة يبالغون في اعتبارهم لأهمية الذهب، الذي هو من الأصول المتقلِّبة والمحفوفة بالمخاطر، ولقد فقَـد ما يقرب من 30٪ من قيمته في عام 2013 فقط، كما أنه غير مُنتج وغير قابِل للاستثمار.
وفي رأي الحكومة، أن المبادرة تحدّ من الاستقلالية ومن القُدرة التشغيلية للبنك المركزي، الذي يقوم بإدارة السياسة النقدية، وِفقا لما تقتضيه المصلحة العامة للبلاد، وبالاستفادة من جُملة معطيات، منها على وجه الخصوص، ضمان استقرار الأسعار، فضلا عن تعزيز التنمية الاقتصادية والحِفاظ على الثقة بالفرنك السويسري. ثم إن الذهب لم يعُد منذ عهد طويل، يشغل دورا رئيسيا في الاستقرار النقدي.
وفي حال ما اضطَر المصرف المركزي لاقتناء نسبة 20٪ من الذهب، فلن تكون لديه فرصة كافية للتحرّك والمناورة في السوق، كما أنه لن يتمكَّـن من اتِّـخاذ التدابير التي سبق وأن لجأ إليها في عام 2011 لمنع الارتفاع المُفرط لسِعر الفرنك السويسري في مقابل اليورو، وحافظ بذلك على القُدرة التنافُسية للصادرات السويسرية.
وفي نفس الوقت، دافعت الحكومة عن قرار البنك المركزي السويسري، بالاحتفاظ بنسبة 30٪ من المخزون الوطني للذهب خارج البلاد، مُعتبرة بأن مثل هذا التنوّع الجغرافي، يُـيَـسِّـر للمصرف المركزي في حال الأزمات، أن يكون جُزءً من احتياطيه في أكثر من مكان وأن يبيعه في الأسواق الأخرى.
احتياطي الذهب
في عام 1999، عمد البرلمان إلى فكّ ارتباط الفرنك بالذهب، ممّا أعفى البنك المركزي من ضمان تغطية الفرنك بالذهب.
بعد هذا القرار، وبين عامي 2000 و2008، باع المصرف الوطني السويسري 1300 طنا من الذهب بمتوسّط سِعر 15604 فرنكا للكيلوغرام الواحد، و250 طُنا بمتوسط سِعر 27000 فرنك للكيلو الواحد.
في عام 2012، ارتفع سِعر كيلو الذهب إلى 53700 فرنك، ومنذ عام 2013، أخذت أسعار المعدن الأصفر تتراجع إلى أن وصلت إلى 33900 فرنك للكيلوغرام الواحد. واليوم، يتراوح سِعر الذهب ما بين 36000 و38000 فرنك للكيلوغرام.
منذ عام 2008، يتوفَّـر لدى البنك الوطني السويسري 1040 طنا من الذهب. فهو بذلك يحتل المركز السابِع بعد الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والصين وروسيا على الترتيب، ضمن قائمة الدول التي تمتلك أكبر احتياطي ذهب على مستوى العالم، ولا توجد نية لدى البنك المركزي السويسري لبيع كميات إضافية.
ضغوط خارجية
يرفُض أصحاب المبادرة من جانبهم، طرح الحكومة وفي السنوات الأخيرة، صوب سياسيي حزب الشعب سِهام النقد إلى السياسة المالية للبنك المركزي السويسري، خاصة ما يتعلّق بشرائه كميات ضخمة من اليورو، في مسعىً لدعم صرف العُملة الأوروبية مقابِل الفرنك السويسري، بحيث لا يتدنّى سعر صرفِها إلى ما دون 1,20 فرنك، هذه التدخّلات – برأيهم – كلّفت خزينة البنك الوطني، في عام 2012 مليارات الدولارات.
“ليست مبادرتنا هي التي تمسّ باستقلالية البنك المركزي السويسري، بل الضغوط الخارجية هي التي تُـهدِّد هذه الاستقلالية. وخلال الأزمة في السنوات الأخيرة، اضطر البنك المركزي السويسري لطِباعة مئات المليارات من الفرنك لشراء اليورو والدولار، التي ليست لها قيمة في الحقيقية”، وِفق ما قال لوتسي ستام. وأضاف بأنه، لو قام بتوظيف هذه الأموال لشراء الذهب، الذي له قيمة حقيقية، لكان أولى وأكثر إعزازا لمكانته في الخارج.
وبالنسبة للنائب من حزب الشعب السويسري، أن ثمَّة مخاطرة في ترْك جزء من احتياطي البنك الوطني من الذهب في أيْدي أجنبية: “ليس من المعقول الزَّعم بأن وضْع الذهب في الخارج هو أكثر أمانا، ولا يمكن لأحد أن يصدِّق حقيقة، بأن سويسرا ستتمكّن من استعادة ذهبها بسهولة في حال ما وقعت أزمة كبيرة، وها نحن ذا نرى اليوم كيف أن أصدقاءنا وجيراننا والولايات المتحدة، يعملون على إضعاف المركز المالي لسويسرا”.
تناقُـض
وجدير بالذكر، أن المبادرة قد تمّ رفضها أيضا من قِبل الغالبية العُظمى من أعضاء البرلمانرابط خارجي، كما أنها لم تحصُل في مجلس الكانتونات، ولو على صوت واحد. وبشكل خاص، انتقد كثير من النواب الإلزام بالاحتفاظ بنسبة 20٪ من احتياطي الذهب وعدم بيعها، ممّا يعني أن البنك المركزي السويسري سيتعامل بما لا يزيد عن 80٪ فقط ممّا لديه من أصول.
“هذه المبادرة متناقِضة في كثير من جوانبها. فمن ناحية، يعتبر أنصارها بأن الذهب ملاذٌ آمنٌ يوفِّـر الأمان وقت الأزمات، ومن ناحية أخرى، هم يريدون فرْض حظرٍ عام على بيْع احتياطي الذهب، وهذا يعني بأن الذهب لا يمكن أن يُستخدَم حتى في حالة حدوث أزمات، وبالتالي، لا فائدة منه”، وِفق ما ذكر دومينيك دو بومان.
وبحسب النائب عن الحزب الديمقراطي المسيحي: “سيكون البنك الوطني السويسريرابط خارجي، من الناحية العملية، مضطرّا إلى تكديس الاحتياطيات الضخمة من الذهب دون مسِّها، وهذا يُقلّل عوائده بشكل عام، ويُقلِّل بالتالي، الأرباح التي يرصدها في حسابات الحكومة الفدرالية والكانتونات”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.